[ ص: 191 ] ذكر احتجاج آدم  وموسى  عليهما الصلاة والسلام 
قال  البخاري    : حدثنا قتيبة  ، حدثنا أيوب بن النجار  ، عن  يحيى بن أبي كثير  ، عن أبي سلمة  ، عن  أبي هريرة  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : حاج موسى  آدم  عليهما السلام فقال له : أنت الذي أخرجت الناس بذنبك من الجنة وأشقيتهم ! قال آدم    : يا موسى  أنت الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه ! أتلومني على أمر قد كتبه الله علي قبل أن يخلقني ، أو قدره علي قبل أن يخلقني . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فحج آدم  موسى    . وقد رواه مسلم  ، عن  عمرو الناقد  ،  والنسائي  ، عن محمد بن عبد الله بن يزيد  ، عن أيوب بن النجار  به . قال أبو مسعود الدمشقي    : ولم يخرجا عنه في الصحيحين سواه . وقد رواه أحمد  ، عن عبد الرزاق  ، عن معمر  ، عن همام  ، عن  أبي هريرة    . ورواه مسلم  ، عن محمد بن رافع  ، عن عبد الرزاق  به . 
وقال  الإمام أحمد    : حدثنا أبو كامل  ، حدثنا إبراهيم  ، حدثنا ابن شهاب  ، عن حميد بن عبد الرحمن  ، عن  أبي هريرة  قال : قال   [ ص: 192 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم : احتج آدم  وموسى  فقال له موسى    : أنت آدم  الذي أخرجتك خطيئتك من الجنة ! فقال له آدم    : وأنت موسى  الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه ! تلومني على أمر قدر علي قبل أن أخلق ! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فحج آدم  موسى  ، فحج آدم  موسى    . مرتين قلت : وقد روى هذا الحديث  البخاري  ، ومسلم  من حديث الزهري  ، عن حميد بن عبد الرحمن  ، عن  أبي هريرة  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه . 
وقال  الإمام أحمد    : حدثنا معاوية بن عمرو  ، حدثنا زائدة  ، عن الأعمش  ، عن أبي صالح ،  عن  أبي هريرة  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : احتج آدم  وموسى  ، فقال : موسى  يا آدم  أنت الذي خلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه أغويت الناس ، وأخرجتهم من الجنة ! قال : فقال آدم    : وأنت موسى  الذي اصطفاك الله بكلامه ! تلومني على عمل أعمله كتبه الله علي قبل أن يخلق السماوات والأرض ! قال : فحج آدم  موسى    . وقد رواه الترمذي  ،  والنسائي  جميعا عن يحيى بن حبيب بن عربي  ، عن معتمر بن سليمان  ، عن أبيه ، عن الأعمش  به قال الترمذي    : وهو غريب من حديث سليمان التيمي  ، عن الأعمش  قال : وقد رواه بعضهم ، عن الأعمش  ، عن أبي صالح  ، عن أبي سعيد    . قلت : هكذا رواه  الحافظ أبو بكر البزار  في مسنده ،   [ ص: 193 ] عن  محمد بن مثنى  ، عن معاذ بن أسد  ، عن الفضل بن موسى  ، عن الأعمش  ، عن أبي صالح  ، عن  أبي هريرة    . قال : وقد رواه بعضهم ، عن أبي صالح  ، عن أبي سعيد    . ورواه البزار  أيضا ، حدثنا عمرو بن علي الفلاس  ، حدثنا أبو معاوية  ، حدثنا الأعمش  ، عن أبي صالح  ، عن  أبي هريرة  أو أبي سعيد  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم . فذكر نحوه . 
وقال أحمد    : حدثنا سفيان  ، عن عمرو  ، سمع  طاوسا  ، سمع  أبا هريرة  يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : احتج آدم  وموسى  فقال موسى    : يا آدم  أنت أبونا خيبتنا ، وأخرجتنا من الجنة . فقال له آدم    : يا موسى  أنت الذي اصطفاك الله بكلامه !   . وقال مرة برسالته ، وخط لك بيده ! أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة !   . قال : حج آدم  موسى  ، حج آدم  موسى  ، حج آدم  موسى   . وهكذا رواه  البخاري  ، عن  علي بن المديني  ، حدثنا عن سفيان  قال : حفظناه من عمرو  ، عن طاوس  قال : سمعت  أبا هريرة  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : احتج آدم  وموسى  فقال موسى    : يا آدم  أنت أبونا خيبتنا ، وأخرجتنا من الجنة . فقال له آدم    : يا موسى  اصطفاك الله بكلامه وخط لك بيده ! أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة ! فحجآدم  موسى  ، فحج آدم  موسى    . هكذا ثلاثا . 
قال سفيان    : حدثنا أبو الزناد  ، عن  الأعرج  ، عن  أبي هريرة  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله . وقد رواه الجماعة إلا ابن ماجه  من عشر طرق ، عن سفيان بن عيينة  ، عن  عمرو بن دينار  ، عن  عبد الله بن طاوس  ، عن أبيه ، عن   [ ص: 194 ] أبي هريرة  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه . 
وقال أحمد : حدثنا عبد الرحمن  ، حدثنا حماد  ، عن عمار  ، عن  أبي هريرة  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لقي آدم  موسى  ، فقال : أنت آدم  الذي خلقك الله بيده ، وأسجد لك ملائكته ، وأسكنك الجنة ، ثم فعلت ! فقال : أنت موسى  الذي كلمك الله ، واصطفاك برسالته ، وأنزل عليك التوراة ! أنا أقدم أم الذكر ؟ قال : لا بل الذكر . فحج آدم  موسى  قال أحمد    : وحدثنا عفان  ، حدثنا حماد  ، عن عمار بن أبي عمار  ، عن  أبي هريرة  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وحميد  ، عن الحسن  ، عن رجل قال : حماد  أظنه جندب بن عبد الله البجلي  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لقي آدم  موسى    . فذكر معناه تفرد به أحمد  من هذا الوجه . 
وقال أحمد    : حدثنا حسين  ، حدثنا  جرير هو ابن حازم  ، عن  محمد هو ابن سيرين  ، عن  أبي هريرة  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقي آدم  موسى  ، فقال : أنت آدم  الذي خلقك الله بيده ، وأسكنك جنته ، وأسجد لك ملائكته ، ثم صنعت ما صنعت ! قال آدم    : يا موسى  أنت الذي كلمه الله ، وأنزل عليه التوراة ؟ قال : نعم . قال : فهل تجده مكتوبا علي قبل أن أخلق ؟ قال : نعم . قال : فحج آدم  موسى  ، فحج آدم  موسى    . وكذا رواه حماد بن زيد  ، عن أيوب  ، وهشام  ، عن  محمد بن سيرين  ، عن  أبي هريرة   [ ص: 195 ] رفعه . 
وكذا رواه  علي بن عاصم  ، عن خالد  ، وهشام  ، عن  محمد بن سيرين  ، وهذا على شرطهما من هذه الوجوه . 
وقال ابن أبي حاتم    : حدثنا  يونس بن عبد الأعلى  ، أنبأنا ابن وهب  أخبرني أنس بن عياض  ، عن الحارث بن أبي ذباب  ، عن يزيد بن هرمز  سمعت  أبا هريرة  يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : احتج آدم  وموسى  عند ربهما ، فحج آدم  موسى    ; قال موسى    : أنت الذي خلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه ، وأسجد لك ملائكته ، وأسكنك جنته ، ثم أهبطت الناس إلى الأرض بخطيئتك ! قال آدم    : أنت موسى  الذي اصطفاك الله برسالته وكلامه ، وأعطاك الألواح فيها تبيان كل شيء ، وقربك نجيا فبكم وجدت الله كتب التوراة ؟ قال موسى    : بأربعين عاما . قال آدم    : فهل وجدت فيها " وعصى آدم  ربه فغوى " قال : نعم . قال : أفتلومني على أن عملت عملا كتب الله علي أن أعمله قبل أن يخلقني بأربعين سنة ! قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فحج آدم  موسى    . 
قال الحارث    : وحدثني  عبد الرحمن بن هرمز  بذلك ، عن  أبي هريرة  ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد رواه مسلم  ، عن إسحاق بن موسى الأنصاري  ، عن أنس بن عياض  ، عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب  ، عن يزيد بن هرمز  ،  والأعرج  ، كلاهما عن  أبي هريرة  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه . 
وقال أحمد : حدثنا عبد الرزاق  ، أنبأنا معمر  ، عن الزهري  ، عن أبي سلمة  ، عن  أبي هريرة  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : احتج آدم  وموسى  ،   [ ص: 196 ] فقال موسى  لآدم    : يا آدم  أنت الذي أدخلت ذريتك النار ! فقال آدم    : يا موسى  اصطفاك الله برسالاته وبكلامه ، وأنزل عليك التوراة ، فهل وجدت أني أهبط ؟ قال : نعم . قال : فحجه آدم    . وهذا على شرطهما ، ولم يخرجاه من هذا الوجه . وفي قوله : " أدخلت ذريتك النار " نكارة . 
فهذه طرق هذا الحديث عن  أبي هريرة    . رواه عنه حميد بن عبد الرحمن  ،  وذكوان أبو صالح السمان  ،  وطاوس بن كيسان  ،  وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج  ، وعمار بن أبي عمار  ،  ومحمد بن سيرين  ،  وهمام بن منبه  ، ويزيد بن هرمز  ،  وأبو سلمة بن عبد الرحمن    . 
وقد رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي  في مسنده من حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب  رضي الله عنه فقال : حدثنا  الحارث بن مسكين المصري  ، حدثنا  عبد الله بن وهب  ، أخبرني  هشام بن سعد  ، عن  زيد بن أسلم  ، عن أبيه ، عن عمر بن الخطاب  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال موسى  عليه السلام : يا رب أرنا آدم  الذي أخرجنا ونفسه من الجنة . فأراه آدم  عليه السلام ، فقال : أنت آدم    ! فقال له آدم    : نعم . قال : أنت الذي نفخ الله فيك من روحه ، وأسجد لك ملائكته ، وعلمك الأسماء كلها ! قال : نعم . قال : فما حملك على أن أخرجتنا ، ونفسك من الجنة ؟ فقال له آدم    : من أنت ؟ قال : أنا موسى    . قال : أنت موسى  نبي بني إسرائيل ، أنت الذي كلمك الله من وراء الحجاب فلم يجعل بينك وبينه رسولا من خلقه ! قال : نعم . قال : تلومني على أمر قد سبق من الله عز وجل القضاء به قبل ! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فحج آدم  موسى  ، فحج آدم  موسى    . ورواه أبو داود  ، عن  أحمد بن صالح المصري  ، عن ابن وهب  به قال   [ ص: 197 ] أبو يعلى    : وحدثنا  محمد بن المثنى  ، حدثنا عبد الملك بن الصباح المسمعي  ، حدثنا عمران  ، عن الرديني بن أبي مجلز  ، عن  يحيى بن يعمر  ، عن ابن عمر ،  عن عمر  قال : أبو محمد  أكثر ظني أنه رفعه قال : التقى آدم  وموسى  ، فقال موسى  لآدم    : أنت أبو الناس أسكنك الله جنته ، وأسجد لك ملائكته ! قال آدم    : يا موسى  أما تجده علي مكتوبا ! قال : فحج آدم  موسى  ، فحج آدم  موسى    . وهذا الإسناد أيضا لا بأس به . والله أعلم . 
وقد تقدم رواية الفضل بن موسى  لهذا الحديث عن الأعمش  ، عن أبي صالح  ، عن أبي سعيد    . ورواية  الإمام أحمد  له ; عن عفان  ، عن حماد بن سلمة  ، عن حميد  ، عن الحسن  ، عن رجل . قال حماد    : أظنه جندب بن عبد الله البجلي  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : لقي آدم  موسى    . فذكر معناه . 
وقد اختلفت مسالك الناس في هذا الحديث ; فرده قوم من القدرية لما تضمن من إثبات القدر السابق . واحتج به قوم من الجبرية  ، وهو ظاهر لهم بادي الرأي ; حيث قال : فحج آدم  موسى    . لما احتج عليه بتقديم كتابه ، وسيأتي الجواب ، عن هذا . وقال آخرون : إنما حجه لأنه لامه على ذنب قد تاب منه ، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له . وقيل : إنما حجه لأنه   [ ص: 198 ] أكبر منه وأقدم . وقيل : لأنه أبوه . وقيل : لأنهما في شريعتين متغايرتين . وقيل : لأنهما في دار البرزخ ، وقد انقطع التكليف فيما يزعمونه . 
والتحقيق : إن هذا الحديث روي بألفاظ كثيرة بعضها مروي بالمعنى وفيه نظر ، ومدار معظمها في الصحيحين ، وغيرهما على أنه لامه على إخراجه نفسه وذريته من الجنة . فقال له آدم    : أنا لم أخرجكم ، وإنما أخرجكم الذي رتب الإخراج على أكلي من الشجرة ، والذي رتب ذلك ، وقدره وكتبه قبل أن أخلق هو الله عز وجل ، فأنت تلومني على أمر ليس له نسبة إلي أكثر ما أني نهيت عن الأكل من الشجرة فأكلت منها ، وكون الإخراج مترتبا على ذلك ليس من فعلي ، فأنا لم أخرجكم ولا نفسي من الجنة ، وإنما كان هذا من قدر الله وصنعه ، وله الحكمة في ذلك فلهذا حج آدم  موسى    . 
ومن كذب بهذا الحديث فمعاند ; لأنه متواتر عن  أبي هريرة  رضي الله عنه ، وناهيك به عدالة وحفظا وإتقانا ، ثم هو مروي عن غيره من الصحابة ، كما ذكرنا . ومن تأوله بتلك التأويلات المذكورة آنفا فهو بعيد من اللفظ والمعنى ، وما فيهم من هو أقوى مسلكا من الجبرية . وفيما قالوه نظر من وجوه ; أحدها : أن موسى عليه السلام لا يلوم على أمر قد تاب منه فاعله . الثاني : أنه قد قتل نفسا لم يؤمر بقتلها ، وقد سأل الله في ذلك بقوله : رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له    [ القصص : 16 ] . الآية ، الثالث : أنه لو كان الجواب عن اللوم على الذنب بالقدر المتقدم كتابته على العبد لانفتح هذا لكل من ليم على أمر قد فعله ، فيحتج بالقدر السابق ،   [ ص: 199 ] فينسد باب القصاص والحدود ، ولو كان القدر حجة لاحتج به كل أحد على الأمر الذي ارتكبه في الأمور الكبار والصغار ، وهذا يفضي إلى لوازم فظيعة . فلهذا قال من قال من العلماء بأن جواب آدم  إنما كان احتجاجا بالقدر على المصيبة لا المعصية . والله تعالى أعلم بالصواب ، وهو حسبي ونعم الوكيل . 
				
						
						
