أبو الأشعث . . وأحمد بن سعيد الدارمي
[ ص: 496 ] وسري السقطي .
أحد كبار مشايخ أئمة الصوفية ، وهو السري بن المغلس أبو الحسن السقطي البغدادي ، تلميذ معروف الكرخي حدث عن هشيم ، وأبي بكر بن عياش ، وعلي بن غراب ، ويحيى بن يمان ، وغيرهم . وعنه ابن أخته ويزيد بن هارون ، الجنيد بن محمد ، وأبو الحسن النوري ، ومحمد بن الفضل بن جابر السقطي ، وجماعة .
وكانت له دكان يتجر فيها ، فمرت به جارية قد انكسر إناء كان معها تشتري فيه شيئا لسادتها ، فجعلت تبكي ، فأعطاها سري شيئا تشتري به بدله ، فنظر معروف إليه وما صنع بتلك الجارية ، فقال له : بغض الله إليك الدنيا .
وقال سري : مررت في يوم عيد ، فإذا معروف ومعه صبي صغير شعث الحال ، فقلت : ما هذا ؟ فقال : هذا كان واقفا والصبيان يلعبون وهو منكسر ، فقلت له : ما لك لا تلعب ؟ فقال : أنا يتيم ولا شيء معي أشتري به جوزا ألعب به . فأخذته لأجمع له نوى يشتري به جوزا يفرح به ، فقلت : ألا أكسوه وأعطيه شيئا يشتري به جوزا ؟ فقال : أوتفعل ؟ فقلت : [ ص: 497 ] نعم . فقال : خذه ، أغنى الله قلبك . قال : فسويت الدنيا عندي أقل شيء .
وكان عنده مرة لوز ، فساومه رجل على الكر بثلاثة وستين دينارا ، ثم ذهب الرجل ، فإذا اللوز يساوي الكر منه تسعين دينارا ، فقال له : إني أشتري منك الكر بتسعين دينارا . فقال : إني ساومتك بثلاثة وستين ، وإني لا أبيعه إلا بذلك . فقال الرجل : وأنا أشتري منك بتسعين . فقال : لا أبيعه إلا بما ساومتك عليه . فقال الرجل : إن من النصح أن لا أشتري منك إلا بتسعين دينارا . وذهب فلم يشتر منه .
وجاءت امرأة يوما إلى سري فقالت : إن ابني قد أخذه الحرس ، وإني أحب أن تبعث إلى صاحب الشرطة لئلا يضرب . فقام فكبر وطول في الصلاة وجلعت المرأة تحترق في نفسها ، فلما انصرف من الصلاة قالت المرأة : الله الله في ولدي . فقال : هاأنذا في حاجتك . فما قام من مجلسه حتى جاءت امرأة إلى تلك المرأة فقالت : أبشري ، فقد أطلق المتولي ولدك . فانصرفت إليه . وقال سري : أشتهي أن آكل أكلة ليس لله علي فيها تبعة ، ولا [ ص: 498 ] لأحد علي فيها منة ، فما أجد إلى ذلك سبيلا . وفي رواية قال : إني لأشتهي البقل من ثلاثين سنة ، فما أقدر عليه . وعن السري أنه قال : احترق سوقنا ، فقصدت المكان الذي فيه دكاني ، فتلقاني رجل فقال : أبشر ; فإن دكانك قد سلمت . فقلت : الحمد لله . ثم تذكرت ذلك التحميد ، فأنا أستغفر الله منذ ثلاثين سنة . رواها الخطيب .
وقال السري : صليت وردي ذات ليلة ثم مددت رجلي في المحراب ، فنوديت : يا سري ، كذا تجالس الملوك ؟ قال : فضممت رجلي ثم قلت : وعزتك لا مددت رجلي أبدا . وقال : ما رأيت أعبد لله من الجنيد بن محمد السري السقطي ; أتت عليه ثمان وتسعون سنة ما رئي مضطجعا إلا في علة الموت . وقال الخطيب : عن أبي نعيم ، عن عن جعفر الخلدي ، قال : دخلت عليه أعوده ، فقلت : كيف تجدك ؟ فقال : كيف أشكو إلى طبيبي ما بي ، والذي قد أصابني من طبيبي . الجنيد بن محمد
قال : فأخذت المروحة أروحه ، فقال لي : كيف يجد روح المروحة من جوفه يحترق من داخل ؟ ثم أنشأ يقول :
[ ص: 499 ]
القلب محترق والدمع مستبق والكرب مجتمع والصبر مفترق كيف القرار على من لا قرار له
مما جناه الهوى والشوق والقلق يا رب إن كان شيء فيه لي فرج
فامنن علي به ما دام بي رمق
وقد ذكر الخطيب وفاته يوم الثلاثاء لست خلون من رمضان سنة ثلاث وخمسين ومائتين بعد أذان الفجر ، ودفن بعد العصر . قال : ودفن بمقبرة الشونيزية ، وقبره ظاهر معروف ، وإلى جنبه قبر الجنيد . وروي عن القاضي ، عن أبي عبيد بن حربويه قال : رأيت سريا في المنام ، فقلت : ما فعل الله بك ؟ فقال : غفر لي ولكل من شهد جنازتي . قلت : فإني ممن حضر جنازتك وصلى عليك . قال : فأخرج درجا فنظر فيه ، فلم ير فيه اسمي ، فقلت : بلى ، قد حضرت ، فإذا اسمي في الحاشية .
وحكى ابن خلكان قولا ; أن سريا توفي سنة إحدى وخمسين . وقيل : سنة ست وخمسين . فالله أعلم . قال ابن خلكان : ومما كان ينشده السري ، رحمه الله :
[ ص: 500 ]
إذا ما شكوت الحب قالت كذبتني فما لي أرى الأعضاء منك كواسيا
فلا حب حتى يلصق الجلد بالحشا وتذهل حتى لا تجيب المناديا