[ ص: 459 ] ثم دخلت سنة ثلاث وستين وستمائة  
فيها جهز السلطان الملك الظاهر  عسكرا جما كثيفا إلى ناحية الفرات لطرد التتار النازلين بالبيرة ،   فلما سمعوا بالعساكر الظاهرية قد أقبلت تولوا على أعقابهم منهزمين ، والحمد لله رب العالمين ، فطابت تلك الناحية وأمنت تلك المعاملة ، وقد كانت قبل ذلك لا تسكن من كثرة الفساد بها والخوف ، فعمرت وأمنت ولله الحمد . 
وفيها خرج الملك الظاهر  في عساكر أخر عظيمة ، فقصد بلاد الساحل لحصار الفرنج ،  ففتح قيسارية  في ثلاث ساعات من يوم الخميس ثامن جمادى الأولى وهو يوم نزوله عليها ، وتسلم قلعتها في يوم الخميس الآخر خامس عشرة فهدمها ، وانتقل إلى غيرها ، ولله الحمد والمنة ، ثم جاء الخبر بأنه فتح مدينة أرسوف  ، وقتل من بها من الفرنج ، وجاءت البريدية بذلك ، فدقت البشائر في بلاد المسلمين ، وفرحوا بذلك فرحا شديدا . 
وفيها ورد خبر من بلاد المغرب بأنهم انتصروا على الفرنج ، وقتلوا منهم خمسة وأربعين ألف مقاتل وأسروا عشرة آلاف ، واسترجعوا منهم ثنتين   [ ص: 460 ] وثلاثين بلدة منها شريش  وإشبيلية  وقرطبة  ومرسية ،  وكانت النصرة في يوم الخميس الرابع عشر من رمضان سنة ثنتين وستين . 
وفي رمضان من هذه السنة شرع في تبليط باب البريد من باب الجامع إلى القناة التي عند الدرج ، وعمل في الصف القبلي منها بركة وشاذروان . وكان في موضعها قناة من القنوات ينتفع الناس بها عند انقطاع نهر بانياس ، فغيرت وعمل هذا الشاذروان . قلت : ثم غير ذلك وعمل مكانه دكاكين . 
وفيها استدعى السلطان نائبه على دمشق  الأمير جمال الدين آقوش النجيبي ،  فسار إليه سمعا وطاعة ، وقد ناب عنه الأمير علم الدين الحصني حتى عاد مكرما معززا    . 
وفيها ولى السلطان الملك الظاهر  من بقية المذاهب قضاة في الديار المصرية مستقلين ، يولون من جهتهم في البلدان أيضا كما يولي الشافعي ، فكان للشافعية تاج الدين عبد الوهاب ابن بنت الأعز ،  وتولى قضاء الحنفية شمس الدين سليمان ،  وقضاء المالكية شمس الدين السبكي ،  والحنابلة شمس الدين محمد المقدسي ،  وكان ذلك يوم الاثنين الثاني والعشرين من ذي الحجة بدار العدل ،   [ ص: 461 ] وكان سبب ذلك كثرة توقف القاضي تاج الدين ابن بنت الأعز  في أمور تخالف مذهب الشافعي ، وتوافق غيره من المذاهب ، فأشار الأمير جمال الدين أيدغدي العزيزي  على السلطان بأن يولي من كل مذهب قاضي قضاة ، وكان يحب رأيه ومشورته ، فأجابه إلى ذلك ففعل كما ذكرنا ، وبعث بأخشاب ورصاص وآلات كثيرة لعمارة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأرسل منبرا فنصب هنالك . 
وفيها وقع حريق عظيم ببلاد مصر ،   واتهم النصارى ، فعاقبهم الملك الظاهر  عقوبة عظيمة . 
وفيها جاءت الأخبار بأن سلطان التتار هولاكو  هلك  إلى لعنة الله وغضبه في سابع ربيع الآخر بمرض الصرع بمدينة مراغة  ، ودفن بقلعة تلا ،  وبنيت عليه قبة واجتمعت التتار على ولده أبغا ،  فقصده الملك بركة خان ،  فكسره وفرق جموعه ، ففرح الملك الظاهر  بذلك فرحا شديدا ، وعزم على جمع العساكر ليأخذ بلاد العراق ،  فلم يتمكن من ذلك لتفرق العساكر في الإقطاعات . 
وفيها في ثاني عشر شوال سلطن الملك الظاهر  ولده الملك السعيد محمد بركة قان ،   وأخذ له البيعة من الأمراء ، وأركبه ومشى الأمراء بين يديه ، وحمل والده الغاشية بنفسه ، والأمير بدر الدين بيسري الشمسي  حامل الجتر ،   [ ص: 462 ] والقاضي تاج الدين ابن بنت الأعز  والوزير بهاء الدين بن حنا  راكبان بين يديه ، وأعيان الأمراء ركبان وبقيتهم مشاة حتى شقوا القاهرة  وهم كذلك ، وكان يوما مشهودا . 
وفي ذي القعدة ختن السلطان ولده الملك السعيد  المذكور ، وختن معه جماعة من أولاد الأمراء ، وكان يوما مشهودا . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					