[ ص: 622 ] ثم دخلت سنة ثلاث وثمانين ومائة
فيها أرمينية ، فعاثوا في تلك البلاد فسادا ، وسبوا من المسلمين وأهل الذمة نحوا من مائة ألف ، وقتلوا بشرا كثيرا ، وانهزم نائب خرجت الخزر على الناس من ثلمة أرمينية سعيد بن مسلم ، فأرسل الرشيد إليهم خزيمة بن خازم ويزيد بن مزيد في جيوش كثيفة ، إلى تلك البلاد فأصلحوا ما وقع فيها من العيث والفساد . وحج بالناس العباس بن موسى الهادي .
وفيها علي بن الفضيل بن عياض في حياة أبيه ، وكان كثير العبادة والورع والخوف . توفي من الأعيان
ومحمد بن صبيح أبو العباس ، مولى بني عجل ، المذكر . ويعرف بابن السماك . روى عن إسماعيل بن أبي خالد والأعمش والثوري وغيرهم . وهشام بن عروة
[ ص: 623 ] ودخل يوما على الرشيد ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إن لك بين يدي الله موقفا ، فانظر أين منصرفك; إلى الجنة أم إلى النار؟ فبكى الرشيد حتى كاد يموت .
بن أبي طالب ، أبو الحسن الهاشمي ، ويقال له : الكاظم وموسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي . ولد سنة ثمان أو تسع وعشرين ومائة ، وكان كثير العبادة والمروءة ، إذا بلغه عن أحد أنه يؤذيه أرسل إليه بالتحف والذهب ، ولد له من الذكور والإناث أربعون نسمة . وأهدى له مرة عبد عصيدة فاشتراه واشترى المزرعة التي هو فيها بألف دينار ، وأعتقه ، ووهبها له .
وقد استدعاه المهدي إلى بغداد فحبسه ، فلما كان في بعض الليالي رأى المهدي علي بن أبي طالب وهو يقول له : يا محمد فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم [ محمد : 22 ] . فاستيقظ مذعورا ، وأمر به فأخرج من السجن ليلا ، فأجلسه معه ، وعانقه وأقبل عليه ، وأخذ عليه العهد أن لا يخرج عليه ، ولا على أحد من أولاده ، فقال : والله ما هذا من شأني . فقال : صدقت . وأمر له بثلاثة آلاف دينار ، وأمر به فرد إلى المدينة ، فما أصبح الصباح إلا وهو على الطريق ، فلم يزل بالمدينة حتى كانت خلافة الرشيد فحج ، فلما دخل ليسلم على قبر النبي صلى الله عليه وسلم ومعه موسى بن جعفر ، فقال الرشيد : السلام عليك يا رسول الله يا ابن عم . فقال موسى : السلام عليك [ ص: 624 ] يا أبه . فقال الرشيد : هذا هو الفخر يا أبا الحسن . ثم لم يزل ذلك في نفسه حتى استدعاه في سنة تسع وسبعين ، وسجنه فأطال سجنه ، فكتب إليه موسى رسالة يقول فيها : أما بعد ، يا أمير المؤمنين ، إنه لن ينقضي عني يوم من البلاء إلا انقضى عنك يوم من الرخاء ، حتى يفضي بنا ذلك إلى يوم يخسر فيه المبطلون . توفي لخمس بقين من رجب من هذه السنة ببغداد ، وقبره هناك مشهور .
أبو معاوية السلمي الواسطي ، هشيم بن بشير بن أبي خازم القاسم بن دينار ، كان أبوه طباخا ثم كان بعد ذلك يبيع الصحناة والكوامخ ، وكان يمنع ابنه من طلب العلم ليساعده على صناعته ، فيأبى إلا أن يسمع الحديث . فاتفق أن للحجاج بن يوسف الثقفي ، هشيما مرض ، فجاءه أبو شيبة قاضي واسط ليعوده ، ومعه خلق من الناس ، فلما رآه بشير فرح بذلك وقال له : يا بني ، أبلغ من أمرك أن جاء القاضي إلى منزلي؟! لا أمنعك بعد هذا اليوم من طلب الحديث .
كان من سادات العلماء ، حدث عنه; مالك ، وشعبة ، والثوري ، وخلق سواهم ، وكان من الصلحاء العباد . مكث يصلي [ ص: 625 ] الصبح بوضوء العشاء قبل أن يموت عشر سنين . وأحمد بن حنبل ،
يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، قاضي المدائن كان من الأئمة الثقات .
يونس بن حبيب ، أحد النحاة النجباء ، وقد أخذ عن وغيره ، وأخذ عنه أبي عمرو بن العلاء الكسائي والفراء ، وقد كانت له حلقة بالبصرة ينتابها أهل العلم والأدب والفصحاء من الحاضرين والعرب . توفي في هذه السنة عن ثمان وتسعين سنة .