وذلك أن الأشعث بن قيس مر على ملأ من بني تميم ، فقرأ عليهم الكتاب ، [ ص: 560 ] فقام إليه عروة ابن أدية - وهي أمه ، وهو عروة بن حدير من بني ربيعة بن حنظلة ، وهو أخو أبي بلال مرداس بن حدير - فقال : أتحكمون في دين الله الرجال ؟ ثم ضرب بسيفه عجز دابة الأشعث ، فغضب الأشعث وقومه ، وجاء الأحنف بن قيس وجماعة من رؤساء بني تميم يعتذرون إلى الأشعث من ذلك . قال الهيثم بن عدي والخوارج يزعمون أن أول من حكم عبد الله بن وهب الراسبي ، والصحيح الأول . وقد أخذ هذه الكلمة من هذا الرجل طوائف من أصحاب علي من القراء وقالوا : إن الحكم إلا لله . فسموا المحكمية . وتفرق الناس إلى بلادهم من صفين ، فرجع علي إلى الكوفة على طريق هيت ، ورجع معاوية إلى الشام بأصحابه ، فلما دخل علي الكوفة سمع رجلا يقول : ذهب علي ورجع في غير شيء . فقال علي : للذين فارقناهم آنفا خير من هؤلاء . ثم أنشأ يقول :
[ ص: 561 ]
أخوك الذي إن أجرضتك ملمة من الدهر لم يبرح لبثك واجما وليس أخوك بالذي إن تشعبت
عليك الأمور ظل يلحاك لائما
قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع وعفان ، ثنا القاسم بن الفضل ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق . ورواه مسلم ، عن شيبان بن فروخ ، عن القاسم به .
وقال أحمد : حدثنا أبو عوانة ، عن قتادة ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري ، عن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال : تكون أمتي فرقتين ، تخرج بينهما مارقة ، يلي قتلها أولاهما بالحق . ورواه مسلم ، من حديث قتادة وداود بن أبي هند عن أبي نضرة به .
وقال أحمد : حدثنا ابن أبي عدي ، عن سليمان ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ذكر قوما يكونون في أمته يخرجون في فرقة من الناس ، سيماهم التحليق ، هم شر الخلق - أو من شر الخلق - يقتلهم أدنى الطائفتين من الحق . قال أبو سعيد : وأنتم قتلتموهم يا أهل العراق .
[ ص: 563 ] وقال أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، ثنا عوف ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : تفترق أمتي فرقتين ، فتمرق بينهما مارقة ، فيقتلها أولى الطائفتين بالحق . ورواه أيضا ، عن يحيى القطان ، عن عوف ; وهو الأعرابي ، به مثله . فهذه طرق متعددة عن أبي نضرة المنذر بن مالك بن قطعة العبدي ، وهو أحد الثقات الرفعاء . ورواه مسلم أيضا ، من حديث سفيان الثوري ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن الضحاك المشرقي ، عن أبي سعيد بنحوه .
فهذا الحديث من دلائل النبوة ; لأنه قد وقع الأمر طبق ما أخبر الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، وفيه الحكم بإسلام الطائفتين ; أهل الشام وأهل العراق ، لا كما يزعمه فرقة الرافضة ، أهل الجهل والجور ، من تكفيرهم أهل الشام . وفيه أن أصحاب علي أدنى الطائفتين إلى الحق ، وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة ، أن عليا هو المصيب وإن كان معاوية مجتهدا في قتاله له وقد أخطأ ، وهو مأجور إن شاء الله ، ولكن عليا هو الإمام المصيب إن شاء الله تعالى ، فله أجران كما ثبت في " صحيح البخاري " ، من حديث عمرو بن العاص ، أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال : إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران ، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر . وسيأتي بيان كيفية قتال علي ، رضي الله عنه ، للخوارج ، وصفة [ ص: 564 ] المخدج الذي أخبر به الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، فوجد كما أخبر ، ففرح بذلك علي ، رضي الله عنه ، وسجد شكرا لله عز وجل .


