خلافة المطيع لله   
لما قدم معز الدولة  بغداد  وقبض على المستكفي  وسملت عيناه ، استدعى بأبي القاسم الفضل بن المقتدر بالله  ، وقد كان مختفيا من المستكفي  ، وهو يحث في طلبه ويجتهد ، فلم يقدر عليه ، ويقال : إنه اجتمع بمعز الدولة  سرا ، فحرضه على المستكفي  حتى كان من أمره ما كان ، فأحضر أبو القاسم بن المقتدر  فبويع بالخلافة ولقب بالمطيع لله  ، وبايعه الأمراء والأعيان ومعز الدولة  والعامة ، وضعف أمر الخلافة جدا حتى لم يبق للخليفة أمر ولا نهي ولا وزير أيضا ، وإنما يكون له كاتب على أقطاعه فقط ، وإنما مورد أمور المملكة ومصدرها راجع إلى معز الدولة  ، وإنما كان ذلك لأن بني بويه  ومن معهم من الديلم  فيهم تشيع شديد ، فكانوا يرون أن بني العباس  قد غصبوا الأمر من العلويين  ، حتى عزم معز الدولة   [ ص: 169 ] على تحويل الخلافة عنهم إلى العلويين  ، واستشار أصحابه في ذلك ، فكلهم أشار عليه بذلك ، إلا رجلا من أصحابه ، كان سديد الرأي فيهم ، فإنه قال له : لا أرى لك هذا . قال : ولم ذاك ؟ قال : لأن هذا خليفة ترى أنت وأصحابك أنه غير صحيح الإمارة ، فمتى أمرت بقتله قتله أصحابك ، ولو وليت رجلا من العلويين  لكنت أنت وأصحابك تعتقدون صحة ولايته ، فلو أمر بقتلك لقتلك أصحابك . فلما فهم ذلك صرفه عن رأيه الأول ، للدنيا لا لله عز وجل . 
ثم نشبت الحرب بين ناصر الدولة بن حمدان  وبين  معز الدولة بن بويه   ، فركب ناصر الدولة  بعدما خرج معز الدولة  والخليفة المطيع  إلى عكبرا  فدخل بغداد  فأخذ الجانب الشرقي ثم الغربي ، وضعف أمر معز الدولة  والديالمة  الذين معه ، ثم مكر به معز الدولة  وخدعه حتى استظهر عليه ، وانتصر أصحابه ، فنهبوا بغداد  وما قدروا عليه من أموال التجار وغيرهم ، فكان قيمة ما أخذ أصحاب معز الدولة  من الناس عشرة آلاف ألف دينار ، ثم وقع الصلح بين ناصر الدولة  ومعز الدولة  ، ورجع ابن حمدان  إلى بلده الموصل  واستقر معز الدولة  بمدينة السلام  بغداد  ثم شرع في استعمال السعاة ليبلغوا أخاه ركن الدولة  أخباره ، فغوى العامة في ذلك ، وعلموا أبناءهم ذلك ، حتى كان من الناس من يقطع نيفا وثلاثين فرسخا في يوم ، وأعجبه المصارعون والملاكمون وغير ذلك من أرباب هذه الصناعات التي لا ينتفع بها إلا قليلا ; كالسباحة ونحوها ، وكانت تضرب الطبول بين يديه ويصارع بين الرجال ، والكوسات   [ ص: 170 ] تدق حول سور المكان الذي هو فيه ، وهذه رعونة شديدة وسخافة عقل منه وممن وافقه على ذلك ، ثم احتاج معز الدولة  إلى صرف أموال في أرزاق الأجناد ، فأقطعهم البلاد عوضا عن أرزاقهم ، فأدى ذلك إلى تخريبها وترك عمارتها ، إلا الأراضي التي بأيدي أصحاب الجاهات . 
وفي هذه السنة وقع غلاء شديد ببغداد  حتى أكلوا الميتة والكلاب والسنانير ، وكان من الناس من يسرق الأولاد فيشويهم ويأكلهم ، وكثر الموت في الناس حتى كان لا يدفن أحد أحدا ، بل يتركون على الطرقات ، فيأكل كثيرا منهم الكلاب ، وبيعت الدور والعقار بالخبز ، وانتجع الناس البصرة  فكان منهم من يموت في الطريق ، ومن وصل منهم مات بعد مديدة . 
وفيها كانت وفاة  القائم بأمر الله أبي القاسم محمد بن عبيد الله المهدي   ، وولي الأمر من بعده ولده المنصور إسماعيل  ، وكان حازم الرأي شديدا شجاعا ، كما ذكرنا ذلك في السنة الماضية ، وكانت وفاته في شوال من هذه السنة على الصحيح . 
وفيها توفي الإخشيد محمد بن طغج  صاحب الديار المصرية والبلاد الشامية ، وكانت وفاته بدمشق  وله من العمر بضع وستون سنة ، وأقيم ولده أبو القاسم أنوجور    - وكان صغيرا - وأقيم  كافور الإخشيدي أتابكه  ، فكان   [ ص: 171 ] يدبر الممالك بالبلاد كلها ، واستحوذ على الأمور كلها ، وسار إلى مصر  ، فقصد  سيف الدولة بن حمدان  دمشق  فأخذها من أصحاب الإخشيد  ففرح بها فرحا شديدا ، واجتمع  بمحمد بن محمد بن نصر الفارابي التركي  الفيلسوف بها ، وركب سيف الدولة  يوما مع الشريف العقيقي  في بعض نواحي دمشق  فنظر سيف الدولة  إلى الغوطة فأعجبته ، وقال : ينبغي أن تكون هذه كلها لديوان السلطان ، كأنه يعرض بأخذها من ملاكها ، فأوغر ذلك العقيقي  إلى أهل دمشق  فكتبوا إلى  كافور الإخشيدي  يستنجدونه ، فأقبل إليهم في جيوش كثيرة كثيفة ، فأجلى عنهم سيف الدولة  وطرده عن حلب  أيضا ، واستناب عليها ، ثم كر راجعا فاستناب على دمشق  بدرا الإخشيدي    - ويعرف ببدير - فلما صار كافور  إلى الديار المصرية رجع سيف الدولة  إلى حلب  فأخذها كما كانت أولا له ، ولم يبق له في دمشق  شيء .  وكافور  هذا هو الذي هجاه المتنبي  ، ومدحه أيضا . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					