[ ص: 519 ] ثم دخلت سنة أربع وسبعين وستمائة  
لما كان يوم الخميس ثامن جمادى الآخرة نزل التتار  على البيرة  في ثلاثين ألف مقاتل; خمسة عشر ألفا من المغول ،  وخمسة عشر ألفا من الروم ،  والمقدم على الجميع البرواناه ،  بأمر أبغا ملك التتر ،  ومعهم جيش الموصل  وجيش ماردين  والأكراد ،  ونصبوا عليها ثلاثة وعشرين منجنيقا ، فخرج أهل البيرة  في الليل ، فكبسوا عسكر التتار  وأحرقوا المنجنيقات ونهبوا شيئا كثيرا ، ورجعوا إلى بيوتهم سالمين ، فأقام عليها الجيش مدة إلى تاسع عشر الشهر المذكور ، ثم رجعوا عنها بغيظهم لم ينالوا خيرا ، وكفى الله المؤمنين القتال ، وكان الله قويا عزيزا . 
ولما بلغ السلطان نزول التتر  على البيرة  أنفق في الجيش ستمائة ألف دينار ، ثم ركب سريعا وفي صحبته ولده السعيد ،  فلما كان في أثناء الطريق بلغه رحيل التتر  عنها ، فعاد إلى دمشق  ، ثم ركب في رجب إلى القاهرة  ، فدخلها في ثامن عشر ، فوجد بها خمسة وعشرين رسولا من جهة ملوك الأرض ينتظرونه ، فتلقوه وحدثوه وقبلوا الأرض بين يديه ، ودخل القلعة في أبهة عظيمة . 
ولما عاد البرواناه  إلى بلاد الروم  حلف الأمراء الكبار; منهم : شرف الدين   [ ص: 520 ] مسعود  وضياء الدين محمود  ابنا الخطير ،  وأمين الدين ميكائيل ،  وحسام الدين بيجار ،  وولده بهاء الدين ،  على أن يكونوا من جهة السلطان الملك الظاهر ،  وينابذوا أبغا ،  فحلفوا له على ذلك ، وكتب إلى الظاهر  بذلك ، وأن يرسل إليه جيشا ، ويحمل له ما كان يحمله إلى التتار ،  ويكون  غياث الدين كيخسرو  على ما هو عليه ، يجلس على تخت مملكة الروم    . 
وفي هذه السنة استسقى أهل بغداد  ثلاثة أيام ولاء فلم يسقوا . 
وفيها في رمضان منها وجد رجل وامرأة في نهار رمضان على فاحشة الزنا ، فأمر علاء الدين  صاحب الديوان برجمهما فرجما ، ولم يرجم ببغداد  قبلهما قط أحد منذ بنيت ، وهذا غريب جدا . 
وفيها استسقى أهل دمشق  أيضا مرتين; في أواخر رجب وأوائل شعبان - وكان ذلك في أواخر كانون الثاني - فلم يسقوا أيضا . 
وفيها أرسل السلطان جيشا إلى دنقلة ،  فكسر جيش السودان  ، وقتلوا منهم خلقا ، وأسروا شيئا كثيرا من السودان  ، بحيث أبيع الرقيق الرأس بثلاثة دراهم ، وهرب ملكهم داود  إلى صاحب النوبة  فأرسله إلى الملك الظاهر  محتاطا عليه ، وقرر الملك الظاهر  على أهل دنقلة  جزية تحمل إليه في كل سنة . كل ذلك كان في شعبان من هذه السنة . 
وفيها عقد عقد الملك السعيد بن الظاهر ،  على بنت الأمير سيف الدين   [ ص: 521 ] قلاوون الألفي ،   في الإيوان بحضرة السلطان والدولة على صداق خمسة آلاف دينار ، يعجل منها ألفا دينار ، وكان الذي كتبه وقرأه محيي الدين بن عبد الظاهر ،  فأعطي مائة دينار وخلع عليه . ثم ركب السلطان مسرعا ، فوصل إلى حصن الكرك  ، فجمع القيمرية الذين به فإذا هم ستمائة نفر ، فأمر بشنقهم ، فشفع فيهم عنده ، فأطلقهم وأجلاهم منه إلى مصر ،  وكان قد بلغه عنهم أنهم يريدون قتل من فيه ، ويقيموا ملكا عليهم ، وسلم الحصن إلى الطواشي شمس الدين رضوان السهيلي ،  ثم عاد في بقية الشهر إلى دمشق  ، فدخلها يوم الجمعة ثامن عشر الشهر . 
وفيها كانت زلزلة بأخلاط ،  واتصلت ببلاد بكر    . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					