[ ص: 228 ] ثم دخلت سنة ثمان وعشرين فتح قبرس   
ففيها ذكر ابن جرير  فتح قبرس  تبعا  للواقدي  وهي جزيرة غربي بلاد الشام  في البحر مخلصة وحدها ، ولها ذنب مستطيل إلى نحو الساحل مما يلي دمشق ،  وغربيها أعرضها ، وفيها فواكه كثيرة ومعادن ، وهي بلد جيد ، وكان فتحها على يدي  معاوية بن أبي سفيان  ، ركب إليها في جيش كثيف من المسلمين ومعه عبادة بن الصامت  وزوجته  أم حرام بنت ملحان  التي تقدم حديثها في ذلك حين نام رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، في بيتها ثم استيقظ يضحك فقالت : ما أضحكك يا رسول الله ؟ فقال : " أناس من أمتي عرضوا علي يركبون ثبج هذا البحر مثل الملوك على الأسرة " . فقالت : يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم . فقال : " أنت منهم " . ثم نام فاستيقظ وهو يضحك فقال مثل ذلك فقالت : ادع الله أن يجعلني منهم . فقال : " أنت من الأولين " . فكانت في هذه الغزوة وماتت بها ، وكانت الثانية عبارة عن غزوة قسطنطينية  بعد هذا ، كما سنذكره . 
والمقصود أن معاوية  ركب البحر في مراكب فقصد الجزيرة المعروفة بقبرس ،  ومعه جيش عظيم من المسلمين ، وذلك بأمر عثمان بن عفان ،  رضي الله عنه ، له في ذلك بعد سؤاله إياه . وقد كان سأل في ذلك عمر بن الخطاب ،  فأبى أن يمكنه من حمل المسلمين على هذا الخلق العظيم الذي لو اضطرب   [ ص: 229 ] لهلكوا عن آخرهم فلما كان عثمان  ألح معاوية  عليه في ذلك ، فأذن له ، فركب في المراكب فانتهى إليها ، ووافاه  عبد الله بن سعد بن أبي سرح  إليها من الجانب الآخر ، فالتقيا على أهلها فقتلوا خلقا كثيرا ، وسبوا سبايا كثيرة ، وغنموا مالا جزيلا جيدا . ولما جيء بالأسارى جعل أبو الدرداء  يبكي ، فقال له  جبير بن نفير :  أتبكي وهذا يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله ؟ فقال : ويحك إن هذه كانت أمة قاهرة لهم ملك فلما ضيعوا أمر الله صيرهم إلى ما ترى سلط الله عليهم السباء ، وإذا سلط على قوم السباء فليس لله فيهم حاجة . وقال : ما أهون العباد على الله تعالى إذا تركوا أمره ! ثم صالحهم معاوية  على سبعة آلاف دينار في كل سنة ، وهادنهم . 
فلما أرادوا الخروج منها قدمت  لأم حرام  بغلة لتركبها ، فسقطت عنها فاندقت عنقها فماتت هناك . فقبرها هنالك يعظمونه ويستسقون به ، ويقولون : قبر المرأة الصالحة . 
قال الواقدي    : وفي هذه السنة غزا حبيب بن مسلمة  سورية  من أرض الروم    . وتزوج عثمان  نائلة بنت الفرافصة الكلبية ،  وكانت نصرانية فأسلمت قبل الدخول بها ، وفيها بنى عثمان  داره - بالمدينة  الزوراء    . وفيها حج بالناس أمير المؤمنين عثمان بن عفان ،  رضي الله عنه . 
				
						
						
