ابن الراوندي .
الزنديق ، أحمد بن يحيى بن إسحاق أبو الحسين المعروف بابن الراوندي أحد مشاهير الزنادقة الملحدين - عليه اللعنة من رب العالمين - كان أبوه يهوديا فأظهر الإسلام ، فيقال : إنه حرف في التوراة كما عادى ابنه القرآن بالقرآن وألحد فيه ، وصنف كتابا في الرد على القرآن سماه " الدامغ " وكتابا في الرد على الشريعة والاعتراض عليها سماه " الزمرد " وله كتاب " التاج " في معنى ذلك وله كتاب " الفريد " وكتاب " إمامة المفضول " .
وقد انتصب للرد على كتبه هذه جماعة : منهم الشيخ شيخ المعتزلة في زمانه وقد أجاد في ذلك وكذلك ولده [ ص: 765 ] أبو علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي أبو هاشم عبد السلام بن أبي علي .
قال الشيخ أبو علي الجبائي : قرأت كتاب الملحد الجاهل السفيه ابن الراوندي فلم أجد فيه إلا السفه والكذب والافتراء .
قال : وقد وضع كتابا في قدم العالم ونفي الصانع وتصحيح مذهب الدهرية والرد على أهل التوحيد ووضع كتابا في الرد على محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعة عشر موضعا من كتابه ، ونسبه إلى الكذب ، وطعن على القرآن ووضع كتابا لليهود والنصارى وفضل دينهم على المسلمين ، يحتج لهم فيها على إبطال نبوة محمد صلى الله عليه وسلم إلى غير ذلك من الكتب التي تبين خروجه عن الإسلام ، نقله عنه . ابن الجوزي
وقد أورد في " منتظمه " طرفا من كلامه وزندقته وطعنه على الآيات والشريعة ورد عليه في ذلك وهو أقل وأخس وأذل من أن يلتفت إليه وإلى جهله وكلامه وهذيانه وسفهه وخذلانه وتمويهه وترويجه وطغيانه . ابن الجوزي
وقد أسند إليه حكايات من المسخرة والاستهتار والكفر والكبائر ، منها ما هو صحيح عنه ، ومنها ما هو مفتعل عليه ممن هو مثله وعلى طريقه ومسلكه [ ص: 766 ] في الكفر والتستر بالمسخرة ، وقد قال الله تعالى فيهم : ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم [ التوبة : 65 ، 66 ] .
وقد كان أبو عيسى الوراق مصاحبا لابن الراوندي - قبحهما الله - فلما علم الناس بأمرهما طلب السلطان أبا عيسى ، فأودع السجن إلى أن مات ، وأما ابن الراوندي فهرب ولجأ إلى ابن لاوي اليهودي وصنف له في مدة مقامه عنه كتابه الذي سماه " الدامغ للقرآن " فلم يلبث بعده إلا أياما يسيرة حتى مات لعنه الله ، ويقال : إنه أخذ وصلب .
قال أبو الوفاء بن عقيل : ورأيت في كتاب محقق أنه عاش ستا وثلاثين سنة مع ما انتهى إليه من التوغل في المخازي ، لعنه الله وقبحه ولا رحم عظامه .
وقد ذكره القاضي ابن خلكان في " الوفيات " ودلس عليه ولم يجرحه بشيء ولا كأن الكلب أكل له عجينا على عادته في العلماء والشعراء ، فالشعراء يطيل تراجمهم ، والعلماء يذكر لهم ترجمة يسيرة ، [ ص: 767 ] والزنادقة يترك ذكر زندقتهم وأرخ وفاته في سنة خمس وأربعين ومائتين وقد وهم وهما فاحشا والصحيح أنه توفى في هذه السنة كما أرخه وغيره . ابن الجوزي
الجنيد شيخ الصوفية رحمه الله .
الجنيد بن محمد بن الجنيد أبو القاسم الخزاز ويقال القواريري أصله من نهاوند ولد ببغداد ونشأ بها وسمع الحديث من الحسن بن عرفة وتفقه بأبى ثور إبراهيم بن خالد الكلبي وكان يفتي بحضرته وعمره عشرون سنة وقد ذكرناه في " طبقات الشافعية " واشتهر بصحبة وخاله الحارث بن أسد المحاسبي سري السقطي ولازم التعبد ، وتكلم على طريقة التصوف وكان ورده في كل يوم ثلاثمائة ركعة وثلاثين ألف تسبيحة ومكث أربعين سنة لا يأوي إلى فراش ، وكان مع ذلك يعرف سائر فنون العلم ، رحمه الله .
[ ص: 768 ] ولما حضرته الوفاة جعل يتلو القرآن فقيل له : لو رفقت بنفسك ، فقال : ما أحد أحوج إلى ذلك مني الآن وهذا أوان طي صحيفتي .
قال القاضي ابن خلكان : أخذ الفقه عن صاحب أبي ثور ويقال : كان يتفقه على مذهب الشافعي ، ، وكان سفيان الثوري ابن سريج يصحبه ويلازمه .
قال : وسئل الجنيد عن العارف ، فقال : من نطق عن سرك وأنت ساكت وكان يقول : مذهبنا هذا مقيد بالكتاب والسنة فمن لم يقرأ القرآن ويكتب الحديث لا يقتدى به في مذهبنا وطريقتنا . ورأى بعضهم معه سبحة ، فقال له : أنت مع شرفك تتخذ سبحة ؟ فقال : طريق وصلت به إلى الله لا أفارقه .
[ ص: 769 ] وقال له خاله السري السقطي : تكلم على الناس فلم ير نفسه لذلك موضعا ، فرأى في المنام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول له : تكلم على الناس ، فغدا على خاله فقال له خاله : لم تصدقنا حتى قيل لك ، قال : فتكلم على الناس ، فجاءه يوما شاب نصراني في صورة مسلم ، فقال له : يا أبا القاسم ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : فأطرقت ثم رفعت رأسي إليه فقلت له : أسلم فقد آن وقت إسلامك . قال : فأسلم الغلام . اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله
وقال الجنيد : ما انتفعت بشيء انتفاعي بأبيات سمعتها من جارية تغني بها في غرفة وهي تقول :
إذا قلت أهدى الهجر لي حلل البلى تقولين لولا الهجر لم يطب الحب وإن قلت هذا القلب أحرقه الجوى
تقولي بنيران الجوى شرف القلب وإن قلت ما أذنبت قالت مجيبة
حياتك ذنب لا يقاس به ذنب
فقال : هي هبة مني إليك ، فقلت : قد قبلتها وهي حرة لوجه الله ، ثم زوجتها لرجل ، فأولدها ولدا صالحا حج على قدميه ثلاثين حجة .
[ ص: 770 ] سعيد بن إسماعيل بن سعيد بن منصور أبو عثمان الواعظ .
ولد بالري ونشأ بها ثم انتقل إلى نيسابور فسكنها إلى أن مات بها وقد دخل بغداد ويقال إنه كان مجاب الدعوة .
قال الخطيب : أخبرنا قال : سمعت عبد الكريم بن هوازن أبا عبد الرحمن السلمي يقول : سمعت عبد الله بن محمد الشعراني يقول : سمعت أبا عثمان يقول منذ أربعين سنة ما أقامني الله في حال فكرهته ولا نقلني إلى غيرها فسخطته .
وكان أبو عثمان ينشد :
أسأت ولم أحسن وجئتك هاربا وأين لعبد عن مواليه مهرب
يؤمل غفرانا فإن خاب ظنه فما أحد منه على الأرض أخيب
سمنون بن حمزة
ويقال ابن عبد الله أحد مشايخ الصوفية كان ورده في كل يوم وليلة خمسمائة ركعة وسمى نفسه سمنونا الكذاب لدعواه في قوله :
فليس لي في سواك حظ فكيفما شئت فامتحني
[ ص: 772 ] صافي الحرمي .
كان من أكابر أمراء الدولة العباسية ورءوس الدولة المقتدرية ، أوصى في مرضه أن ليس له عند غلامه القاسم شيء ، فلما توفي حمل غلامه القاسم إلى الوزير مائة ألف دينار وسبعمائة وعشرين منطقة من ذهب مكللة فاستمر غلامه على إمرته ومنزلته
إسحاق بن حنين بن إسحاق .
أبو يعقوب العبادي نسبة إلى قبائل الحيرة الطبيب ابن الطبيب ، له ولأبيه مصنفات كثيرة في هذا الفن وكان أبوه يعرب كلام أرسطاطاليس وغيره من حكماء اليونان توفي في هذه السنة .
الحسين بن أحمد بن محمد بن زكريا أبو عبد الله الشيعي الذي أقام الدعوة للمهدي وهو عبيد الله بن ميمون الذي يزعم أنه فاطمي وقد زعم غير واحد من أهل التاريخ أنه كان يهوديا صباغا بسلمية ، والمقصود الآن أن أبا عبد الله الشيعي هذا دخل بلاد إفريقية وحده لا مال معه ولا رجال فلم يزل يعمل الحيلة حتى انتزع الملك من يد أبي مضر زيادة الله آخر ملوك بني الأغلب على بلاد إفريقية واستدعى حينئذ مخدومه المهدي من بلاد المشرق [ ص: 773 ] فقدم فلم يخلص إليه إلا بعد شدائد طوال وحبس في أثناء الطريق فاستنقذه الشيعي وسلمه المملكة فندمه أخوه أحمد ، وقال له : ماذا صنعت ؟ وهلا كنت استبددت بالأمر دون هذا ؟ فندم وشرع يعمل الحيلة في المهدي ، فاستشعر المهدي بذلك فدس إليهما من قتلهما في هذه السنة بمدينة رقادة من بلاد القيروان من إقليم إفريقية . هذا ملخص ما ذكره ابن خلكان .