صفة مقتله  ، رضي الله عنه 
ذكر ابن جرير  وغير واحد من علماء التاريخ والسير وأيام الناس ، أن ثلاثة من الخوارج    ; وهم عبد الرحمن بن عمرو المعروف بابن ملجم الحميري ثم الكندي  حليف بني جبلة  من كندة  ، المصري ، وكان أسمر حسن الوجه أبلج ، شعره مع شحمة أذنيه ، وفي جبهته أثر السجود . والبرك بن عبد الله التميمي    . وعمرو بن بكر التميمي  أيضا ، اجتمعوا فتذاكروا قتل علي  إخوانهم من أهل النهروان  فترحموا عليهم وقالوا : ماذا نصنع بالبقاء بعدهم ؟! كانوا من خير الناس وأكثرهم صلاة ، وكانوا دعاة الناس إلى ربهم ، لا يخافون في الله لومة لائم ، فلو شرينا أنفسنا فأتينا أئمة الضلالة فقتلناهم فأرحنا منهم البلاد وأخذنا منهم ثأر إخواننا . فقال ابن ملجم  أنا أكفيكم علي بن أبي   [ ص: 13 ] طالب    . وقال البرك بن عبد الله    : أنا أكفيكم  معاوية بن أبي سفيان .  وقال عمرو بن بكر    : أنا أكفيكم عمرو بن العاص  فتعاهدوا وتواثقوا أن لا ينكص رجل منهم عن صاحبه حتى يقتله أو يموت دونه ، فأخذوا أسيافهم فسموها ، واتعدوا لسبع عشرة من رمضان أن يبيت كل واحد منهم صاحبه في بلده الذي هو فيه . فأما ابن ملجم  فسار إلى الكوفة  فدخلها ، وكتم أمره حتى عن أصحابه من الخوارج  الذين هم بها ، فبينما هو جالس في قوم من بني تيم  الرباب وهم يتذاكرون قتلاهم يوم النهروان  إذ أقبلت امرأة منهم يقال لها : قطام بنت الشجنة    . قد قتل علي  يوم النهروان  أباها وأخاها ، وكانت فائقة الجمال مشهورة به ، وكانت قد انقطعت في المسجد الجامع تتعبد فيه ، فلما رآها ابن ملجم  سلبت عقله ، ونسي حاجته التي جاء لها ، وخطبها إلى نفسها ، فاشترطت عليه ثلاثة آلاف درهم وخادما وقينة ، وأن يقتل لها علي بن أبي طالب  قال : فهو لك ، ووالله ما جاء بي إلى هذه البلدة إلا قتل علي    . فتزوجها ودخل بها ، ثم شرعت تحرضه على ذلك ، وندبت له رجلا من قومها من تيم الرباب  يقال له : وردان    . ليكون معه ردءا ، واستمال ابن ملجم  رجلا آخر يقال له : شبيب بن بجرة الأشجعي الحروري    . قال له ابن ملجم  هل لك في شرف الدنيا والآخرة ؟ فقال : وما ذاك ؟ قال : قتل علي    . فقال : ثكلتك أمك ! لقد جئت شيئا إدا ، كيف تقدر عليه ؟ قال : أكمن له في المسجد ، فإذا خرج لصلاة الغداة شددنا عليه فقتلناه ، فإن نجونا شفينا أنفسنا وأدركنا ثأرنا ، وإن قتلنا فما   [ ص: 14 ] عند الله خير من الدنيا . فقال : ويحك لو غير علي  لكان أهون علي ، قد عرفت سابقته في الإسلام وقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما أجدني أنشرح صدرا لقتله . فقال : أما تعلم أنه قتل أهل النهروان  ؟ فقال : بلى قال : فنقتله بمن قتل من إخواننا . فأجابه إلى ذلك بعد لأي . ودخل شهر رمضان ، فواعدهم ابن ملجم  ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت ، وقال : هذه الليلة التي واعدت أصحابي يقتل كل واحد منا فيها صاحبه الذي ذهب إليه . ثم جاءوا إلى قطام  ، وهي امرأة ابن ملجم ،  فدعت لهم بعصب الحرير فعصبتهم بها ، وكانت في المسجد ، فجاء هؤلاء الثلاثة ; وهم ابن ملجم  ووردان  وشبيب  ، وهم مشتملون على سيوفهم ، فجلسوا مقابل السدة التي يخرج منها علي  ، فلما خرج جعل ينهض الناس من النوم إلى الصلاة ويقول : الصلاة الصلاة . فثار إليه شبيب  بالسيف فضربه فوقع في الطاق ، فضربه ابن ملجم  بالسيف على قرنه ، فسال دمه على لحيته ، رضي الله عنه ، ولما ضربه ابن ملجم  قال : لا حكم إلا لله ، ليس لك يا علي  ولا لأصحابك . وجعل يتلو قوله تعالى ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رءوف بالعباد    [ البقرة : 207 ] ونادى علي    : عليكم به . وهرب وردان  ، فأدركه رجل من حضرموت  فقتله ، وذهب شبيب  فنجا بنفسه وفات الناس ، ومسك ابن ملجم ،  وقدم علي  جعدة بن هبيرة بن أبي وهب  فصلى بالناس صلاة الفجر ، وحمل علي  إلى منزله ، وحمل إليه ابن ملجم ،  فأوقف بين يديه وهو مكتوف ،   [ ص: 15 ] قبحه الله ، فقال له : أي عدو الله ، ألم أحسن إليك ؟ قال : بلى . قال : فما حملك على هذا ؟ قال : شحذته أربعين صباحا ، وسألت الله أن يقتل به شر خلقه . فقال له علي    : لا أراك إلا مقتولا به ، ولا أراك إلا من شر خلقه . ثم قال : إن مت فاقتلوه ، وإن عشت فأنا أعلم كيف أصنع به . 
وقال  الإمام أحمد    : حدثنا أبو أحمد الزبيري  ، ثنا شريك  ، عن عمران بن ظبيان  ، عن أبي تحيى  قال : لما ضرب ابن ملجم  عليا  قال لهم : افعلوا به كما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل برجل أراد قتله فقال   " اقتلوه ثم حرقوه "   . 
وقد روي أن  أم كلثوم بنت علي  قالت لابن ملجم  وهو واقف : ويحك ! لم ضربت أمير المؤمنين ؟ قال : إنما ضربت أباك . فقالت : إنه لا بأس عليه . فقال : فلم تبكين ؟ والله لقد ضربته ضربة لو أصابت أهل المصر لماتوا أجمعين ، والله لقد سممت هذا السيف شهرا ، ولقد اشتريته بألف وسممته بألف . 
فقال  جندب بن عبد الله    : يا أمير المؤمنين ، إن مت نبايع الحسن  ؟ فقال : لا آمركم ولا أنهاكم ، أنتم أبصر . ولما احتضر علي  جعل يكثر من قول لا إله إلا الله ، لا ينطق بغيرها - وقد قيل : إن آخر ما تكلم به : فمن يعمل مثقال ذرة خيرا  يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره    [ الزلزلة : 7 ، 8 ] - وقد أوصى ولديه الحسن  والحسين  بتقوى الله والصلاة والزكاة ، وغفر الذنب ،   [ ص: 16 ] وكظم الغيظ ، وصلة الرحم ، والحلم عن الجاهل ، والتفقه في الدين ، والتثبت في الأمر ، والتعاهد للقرآن ، وحسن الجوار ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، واجتناب الفواحش ، ووصاهما بأخيهما  محمد ابن الحنفية  ، ووصاه بما وصاهما به ، وأن يعظمهما ولا يقطع أمرا دونهما ، وكتب ذلك كله في كتاب وصيته ، رضي الله عنه وأرضاه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					