[ ص: 56 ] ثم دخلت سنة أربع وتسعين ومائة
فيها خلع أهل حمص نائبهم ، فعزله عنهم الأمين ، وولى عليهم عبد الله بن سعيد الحرشي فقتل طائفة من وجوهها ، وحرق نواحيها بالنار ، فسألوه الأمان فأمنهم ، ثم هاجوا ، فضرب أعناق كثير منهم أيضا .
وفيها الأمين أخاه القاسم عن الجزيرة والثغور ، وولى على ذلك عزل خزيمة بن خازم وأمر أخاه بالمقام عنده ببغداد .
وفيها الأمين بالدعاء لولده موسى على المنابر في سائر الأمصار ، وبالإمرة من بعده ، وسماه الناطق بالحق ، ثم يدعى بعده أمر للمأمون ، ثم للقاسم ، ومن نية الأمين الوفاء لأخويه بما شرط لهما ، فلم يزل به الفضل بن الربيع حتى غير نيته في أخويه ، وحسن له خلع المأمون والقاسم ، وصغر عنده شأن المأمون وإنما حمله على ذلك خوفه من المأمون إن أفضت إليه الخلافة يوما من الدهر ، فيسعى في خلعه ، وزوال الولاية عنه ، فوافقه الأمين على ذلك ، وأمر بالدعاء لولده موسى من بعده بولاية عهده ، وذلك في ربيع الأول منها .
فلما بلغ ذلك المأمون قطع البريد عنه ، وترك ضرب اسمه على السكة [ ص: 57 ] والطرز ، وتنكر لأخيه الأمين ، وبعث رافع بن الليث إلى المأمون يسأل منه الأمان فأمنه ، فسار إليه بمن معه ، فأكرمه المأمون وعظمه ، وجاء هرثمة على إثره فتلقاه المأمون ووجوه الناس ، وولاه الحرس ، فلما بلغ الأمين أن الجنود قد التفت على أخيه المأمون ساءه ذلك وأنكره ، وكتب إلى المأمون كتابا وأرسل إليه رسلا ثلاثة من أكابر الأمراء ، يسأله أن يجيبه إلى تقديم ولده موسى عليه ، وأنه قد سماه الناطق بالحق ، فأظهر المأمون الامتناع وشرعوا في مطايبته ، وملاينته ، وأن يجيبهم إلى ذلك ، فأبى كل الإباء ، فقال له العباس بن موسى بن عيسى : فقد خلع أبي نفسه فماذا كان ؟ فقال : إن أباك كان امرأ مكرها ، ثم لم يزل المأمون يعد العباس ويمنيه حتى بايعه بالخلافة ، ثم لما رجع إلى بغداد كان يراسله بما كان من الأمر ببغداد ويناصحه ، ولما رجع الرسل إلى الأمين أخبروه بما كان من جوابه ، فعند ذلك صمم الفضل بن الربيع على الأمين في خلع المأمون فخلعه ، وأمر بالدعاء لولده في العراق كله وبلاد الحجاز وغيرها من البلاد ، وسماه الناطق بالحق ، وجعلوا من يتكلم في المأمون ويذكر مساوئه ، وبعثوا إلى مكة فأخذوا الكتاب الذي كتبه الرشيد ، وأودعه في الكعبة ، فمزقه الأمين ، وأكدوا البيعة للناطق بالحق موسى بن الأمين على ما يليه أبوه من الأعمال ، وجرت بين الأمين والمأمون مكاتبات ورسل يطول بسطها ، وقد استقصاها الإمام أبو جعفر بن جرير في " " تاريخه " " ثم آل [ ص: 58 ] الحال إلى أن احتفظ كل منهما على بلاده وحصنها وهيأ الجيوش والجنود وتألف الرعايا .
وفي هذه السنة غدت الروم على ملكهم ميخائيل فراموا خلعه وقتله فترك الملك وترهب ، وولوا عليهم ليون .
وحج بالناس فيها نائب الحجاز داود بن عيسى ، وقيل : علي بن الرشيد .