غريبة من الغرائب وآبدة من الأوابد 
قال ابن أبى خيثمة    : ثنا أحمد بن منصور بن سيار  ، ثنا عبد الرزاق  قال : قال معمر مرة وأنا مستقبله ، وتبسم وليس معنا أحد فقلت له : ما شأنك ؟ قال : عجبت من أهل الكوفة  ، كأن الكوفة  إنما بنيت على حب علي  ، ما كلمت أحدا منهم إلا وجدت المقتصد منهم الذي يفضل عليا  على أبى بكر  وعمر  ، منهم  سفيان الثوري    . قال : فقلت لمعمر    : ورأيته ؟ - كأني أعظمت ذاك - فقال معمر    : وما ذاك ؟ ! لو أن رجلا قال : علي  أفضل عندي منهما . ما عنفته إذا ذكر فضلهما إذا قال : عندي . ولو أن رجلا قال : عمر  عندي أفضل من علي  وأبي بكر    . ما عنفته . قال عبد الرزاق    : فذكرت ذلك لوكيع بن الجراح  ونحن خاليان فاشتهاها أبو سفيان  وضحك وقال : لم يكن سفيان  يبلغ بنا هذا الحد ، ولكنه أفضى إلى معمر  ما لم يفض إلينا ، وكنت أقول لسفيان    : يا أبا عبد الله  ، أرأيت إن فضلنا عليا  على أبى بكر  وعمر  ، ما تقول في ذلك ؟ فيسكت ساعة ثم يقول : أخشى أن يكون ذلك طعنا على أبي بكر  وعمر  ، ولكنا نقف . 
 [ ص: 124 ] قال عبد الرزاق    : وأخبرنا ابن التيمي - يعنى معتمرا    - قال : سمعت أبي يقول : فضل علي بن أبي طالب  أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمائة منقبة ، وشاركهم في مناقبهم ، وعثمان  أحب إلي منه . 
هكذا رواه  ابن عساكر  في " تاريخه " بسنده ، عن ابن أبى خيثمة  به . وهذا الكلام فيه تخبيط كثير ، ولعله اشتبه على معمر  ، فإن المشهور عن بعض الكوفيين تقديم علي  على عثمان  ، فأما على الشيخين فلا ، ولا يخفى فضل الشيخين على سائر الصحابة إلا على  غبي ، فكيف يخفى على هؤلاء الأئمة ؟ ! بل قد قال غير واحد من العلماء ، كأيوب   والدارقطني    : من قدم عليا  على عثمان  فقد أزرى بالمهاجرين  والأنصار    . وهذا الكلام حق وصدق وصحيح ومليح    . 
وقال يعقوب بن أبى سفيان    : ثنا  عبد العزيز بن عبد الله الأويسي  ، ثنا إبراهيم بن سعيد  ، عن شعبة  ، عن أبي عون محمد بن عبد الله الثقفي  ، عن  أبي صالح الحنفي  قال : رأيت علي بن أبي طالب  أخذ المصحف فوضعه على رأسه ، حتى أني لأرى ورقه يتقعقع . قال : ثم قال : اللهم إنهم منعوني ما فيه فأعطني ما فيه . ثم قال : اللهم إني قد مللتهم وملوني وأبغضتهم وأبغضوني ، وحملوني على غير طبيعتي وخلقي وأخلاق لم تكن تعرف لي ، اللهم فأبدلني بهم خيرا منهم ، وأبدلهم بي شرا مني ، اللهم أمث قلوبهم ميث الملح في الماء . قال   [ ص: 125 ] إبراهيم    : يعني أهل الكوفة    . 
وقال ابن أبي الدنيا    : حدثني عبد الرحمن بن صالح  ، ثنا عمرو بن هاشم الجنبي  ، عن أبي جناب  ، عن أبي عون الثقفي  ، عن  أبي عبد الرحمن السلمي  قال : قال لي الحسن بن علي    : قال لي علي    : إن رسول الله سنح لي الليلة في منامي ، فقلت : يا رسول الله ، ما لقيت من أمتك من الأود واللدد ؟ قال : " ادع عليهم " . فقلت : اللهم أبدلني بهم من هو خير منهم ، وأبدلهم بي من هو شر مني . فخرج فضربه الرجل . الأود : العوج ، واللدد : الخصومة . وقد قدمنا الحديث الوارد بالإخبار بمقتله ، وأنه تخضب لحيته من قرن رأسه ، فوقع كما أخبر ، صلوات الله وسلامه على رسوله . 
وروى أبو داود  في كتاب " القدر " أنه لما كان أيام الخوارج  كان أصحاب علي يحرسونه كل ليلة عشرة يبيتون في المسجد بالسلاح ، فرآهم علي  فقال : ما يجلسكم ؟ فقالوا : نحرسك . فقال : من أهل السماء ؟ ثم قال : إنه لا يكون في الأرض شيء حتى يقضى في السماء ، وإن علي من الله جنة حصينة . وفي رواية : وإن الأجل جنة حصينة ، وإنه ليس من الناس أحد إلا وقد وكل به   [ ص: 126 ] ملك ، فلا تريده دابة ولا شيء إلا قال : اتقه اتقه . فإذا جاء القدر خلى عنه - وفي رواية : ملكان يدفعان عنه ، فإذا جاء القدر خليا عنه - وإنه لا يجد عبد حلاوة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه . 
وكان علي  يدخل المسجد كل ليلة فيصلي فيه ، فلما كانت الليلة التي قتل في صبيحتها قلق تلك الليلة ، وجمع أهله ، فلما خرج إلى المسجد صرخ الإوز . في وجهه ، فسكتوهن عنه ، فقال : ذروهن فإنهن نوائح . فلما خرج إلى المسجد ضربه ابن ملجم  ، فكان ما ذكرنا قبل . فقال الناس : يا أمير المؤمنين ، ألا نقتل مرادا كلها ؟ فقال : لا ، ولكن احبسوه وأحسنوا إساره ، فإن مت فاقتلوه ، وإن عشت فالجروح قصاص . وجعلت  أم كلثوم بنت علي  تقول : ما لي ولصلاة الغداة ، قتل زوجي عمر أمير المؤمنين صلاة الغداة ، وقتل أبي أمير المؤمنين صلاة الغداة . رضي الله عنها . 
وقيل لعلي    : ألا تستخلف ؟ فقال : لا ، ولكن أترككم كما ترككم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن يرد الله بكم خيرا يجمعكم على خيركم كما جمعكم على خيركم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم . فهذا اعتراف منه في آخر وقت من الدنيا بفضل الصديق . وقد ثبت عنه بالتواتر أنه خطب بالكوفة  في أيام خلافته ودار إمارته ، فقال : أيها الناس ، إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر  ، ثم عمر  ، ولو   [ ص: 127 ] شئت أن أسمي الثالث لسميت . وعنه أنه قال : وهو نازل من المنبر : ثم عثمان  ثم عثمان    . ولما مات علي  ولي غسله ودفنه أهله ، وصلى عليه ابنه الحسن  فكبر أربعا وقيل : أكثر من ذلك . ودفن علي  بدار الخلافة بالكوفة    . وقيل : تجاه الجامع من القبلة ، في حجرة من دور آل جعدة بن هبيرة  بحذاء باب الوراقين . وقيل : بظاهر الكوفة    . وقيل : بالكناسة    . وقيل : دفن بالثوية    . وقال شريك القاضي وأبو نعيم  الفضل بن دكين    : نقله الحسن بن علي  بعد صلحه مع معاوية  إلى المدينة  فدفنه بالبقيع  إلى جانب  فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم    . وقال عيسى بن دأب    : بل لما أرادوا أن يحملوه إلى المدينة  ليدفنوه بها جعلوه في صندوق على بعير ، فلما مروا به ببلاد طيئ  أضلوا البعير ، فأخذت طيئ  ذلك البعير بما عليه يحسبونه مالا ، فلما وجدوا بالصندوق ميتا دفنوه بالصندوق في بلادهم ، فلا يعرف قبره إلى الآن . 
والمشهور أن قبره إلى الآن بالكوفة  كما ذكر  عبد الملك بن عمير  أن  خالد بن عبد الله القسري  نائب بني أمية  في زمان هشام بن عبد الملك  ، لما كان أميرا على العراق  هدم دورا ليبنيها دارا وجد قبرا فيه شيخ أبيض الرأس واللحية ، فإذا هو علي بن أبي طالب  ، فأراد أن يحرقه بالنار ، فقيل له : أيها الأمير ، إن بنى أمية  لا يريدون منك هذا كله . فلفه في قباطي ودفنه هناك . قالوا : فلا يقدر أحد   [ ص: 128 ] أن يسكن تلك الدار التي هو فيها إلا ارتحل منها . كذا ذكره  ابن عساكر    . 
ثم إن الحسن بن علي  استحضر عبد الرحمن بن ملجم  من السجن فأحضر الناس النفط والبواري ليحرقوه ، فقال لهم أولاد علي    : دعونا نشتفي منه . فقطعت يداه ورجلاه ، فلم يجزع ولا فتر عن الذكر ، ثم كحلت عيناه ، وهو في ذلك يذكر الله وقرأ سورة : اقرأ باسم ربك  إلى آخرها ، وإن عينيه لتسيلان على خديه ، ثم حاولوا لسانه ليقطعوه ، فجزع عند ذلك جزعا شديدا ، فقيل له في ذلك ، فقال : إني أخاف أن أمكث في الدنيا فواقا لا أذكر الله فيه . فقتل عند ذلك وحرق بالنار ، قبحه الله . 
قال محمد بن سعد    : كان ابن ملجم  رجلا أسمر ، حسن الوجه ، أبلج ، شعره مع شحمة أذنه ، في جبهته أثر السجود . قال العلماء : ولم ينتظر بقتله بلوغ العباس بن علي    ; فإنه كان صغيرا يوم قتل أبوه . قالوا : لأنه كان قتل محاربة لا قصاصا . والله أعلم . 
وكان طعن علي   ، رضي الله عنه ، يوم الجمعة السابع عشر من رمضان سنة أربعين ، بلا خلاف . فقيل : مات من يومه ، وقيل : يوم الأحد التاسع عشر منه . قال الفلاس    : وقيل : ضرب ليلة إحدى وعشرين ، ومات ليلة أربع وعشرين عن تسع أو سبع أو ثمان وخمسين سنة . وقيل : عن ثلاث وستين سنة . وهو   [ ص: 129 ] المشهور . قاله  محمد ابن الحنفية  ،  وأبو جعفر الباقر  ،  وأبو إسحاق السبيعي  ،  وأبو بكر بن عياش    . وقال بعضهم : عن ثلاث أو أربع وستين سنة . وعن  أبي جعفر الباقر    : خمس وستين سنة . وكانت خلافته خمس سنين إلا ثلاثة أشهر ، وقيل : أربع سنين وتسعة أشهر وثلاثة أيام ، وقيل : وستة أيام . وقيل : وأربعة عشر يوما . وقيل : أربع سنين وثمانية أشهر وثلاثة وعشرين يوما . رضي الله عنه . 
وقال جرير  عن مغيرة  قال : لما جاء نعي علي بن أبي طالب  إلى معاوية  ، وكان ذلك في وقت القائلة ، وكان نائما مع امرأته فاختة بنت قرظة  في يوم صائف ، جلس وهو يقول : إنا لله وإنا إليه راجعون . وجعل يبكي ، فقالت له فاختة    : أنت بالأمس تطعن عليه ، واليوم تبكي عليه ! فقال : ويحك ! إنما أبكي لما فقد الناس من حلمه وعلمه وفضله وسوابقه وخيره   . 
وذكر ابن أبي الدنيا  في كتاب " مكائد الشيطان " أن رجلا من أهل الشام  من أمراء معاوية  غضب ذات ليلة على ابنه ، فأخرجه من منزله ، فخرج الغلام لا يدري أين يذهب ، فجلس وراء الباب من خارج ، فنام ساعة ثم استيقظ ، فإذا هو بهر أسود بري قد جاء إلى الباب الذي لهم فنادى : يا سويد  ، يا سويد    . فخرج إليه الهر الذي في منزلهم ، فقال له البري : ويحك ! افتح . فقال : لا أستطيع . فقال : ويحك ! ائتني بشيء أتبلغ به فإني جائع وتعبان ، هذا أوان مجيئي من   [ ص: 130 ] الكوفة  ، وقد حدث الليلة حدث عظيم ، قتل علي بن أبي طالب    . قال : فقال له الهر الأهلي : والله إنه ليس هاهنا شيء إلا وقد ذكروا اسم الله عليه غير سفود كانوا يشوون عليه اللحم . فقال : ائتني به . فجاء به فجعل يلحسه حتى أخذ حاجته وانصرف ، وذلك بمرأى من الغلام ومسمع ، فقام إلى الباب فطرقه ، فخرج إليه أبوه فقال : من ؟ فقال له : افتح . فقال : ويحك ! ما لك ؟ فقال : افتح . ففتح ، فقص عليه خبر ما رأى . فقال له : ويحك ! أمنام هذا ؟ قال : لا والله . قال : ويحك ! أفأصابك جنون بعدي ؟ قال : لا والله ، ولكن الأمر كما وصفت لك ، فاذهب إلى معاوية  الآن فاتخذ عنده يدا بما قلت لك . فذهب الرجل فاستأذن على معاوية  ، فأخبره الخبر على ما ذكر ولده ، فأرخوا ذلك عندهم قبل مجيء البرد ، ولما جاءت البرد وجدوا ما أخبروهم به مطابقا لما كان أخبر به أبو الغلام . هذا ملخص ما ذكره . 
وقال أبو القاسم البغوي    : ثنا علي بن الجعد  ، ثنا زهير بن معاوية  ، عن أبي إسحاق  ، عن عمرو بن الأصم  قال : قلت  للحسن بن علي    : إن هذه الشيعة  يزعمون أن عليا  مبعوث قبل يوم القيامة . فقال : كذبوا والله ، ما هؤلاء بالشيعة  ، لو علمنا أنه مبعوث ما زوجنا نساءه ولا قسمنا ماله . ورواه أسباط بن محمد  ، عن مطرف  ، عن أبي إسحاق  ، عن عمرو بن الأصم  ، عن الحسن بن علي  بنحوه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					