[ ص: 477 ] ثم دخلت سنة تسع وخمسين ومائة 
استهلت هذه السنة وخليفة الناس أبو عبد الله المهدي ابن أبي جعفر المنصور ،  فبعث في أولها العباس بن محمد  إلى بلاد الروم  في جيش كثيف ،  وركب معهم مشيعا لهم ، فساروا إليها ، فافتتحوا مدينة عظيمة للروم  ومطمورة ، وغنموا غنائم كثيرة ، ورجعوا سالمين ، لم يفقد من المسلمين أحد . 
وفيها توفي حميد بن قحطبة  نائب خراسان  ، فولى المهدي  مكانه أبا عون عبد الملك بن يزيد ،   وولى حمزة بن مالك  سجستان  ، وولى جبرئيل بن يحيى  سمرقند    . 
وفيها بنى المهدي  مسجد الرصافة  وخندقها    . 
وفيها جهز المهدي  جيشا كثيفا إلى بلاد الهند ،   فوصلوا إليها في السنة الآتية ، وكان من أمرهم ما سنذكره . 
وفيها توفي نائب السند  معبد بن الخليل ،  فولى المهدي  مكانه روح بن حاتم   بمشورة وزيره أبي عبيد الله    . 
وفيها أطلق المهدي  من كان في السجون إلا من كان محبوسا على   [ ص: 478 ] دم ،  أو ممن يسعى في الأرض فسادا ، أو عنده حق لأحد ، فكان من جملة من أخرج من المطبق يعقوب بن داود مولى بني سليم ،   والحسن بن إبراهيم بن عبد الله بن حسن ،  وأمر الخليفة بصيرورة الحسن بن إبراهيم  إلى نصير الخادم  ليحترز عليه . 
وكان الحسن  قد عزم على الهرب من السجن قبل خروجه منه ، فلما خرج يعقوب بن داود  من السجن ، ناصح الخليفة بما كان عزم عليه الحسن بن إبراهيم ،  فنقله الخليفة من السجن ، وأودعه عند نصير الخادم  ليحتاط عليه ، وحظي يعقوب بن داود  عند المهدي  جدا حتى صار يدخل عليه في الليل بلا استئذان ، وجعله الخليفة على أمور كثيرة فوضها إليه ، وأطلق له مائة ألف درهم ، وما زال عنده كذلك حتى تمكن المهدي  من الحسن بن إبراهيم ،  فسقطت منزلة يعقوب  عند المهدي    . وقد عزل المهدي  نوابا كثيرة عن البلاد ، وولى بدلهم عليها . 
وفي هذه السنة تزوج المهدي  بابنة عمه أم عبد الله بنت صالح بن علي ،   وأعتق جاريته الخيزران ،  وتزوجها أيضا ، وهي أم الرشيد    . 
وفيها وقع حريق عظيم في السفن التي بدجلة بغداد     . 
ولما ولي المهدي  سأل عيسى بن موسى    - وكان ولي العهد من بعد المهدي    - أن يخلع نفسه من الأمر ، فامتنع على المهدي ،  وسأل أن يقيم بأرض الكوفة  في ضيعة له ، فأذن له ، وكان قد استقر على إمرة الكوفة  روح بن حاتم ،  فكتب إلى المهدي    : إن عيسى بن موسى  لا يأتي الجمعة ولا الجماعة مع الناس إلا   [ ص: 479 ] شهرين من السنة ، وإنه إذا جاء يدخل بدوابه إلى داخل باب المسجد ، فتروث دوابه حيث يصلي الناس . فكتب إليه المهدي  أن يعمل خشبا على أفواه السكك; حتى لا يصل الناس إلى الجامع إلا مشاة ، فعلم بذلك عيسى بن موسى ،  فاشترى قبل الجمعة دار المختار بن أبي عبيد  من ورثته ، وكانت ملاصقة المسجد ، فكان يأتي إليها من يوم الخميس ، فإذا كان وقت الجمعة ركب حمارا إلى باب المسجد ، فنزل عنه ، وشهد الصلاة مع الناس ، وأقام بالكلية في الكوفة  بأهله ، ثم ألح المهدي  على عيسى بن موسى  في أن يخلع نفسه من ولاية العهد ، وتوعده إن لم يفعل ، ووعده إن فعل ، فأجابه إلى ذلك ، فأعطاه أقطاعا عظيمة ، وجعل له من المال عشرة آلاف ألف درهم ، وقيل : عشرين ألف ألف . وبايع المهدي  لولديه من بعده;  موسى الهادي ،  ثم لهارون الرشيد ،  كما سيأتي . 
وحج بالناس في هذه السنة يزيد بن منصور خال المهدي ،   وكان نائبا على اليمن ،  فولاه الموسم ، واستقدمه عليه شوقا إليه . 
وغالب نواب البلاد قد تغيروا في هذه السنة ، غير أن إفريقية  مع يزيد بن حاتم ،  وعلى مصر  محمد بن سليمان أبو ضمرة ،  وعلى خراسان  أبو عون ،  وعلى السند  بسطام بن عمرو ،  وعلى الأهواز  وفارس  عمارة بن حمزة ،  وعلى اليمن  رجاء بن روح ،  وعلى اليمامة  بشر بن المنذر ،  وعلى الجزيرة  الفضل بن صالح ،  وعلى المدينة  عبد الله بن صفوان الجمحي ،  وعلى مكة  والطائف  إبراهيم بن يحيى بن محمد بن عبد الله بن صفوان الجمحي ،  وعلى أحداث الكوفة  إسحاق بن الصباح الكندي ،  وعلى خراجها ثابت بن موسى ،  وعلى قضائها  شريك بن عبد الله النخعي ،  وعلى أحداث البصرة  عمارة بن حمزة ،  وعلى صلاتها عبد الملك بن   [ ص: 480 ] أيوب بن ظبيان النميري ،  وعلى قضائها عبيد الله بن الحسن العنبري    . 
وممن توفي فيها من الأعيان : عبد العزيز ابن أبي رواد ،   وعكرمة بن عمار ،   ومالك بن مغول ،   ومحمد بن عبد الرحمن ابن أبي ذئب المدني ،  نظير مالك بن أنس  في الفقه ، وربما أنكر على مالك  في تركه الأخذ ببعض الأحاديث; لمآخذ كان يراها مالك  من إجماع أهل المدينة  وغير ذلك من المسالك . 
				
						
						
