[ ص: 227 ] صفة المسيح عيسى ابن مريم   رسول الله ، عليه السلام 
ثبت في " الصحيحين " من حديث الزهري ،  عن سعيد ،  عن  أبي هريرة ،  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليلة أسري بي لقيت موسى    - قال : فنعته - فإذا رجل - حسبته قال - : مضطرب - أي طويل - رجل الرأس ، كأنه من رجال شنوءة " . قال : " ولقيت عيسى    " . فنعته النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " ربعة أحمر ، كأنما خرج من ديماس   " . يعني الحمام . 
 وللبخاري  من حديث مجاهد ،  عن ابن عمر  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رأيت عيسى ،  وموسى  وإبراهيم ،  فأما عيسى  فأحمر جعد عريض   [ ص: 228 ] الصدر ، وأما موسى  فآدم  جسيم سبط ، كأنه من رجال الزط   " . ولهما من طريق  موسى بن عقبة ،  عن نافع ،  عن ابن عمر  قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بين ظهراني الناس المسيح الدجال ،  فقال : " إن الله ليس بأعور ، ألا إن المسيح الدجال  أعور العين اليمنى ، كأن عينه عنبة طافية ، وأراني الليلة عند الكعبة  في المنام ، وإذا رجل آدم كأحسن ما يرى من أدم الرجال ، تضرب لمته بين منكبيه ، رجل الشعر ، يقطر رأسه ماء ، واضعا يديه على منكبي رجلين ، وهو يطوف بالبيت . فقلت : من هذا؟ فقالوا : هذا المسيح ابن مريم    . ثم رأيت رجلا وراءه ، جعدا قططا أعور عين اليمنى ، كأشبه من رأيت بابن قطن ،  واضعا يديه على منكبي رجل ، يطوف بالبيت ، فقلت : من هذا؟ قالوا : " المسيح الدجال    " . تابعه عبيد الله ،  عن نافع    . 
ثم روى  البخاري ،  عن أحمد بن محمد المكي ،  عن إبراهيم بن سعد ،  عن الزهري ،  عن سالم ،  عن أبيه قال : لا والله ، ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعيسى    : " أحمر " . ولكن قال : " بينما أنا نائم أطوف بالكعبة ،  فإذا رجل آدم سبط الشعر ، يهادى بين رجلين ، ينظف رأسه ماء - أو يهراق رأسه ماء -   [ ص: 229 ] فقلت : من هذا؟ قالوا : ابن مريم    . فذهبت ألتفت ، فإذا رجل أحمر جسيم ، جعد الرأس ، أعور عينه اليمنى ، كأن عينه عنبة طافية . قلت : من هذا؟ قالوا : هذا الدجال ،  وأقرب الناس به شبها ابن قطن    " . قال الزهري    : رجل من خزاعة  هلك في الجاهلية . 
وتقدم في حديث النواس بن سمعان    : " فينزل عند المنارة البيضاء ،  شرقي دمشق ،  بين مهرودتين ، واضعا كفيه على أجنحة ملكين ، إذا طأطأ رأسه قطر ، وإذا رفعه تحدر منه مثل جمان اللؤلؤ ، ولا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات ، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه   " . 
هذا هو الأشهر في موضع نزوله أنه على المنارة البيضاء الشرقية بدمشق ،  وقد رأيت في بعض الكتب : أنه ينزل على المنارة البيضاء  شرقي جامع دمشق    . فلعل هذا هو المحفوظ ، وتكون الرواية : " فينزل على المنارة البيضاء الشرقية بدمشق    " فتصرف الراوي في التعبير بحسب ما فهم ، وليس في دمشق  منارة تعرف بالشرقية سوى التي إلى جانب الجامع الأموي بدمشق  من شرقيه ، وهذا هو الأنسب والأليق; لأنه ينزل ، وقد أقيمت الصلاة ، فيقول له إمام المسلمين : " يا روح الله تقدم " . فيقول : " تقدم أنت ، فإنها إنما أقيمت لك " . وفي رواية : " بعضكم على بعض أمراء ، تكرمة الله هذه الأمة   " . 
وقد جدد بناء منارة في زماننا في سنة إحدى وأربعين وسبعمائة ، من حجارة بيض ، من أموال النصارى  الذين حرقوا المنارة التي كانت مكانها ، ولعل هذا يكون من دلائل النبوة الظاهرة ، حيث قبض الله بناء هذه المنارة البيضاء من أموال   [ ص: 230 ] النصارى ،  لينزل عيسى ابن مريم  عليها ، فيقتل الخنزير ، ويكسر الصليب ، ولا يقبل منهم جزية ، ومن لم يسلم قتله ، وكذلك يكون حكمه في سائر كفار أهل الأرض يومئذ ، فإنه لا يبقى حكم في أهل الأرض إلا له ، وهذا من باب الإخبار عن المسيح  بذلك ، فإن الله قد سوغ له ذلك ، وشرعه له ، فإنه إنما يحكم بمقتضى هذه الشريعة المطهرة . 
وقد ورد في بعض الأحاديث ، كما تقدم ، أنه ينزل ببيت المقدس ،  والأحاديث تقتضي أن الدجال  يقتل بلد قبل أن يدخل بيت المقدس ،  فتدل على أنه لا يدخله الدجال  كمكة  والمدينة  حماية له منه ، وفي رواية : أن عيسى  ينزل بالأردن ،  وفي رواية بمعسكر المسلمين ، وهذا في بعض روايات مسلم ،  كما تقدم . والله أعلم . 
وتقدم في حديث عبد الرحمن بن آدم ،  عن  أبي هريرة    : " وإنه نازل ، فإذا رأيتموه فاعرفوه رجل مربوع إلى الحمرة والبياض ، عليه ثوبان ممصران ، كأن رأسه يقطر ، وإن لم يصبه بلل ، فيدق الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، ويدعو الناس إلى الإسلام ، ويهلك الله تعالى في زمانه الملل كلها إلا الإسلام ، ويهلك الله في زمانه المسيح الدجال ،  ثم تقع الأمنة على الأرض ، حتى ترتع الأسود مع الإبل ، والنمار مع البقر ، والذئاب مع الغنم ، ويلعب الصبيان بالحيات لا تضرهم ، فيمكث أربعين سنة ثم يتوفى ، ويصلي عليه المسلمون   " . رواه أحمد ،  وأبو داود . 
  [ ص: 231 ] وهكذا وقع في هذا الحديث أنه يمكث في الأرض أربعين سنة . 
وثبت في صحيح مسلم ،  عن عبد الله بن عمرو ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه يمكث في الأرض سبع سنين . فهذا مع هذا مشكل ، اللهم إلا أن تحمل هذه السبع على مدة إقامته بعد نزوله ، ويكون ذلك محمولا على مكثه فيها قبل رفعه مضافا إليه ، وكان عمره قبل رفعه ثلاثا وثلاثين سنة على المشهور . وهذه السبع تكملة الأربعين ، فيكون هذا مدة مقامه في الأرض قبل رفعه وبعد نزوله ، . وأما مقامه في السماء قبل نزوله فهو مدة طويلة . والله سبحانه أعلم . 
وقد ثبت في الصحيح أن يأجوج ومأجوج  يخرجون في زمانه ويهلكهم الله ببركة دعائه في ليلة واحدة كما تقدم وكما سيأتي ، وثبت أنه يحج في مدة إقامته في الأرض بعد نزوله . 
وقال  محمد بن كعب القرظي    : في الكتب المنزلة ، أن أصحاب الكهف  يكونون في حواريه ، وأنهم يحجون معه ، ذكره القرطبي  في الملاحم ، في آخر كتاب " التذكرة " ، وتكون وفاته بالمدينة النبوية ،  فيصلى عليه هنالك ، ويدفن بالحجرة النبوية . وقد ذكر ذلك  ابن عساكر ،  ورواه أبو عيسى الترمذي  في " جامعه " ، عن  عبد الله بن سلام ،  فقال في كتاب المناقب : حدثنا  زيد بن أخزم الطائي البصري ،  حدثنا أبو قتيبة سلم بن قتيبة ،  حدثنا أبو مودود المدني ،   [ ص: 232 ] حدثنا عثمان بن الضحاك ،  عن محمد بن يوسف بن عبد الله بن سلام ،  عن أبيه ، عن جده قال : مكتوب في التوراة صفة محمد ،  وعيسى ابن مريم  يدفن معه . قال : فقال أبو مودود    : وقد بقي في البيت موضع قبر . ثم قال : هذا حديث حسن غريب . هكذا قال عثمان بن الضحاك ،  والمعروف الضحاك بن عثمان المدني    . انتهى ما ذكره الترمذي ،  رحمه الله تعالى . 
وروى  الطبراني  من حديث عبد الله بن نافع ،  عن عثمان بن الضحاك ،  عن محمد بن يوسف بن عبد الله بن سلام ،  عن أبيه ، عن جده قال : يدفن عيسى ابن مريم  مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبي بكر  وعمر ،  فيكون قبره رابعا   . 
وقال  أبو داود الطيالسي ،  عن علي بن مسعدة ،  عن رياح بن عبيدة ،  حدثني  يوسف بن عبد الله بن سلام ،  عن أبيه قال : يمكث الناس بعد الدجال  يعمرون الأسواق ، ويغرسون النخل   . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					