[ ص: 469 ] بشر بن الحارث 
ابن عبد الرحمن بن عطاء ، الإمام العالم المحدث الزاهد الرباني القدوة ، شيخ الإسلام أبو نصر المروزي ، ثم البغدادي ، المشهور بالحافي ، ابن عم المحدث علي بن خشرم  
ولد سنة اثنتين وخمسين ومائة . 
وارتحل في العلم ، فأخذ عن : مالك  وشريك  ،  وحماد بن زيد  ، وإبراهيم بن سعد  ، وأبي الأحوص  ،  وخالد بن عبد الله الطحان  ،  وفضيل بن عياض  ، والمعافى بن عمران  ،  وابن المبارك  ،  وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم  ، وعدة . 
 [ ص: 470 ] حدث عنه : أحمد الدورقي  ، ومحمد بن يوسف الجوهري  ، ومحمد بن مثنى السمسار لا العنزي ،  وسري السقطي ، وعمر بن موسى الجلاء  ، وإبراهيم بن هانئ النيسابوري  ، وخلق سواهم . 
وقل ما روى من المسندات . كان يزم نفسه ، فقد كان رأسا في الورع والإخلاص ، ثم إنه دفن كتبه . 
أخبرنا المؤمل بن محمد  إذنا ، أخبرنا زيد بن الحسن  ، أخبرنا أبو منصور الشيباني  ، أخبرنا أبو بكر الخطيب  ، أخبرني أبو سعد الماليني  ، أخبرنا عبد العزيز بن جعفر  ، حدثنا جعفر بن محمد الصندلي  ، حدثنا محمد بن المثنى السمسار  ، سمعت بشر بن الحارث  يقول : سمعت العوفي  ، عن الزهري  ، عن أنس  ، قال : اتخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - خاتما ، فلبسه ، ثم ألقاه العوفي : هو إبراهيم بن سعد   . روي عن بشر  أنه قيل له : ألا تحدث ؟ قال : أنا أشتهي أن أحدث ، وإذا اشتهيت شيئا ، تركته  . 
وقال إسحاق الحربي   : سمعت بشر بن الحارث  يقول : ليس الحديث من عدة الموت . فقلت له : قد خرجت إلى أبي نعيم  فقال : أتوب إلى الله  . 
وعن أيوب العطار   : أنه سمع بشرا  يقول : حدثنا حماد بن زيد   . . ثم 
 [ ص: 471 ] قال : أستغفر الله ، إن لذكر الإسناد في القلب خيلاء . 
قال أبو بكر المروزى   : سمعت بشرا  يقول : الجوع يصفي الفؤاد ، ويميت الهوى ، ويورث العلم الدقيق  . 
وقال أبو بكر بن عثمان   : سمعت بشر بن الحارث  يقول : إني لأشتهي شواء منذ أربعين سنة ، ما صفا لي درهمه  . 
قال محمد بن عبد الوهاب الفراء   : حدثنا  علي بن عثام  ، قال : أقام بشر بن الحارث  بعبادان  يشرب ماء البحر ، ولا يشرب من حياض السلطان ، حتى أضر بجوفه ، ورجع إلى أخته وجعا ، وكان يعمل المغازل ويبيعها ، فذاك كسبه  . 
قال الحافظ موسى بن هارون   : حدثنا محمد بن نعيم  ، قال : رأيتهم جاءوا إلى بشر  ، فقال : يا أهل الحديث ، علمتم أنه يجب عليكم فيه زكاة ، كما يجب على من ملك مائتي درهم خمسة  . 
قلت : هذا على المبالغة ، وإلا فإن كانت الأحاديث في الواجبات فهي موجبة ، وإن كانت في فضائل الأعمال فهي فاضلة ، لكن يتأكد العمل بها على المحدث . 
قال أبو نشيط   : نهاني بشر  عن الحديث وأهله . 
وقال : أتيت  يحيى القطان  ، فبلغني أنه قال : أحب هذا الفتى لطلبه الحديث . 
 [ ص: 472 ] وقال يعقوب بن بختان   : سمعت بشر بن الحارث  يقول : لا أعلم أفضل من طلب الحديث لمن اتقى الله ، وحسنت نيته فيه ، وأما أنا ، فأستغفر الله من طلبه ، ومن كل خطوة خطوت فيه  . 
قيل : كان بشر  يلحن ، ولا يدري العربية . 
قال  أحمد بن حنبل   : لو كان بشر  تزوج ، لتم أمره . 
قال  إبراهيم الحربي   : ما أخرجت بغداد  أتم عقلا من بشر  ، ولا أحفظ للسانه ، كان في كل شعرة منه عقل ، وطئ الناس عقبه خمسين سنة ، ما عرف له غيبة لمسلم ، ما رأيت أفضل منه  . 
وعن بشر  قال : المتقلب في جوعه كالمتشحط في دمه في سبيل الله . 
وعنه : شاطر سخي أحب إلى الله من صوفي بخيل . 
وعنه : أمس قد مات ، واليوم في السياق ، وغدا لم يولد . 
لا يفلح من ألف أفخاذ النساء . 
إذا أعجبك الكلام ، فاصمت ، وإذا أعجبك الصمت ، فتكلم . 
 [ ص: 473 ] وقيل : سمعه رجل يقول : اللهم إنك تعلم أن الذل أحب إلي من العز ، وأن الفقر أحب إلي من الغنى ، وأن الموت أحب إلي من البقاء . 
وعنه قال : قد يكون الرجل مرائيا بعد موته ، يحب أن يكثر الخلق في جنازته . 
لا تجد حلاوة العبادة حتى تجعل بينك وبين الشهوات سدا . 
أخبرنا أبو محمد بن علوان  ، أخبرنا الإمام موفق الدين عبد الله بن أحمد  سنة إحدى عشرة وستمائة ، قال : حدثني ابني أبو المجد عيسى  ، أخبرنا أبو طاهر بن المعطوش  ، أخبرنا أبو الغنائم محمد بن محمد  ، أخبرنا أبو إسحاق البرمكي  ، أخبرنا عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري  ، حدثني حمزة بن الحسين البزاز  ، حدثنا  عبد الله بن محمد بن عبيد  ، حدثني حمزة بن دهقان  ، قال : قلت لبشر بن الحارث   : أحب أن أخلو معك . قال : إذا شئت فيكون يوما . فرأيته قد دخل قبة ، فصلى فيها أربع ركعات لا أحسن أصلي مثلها ، فسمعته يقول في سجوده : اللهم إنك تعلم فوق عرشك أن الذل أحب إلي من الشرف ، اللهم إنك تعلم فوق عرشك أن الفقر أحب إلي من الغنى ، اللهم إنك تعلم فوق عرشك أني لا أوثر على حبك شيئا . فلما سمعته ، أخذني الشهيق والبكاء ، فقال : اللهم أنت تعلم أني لو أعلم أن هذا هاهنا ، لم أتكلم  . 
قال  عبد الرحمن بن أبي حاتم   : حدثنا محمد بن المثنى صاحب بشر 
  [ ص: 474 ] قال : قال رجل لبشر  وأنا حاضر : إن هذا الرجل - يعني  أحمد بن حنبل -  قيل له : أليس الله قديما وكل شيء دونه مخلوق ؟ قال : فما ترك بشر  الرجل يتكلم حتى قال : لا ، كل شيء مخلوق إلا القرآن  . 
قال أحمد بن بشر المرثدي   : حدثنا إبراهيم بن هاشم  ، قال : دفنا لبشر بن الحارث  ثمانية عشر ما بين قمطر إلى قوصرة - يعني من الحديث  . 
وقيل لأحمد   : مات بشر   . قال : مات والله وما له نظير ، إلا عامر بن عبد قيس  ، فإن عامرا  مات ولم يترك شيئا . ثم قال أحمد   : لو تزوج !  . 
قال ابن أبي داود   : قلت لعلي بن خشرم  لما أخبرني أن سماعه وسماع بشر  من عيسى بن يونس  واحد ، قلت له : فأين حديث أم زرع  ؟ قال : سماعي معه ، وكنت كتبت إليه أن يوجه به إلي ، فكتب إلي : هل عملت بما عندك حتى تطلب ما ليس عندك ؟ ثم قال علي   : ولد بشر  في هذه القرية ، وكان في أول أمره يتفتى ، وقد جرح . 
قال حسن المسوحي  ، عن بشر   : أتيت باب المعافى  ، فدققت ، فقيل : من ؟ قلت : بشر الحافي   . فقالت جويرية   : لو اشتريت نعلا بدانقين ذهب عنك اسم الحافي  . 
وقال السلمي   : كان بشر  من أولاد الرؤساء ، فصحب الفضيل  ،  [ ص: 475 ] سألت  الدارقطني  عنه ، فقال : زاهد جبل ثقة ، ليس يروي إلا حديثا صحيحا . 
قال جعفر النهرواني   : سمعت بشر بن الحارث  يقول : إن عوج بن عنق  كان يخوض البحر ، ويحتطب الساج ، كان أول من دل على الساج ، وكان يأخذ من البحر حوتا ، فيشويه في عين الشمس  . 
قال  إبراهيم الحربي   : لو قسم عقل بشر  على أهل بغداد  ، صاروا عقلاء  . 
قلت : قد روى لبشر   أبو عبد الرحمن النسائي  في " مسند علي   " . 
قيل : جاء رجل إلى بشر  ، فقبله ، وجعل يقول : يا سيدي أبا نصر   . فلما ذهب ، قال بشر  لأصحابه : رجل أحب رجلا على خير توهمه ، لعل المحب قد نجا ، والمحبوب لا يدرى ما حاله  . 
مات بشر الحافي   - رحمة الله عليه - يوم الجمعة في شهر ربيع الأول  [ ص: 476 ] سنة سبع وعشرين ومائتين قبل المعتصم  الخليفة بستة أيام ، وعاش خمسا وسبعين سنة . 
وقد أفرد  ابن الجوزي  مناقبه في كتاب . 
وفيها مات سهل بن بكار البصري   وأبو الوليد الطيالسي  الحافظ  وسعيد بن منصور  صاحب " السنن " ، وإسماعيل بن أبي أويس المدني   ومحمد بن الصباح الدولابي   والهيثم بن خارجة  ، والعلاء بن عمرو الحنفي  ، ومحمد بن عبد الواهب الحارثي  ، وأبو الأحوص محمد بن حيان البغوي   . 
قال  محمد بن المثنى  ، عن بشر   : ليس أحد يحب الدنيا إلا لم يحب الموت ، ومن زهد فيها ، أحب لقاء مولاه . 
وعنه : ما اتقى الله من أحب الشهرة  . 
وعنه قال : لا تعمل لتذكر ، اكتم الحسنة كما تكتم السيئة . 
أبو العباس السراج : حدثنا  محمد بن المثنى  ، حدثنا بشر بن الحارث  ، حدثنا عيسى بن يونس  ، حدثنا  هشام بن عروة  ، عن أخيه ، عن عروة ،  عن عائشة  ، قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كنت لك كأبي زرع  لأم  [ ص: 477 ] زرع   . ثم أنشأ يحدث حديث أم زرع   . قالت : اجتمع إحدى عشرة نسوة . 
القطيعي   : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل  ، قال : وجدت في كتاب بشر بن الحارث  بخطه ، عن  وكيع  ، عن الأعمش  ، عن  جعفر بن إياس  ، عن عبد الله بن شقيق  ، أن أبا ذر   - رضي الله عنه - دعوه إلى طعام ، فقال : إني صائم . فرئي من آخر النهار يأكل ، فقيل له ، فقال : إني أصوم ثلاثة أيام من كل شهر ، فذلك صيام الدهر  . 
				
						
						
