فصل 
وقد شرفت المدينة  أيضا بهجرته عليه السلام إليها  ، وصارت كهفا لأولياء الله وعباده الصالحين ، ومعقلا وحصنا منيعا للمسلمين ، ودار هدى للعالمين ، والأحاديث في فضلها كثيرة جدا لها موضع آخر نوردها فيه إن شاء الله . 
وقد ثبت في " الصحيحين " من طريق خبيب بن عبد الرحمن بن خبيب بن يساف ،  عن حفص بن عاصم ،  عن  أبي هريرة ،  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الإيمان ليأرز إلى المدينة ، كما تأرز الحية إلى جحرها " . ورواه مسلم  أيضا عن محمد بن رافع ،  عن شبابة ،  عن  عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر ،  عن أبيه ، عن ابن عمر ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه . 
وفي " الصحيحين " أيضا من حديث مالك ،  عن يحيى بن سعيد ،  أنه   [ ص: 507 ] سمع أبا الحباب سعيد بن يسار ،  سمعت  أبا هريرة  يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :   " أمرت بقرية تأكل القرى ، يقولون : يثرب . وهي المدينة ، تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد " . وقد انفرد الإمام مالك  عن بقية الأئمة الأربعة بتفضيلها على مكة    . 
وقد قال  البيهقي    : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ،  أخبرني أبو الوليد  وأبو بكر بن عبد الله ،  قالا : ثنا الحسن بن سفيان ،  ثنا أبو موسى الأنصاري ،  ثنا  سعيد بن سعيد ،  حدثني أخي ، عن  أبي هريرة ،  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :   " اللهم إنك أخرجتني من أحب البلاد إلي ، فأسكني أحب البلاد إليك " . فأسكنه الله المدينة    . وهذا حديث غريب جدا . 
والمشهور عن الجمهور أن مكة  أفضل من المدينة   ، إلا المكان الذي ضم جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد استدل الجمهور على ذلك بأدلة يطول ذكرها هاهنا ، ومحلها في كتاب المناسك من " الأحكام " إن شاء الله تعالى . 
وأشهر دليل لهم في ذلك ، ما قال الإمام أحمد    : حدثنا أبو اليمان ،  ثنا شعيب  ، عن الزهري ،  أخبرنا أبو سلمة بن عبد الرحمن ،  أن عبد الله بن عدي بن الحمراء  أخبره ، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو واقف بالحزورة  في سوق مكة   [ ص: 508 ] يقول :   " والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت " . وكذا رواه أحمد ،  عن يعقوب بن إبراهيم ،  عن أبيه ، عن صالح بن كيسان  عن الزهري  به . وهكذا رواه الترمذي ،   والنسائي  ،  وابن ماجه ،  من حديث الليث ،  عن عقيل ،  عن الزهري  به . وقال الترمذي    : حسن صحيح . وقد رواه يونس ،  عن الزهري  به . ورواه محمد بن عمرو ،  عن  أبي سلمة بن عبد الرحمن ،  عن  أبي هريرة    . وحديث الزهري  عندي أصح . 
قال الإمام أحمد    : حدثنا عبد الرزاق ،  ثنا معمر ،  عن الزهري ،  عن  أبي سلمة بن عبد الرحمن ،  عن  أبي هريرة  قال : وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحزورة فقال : " علمت أنك خير أرض الله ، وأحب الأرض إلى الله ، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت " . وكذا رواه  النسائي  من حديث معمر  به . قال الحافظ  البيهقي    : وهذا وهم من معمر  وقد رواه بعضهم عن محمد بن عمرو ،  عن أبي سلمة ،  عن  أبي هريرة    . وهو أيضا وهم ، والصحيح رواية   [ ص: 509 ] الجماعة . 
وقال أحمد  أيضا : حدثنا إبراهيم بن خالد ،  ثنا رباح ،  عن معمر ،  عن  محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ،  عن أبي سلمة ، عن بعضهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو في سوق الحزورة    :   " والله إنك لخير أرض الله ، وأحب الأرض إلى الله ، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت " . ورواه  الطبراني ،  عن  أحمد بن خليد الحلبي ،  عن  الحميدي ،  عن الدراوردي ،  عن ابن أخي الزهري ،  عن الزهري ،  عن محمد بن جبير بن مطعم ،  عن عبد الله بن عدي بن الحمراء  به . فهذه طرق هذا الحديث وأصحها ما تقدم . والله أعلم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					