[ ص: 669 ] ثم دخلت سنة تسع وعشرين وأربعمائة  
فيها بدو ملك السلاجقة     . 
وفيها استولى ركن الدولة أبو طالب طغرلبك محمد بن ميكائيل بن سلجوق  على نيسابور  وجلس على سرير ملكها ، وبعث أخاه داود  إلى سائر بلاد خراسان  ، فملكها وانتزعها من نواب الملك مسعود بن محمود بن سبكتكين    . 
وفيها قتل جيش المصريين لصاحب حلب  وهو شبل الدولة نصر بن صالح بن مرداس  ، واستولوا على حلب  وأعمالها . 
وفيها سأل جلال الدولة الخليفة أن يلقب بملك الدولة ، فأجابه إلى ذلك بعد تمنع . 
وفيها استدعى الخليفة القائم بأمر الله  القضاة والفقهاء ، وأحضر جاثليق النصارى ورأس جالوت اليهود ، وألزموا بالغيار . 
وفي رمضان لقب جلال الدولة شاهنشاه الأعظم ملك الملوك بأمر الخليفة ، وخطب بذلك على المنابر ، فنفرت العامة من ذلك ، ورموا الخطباء بالآجر ، ووقعت فتنة بسبب ذلك ، واستفتي الفقهاء في ذلك ، فأفتى أبو عبد الله   [ ص: 670 ] الصيمري  أن هذه الأسماء يعتبر فيها القصد والنية ، وقد قال الله تعالى إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا    [ البقرة : 247 ] وقال : وكان وراءهم ملك    [ الكهف : 79 ] وإذا كان في الأرض ملوك جاز أن يكون بعضهم فوق بعض ; لتفاضلهم في القوة والإمكان ، وجاز أن يكون بعضهم أعظم من بعض ، وليس في ذلك ما يوجب التكبر ولا المماثلة بين الخالق والمخلوقين . وكتب القاضيأبو الطيب الطبري    : إن إطلاق ملك الملوك جائز ، ويكون معناه ملك ملوك الأرض ، وإذا جاز أن يقال : كافي الكفاة وقاضي القضاة ، جاز ملك الملوك . وإذا كان في اللفظ ما يدل على أن المراد به ملوك الأرض زالت الشبهة ، ومنه قولهم : اللهم أصلح الملك ، فيصرف الكلام إلى المخلوقين ، وكتب التميمي  الحنبلي نحو ذلك ، وأما القاضي الماوردي صاحب " الحاوي الكبير " فنقل عنه أنه أجاز ذلك أيضا ، والمشهور عنه ما نقله  ابن الجوزي  والشيخ  أبو عمرو بن الصلاح  في " أدب المفتي " أنه منع من ذلك ، وأصر على المنع ، مع صحبته للملك جلال الدولة ، وكثرة ترداده إليه ، ووجاهته عنده ، وأنه امتنع من الحضور في مجلسه حتى استدعاه جلال الدولة في يوم عيد ، فلما دخل عليه ، دخل وهو وجل خائف أن يوقع به مكروها ، فلما واجهه قال له : قد علمت أنه إنما منعك من موافقة الذين جوزوا ذلك ، مع صحبتك إياي ووجاهتك عندي ، دينك واتباعك الحق ، ولو حابيت أحدا من الناس لحابيتني ، وقد زادك ذلك   [ ص: 671 ] عندي محبة ومكانة . 
قلت : والذي صار إليه القاضي  الماوردي  من المنع من ذلك هو السنة التي وردت بها الأحاديث الصحيحة من غير وجه ; قال الإمام  أحمد بن حنبل  في " مسنده " : حدثنا سفيان بن عيينة  ، عن  أبي الزناد  ، عن  الأعرج  ، عن  أبي هريرة ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : أخنع اسم عند الله يوم القيامة رجل تسمى بملك الأملاك   . قال أحمد    : سألت أبا عمرو الشيباني  عن " أخنع اسم " قال : أوضع . وقد رواه  البخاري  عن  علي بن المديني  ، عن سفيان بن عيينة  ، وأخرجه مسلم  من طريق همام  ، عن  أبي هريرة  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : أغيظ رجل على الله يوم القيامة وأخبثه رجل تسمى بملك الأملاك ، لا ملك إلا الله عز وجل   . وقال الإمام أحمد    : حدثني محمد بن جعفر  ، حدثنا عوف  ، عن خلاس  ، عن  أبي هريرة  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اشتد غضب الله على من قتله نبيه ، واشتد غضب الله على رجل تسمى بملك الأملاك ، لا ملك إلا الله عز وجل   . والله تعالى أعلم بالصواب . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					