[ ص: 257 ] مروان الحمار صفة مقتل
لما انهزم مروان من المعركة سار لا يلوي على أحد ، فأقام عبد الله بن علي في مكان المعركة سبعة أيام ، ثم سار في طلبه بمن معه من الجنود ، وذلك عن أمر السفاح له بذلك ، فلما مر مروان بحران اجتاز بها ، وأخرج أبا محمد السفياني من سجنه ، واستخلف عليها أبان بن يزيد وهو ابن أخيه وزوج ابنته أم عثمان ، فلما قدم عبد الله بن علي حران خرج إليه أبان بن يزيد مسودا ، فأمنه عبد الله بن علي وأقره على عمله ، وهدم الدار التي سجن فيها إبراهيم بن محمد الإمام واجتاز مروان بقنسرين قاصدا إلى حمص ، فلما جاءها خرج إليه أهلها بالأسواق ، فأقام بها يومين أو ثلاثة ، ثم شخص منها ، فلما رأوا قلة من معه اتبعوه ; طمعا فيه ، وقالوا : مرعوب منهزم . فأدركوه بواد عند حمص ، فأكمن لهم أميرين ، فلما تلاحقوا بمروان عطف عليهم ، فناشدهم أن يرجعوا ، فأبوا إلا مقاتلته ، فثار القتال بينهم ، وثار الكمينان من ورائهم ، فانهزم الحمصيون ، وجاء مروان إلى دمشق وعلى نيابتها من جهته زوج ابنته أم الوليد ، وهو الوليد بن معاوية بن مروان ، فتركه بها ، واجتاز عنها قاصدا إلى الديار المصرية ، وجعل عبد الله بن علي لا يمر ببلد إلا خرجوا وقد سودوا ، فيبايعونه ويعطيهم الأمان ، ولما وصل إلى قنسرين وصل إليه أخوه عبد الصمد بن علي [ ص: 258 ] في أربعة آلاف ، وقد بعثهم السفاح مددا له ، ثم سار عبد الله حتى أتى حمص ، ثم سار منها إلى بعلبك ، وجاء دمشق من ناحية المزة فنزل بها يومين ، ثم جاءه أخوه صالح بن علي في ثمانية آلاف مددا من السفاح فنزل صالح بمرج عذراء ، ولما جاء عبد الله بن علي دمشق نزل على الباب الشرقي ، ونزل صالح بن علي على باب الجابية ، ونزل أبو عون على باب كيسان ، وبسام على باب الصغير وحميد بن قحطبة على باب توما ، وعبد الصمد ، ويحيى بن صفوان ، والعباس بن يزيد على باب الفراديس فحاصروها أياما ، ثم افتتحها يوم الأربعاء لعشر خلون من رمضان هذه السنة ، فقتل من أهلها خلقا كثيرا ، وأباحها ثلاث ساعات ، وهدم سورها ، ويقال : إن أهلها لما حاصرهم عبد الله بن علي اختلفوا فيما بينهم ، ما بين عباسي وأموي ، حتى اقتتلوا ، فقتل بعضهم بعضا ، وقتلوا نائبهم ، ثم سلموا البلد ، وكان أول من صعد السور من ناحية الباب الشرقي رجل يقال له : عبد الله الطائي . ومن ناحية الباب الصغير بسام بن إبراهيم ، ثم أبيحت دمشق ثلاث ساعات حتى قيل : إنه قتل بها في هذه المدة نحوا من خمسين ألفا .
وذكر في ترجمة الحافظ ابن عساكر عبيد الله بن الحسن الأعرج من ولد وكان أميرا على خمسة آلاف مع جعفر بن أبي طالب عبد الله بن علي في حصار دمشق ، أنهم أقاموا محاصريها خمسة أشهر ، وقيل : مائة يوم . وقيل : شهرا ونصفا . وأن البلد كان قد حصنه نائب مروان تحصينا [ ص: 259 ] عظيما ، ولكن اختلف أهلها فيما بينهم بسبب اليمانية والمضرية ، وكان ذلك سبب الفتح ، حتى إنهم جعلوا في كل مسجد محرابين للقبلتين ، حتى في المسجد الجامع منبرين وإمامين يخطبان يوم الجمعة على المنبرين ، وهذا من عجيب ما وقع ، وغريب ما اتفق ، وفظيع ما أحدث بسبب الفتنة والهوى والعصبية ، نسأل الله السلامة والعافية . وقد بسط ذلك الحافظ في الترجمة المذكورة .
وذكر في ترجمة محمد بن سليمان بن عبد الله النوفلي قال : كنت مع عبد الله بن علي أول ما دخل دمشق ، دخلها بالسيف ثلاث ساعات من النهار ، وجعل مسجد جامعها سبعين يوما إصطبلا لدوابه وجماله ، ثم نبش قبور بني أمية فلم يجد في قبر معاوية إلا خيطا أسود مثل الهباء ، ونبش قبر عبد الملك بن مروان فوجد جمجمة ، وكان يوجد في القبر العضو بعد العضو ، غير هشام بن عبد الملك ، فإنه وجده صحيحا لم يبل منه غير أرنبة أنفه ، فضربه بالسياط وهو ميت ، وصلبه أياما ، ثم أحرقه بالنار ، ودق رماده ، ثم ذراه في الريح ، وذلك أن هشاما كان قد ضرب أخاه محمد بن علي - حين كان قد اتهمه بقتل ولد له صغير - سبعمائة سوط ، ثم نفاه إلى الحميمة بالبلقاء . قال : ثم تتبع عبد الله بن علي بني أمية من أولاد الخلفاء وغيرهم ، فقتل منهم في يوم واحد اثنين وتسعين نفسا عند نهر بالرملة وبسط عليهم الأنطاع ، ومد عليهم سماطا ، [ ص: 260 ] فأكل وهم يختلجون تحته ، وأرسل امرأة هشام بن عبد الملك وهي عبدة بنت عبد الله بن يزيد بن معاوية صاحبة الخال ، مع نفر من الخراسانية إلى البرية ماشية حافية حاسرة ، فما زالوا يزنون بها ، ثم قتلوها .
وقد استدعى بالأوزاعي فأوقف بين يديه ، فقال له : يا أبا عمرو ما تقول في هذا الذي صنعنا ؟ قال له : لا أدري ، غير أنه قد حدثني يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن محمد بن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما الأعمال بالنيات فذكر الحديث . قال الأوزاعي : وانتظرت رأسي يسقط بين رجلي ، ثم أخرجت ، وبعث إلي بمائة دينار .
وأقام بها عبد الله بن علي خمسة عشر يوما ثم سار وراء مروان فنزل على نهر الكسوة ، ووجه يحيى بن جعفر الهاشمي نائبا على دمشق ، ثم ارتحل إلى الأردن فأتوه وقد سودوا ، ثم سار إلى بيسان ، ثم سار فنزل مرج الروم ثم أتى نهر أبي فطرس ، فوجد مروان قد هرب فدخل الديار المصرية ، وجاءه كتاب [ ص: 261 ] السفاح أن وجه صالح بن علي في طلب مروان ويقيم هو بالشام نائبا عليها ، فسار صالح في طلب مروان في ذي القعدة من هذه السنة ، ومعه أبو عون ، وعامر بن إسماعيل فنزل على ساحل البحر ، وجمع ما هناك من السفن ، وبلغه أن مروان قد نزل الفرما ، فجعل يسير على الساحل والسفن تقاد معه في البحر حتى أتى العريش ثم سار حتى نزل على النيل ثم سار إلى الصعيد ، فعبر مروان النيل ، وقطع الجسر وحرق ما حوله من العلف والطعام ، ومضى صالح في طلبه ، فالتقى بخيل لمروان فهزمهم ، ثم جعل كلما التقوا مع خيل لمروان يهزمونهم ، حتى سألوا بعض من أسروا عن مروان فدلوهم عليه ، وإذا به في كنيسة بوصير ، فوافوه من آخر الليل ، فانهزم من معه من الجند ، وخرج إليهم مروان في نفر يسير ، فأحاطوا به حتى قتلوه ; طعنه رجل من أهل البصرة يقال له : مغود . ولا يعرفه ، حتى قال رجل : صرع أمير المؤمنين . فابتدر إليه رجل من أهل الكوفة كان يبيع الرمان ، فاحتز رأسه ، فبعث به عامر بن إسماعيل أمير هذه السرية إلى أبي عون فبعث به أبو عون إلى صالح بن علي فبعث به صالح مع رجل يقال له : خزيمة بن يزيد بن هانئ . كان على شرطته ، إلى أمير المؤمنين السفاح .
وكان مروان يوم الأحد لثلاث بقين من ذي الحجة ، وقيل : يوم الخميس لست بقين منها سنة ثنتين وثلاثين ومائة ، فكانت خلافته خمس [ ص: 262 ] سنين وعشرة أشهر وعشرة أيام ، على المشهور ، واختلفوا في سنه يوم قتل ; فقيل : أربعون سنة . وقيل : ست - وقيل : ثمان - وخمسون سنة . وقيل : ستون . وقيل : اثنتان - وقيل : ثلاث . وقيل : تسع - وستون سنة . وقيل : ثمانون . والله أعلم . مقتل
ثم إن صالح بن علي سار إلى الشام ، واستخلف على مصر أبا عون بن يزيد .