[ ص: 328 ] ذكر أمر هذه النار ، وحشرها الناس إلى أرض الشام  
 ثبت في " الصحيحين " من حديث وهيب ،  عن  عبد الله بن طاوس ،  عن أبيه ، عن  أبي هريرة ،  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يحشر الناس على ثلاث طرائق : راغبين وراهبين . واثنان على بعير ، وثلاثة على بعير . وأربعة على بعير ، وعشرة على بعير . وتحشر بقيتهم النار ، تقيل معهم حيث قالوا ، وتبيت معهم حيث باتوا ، وتصبح معهم حيث أصبحوا ، وتمسي معهم حيث أمسوا   " . 
وروى أحمد ،  عن عفان ،  عن حماد ،  عن ثابت ،  عن أنس ،  أن  عبد الله بن سلام  سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول أشراط الساعة    ; فقال : " نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب    " . الحديث بطوله ، وهو في " الصحيح " . 
وروى  الإمام أحمد ،  عن حسن ،  وعفان ،  عن حماد بن سلمة ،  عن علي بن زيد ،  عن أوس بن خالد ،  عن  أبي هريرة    : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :   " يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف;  صنف مشاة ، وصنف ركبان ، وصنف على وجوههم " . قالوا : يا رسول الله ، وكيف يمشون على وجوههم؟ قال : " إن   [ ص: 329 ] الذي أمشاهم على أرجلهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم ، أما إنهم يتقون بوجوههم كل حدب وشوك   " . 
وقد رواه  أبو داود الطيالسي  في " مسنده " ، عن حماد بن سلمة ،  بنحو من هذا السياق . 
وقال  الإمام أحمد    : حدثنا عبد الرزاق ،  أخبرنا معمر ،  عن قتادة ،  عن  شهر بن حوشب ،  عن عبد الله بن عمرو ،  قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إنها ستكون هجرة بعد هجرة ، ينحاز الناس إلى مهاجر إبراهيم ،  لا يبقى في الأرض إلا شرار أهلها ، تلفظهم أرضوهم ، وتقذرهم نفس الرحمن عز وجل ، تحشرهم النار مع القردة والخنازير ، تبيت معهم إذا باتوا ، وتقيل معهم إذا قالوا ، وتأكل من تخلف   " . وروى  الطبراني  من حديث  المهلب بن أبي صفرة ،  عن عبد الله بن عمرو ،  بنحوه . 
وقال  الحافظ أبو بكر البيهقي  في كتابه " البعث والنشور " : أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عبيد الله الحرفي  ببغداد ،  حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن الزبير القرشي ،  حدثنا الحسن بن علي بن عفان ،  حدثنا زيد بن   [ ص: 330 ] الحباب ،  أخبرني الوليد بن جميع القرشي    ( ح ) . 
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ،  حدثنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي ،  حدثنا سعيد بن مسعود ،  حدثنا  يزيد بن هارون ،  أنبأ الوليد بن عبد الله بن جميع ،  عن  أبي الطفيل عامر بن واثلة ،  عن أبي سريحة حذيفة بن أسيد الغفاري    : سمعت  أبا ذر الغفاري  رضي الله عنه ، وتلا هذه الآية : ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما    [ الإسراء : 97 ] . فقال أبو ذر    : حدثني الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أن الناس يحشرون يوم القيامة على ثلاثة أفواج ، فوج طاعمين كاسين راكبين ، وفوج يمشون ويسعون ، وفوج تسحبهم الملائكة على وجوههم . قلنا : قد عرفنا هذين ، فما بال الذين يمشون ويسعون؟ قال : " يلقي الله الآفة على الظهر حتى لا يبقى ذات ظهر ، حتى إن الرجل ليعطي الحديقة المعجبة بالشارف ذات القتب   " . لفظ  الحاكم    . 
وهكذا رواه  الإمام أحمد ،  عن  يزيد بن هارون ،  ولم يذكر تلاوة أبي  ذر للآية ، وزاد في آخره : " فلا يقدر عليها " . 
وفي مسند  الإمام أحمد  من حديث بهز  وغيره ، عن أبيه حكيم بن معاوية ،  عن جده معاوية بن حيدة القشيري ،  عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :   [ ص: 331 ]   " تحشرون ههنا - وأومأ بيده إلى نحو الشام    - مشاة ، وركبانا ، وتجرون على وجوهكم ، وتعرضون على الله وعلى أفواهكم الفدام ، فأول ما يعرب عن أحدكم فخذه وكفه   " . وقد رواه الترمذي ،  عن أحمد بن منيع ،  عن  يزيد بن هارون ،  عن بهز بن حكيم ،  عن أبيه ، عن جده ، بنحوه ، وقال : حسن صحيح . 
وقال أحمد    : ثنا عثمان بن عمر ،  ثنا عبد الحميد بن جعفر ،  قال . : ثنا أبو جعفر محمد بن علي ،  عن رافع بن بشر السلمي ،  عن أبيه؟ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يوشك أن تخرج نار من حبس سيل تسير سير بطيئة الإبل ، تسير النهار وتقيم الليل ، تغدو وتروح ، يقال : غدت النار يا أيها الناس فاغدوا ، قالت النار يا أيها الناس فقيلوا ، راحت النار يا أيها الناس فروحوا . من أدركته أكلته   " . تفرد به . ورواه أبو نعيم  في ترجمة بشر أبي رافع السلمي ،  وفيه . " تضيء لها أعناق الإبل ببصرى " . 
 [ ص: 332 ] فهذه السياقات تدل على أن هذا الحشر هو حشر الموجودين في آخر الدنيا من أقطار الأرض إلى محلة المحشر ، وهي أرض الشام ،  وأنهم يكونون على أصناف ثلاثة; فقسم طاعمين كاسين راكبين ، وقسم يمشون تارة ويركبون أخرى ، وهم يعتقبون على البعير الواحد ، كما تقدم في " الصحيحين " : " اثنان على بعير ، وثلاثة على بعير " . إلى أن قال : " وعشرة على بعير " . يعتقبونه من قلة الظهر ، كما تقدم . وكما جاء مفسرا في الحديث الآخر ، " وتحشر بقيتهم النار " . وهي التي تخرج من قعر عدن ،  فتحيط بالناس من ورائهم ، تسوقهم من كل جانب إلى أرض المحشر ، ومن تخلف منهم أكلته . 
وهذا كله مما يدل على أن هذا إنما يكون في آخر الزمان آخر الدنيا ، حيث يكون الأكل والشرب والركوب موجودا ، والمشترى وغيره ، وحيث تهلك المتخلفين منهم النار ، ولو كان هذا بعد نفخة البعث لم يبق موت ، ولا ظهر يشترى ، ولا أكل ولا شرب ولا لبس في العرصات . 
والعجب كل العجب أن  الحافظ أبا بكر البيهقي  بعد روايته لأكثر هذه الأحاديث حمل هذا الركوب على أنه يوم القيامة ، وصحح ذلك ، وضعف ما قلناه ، واستدل على ما ذهب إليه بقوله تعالى : يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا    [ مريم : 85 ، 86 ] . 
 [ ص: 333 ] وكيف يصح ما ادعاه في تفسير الآية بالحديث ، وفيه أن منهم : " اثنان على بعير ، وثلاثة على بعير ، وعشرة على بعير " ، وقد جاء التصريح بأن ذلك من قلة الظهر؟! هذا لا يلتئم مع هذا ، والله أعلم ، فإن نجائب المتقين من الجنة ، يركبونها من العرصات إلى الجنات على غير هذه الصفة ، كما سيأتي بيان ذلك في موضعه . 
فأما الحديث الآخر الوارد من طرق ، عن جماعة من الصحابة ، منهم ابن عباس ،   وابن مسعود ،   وعائشة ،  وغيرهم : " إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلا    : كما بدأنا أول خلق نعيده    [ الأنبياء : 104 ] " . فذلك حشر غير هذا ، ذاك في يوم القيامة بعد نفخة البعث ، يوم يقوم الناس من قبورهم حفاة عراة غرلا ، أي غير مختتنين ، وكذلك حشر الكافرين  إلى جهنم وردا; أي عطاشا . 
وقوله تعالى : ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا    [ الإسراء : 97 ] . فذلك إنما يحصل لهم حين يؤمر بهم إلى النار من مقام المحشر ، كما سيأتي بيان ذلك كله في مواضعه ، إن شاء الله تعالى . 
وقد ذكر في حديث الصور : أن الأموات لا يشعرون بشيء مما يقع من ذلك بسبب نفخة الفزع ، وأن الذين استثنى الله تعالى إنما هم الشهداء ،   [ ص: 334 ] لأنهم أحياء عند ربهم يرزقون ، فهم يشعرون بها ولا يفزعون منها ، وكذلك لا يصعقون بسبب نفخة الصعق . 
وقد اختلف المفسرون في المستثنين منها على أقوال : أحدها هذا ، كما جاء مصرحا به فيه ، وقيل : بل هم جبريل ،  وميكائيل ،  وإسرافيل ،  وملك الموت    . وقيل : وحملة العرش . وقيل غير ذلك ، فالله أعلم . 
وقد ذكر في حديث الصور أنه يطول على أهل الدنيا مدة ما بين نفخة الفزع ، ونفخة الصعق ، وهم يشاهدون تلك الأهوال ، والأمور العظام . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					