[ ص: 344 ] ذكر نذر عبد المطلب  
ذبح أحد ولده 
 قال ابن إسحاق    : وكان عبد المطلب    - فيما يزعمون - نذر حين لقي من قريش  ما لقي عند حفر زمزم  لئن ولد له عشرة نفر ، ثم بلغوا معه حتى يمنعوه لينحرن أحدهم لله عند الكعبة  فلما تكامل بنوه عشرة ، وعرف أنهم سيمنعونه ، وهم ; الحارث  والزبير  وحجل  وضرار  والمقوم  وأبو لهب  والعباس  وحمزة  وأبو طالب  وعبد الله ،  جمعهم ثم أخبرهم بنذره ، ودعاهم إلى الوفاء لله عز وجل بذلك فأطاعوه ، وقالوا : كيف نصنع ؟ قال : ليأخذ كل رجل منكم قدحا ، ثم يكتب فيه اسمه ، ثم ائتوني ففعلوا ثم أتوه فدخل بهم على هبل في جوف الكعبة  وكان هبل على بئر في جوف الكعبة ،  وكانت تلك البئر هي التي يجمع فيها ما يهدى للكعبة  وكان عند هبل قداح سبعة ، وهي الأزلام التي يتحاكمون إليها إذا أعضل عليهم أمر من عقل أو نسب أو أمر من الأمور جاءوه فاستقسموا بها فما أمرتهم به أو نهتهم عنه امتثلوه . 
 [ ص: 345 ] والمقصود أن عبد المطلب  لما جاء يستقسم بالقداح عند هبل خرج القدح على ابنه عبد الله  وكان أصغر ولده ، وأحبهم إليه فأخذ عبد المطلب  بيد ابنه عبد الله  وأخذ الشفرة ، ثم أقبل به إلى إساف ونائلة ليذبحه فقامت إليه قريش  من أنديتها فقالوا : ما تريد يا عبد المطلب ؟  قال : أذبحه . فقالت له قريش  وبنوه والله لا تذبحه أبدا حتى تعذر فيه ; لئن فعلت هذا لا يزال الرجل يجيء بابنه حتى يذبحه فما بقاء الناس على هذا . 
وذكر  يونس بن بكير  عن ابن إسحاق  أن العباس  هو الذي اجتذب عبد الله  من تحت رجل أبيه حين وضعها عليه ليذبحه فيقال : إنه شج وجهه شجا لم يزل في وجهه إلى أن مات ، ثم أشارت قريش  على عبد المطلب  أن يذهب إلى الحجاز  فإن بها عرافة لها تابع فيسألها عن ذلك ، ثم أنت على رأس أمرك إن أمرتك بذبحه فاذبحه ، وإن أمرتك بأمر لك وله فيه مخرج قبلته . 
فانطلقوا حتى أتوا المدينة  فوجدوا العرافة ، وهي سجاح    - فيما ذكره  يونس بن بكير  عن ابن إسحاق    - بخيبر  فركبوا حتى جاءوها فسألوها ، وقص عليها عبد المطلب  خبره وخبر ابنه فقالت لهم : ارجعوا عني اليوم حتى يأتيني تابعي فأسأله فرجعوا من عندها فلما خرجوا قام عبد المطلب  يدعو الله ، ثم غدوا عليها فقالت لهم : قد جاءني الخبر كم الدية فيكم ؟ قالوا : عشر من الإبل . وكانت كذلك قالت : فارجعوا إلى بلادكم ، ثم قربوا صاحبكم وقربوا عشرا من الإبل ، ثم اضربوا عليها وعليه بالقداح فإن   [ ص: 346 ] خرجت على صاحبكم فزيدوا من الإبل حتى يرضى ربكم ، وإن خرجت على الإبل فانحروها عنه فقد رضي ربكم ونجا صاحبكم ، فخرجوا حتى قدموا مكة  فلما أجمعوا على ذلك الأمر قام عبد المطلب  يدعو الله ، ثم قربوا عبد الله  وعشرا من الإبل ، ثم ضربوا فخرج القدح على عبد الله  فزادوا عشرا ثم ضربوا فخرج القدح على عبد الله  فزادوا عشرا فلم يزالوا يزيدون عشرا عشرا ، ويخرج القدح على عبد الله  حتى بلغت الإبل مائة ، ثم ضربوا فخرج القدح على الإبل فقالت : عند ذلك قريش  لعبد المطلب  وهو قائم عند هبل يدعو الله : قد انتهى رضى ربك يا عبد المطلب  فزعموا أنه قال : لا حتى أضرب عليها بالقداح ثلاث مرات فضربوا ثلاثا ويقع القدح فيها على الإبل فنحرت ثم تركت لا يصد عنها إنسان ولا يمنع . قال ابن هشام    : ويقال : ولا سبع . 
ويقال : إنه لما بلغت الإبل مائة خرج على عبد الله  أيضا فزادوا مائة أخرى حتى بلغت مائتين فخرج القدح على عبد الله  فزادوا مائة أخرى فصارت الإبل ثلاثمائة ، ثم ضربوا فخرج القدح على الإبل فنحرها عند ذلك عبد المطلب    . والصحيح الأول ، والله أعلم . 
وقد روى ابن جرير  عن  يونس بن عبد الأعلى  عن ابن وهب  عن  يونس بن يزيد  عن الزهري  عن  قبيصة بن ذؤيب  أن ابن عباس  سألته   [ ص: 347 ] امرأة أنها نذرت ذبح ولدها عند الكعبة  فأمرها بذبح مائة من الإبل ، وذكر لها هذه القصة عن عبد المطلب ،  وسألت عبد الله بن عمر  فلم يفتها بشيء بل توقف فبلغ ذلك  مروان بن الحكم  وهو أمير على المدينة  فقال : إنهما لم يصيبا الفتيا ، ثم أمر المرأة أن تعمل ما استطاعت من الخير ، ونهاها عن ذبح ولدها ، ولم يأمرها بذبح الإبل وأخذ الناس بقول مروان  بذلك   . والله أعلم . 
				
						
						
