[ ص: 70 ] ثم دخلت سنة خمس عشرة وستمائة 
استهلت والعادل  بمرج الصفر  لمناجزة الفرنج ،   وأمر ولده المعظم بتخريب حصن الطور ،  فخربه ونقل ما فيه من آلات الحرب إلى البلدان خوفا من الفرنج    . 
وفي ربيع الأول نزلت الفرنج  على دمياط  وأخذوا برج السلسلة في جمادى الأولى ، وكان حصنا منيعا ، وهو قفل بلاد مصر ،  فإنا لله وإنا إليه راجعون . 
وفيها التقى المعظم والفرنج  على القيمون ، فكسرهم وقتل منهم خلقا ، وأسر من الداوية مائة ، فأدخلهم إلى القدس  منكسة أعلامهم . 
وفيها جرت خطوب كثيرة ببلد الموصل  بسبب موت ملوكها أولاد قرا أرسلان  واحدا بعد واحد ، وتغلب غلام أبيهم  بدر الدين لؤلؤ  على الأمور ، ويذكر أنه هو الذي كان يقتلهم في الباطن ليستحوذ هو على الأمور ، فالله أعلم . 
وفيها أقبل ملك الروم   كيكاوس بن كيخسرو  يريد أخذ مملكة حلب  ،   [ ص: 71 ] وساعده على ذلك الأفضل بن صلاح الدين  صاحب سميساط  ، فصده عن ذلك الملك الأشرف موسى بن العادل ،  وقهر ملك الروم ،  وكسر جيشه ، ورده خائبا . 
وفيها تملك الأشرف  مدينة سنجار  مضافا إلى ما بيده من الممالك هنالك . 
وفيها توفي السلطان الملك العادل أبو بكر بن  أيوب ،  فأخذت الفرنج    - لعنهم الله - ثغر دمياط   ، ثم ركبوا ، وقصدوا بلاد مصر  من ثغر دمياط  ، فحاصروه مدة أربعة أشهر ، والكامل محمد  يقاتلهم ويمانعهم ويصدهم عما يريدونه ، فتملكوا على المسلمين برج السلسلة ، وهو كالقفل على ديار مصر ،  وصفته في وسط جزيرة في النيل عند انتهائه إلى البحر ، ومن هذا البرج إلى دمياط    - وهو على شاطئ البحر وحافة النيل - سلسلة ، ومنه إلى الجانب الآخر وعليه الجسر - سلسلة أخرى ، ليمنع دخول المراكب من البحر إلى النيل  ، فلا يمكن الدخول ، فلما ملكت الفرنج  هذا البرج شق ذلك على المسلمين بديار مصر  وغيرها ، وحين وصل الخبر إلى الملك العادل  وهو بمرج الصفر ،  تأوه لذلك تأوها شديدا ، ودق بيده على صدره أسفا وحزنا ، ومرض من ساعته مرض الموت لأمر يريده الله عز وجل ، فلما كان يوم الجمعة سابع جمادى الآخرة توفي - رحمه الله - بقرية عالقين  ، فجاء ولده المعظم  مسرعا ، فجمع حواصله ، وأرسله في   [ ص: 72 ] محفة ، ومعه خادم بصفة أن السلطان مريض ، وكلما جاء أحد من الأمراء ليسلم عليه بلغهم عنه الطواشي ; يعني لضعف السلطان عن الرد عليهم ، فلما انتهي به إلى القلعة المنصورة  دفن بها مدة ، ثم حول إلى تربته بمدرسة العادلية الكبيرة . وقد كان الملك سيف الدين أبو بكر بن أيوب بن شاذي  من خيار الملوك وأجودهم سيرة ، وأحسنهم سريرة ، دينا عاقلا صبورا وقورا ، أبطل المحرمات والخمور والمعازف من ممالكه كلها ، وقد كانت ممتدة من أقصى بلاد مصر  واليمن  والشام  والجزيرة  إلى همذان  كلها ، أخذها بعد أخيه صلاح الدين ،  رحمهما الله وسوى حلب  ، فإنه أقرها بيد ابن أخيه الظاهر غازي ;  لأنه زوج ابنته صفية الست خاتون    . وكان رحمه الله حليما صفوحا ، صبورا على الأذى ، كثير الجهاد بنفسه ، وحضر مع أخيه مواقفه كلها أو أكثرها ، وله في تلك الأيام اليد البيضاء . وكان رحمه الله ماسك اليد ، وقد أنفق في عام الغلاء بمصر  أموالا عظيمة جدا ، وتصدق على أهل الحاجة من أبناء الناس وغيرهم شيئا كثيرا ، ثم في العام بعده في الفناء كفن ثلاثمائة ألف إنسان من الغرباء ، وكان كثير الصدقة في أيام مرضه ، حتى كان يخلع جميع ما عليه ويتصدق به وبمركوبه ، وكان كثير الأكل ، ممتعا بصحته وعافيته مع كثرة صيامه ، يأكل في اليوم الواحد أكلات جيدة ، ثم بعد هذا يأكل وقت النوم رطلا بالدمشقي من الحلوى السكرية اليابسة ، وكان يعتريه مرض في أنفه في زمن الورد ، وكان لا يقدر على الإقامة بدمشق  حتى يفرغ زمن الورد ، فكان يضرب له الوطاق بمرج الصفر ،  ثم   [ ص: 73 ] يدخل البلد بعد ذلك . وتوفي ، رحمه الله ، عن خمس وسبعين سنة . 
وكان له من الأولاد جماعة; محمد الكامل  صاحب مصر ،  وعيسى المعظم صاحب دمشق  ، وموسى الأشرف  صاحب الجزيرة  وخلاط  وحران  وغير ذلك ، والأوحد أيوب  ومات قبله ، والفائز إبراهيم ، والمظفر غازي   صاحب الرها  ، والعزيز عثمان ، والأمجد حسن ،  وهما شقيقا المعظم ، والمغيث محمود ، والحافظ أرسلان  صاحب جعبر ،  والصالح إسماعيل ، والقاهر إسحاق ، ومجير الدين يعقوب ، وقطب الدين أحمد ، وخليل ،  وكان أصغرهم ، وتقي الدين عباس ،  وكان آخرهم وفاة ، بقي إلى سنة ستين وستمائة ، وكان له بنات أشهرهن الست صفية خاتون  زوجة الظاهر غازي  صاحب حلب  ، وأم الملك العزيز  والد الناصر يوسف  الذي ملك دمشق  ، وإليه تنسب الناصريتان بدمشق  والجبل ، وهو الذي قتله هولاوو  كما سيأتي . 
				
						
						
