[ ص: 146 ] 
فضل  معاوية بن أبي سفيان  رضي الله عنه  
هو  معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي ، أبو عبد الرحمن القرشي الأموي  ، خال المؤمنين ، وكاتب وحي رب العالمين ، أسلم هو وأبوه وأمه هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس  يوم الفتح . وقد روي عن معاوية  أنه قال أسلمت يوم عمرة القضاء ، ولكن كتمت إسلامي من أبي وأمي إلى يوم الفتح   . وقد كان أبوه من سادات قريش  في الجاهلية ، وآلت إليه رياسة قريش  بعد يوم بدر فكان هو أمير الحروب من ذلك الجانب ، وكان رئيسا مطاعا ذا مال جزيل ، ولما أسلم قال : يا رسول الله ، مرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين . قال : " نعم " . قال : ومعاوية  تجعله كاتبا بين يديك . قال : " نعم " . ثم سأل أن يزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنته الأخرى ، وهي عزة بنت أبي سفيان  ، واستعان على ذلك بأختها أم حبيبة  ، فلم يقع ذلك ، وبين له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ذلك لا يحل له . وقد تكلمنا على هذا الحديث في غير موضع ، وأفردنا له مصنفا على حدة ، ولله الحمد والمنة . 
والمقصود أن معاوية  كان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع غيره من كتاب الوحي ، رضي الله عنهم ، ولما فتحتالشام  ولاه عمر  نيابة دمشق  بعد أخيه يزيد   [ ص: 147 ] بن أبي سفيان  وأقره على ذلك عثمان بن عفان  وزاده بلادا أخرى ، وهو الذي بنى القبة الخضراء  بدمشق  ، وسكنها أربعين سنة . قاله  الحافظ بن عساكر    . ولما ولي علي بن أبي طالب  الخلافة أشار عليه كثير من أمرائه ، ممن باشر قتل عثمان  ، أن يعزل معاوية  عن الشام  ، ويولي عليها سهل بن حنيف  ، فعزله فلم ينتظم له عزله ، والتف على معاوية  جماعة من أهل الشام  ومانع عليا عنها ، وقد قال : لا أبايعه حتى يسلمني قتلة عثمان  ، فإنه قتل مظلوما ، وقد قال الله تعالى ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا    [ الإسراء : 33 ] . 
وروى  الطبراني  عن ابن عباس  ، أنه قال : ما زلت موقنا أن معاوية  سيلي الملك والسلطان من هذه الآية . وقد أوردنا سنده ومتنه عند تفسير هذه الآية . فلما امتنع معاوية  من البيعة لعلي  حتى يسلمه القتلة ، كان من أمر صفين  ما قدمنا ذكره ، ثم آل الأمر إلى التحكيم ، فكان من أمر عمرو بن العاص  وأبي موسى  ما أسلفناه من قوة جانب أهل الشام  في الصورة الظاهرة ، واستفحل أمر معاوية  جدا ، ولم يزل أمر علي في اختلاف مع أصحابه حتى قتله ابن ملجم  كما تقدم ، فعند ذلك بايع أهل العراق  الحسن بن علي  ، وبايع أهل الشام   معاوية بن أبي سفيان  ثم ركب الحسن  في جنود العراق  عن غير إرادة منه ، وركب معاوية  في أهل الشام  ، فلما تواجه الجيشان وتقابل الفريقان ، سعى الناس بينهما   [ ص: 148 ] في الصلح ، فانتهى الحال إلى أن خلع الحسن  نفسه من الخلافة ، وسلم الملك إلى  معاوية بن أبي سفيان  وكان ذلك في ربيع الأول من هذه السنة - أعني سنة إحدى وأربعين - ودخل معاوية  إلى الكوفة  فخطب الناس بها خطبة بليغة بعد ما بايعه الناس ، واستوسقت له الممالك شرقا وغربا ، وبعدا وقربا ، وسمي هذا العام عام الجماعة ; لاجتماع الكلمة فيه على أمير واحد بعد الفرقة ، فولي معاوية  قضاء الشام   لفضالة بن عبيد  ، ثم بعده  لأبي إدريس الخولاني  ، وكان على شرطته قيس بن حمزة  ، وكان كاتبه وصاحب أمره سرجون بن منصور الرومي    . ويقال : إنه أول من اتخذ الحرس ، وأول من حزم الكتب وختمها . وكان أول الأحداث في دولته ، رضي الله عنه 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					