ذكر بعث الناس حفاة عراة غرلا ، وذكر أول من يكسى يومئذ من الناس  
قال  الإمام أحمد    : حدثنا يزيد بن عبد ربه ،  حدثنا بقية ،  حدثنا الزبيدي ،  عن الزهري ،  عن عروة ،  عن عائشة ،  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يبعث الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا " . قال : فقالت عائشة    : يا رسول الله ، فكيف   [ ص: 371 ] بالعورات؟ فقال : لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه    [ عبس : 37 ] وأخرجاه في " الصحيحين " من حديث حاتم بن أبي صغيرة ،  عن  عبد الله بن أبي مليكة ،  عن القاسم ،  عن عائشة ،  بنحوه . 
وقال  الإمام أحمد    : حدثنا عفان ،  حدثنا شعبة ،  حدثنا المغيرة بن النعمان ،  شيخ من النخع ، قال : سمعت سعيد بن جبير  يحدث ، قال : سمعت ابن عباس  ، قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة ، فقال : " يا أيها الناس ، إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلا كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين    [ الأنبياء : 104 ] . ألا وإن أول الخلق يكسى يوم القيامة إبراهيم ،  وإنه سيجاء بأناس من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال ، فلأقولن : أصحابي . فليقالن لي : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك . فلأقولن كما قال العبد الصالح : وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم    [ المائدة : 117 ، 118 ] فيقال : إن هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم   " . أخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة    . ورواه أحمد ،  عن سفيان بن عيينة    . وفي الصحيحين من حديثه ، عن  عمرو بن دينار ،  عن سعيد بن جبير  ، عن ابن عباس ،  مرفوعا : ( إنكم محشورون   [ ص: 372 ] إلى الله عز وجل ، حفاة عراة غرلا   " . ورواه  البيهقي  من حديث هلال بن خباب ،  عن سعيد بن جبير  ، عن ابن عباس ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " تحشرون حفاة عراة غرلا " ، فقالت زوجته : أينظر بعضنا إلى عورة بعض ؟ فقال : " يا فلانة ، لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه    [ عبس 37 ] . 
وقال  الحافظ أبو بكر البيهقي    : أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي ،  وأبو سعيد محمد بن موسى ،  قالا : حدثنا  أبو العباس محمد بن يعقوب ،  حدثنا العباس بن محمد الدوري ،  حدثنا مالك بن إسماعيل ،  حدثنا عبد السلام بن حرب  ، عن أبي خالد الدالاني ،  عن  المنهال بن عمرو ،  عن عبد الله بن الحارث ،  عن  أبي هريرة ،  قال : يحشر الناس حفاة عراة غرلا قياما أربعين سنة ، شاخصة أبصارهم إلى السماء ، قال : فيلجمهم العرق من شدة الكرب ، ثم يقال : اكسوا إبراهيم    . فيكسى قبطيتين من قباطي الجنة . قال : ثم ينادى لمحمد  صلى الله عليه وسلم ، فيفجر له الحوض ، وهو ما بين أيلة إلى مكة . قال : فيشرب ويغتسل ، وقد تقطعت أعناق الخلائق يومئذ من العطش . قال : ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فأكسى من حلل الجنة ، فأقوم عن - أو على - يمين الكرسي ليس أحد من الخلائق يقوم ذلك المقام يومئذ غيري ، فيقال : سل تعط ، واشفع تشفع " .   [ ص: 373 ] فقام رجل ، فقال : أترجو لوالديك شيئا؟ فقال : ( إني شافع لهما ، أعطيت أو منعت ، ولا أرجو لهما شيئا " . 
قال  البيهقي    : قد يكون هذا قبل نزول النهي عن الاستغفار للمشركين ، والصلاة على المنافقين . 
وقال القرطبي    : وروى ابن المبارك ،  عن سفيان ،  عن عمرو بن قيس  ، عن  المنهال بن عمرو ،  عن عبد الله بن الحارث ،  عن علي ،  قال : أول من يكسى الخليل قبطيتين ، ثم محمد  صلى الله عليه وسلم حلة حبرة عن يمين العرش   . 
وقال  أبو عبد الله القرطبي  في كتاب " التذكرة " : وروى أبو نعيم الأصبهاني ،  من حديث الأسود ،  وعلقمة ،   وأبي وائل  ، عن  عبد الله بن مسعود  ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أول من يكسى إبراهيم ،  عليه السلام ، يقول الله تعالى : اكسوا خليلي . فيؤتى بريطتين بيضاوين ، فيلبسهما ، ثم يقعد مستقبل العرش ، ثم أوتى بكسوتي ، فألبسها ، فأقوم عن يمينه قياما لا يقومه أحد غيري يغبطني فيه الأولون والآخرون   " . 
قال القرطبي    : وقال  الحليمي  في " منهاج الدين " له : وروى عباد بن كثير  ، عن  أبي الزبير ،  عن جابر  ، قال : إن المؤذنين والملبين يخرجون يوم القيامة   [ ص: 374 ] من قبورهم ، يؤذن المؤذن ، ويلبي الملبي ، وأول من يكسى من حلل الجنة إبراهيم ،  ثم محمد  صلى الله عليه وسلم ، ثم النبيون ، ثم المؤذنون   . وذكر تمامه . 
ثم شرع القرطبي  يذكر المناسبة في تقديم إبراهيم  الخليل صلى الله عليه وسلم ، في الكسوة يومئذ ، من ذلك أنه أول من لبس السراويل مبالغة في التستر ، وأنه جرد يوم ألقي في النار ، والله أعلم . 
وروى  البيهقي  من حديث  إسماعيل بن أبي أويس  ، حدثني أبي ، عن محمد بن أبي عياش  ، عن  عطاء بن يسار ،  عن سودة  زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( يبعث الناس حفاة عراة غرلا ، قد ألجمهم العرق ، فبلغ شحوم الآذان " . قلت : يا رسول الله ، واسوأتاه ، ينظر بعضنا إلى بعض؟! قال : " يشغل الناس عن ذلك ، لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه    [ عبس : 37 ] . إسناده جيد ، وليس هو في المسند ولا في الكتب . 
وقال ابن أبي الدنيا    : حدثنا سعيد بن سليمان ،  عن عبد الحميد بن سليمان ،  حدثني محمد بن أبي موسى ،  عن  عطاء بن يسار ،  عن أم سلمة ،  قالت : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " يحشر الناس حفاة عراة كما بدءوا " . قالت   [ ص: 375 ] أم سلمة    : يا رسول الله ، هل ينظر بعضنا إلى بعض؟! قال : " شغل الناس " . قلت : وما شغلهم؟ قال : " نشر الصحف فيها مثاقيل الذر ، ومثاقيل الخردل   " . 
وقال  الحافظ أبو بكر البزار    : حدثنا عمر بن شبة ،  حدثنا الحسين بن حفص  ، حدثنا  سفيان ، يعني الثوري ،  عن زبيد ،  عن مرة ،  عن عبد الله ،  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنكم محشورون حفاة عراة غرلا   " . قال البزار    : أحسب أن عمر بن شبة  غلط فيه ، فدخل عليه متن حديث في إسناد حديث ، وإنما هذا الحديث عن  سفيان الثوري ،  عن مغيرة بن النعمان ،  عن سعيد بن جبير ،  عن ابن عباس    . قال : وليس  لسفيان الثوري  عن زبيد ،  عن مرة ،  عن  عبد الله بن مسعود  حديث مسند . وهكذا رواه ابن أبي الدنيا ،  عن عمر بن شبة ،  به مثله ، وزاد : " وأول من يكسى يوم القيامة إبراهيم ، عليه الصلاة والسلام   " . 
وقال ابن أبي الدنيا    : حدثنا أبو عمار الحسين بن حريث  ، أخبرنا الفضل بن موسى ،  عن عائذ بن شريح  ، عن أنس ،  قال : سألت عائشة  رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله ، كيف يحشر الرجال؟ فقال : " حفاة عراة " . ثم انتظرت ساعة ، ثم قالت : يا رسول الله ، كيف يحشر النساء؟ قال :   [ ص: 376 ]   " كذلك ، حفاة عراة " . قالت : واسوأتاه من يوم القيامة . قال : " وعن أي ذلك تسألين؟ إنه قد نزلت علي آية لا يضرك كان عليك ثياب أم لا " . قالت : أي آية يا رسول الله؟ قال : لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه    [ عبس : 37 ] . 
وقال  الحافظ أبو يعلى الموصلي    : حدثنا روح بن حاتم  ، حدثنا هشيم  ، عن الكوثر ، وهو ابن حكيم  ، عن نافع ،  عن ابن عمر ،  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يحشر الناس كما ولدتهم أمهاتهم حفاة عراة غرلا " . فقالت عائشة    : والنساء بأبي أنت وأمي؟! فقال : " نعم " . فقالت : واسوأتاه! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ومن أي شيء عجبت يا بنت أبي بكر؟ " فقالت : عجبت من حديثك ، يحشر الرجال والنساء حفاة عراة غرلا ، ينظر بعضهم إلى بعض . قال : فضرب على منكبها ، فقال : " يا بنت أبي قحافة ، شغل الناس يومئذ عن النظر ، وسموا بأبصارهم إلى السماء ، موقوفون أربعين سنة لا يأكلون ولا يشربون ، شاخصين بأبصارهم إلى السماء أربعين سنة ، فمنهم من يبلغ العرق قدميه ، ومنهم من يبلغ ساقيه ، ومنهم من يبلغ بطنه ، ومنهم من يلجمه العرق ، من طول الوقوف ، ثم يترحم الله من بعد ذلك على العباد ، فيأمر الملائكة المقربين ، فيحملون عرشه من السماوات إلى الأرض حتى يوضع عرشه في أرض بيضاء لم يسفك عليها دم ، ولم يعمل فيها خطيئة ، كأنها الفضة البيضاء ، ثم تقوم الملائكة حافين من حول العرش ، وذلك أول يوم نظرت فيه عين إلى الله تعالى ، فيأمر مناديا فينادي بصوت يسمعه الثقلان الجن والإنس : أين فلان ابن فلان ؟ أين فلان ابن فلان ؟ فيشرئب الناس لذلك الصوت ، ويخرج ذلك المنادى من الموقف ، فيعرفه الله   [ ص: 377 ] الناس ، ثم يقال : تخرج معه حسناته . فيعرف الله أهل الموقف تلك الحسنات ، فإذا وقف بين يدي رب العالمين ، قيل : أين أصحاب المظالم؟ فيجيئون ، رجلا رجلا ، فيقال له : أظلمت فلانا كذا وكذا؟ فيقول : نعم يا رب . فذلك اليوم الذي تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ، فتؤخذ حسناته ، فتدفع إلى من ظلمه يوم لا دينار ولا درهم ، إلا أخذ من الحسنات ، ورد من السيئات ، فلا يزال أصحاب المظالم يستوفون من حسناته حتى لا يبقى له حسنة ، ثم يقوم من بقي ممن لم يأخذ شيئا ، فيقولون : ما بال غيرنا استوفى وبقينا؟ فيقال لهم : لا تعجلوا . فيؤخذ من سيئاتهم فترد عليه ، حتى لا يبقى أحد ظلمه بمظلمة ، فيعرف الله أهل الموقف أجمعين ذلك ، فإذا فرغ من حسابه قيل : ارجع إلى أمك الهاوية ، فإنه لا ظلم اليوم ، إن الله سريع الحساب ، ولا يبقى يومئذ ملك ولا نبي مرسل ولا صديق ولا شهيد ولا بشر ، إلا ظن ، لما رأى من شدة الحساب ، أنه لا ينجو إلا من عصمه الله عز وجل   " . 
هذا حديث غريب من هذا الوجه ، ولبعضه شاهد في " الصحيح " ، كما سيأتي بيانه قريبا إن شاء الله تعالى . 
وقال  الطبراني    : ثنا الحسين بن إسحاق التستري ،  ثنا محمد بن أبان الواسطي ،  ثنا محمد بن الحسن المزني ،  عن سعيد بن المرزبان أبي سعد  ، عن   [ ص: 378 ] عطاء بن أبي رباح  ، عن الحسن بن علي ،  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :   " يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة " . فقالت امرأة : يا رسول الله ، فكيف يرى بعضنا بعضا قال : " إن الأبصار يومئذ شاخصة . ورفع رأسه إلى السماء ، فقالت : يا رسول الله ، ادع الله أن يستر عورتي . قال : " اللهم استر عورتها   " . 
قال  البيهقي    : فأما الحديث الذي أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ،  أخبرنا أبو محمد عبد الله بن إسحاق ابن الخراساني المعدل ،  حدثنا محمد بن الهيثم القاضي ،  أخبرنا ابن أبي مريم ،  أخبرنا يحيى بن أيوب ،  عن ابن الهاد ،  عن محمد بن إبراهيم    " عن أبي سلمة ،  عن  أبي سعيد الخدري ،  أنه لما حضره الموت بثياب جدد ، فلبسها ، ثم قال : سمعت رسول الله يقول : " إن المسلم يبعث في ثيابه التي يموت فيها    . فهذا حديث رواه أبو داود  في كتاب " السنن " ، عن الحسن بن علي ،  عن ابن أبي مريم .  
ثم شرع  البيهقي  يجيب عن هذا لمعارضته الأحاديث المتقدمة في بعث الناس حفاة عراة غرلا ، بثلاثة أجوبة : 
أحدها : أنها تبلى بعد قيامهم من قبورهم ، فإذا وافوا الموقف يكونون عراة ، ثم يكسون من ثياب الجنة . 
 [ ص: 379 ] الثاني : أنه إذا كسي الأنبياء ثم الصديقون ، ثم من بعدهم على مراتبهم ، فتكون كسوة كل إنسان من جنس ما يموت فيه ، ثم إذا دخلوا الجنة ألبسوا من ثياب الجنة . 
الثالث : أن المراد بالثياب ههنا الأعمال ، أي يبعث في أعماله التي مات فيها من خير أو شر ، قال الله تعالى : لباسا يواري سوءاتكم وريشا    [ الأعراف : 26 ] . وقال : وثيابك فطهر    [ المدثر : 4 ] . قال قتادة    : عملك فأخلصه . 
ثم استشهد  البيهقي  على هذا الجواب الأخير بما رواه مسلم  من حديث الأعمش ،  عن أبي سفيان ،  عن جابر  ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يبعث كل عبد على ما مات عليه   " . قال : وروينا عن فضالة بن عبيد ،  عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " من مات على مرتبة من هذه المراتب بعث عليها يوم القيامة   " . 
، وقد قال أبو بكر بن أبي الدنيا    : أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن كثير ،  حدثنا  زيد بن الحباب ،  عن معاوية بن صالح  ، أخبرني سعيد بن هانئ ،  عن  عمرو بن الأسود ،  قال : أوصاني معاذ  بامرأته ، وخرج ، فماتت ، فدفناها فجاءنا وقد رفعنا أيدينا من دفنها ، فقال : في أي شيء كفنتموها؟ قلنا : في ثيابها . فأمر بها فنبشت ، وكفنها في ثياب جدد ، وقال : أحسنوا أكفان موتاكم؟ فإنهم يحشرون فيها   . 
 [ ص: 380 ] وقال أيضا : حدثني محمد بن الحسين ،  حدثنا يحيى بن إسحاق ،  أخبرنا إسحاق بن سيار بن نصر  ، عن الوليد بن أبي مروان ،  عن ابن عباس  ، قال : يحشر الموتى في أكفانهم   . وكذا روي عن أبي العالية    . 
وعن صالح المري ،  قال : بلغني أنهم يخرجون من قبورهم في أكفان دسمة ، وأبدان بالية ، متغيرة وجوههم ، شعثة رءوسهم ، نهكة أجسامهم ، طائرة قلوبهم من صدورهم وحناجرهم ، لا يدري القوم ما موئلهم إلا عند انصرافهم من الموقف ، فمنصرف به إلى الجنة ، ومنصرف به إلى النار ، ثم صاح بأعلى صوته : يا سوء منصرفاه ، إن أنت لم تغمدنا منك برحمة واسعة ، لما قد ضاقت صدورنا من الذنوب العظام ، والجرائم التي لا غافر لها غيرك   . 
				
						
						
