[ ص: 36 ] باب افتراق الأمم 
 وقال ابن ماجه    : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ،  حدثنا محمد بن بشر ،  حدثنا محمد بن عمرو ،  عن أبي سلمة ،  عن  أبي هريرة ،  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تفرقت اليهود  على إحدى وسبعين فرقة ، وتفرقت أمتي على ثلاث وسبعين فرقة    " . ورواه أبو داود  عن وهب بن بقية ،  عن خالد ،  عن محمد بن عمرو ،  به . 
وقال ابن ماجه    : حدثنا عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي ،  حدثنا عباد بن يوسف ،  حدثنا  صفوان بن عمرو ،  عن  راشد بن سعد ،  عن عوف بن مالك ،  قال : قال رسول الله : " افترقت اليهود  على إحدى وسبعين فرقة ، فواحدة في الجنة ، وسبعون في النار ، وافترقت النصارى  على ثنتين وسبعين فرقة ، فإحدى وسبعون في النار ، وواحدة في الجنة ، والذي نفسي بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ، فواحدة في الجنة ، وثنتان وسبعون في النار " . قيل : يا رسول الله ، من هم؟ قال : " الجماعة " . تفرد به ، وإسناده لا بأس به . 
 [ ص: 37 ] وقال ابن ماجه  أيضا : حدثنا  هشام ، هو ابن عمار ،  حدثنا  الوليد بن مسلم ،  حدثنا أبو عمرو ،  حدثنا قتادة ،  عن أنس بن مالك ،  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن بني إسرائيل  افترقت على إحدى وسبعين فرقة ، وإن أمتي ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة ، كلها في النار إلا واحدة ، وهي الجماعة   " . وهذا إسناد قوي على شرط الصحيح ، تفرد به ابن ماجه  أيضا . 
وقد روى أبو داود ،  من حديث الأوزاعي ،  عن قتادة ،  عن أنس    . وأبي سعيد ،  قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سيكون في أمتي اختلاف وفرقة ، وقوم يحسنون القيل ، ويسيئون الفعل   " . الحديث . 
وقال أبو داود    : حدثنا  أحمد بن حنبل ،  ومحمد بن يحيى بن فارس ،  قالا : حدثنا أبو المغيرة ،  حدثنا صفوان ، هو ابن عمرو ،  حدثنا أزهر ، هو ابن عبد الله الحرازي    - قال أحمد    - عن أبي عامر الهوزني ،  عن  معاوية بن أبي سفيان ،  أنه قام فقال : ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فينا ، فقال : " ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة ، وإن هذه   [ ص: 38 ] الملة ستفترق على ثلاث وسبعين ، ثنتان وسبعون في النار ، وواحدة في الجنة ، وهي الجماعة   " . تفرد به أبو داود ،  وإسناده حسن . وفي " مستدرك  الحاكم    " أن الصحابة لما سألوه عن الفرقة الناجية : من هم؟ قال : " ما أنا عليه اليوم وأصحابي   . 
وقال  الإمام أحمد    : ثنا يحيى بن إسحاق ،  ثنا ابن لهيعة ،  عن  بكر بن سوداة ،  عن  سهل بن سعد الأنصاري ،  عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " والذي نفسي بيده ، لتركبن سنن من كان قبلكم مثلا بمثل    " . تفرد به أحمد  من هذا الوجه " . 
وقد تقدم في حديث حذيفة  أن المخلص من الفتن عند وقوعها اتباع الجماعة ولزوم الإمام بالطاعة إذا كانوا على حق واتباع الشرع ، وإذا فسدوا فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، فإنما الطاعة في المعروف . قال أبو بكر الصديق    : أطيعوني ما أطعت الله عز وجل ، فإذا خالفت فلا طاعة لي عليكم . 
وقد قال ابن ماجه    : حدثنا العباس بن عثمان الدمشقي ،  حدثنا  الوليد بن مسلم ،  حدثنا معان بن رفاعة السلامي ،  حدثنا أبو خلف الأعمى ،  أنه سمع أنس بن مالك  يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن أمتي لا تجتمع على   [ ص: 39 ] ضلالة ، فإذا رأيتم الاختلاف فعليكم بالسواد الأعظم   " . ولكن هذا حديث ضعيف; لأن معان بن رفاعة السلامي  قد ضعفه غير واحد من الأئمة . وفي بعض الروايات : " عليكم بالسواد الأعظم; الحق وأهله   " . وقد كان  الإمام أحمد  يقول : السواد الأعظم محمد بن أسلم الطوسي    . وقد كان أهل الحق في الصدر الأول هم أكثر الأمة; فكان لا يوجد فيهم مبتدع لا في الأقوال ولا الأفعال ، وفي الأعصار المتأخرة فقد يجتمع الجم الغفير على بدعة ، وقد يخلو الحق في بعض الأزمان المتأخرة عن عصابة يقومون به ، كما قال في حديث حذيفة    : فإن لم يكن لهم إمام ولا جماعة؟ قال له : " فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك   " . وتقدم الحديث الصحيح : " بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ   " . وسيأتي في الحديث : " لا تقوم الساعة على أحد يقول : الله الله   " . 
والمقصود أنه إذا ظهرت الفتن ، فإنه يسوغ اعتزال الناس حينئذ ، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا وإعجاب كل ذي رأي برأيه ، فعليك بخويصة نفسك ، ودع أمر العوام   " . 
وفي رواية : " إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة فعليك   [ ص: 40 ] بخاصة نفسك ، فإن من بعدكم زمان الصبر ، صبر فيهن كقبض على الجمر   " ، وقد اعتزل جماعة من السلف الناس والجمعة والجماعة وهم أئمة كبار; كأبي ذر   وسعد بن أبي وقاص ،    وسعيد بن زيد ،   وسلمة بن الأكوع  في جماعة من الصحابة ،  حتى اعتزلوا مسجد النبي صلى الله عليه وسلم الذي الصلاة فيه بألف صلاة . واعتزل مالك  الجمعة والجماعة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم مع معرفته الحديث في فضل الصلاة فيه ، فكان لا يشهد جمعة ولا جماعة ، وكان إذا ليم في ذلك يقول : ما كل ما يعلم يقال . وقصته معروفة ، وكذلك اعتزل  سفيان الثوري  وخلق من التابعين وتابعيهم; لما شاهدوه من الظلم والشرور والفتن خوفا على إيمانهم أن يسلب منهم ، وقد ذكر  الخطابي  في كتاب " العزلة " وكذلك ابن أبي الدنيا  قبله من هذا جانبا كبيرا . 
وقال  البخاري    : حدثنا عبد الله بن يوسف ،  أخبرنا مالك ،  عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة ،  عن أبيه ، عن أبي سعيد  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " " يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر; يفر بدينه من الفتن   " . لم يخرجه مسلم ،  وقد رواه أبو داود ،   والنسائي ،   وابن ماجه ،  من طريق ابن أبي صعصعة  به ، ويجوز حينئذ سؤال الموت وطلبه من الله عند ظهور الفتن والظلم وإن كان قد نهي عنه لغير ذلك ، كما صح به الحديث " . 
 [ ص: 41 ] وقال  الإمام أحمد    : حدثنا حسن ،  حدثنا ابن لهيعة ،  حدثنا أبو يونس ،  عن  أبي هريرة ،  عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " لا يتمنى أحدكم الموت ولا يدعو به من قبل أن يأتيه ، إلا أن يكون قد وثق بعمله فإنه إن مات أحدكم انقطع عمله ، وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا   " . والدليل على جواز سؤال الموت عند الفتن ،  الحديث الذي رواه أحمد  في " مسنده " عن معاذ بن جبل ،  وهو حديث المنام الطويل . وفيه : " اللهم إني أسألك فعل الخيرات ، وترك المنكرات ، وحب المساكين ، وأن تغفر لي وترحمني ، وإذا أردت بقوم فتنة فتوفني إليك غير مفتون ، اللهم إني أسألك حبك ، وحب من يحبك ، وحب عمل يقربني إلى حبك   " . 
وهذه الأحاديث المتقدمة دالة على أنه يأتي على الناس زمان شديد لا يكون فيه للمسلمين جماعة قائمة بالحق ، إما في جميع الأرضية أو في بعضها . 
وقد ثبت في " الصحيح " عن عبد الله بن عمرو ،  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ،  حتى إذا لم يبق عالما ، اتخذ الناس رءوسا جهالا ، فسئلوا فأفتوا بغير   [ ص: 42 ] علم ، فضلوا وأضلوا   " . وفي الحديث الآخر : " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك   " . وفي " صحيح  البخاري    " : " وهم بالشام    " . قال  عبد الله بن المبارك  وغير واحد من الأئمة : وهم أهل الحديث . 
وقال أبو داود    : حدثنا سليمان بن داود المهري ،  حدثنا ابن وهب ،  حدثنا  سعيد بن أبي أيوب ،  عن شراحيل بن يزيد المعافري ،  عن أبي علقمة ،  عن  أبي هريرة ،  عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها   " . تفرد به أبو داود    . ثم قال " : عبد الرحمن بن شريح  لم يجز به شراحيل    . يعني أنه موقوف عليه ، وقد ادعى كل قوم في إمامهم أنه المراد بهذا الحديث ، والظاهر ، والله أعلم ، أنه يعم حملة العلم العاملين به من كل طائفة ، ممن عمله مأخوذ عن الشارع ، أو ممن هو موافق من كل طائفة وكل صنف من أصناف العلماء ، من مفسرين ، ومحدثين ، وقراء ، وفقهاء ، ونحاة ، ولغويين ، إلى غير ذلك من أصناف العلوم النافعة ، والله أعلم . قال سفيان بن عيينة    : من فسد من علمائنا كان فيه شبه من اليهود ،  ومن فسد من عبادنا كان فيه شبه من النصارى    . 
 [ ص: 43 ] وقوله في حديث عبد الله بن عمرو    : " إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن بقبض العلماء   " . ظاهر في أن العلم لا ينتزع من صدور العلماء بعد أن وهبهم الله إياه . وقد ورد في الحديث الآخر الذي رواه ابن ماجه  عن بندار ،   ومحمد بن المثنى ،  عن غندر ،  عن شعبة  سمعت قتادة  يحدث عن أنس بن مالك  قال : ألا أحدثكم حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحدثكم به أحد بعدي ، سمعته منه : " إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ، ويظهر الجهل ، ويفشو الزنى ، ويشرب الخمر ، ويذهب الرجال ، ويبقى النساء ، حتى يكون لخمسين امرأة قيم واحد   " . وأخرجاه في " الصحيحين " ، من حديث غندر ،  به . وقال ابن ماجه    : حدثنا  محمد بن عبد الله بن نمير ،  حدثنا أبي  ووكيع ،  عن الأعمش ،  عن شقيق ،  عن عبد الله ،  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يكون بين يدي الساعة أيام ، يرفع فيها العلم ، وينزل فيها الجهل ،  ويكثر فيها الهرج ، والهرج القتل   " . وهكذا رواه  البخاري  ومسلم  من حديث الأعمش ،  به " . 
وقال ابن ماجه    : حدثني علي بن محمد ،  حدثنا أبو معاوية ،  عن  أبي مالك الأشجعي ،  عن  ربعي بن حراش ،  عن حذيفة بن اليمان ،  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب ، حتى لا يدرى ما صيام ولا   [ ص: 44 ] صلاة ولا نسك ولا صدقة ، ويسرى على الكتاب في ليلة ، فلا يبقى في الأرض منه آية ، وتبقى طوائف من الناس; الشيخ الكبير ، والعجوز ، يقولون : أدركنا آباءنا على هذه الكلمة : لا إله إلا الله ، فنحن نقولها " . فقال له صلة    : ما تغني عنهم : " لا إله إلا الله " وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام ، ولا نسك ولا صدقة؟ فأعرض عنه حذيفة ،  ثم ردها عليه ثلاثا ، كل ذلك يعرض عنه حذيفة ،  ثم أقبل عليه في الثالثة ، فقال : يا صلة ،  تنجيهم من النار . ثلاثا   . 
وهذا دال على أن العلم قد يرفع من صدور الرجال في آخر الزمان ،  حتى إن القرآن يسرى عليه فيرفع من المصاحف والصدور ، ويبقى الناس بلا علم ولا قرآن ، وإنما الشيخ الكبير والعجوز المسنة يخبران أنهم أدركوا الناس وهم يقولون : لا إله إلا الله فهم يقولونها أيضا على وجه التقرب بها إلى الله عز وجل ، فهي نافعة لهم ، وإن لم يكن عندهم من العمل الصالح والعلم النافع غيرها ، وقوله : تنجيهم من النار . يحتمل أن يكون المراد أنها تدفع عنهم دخول النار بالكلية ، ويكون فرضهم في ذلك الزمان القول المجرد عن العمل ، لعدم تكليفهم بالأعمال ، التي لم يخاطبوا بها ، والله أعلم . ويحتمل أن يكون أراد نجاتهم من النار بعد دخولهم إليها ، وأن لا إله إلا الله تكون سبب نجاتهم من العذاب الدائم المستمر . وعلى هذا يحتمل أن يكونوا من المرادين بقوله تعالى في الحديث : " وعزتي وجلالي لأخرجن من النار من قال يوما من الدهر : لا إله إلا الله   " . كما سيأتي بيانه في أحاديث الشفاعة ، ويحتمل أن يكون أولئك قوما آخرين . والله أعلم . 
 [ ص: 45 ] والمقصود : أن العلم يرفع في آخر الزمان ، ويكثر الجهل ، في رواية ، وفي رواية : وينزل الجهل . أي يلهم أهل ذلك الزمان الجهل ، وذلك من قهر الله عليهم ، وخذلانه إياهم ، نعوذ بالله من ذلك ، ثم لا يزالون كذلك في تزايد من الجهالة والضلالة ، إلى منتهى الآجال ، كما في الحديث الأخير : " لا تقوم الساعة على أحد يقول : الله الله   " ، و " لا تقوم الساعة إلا على أشرار الناس   " . 
وفي  الطبراني  من حديث مطرح بن يزيد ،  عن علي بن يزيد ،  عن القاسم ،  عن أبي أمامة  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن لهذا الدين إقبالا وإدبارا ،  وإن من إقباله أن تفقه القبيلة بأسرها حتى لا يبقى فيها إلا الفاسق أو الفاسقان ، فهما ذليلان فيها مضطهدان ، إن تكلما قهرا وذلا واضطهدا ، وإن من إدبار هذا الدين أن تجفو القبيلة بأسرها فلا يبقى فيها إلا الفقيه أو الفقيهان ، فهما ذليلان مضطهدان ، إن تكلما قهرا واضطهدا ، ويلعن آخر هذه الأمة أولها ، ألا وعليهم حلت اللعنة ، حتى يشرب الخمر علانية ، وحتى تمر المرأة بالقوم ، فيقوم إليها بعضهم ، فيرفع بذيلها كما يرفع بذنب النعجة ، فيقول بعضهم : ألا واريتها وراء حائط . فهو يومئذ فيهم مثل أبي بكر  وعمر  فيكم ، ومن أمر يومئذ بمعروف ، ونهى عن منكر ، فله أجر خمسين ممن رآني وآمن بي وأطاعني وبايعني   " . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					