[ ص: 321 ] ذكر مرور النبي صلى الله عليه وسلم بوادي الحجر  من أرض ثمود  عام تبوك 
قال الإمام أحمد    : حدثنا عبد الصمد  ، حدثنا صخر بن جويرية  ، عن نافع  ، عن ابن عمر  قال : لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس على تبوك  نزل بهم الحجر عند بيوت ثمود  ، فاستقى الناس من الآبار التي كانت تشرب منها ثمود  ، فعجنوا منها ونصبوا القدور فأمرهم رسول الله فأهراقوا القدور ، وعلفوا العجين الإبل ، ثم ارتحل بهم حتى نزل بهم على البئر التي كانت تشرب منها الناقة ، ونهاهم أن يدخلوا على القوم الذين عذبوا ، وقال : إني أخشى أن يصيبكم مثل ما أصابهم فلا تدخلوا عليهم   . 
وقال أحمد  أيضا : حدثنا عفان  ، حدثنا عبد العزيز بن مسلم  ، حدثنا  عبد الله بن دينار  ، عن عبد الله بن عمر  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالحجر : لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين ، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم مثل ما أصابهم   . أخرجاه في الصحيحين من غير وجه . وفي بعض الروايات أنه عليه السلام لما مر بمنازلهم قنع رأسه ، وأسرع راحلته ، ونهى عن دخول منازلهم إلا أن تكونوا باكين   . وفي رواية فإن لم تبكوا فتباكوا ، خشية أن يصيبكم مثل ما أصابهم   . صلوات الله وسلامه عليه . 
 [ ص: 322 ] وقال الإمام أحمد    : حدثنا  يزيد بن هارون  ، حدثنا المسعودي  ، عن إسماعيل بن أوسط  ، عن محمد بن أبي كبشة الأنماري  ، عن أبيه ، واسمه : عمرو بن سعد  ، ويقال : عامر بن سعد  رضي الله عنه قال : لما كان في غزوة تبوك ، فسارع الناس إلى أهل الحجر يدخلون عليهم ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنادى في الناس : الصلاة جامعة . قال : فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو ممسك بعيره ، وهو يقول : ما تدخلون على قوم غضب الله عليهم ؟ فناداه رجل : نعجب منهم يا رسول الله . قال : أفلا أنبئكم بأعجب من ذلك ؟ رجل من أنفسكم ينبئكم بما كان قبلكم ، وما هو كائن بعدكم فاستقيموا وسددوا ، فإن الله لا يعبأ بعذابكم شيئا ، وسيأتي قوم لا يدفعون عن أنفسهم بشيء   . إسناد حسن ، ولم يخرجوه . 
وقد ذكر أن قوم صالح  كانت أعمارهم طويلة ، فكانوا يبنون البيوت من المدر فتخرب قبل موت الواحد منهم ، فنحتوا لهم بيوتا في الجبال ، وذكروا أن صالحا  عليه السلام لما سألوه آية ، فأخرج الله لهم الناقة من الصخرة أمرهم بها وبالولد الذي كان في جوفها ، وحذرهم بأس الله إن هم نالوها بسوء ، وأخبرهم أنهم سيعقرونها ، ويكون سبب هلاكهم ذلك ، وذكر لهم صفة عاقرها ، وأنه أحمر أزرق أصهب ، فبعثوا القوابل في البلد متى وجدوا مولودا بهذه الصفة يقتلنه ، فكانوا على ذلك دهرا طويلا ، وانقرض جيل وأتى جيل آخر ، فلما كان في بعض الأعصار خطب رئيس   [ ص: 323 ] من رؤسائهم على ابنه بنت آخر مثله في الرياسة ، فزوجه فولد بينهما عاقر الناقة ، وهو قدار بن سالف  ، فلم تتمكن القوابل من قتله لشرف أبويه وجديه فيهم ، فنشأ نشأة سريعة فكان يشب في الجمعة ، كما يشب غيره في شهر ، حتى كان من أمره أن خرج مطاعا فيهم رئيسا بينهم ، فسولت له نفسه عقر الناقة ، واتبعه على ذلك ثمانية من أشرافهم ، وهم التسعة الذين أرادوا قتل صالح  عليه السلام ، فلما وقع من أمرهم ما وقع من عقر الناقة ، وبلغ ذلك صالحا  عليه السلام جاءهم باكيا عليها فتلقوه يعتذرون إليه ، ويقولون : إن هذا لم يقع عن ملأ منا ، وإنما فعل هذا هؤلاء الأحداث فينا ، فيقال إنه أمرهم باستدراك سقبها حتى يحسنوا إليه عوضا عنها ، فذهبوا وراءه فصعد جبلا هناك ، فلما تصاعدوا فيه وراءه تعالى الجبل حتى ارتفع فلا يناله الطير ، وبكى الفصيل حتى سالت دموعه ، ثم استقبل صالحا  عليه السلام ، ورغا ثلاثا فعندها قال صالح    : تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب    . وأخبرهم أنهم يصبحون من غدهم صفرا ، ثم تحمر وجوههم في الثاني ، وفي اليوم الثالث تسود وجوههم ، فلما كان في اليوم الرابع أتتهم صيحة فيها صوت كل صاعقة فأخمدتهم فأصبحوا في دارهم جاثمين ، وفي بعض هذا السياق نظر ومخالفة لظاهر ما يفهم من القرآن في شأنهم وقصتهم ، كما قدمنا . والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب ، وهو حسبنا ونعم الوكيل . 
 
				
 
						 
						

 
					 
					