وممن توفي فيها من الأعيان :
. أحمد بن إبراهيم الدورقي
. والحسين بن الحسن المروزي
. وأبو عمر الدوري أحد القراء المشاهير
. ومحمد بن مصفى الحمصي
[ ص: 446 ] . ودعبل بن علي بن رزين بن سليمان الخزاعي
مولاهم الشاعر الماجن البليغ في المدح وفي الهجاء أكثر . قال : حضر يوما عند سهل بن هارون الكاتب وكان بخيلا ، فاستدعى بغدائه فإذا ديك في قصعة ، وإذا هو عاس لا يقطعه سكين ، ولا يعمل فيه ضرس فقد رأسه ، فقال للطباخ : ويلك ماذا صنعت به ؟ أين رأسه ؟ قال : ظننت أنك لا تأكله فألقيته . فقال : ويحك ، والله إني لأعيب على من يلقي الرجلين فكيف بالرأس ، وفيه الحواس الأربع ، ومنه يصوت ، وبه فضل ، وعيناه يضرب بهما المثل ، وعرفه وبه يتبرك ، وعظمه أهش العظام ، فإن كنت رغبت عن أكله فأحضره . فقال : لا أدري أين هو . فقال : بل أنا أدري ، هو في بطنك قاتلك الله .
أحمد بن أبي الحواري .
واسمه عبد الله بن ميمون بن [ ص: 447 ] عباس بن الحارث أبو الحسن التغلبي الغطفاني أحد الزهاد المشهورين ، والعباد المذكورين ، والأبرار المشكورين ذوي الأحوال الصالحة ، والكرامات الصادقة أصله من الكوفة وسكن دمشق وتتلمذ للشيخ رحمهما الله . وروى الحديث عن أبي سليمان الداراني ، سفيان بن عيينة ، ووكيع ، وأبي أسامة ، وخلق . وعنه أبو داود ، وابن ماجه ، وأبو حاتم ، وأبو زرعة الدمشقي ، وخلق كثير ، ذكره وأبو زرعة الرازي ، أبو حاتم فأثنى عليه . وقال : إني لأظن أن الله يسقي يحيى بن معين أهل الشام به . وكان يقول : هو ريحانة الجنيد بن محمد الشام .
وقد روى أنه كان قد عاهد الحافظ ابن عساكر أبا سليمان الداراني ألا يغضبه ولا يخالفه ، فجاءه يوما وهو يحدث الناس فقال : يا سيدي ، قد سجروا التنور فماذا تأمر ؟ فلم يرد عليه أبو سليمان ; لشغله بالناس ، ثم أعادها أحمد ثانية وثالثة ، فقال له في الثالثة : اذهب فاقعد فيه . ثم اشتغل أبو سليمان في حديث الناس ثم استفاق فقال لمن حضره : إني قلت لأحمد : اذهب فاقعد في التنور ، [ ص: 448 ] وإني أخشى أن يكون قد فعل ذلك ، فقوموا بنا إليه ، فذهبوا فوجدوه جالسا في التنور ، ولم يحترق منه شعرة واحدة .
وروي أيضا أن أحمد بن أبي الحواري أصبح ذات يوم وقد ولد له ولد ولا يملك شيئا يصلح به الولد ، فقال لخادمه : اذهب فاستدن لنا وزنة من دقيق ، فبينما هو في ذلك إذ جاءه رجل بمائتي درهم فوضعها بين يديه ، فدخل عليه رجل في تلك الساعة فقال : يا أحمد ، إنه قد ولد لي الليلة ولد ولا أملك شيئا . فرفع أحمد طرفه إلى السماء وقال : يا مولاي ، هكذا بالعجلة ! وقال للرجل : خذ هذه الدراهم لك ، ولم يأخذ منها درهما ، واستدان لأهله دقيقا .
وروى عنه خادمه أنه خرج إلى الثغر للرباط ، فما زالت الهدايا تفد إليه من بكرة النهار إلى الزوال ، ثم فرقها كلها إلى وقت الغروب ، ثم قال لي : كن هكذا لا ترد على الله شيئا ، ولا تدخر عنه شيئا .
ولما جاءت المحنة زمن المأمون إلى دمشق بخلق القرآن ، عين فيها أحمد بن أبي الحواري ، وهشام بن عمار ، وسليمان بن عبد الرحمن ، فكلهم أجابوا إلا وعبد الله بن ذكوان ، أحمد بن أبي الحواري ، فحبس بدار الحجارة ، ثم [ ص: 449 ] هدد فأجاب تورية مكرها ، ثم أطلق رحمه الله ، وقد قام ليلة بالثغر يكرر هذه الآية إياك نعبد وإياك نستعين [ الفاتحة : 5 ] حتى أصبح ، وقد ألقى كتبه في البحر وقال : نعم الدليل كنت لي على الله وإليه ، ولكن الاشتغال بالدليل بعد معرفة المدلول عليه والوصول إليه محال ، ومن كلامه : لا دليل على الله سواه ، وإنما يطلب العلم لآداب الخدمة . وقال : من عرف الدنيا زهد فيها ، ومن عرف الآخرة رغب فيها ، ومن عرف الله آثر رضاه ، وقال : من نظر إلى الدنيا نظر إرادة وحب لها أخرج الله نور اليقين والزهد من قلبه ، وقال : قلت لأبي سليمان الداراني في ابتداء أمري : أوصني . فقال : أمستوص أنت ؟ فقلت : نعم إن شاء الله تعالى . فقال : خالف نفسك في كل مراد لها ; فإنها الأمارة بالسوء ، وإياك أن تحقر أحدا من المسلمين ، واجعل طاعة الله دثارا ، والخوف منه شعارا ، والإخلاص زادا ، والصدق جنة ، واقبل مني هذه الكلمة الواحدة ولا تفارقها ولا تغفل عنها : إنه من استحيى من الله في كل أوقاته وأحواله وأفعاله بلغه إلى مقام الأولياء من عباده . قال : فجعلت هذه الكلمات أمامي ، ففي كل وقت أذكرها وأطالب نفسي بها ، والصحيح أنه مات في هذه السنة ، وقيل : في سنة ثلاثين ومائتين . وقيل غير ذلك ، فالله أعلم .