وبإسنادي إلى أبي إسماعيل الأنصاري   : أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم  ، أخبرنا نصر بن أبي نصر الطوسي  ، سمعت علي بن أحمد بن خشيش  ، سمعت أبا الحديد الصوفي  بمصر  ، عن أبيه ، عن المزني  يقول :  أحمد بن حنبل  يوم المحنة ، أبو بكر  يوم الردة ، وعمر  يوم السقيفة  ، وعثمان  يوم الدار ، وعلي  يوم صفين   . 
قال أحمد بن محمد الرشديني   : سمعت  أحمد بن صالح المصري  يقول : ما رأيت بالعراق  مثل هذين :  أحمد بن حنبل  ،  ومحمد بن عبد الله بن نمير  ، رجلين جامعين لم أر مثلهما بالعراق   . وروى أحمد بن سلمة النيسابوري  ، عن  ابن وارة  قال :  أحمد بن حنبل  ببغداد  ،  وأحمد بن صالح  بمصر  ، وأبو جعفر النفيلي  بحران  ، وابن نمير  بالكوفة  ، هؤلاء أركان الدين . 
وقال علي بن الجنيد الرازي   : سمعت أبا جعفر النفيلي  يقول : كان  أحمد بن حنبل  من أعلام الدين . 
وعن محمد بن مصعب العابد  قال : لسوط ضربه  أحمد بن حنبل  في الله أكبر من أيام بشر بن الحارث   . 
قلت : بشر  عظيم القدر كأحمد  ، ولا ندري وزن الأعمال ، إنما الله يعلم ذلك .  [ ص: 202 ] 
قال أبو عبد الرحمن النهاوندي   : سمعت يعقوب الفسوي  يقول : كتبت عن ألف شيخ ، حجتي فيما بيني وبين الله رجلان :  أحمد بن حنبل  ،  وأحمد بن صالح   . وبالإسناد إلى الأنصاري  شيخ الإسلام : أخبرنا أبو يعقوب  ، أخبرنا منصور بن عبد الله الذهلي  ، حدثنا محمد بن الحسن بن علي البخاري  ، سمعت  محمد بن إبراهيم البوشنجي  ، وذكر  أحمد بن حنبل  ، فقال : هو عندي أفضل وأفقه من  سفيان الثوري  ، وذلك أن سفيان  لم يمتحن بمثل ما امتحن به أحمد  ، ولا علم سفيان  ومن يقدم من فقهاء الأمصار كعلم  أحمد بن حنبل   ; لأنه كان أجمع لها ، وأبصر بأغاليطهم وصدوقهم وكذوبهم . قال : ولقد بلغني عن بشر بن الحارث  أنه قال : قام أحمد  مقام الأنبياء . 
وأحمد  عندنا امتحن بالسراء والضراء ، فكان فيهما معتصما بالله . 
قال أبو يحيى الناقد   : كنا عند إبراهيم بن عرعرة  ، فذكروا يعلى بن عاصم  ، فقال رجل :  أحمد بن حنبل  يضعفه . فقال رجل : وما يضره إذا كان ثقة ؟ فقال  ابن عرعرة   : والله لو تكلم أحمد  في علقمة  والأسود  لضرهما . 
وقال الحنيني   : سمعت إسماعيل بن الخليل  يقول : لو كان  أحمد بن حنبل  في بني إسرائيل  لكان آية . 
وعن علي بن شعيب  قال : عندنا المثل الكائن في بني إسرائيل  ، من أن أحدهم كان يوضع المنشار على مفرق رأسه ، ما يصرفه ذلك عن دينه . ولولا أن أحمد  قام بهذا الشأن ، لكان عارا علينا أن قوما سبكوا ، فلم يخرج منهم أحد  . 
قال ابن سلم   : سمعت محمد بن نصر المروزي  يقول : صرت إلى  [ ص: 203 ] دار  أحمد بن حنبل  مرارا ، وسألته عن مسائل ، فقيل له : أكان أكثر حديثا أم إسحاق  ؟ قال : بل أحمد  أكثر حديثا وأورع . 
أحمد  فاق أهل زمانه . قلت : كان أحمد  عظيم الشأن ، رأسا في الحديث ، وفي الفقه ، في التأله . أثنى عليه خلق من خصومه ، فما الظن بإخوانه وأقرانه ؟ ! ! وكان مهيبا في ذات الله . حتى لقال أبو عبيد   : ما هبت أحدا في مسألة ، ما هبت  أحمد بن حنبل   . 
وقال  إبراهيم الحربي   : عالم وقته  سعيد بن المسيب  في زمانه ،  وسفيان الثوري  في زمانه ،  وأحمد بن حنبل  في زمانه . 
قرأت على إسحاق الأسدي   : أخبركم ابن خليل  ، أخبرنا اللبان  ، عن أبي علي الحداد  ، أخبرنا أبو نعيم  ، أخبرنا أبو بكر بن مالك  ، حدثنا محمد بن يونس  ، حدثني  سليمان الشاذكوني  قال : يشبه علي ابن المديني   بأحمد بن حنبل  ؟ أيهات !! ما أشبه السك باللك لقد حضرت من ورعه شيئا بمكة   : أنه أرهن سطلا عند فامي فأخذ منه شيئا ليقوته . فجاء ، فأعطاه فكاكه ، فأخرج إليه سطلين ، فقال : انظر أيهما سطلك ؟ فقال : لا أدري أنت في حل منه ، وما أعطيك ، ولم يأخذه . قال الفامي : والله إنه لسطله ، وإنما أردت أن أمتحنه فيه . 
وبه إلى أبي نعيم   : حدثنا سليمان بن أحمد  ، حدثنا الأبار   : سمعت محمد بن يحيى النيسابوري  ، حين بلغه وفاة أحمد  يقول : ينبغي لكل أهل دار ببغداد  أن يقيموا عليه النياحة في دورهم .  [ ص: 204 ] 
قلت : تكلم الذهلي  بمقتضى الحزن لا بمقتضى الشرع . 
قال أحمد بن القاسم المقرئ   : سمعت الحسين الكرابيسي  يقول : مثل الذين يذكرون  أحمد بن حنبل  مثل قوم يجيئون إلى أبي قبيس  يريدون أن يهدموه بنعالهم . 
 الطبراني   : حدثنا إدريس بن عبد الكريم المقرئ  قال : رأيت علماءنا مثل الهيثم بن خارجة  ،  ومصعب الزبيري  ،  ويحيى بن معين  ،  وأبي بكر بن أبي شيبة  ، وأخيه ،  وعبد الأعلى بن حماد  ،  وابن أبي الشوارب   وعلي ابن المديني  ، والقواريري  ، وأبي خيثمة   ; وأبي معمر  ، والوركاني  وأحمد بن محمد بن أيوب  ، ومحمد بن بكار  ،  وعمرو الناقد  ،  ويحيى بن أيوب المقابري  ،  وسريج بن يونس  ،  وخلف بن هشام  ، وأبي الربيع الزهراني  ، فيمن لا أحصيهم ، يعظمون أحمد ويجلونه ويوقرونه ويبجلونه ويقصدونه للسلام عليه . 
قال أبو علي بن شاذان   : قال لي محمد بن عبد الله الشافعي   : لما مات سعيد بن أحمد بن حنبل  ، جاء  إبراهيم الحربي  إلى عبد الله بن أحمد  ، فقام إليه عبد الله  ، فقال : تقوم إلي قال : والله لو رآك أبي ، لقام إليك ، فقال إبراهيم   : والله لو رأى ابن عيينة  أباك ، لقام إليه .  [ ص: 205 ] 
قال محمد بن أيوب العكبري   : سمعت  إبراهيم الحربي  يقول : التابعون كلهم ، وآخرهم  أحمد بن حنبل   - وهو عندي أجلهم - يقولون : من حلف بالطلاق أن لا يفعل شيئا ثم فعله ناسيا ، كلهم يلزمونه الطلاق . 
وعن الأثرم  قال : ناظرت رجلا ، فقال : من قال بهذه المسألة ؟ قلت : من ليس في شرق ولا غرب مثله ، قال : من ؟ قلت :  أحمد بن حنبل   . 
وقد أثنى على أبي عبد الله  جماعة من أولياء الله ، وتبركوا به . روى ذلك  أبو الفرج بن الجوزي  ، وشيخ الإسلام ، ولم يصح سند بعض ذلك . 
أخبرنا إسماعيل بن عميرة  ، أخبرنا ابن قدامة  ، أخبرنا أبو طالب بن خضير  ، أخبرنا أبو طالب اليوسفي  ، أخبرنا أبو إسحاق البرمكي  ، أخبرنا علي بن عبد العزيز  ، أخبرنا  عبد الرحمن بن أبي حاتم  ، حدثنا أبو زرعة  ، وقيل له . اختيار أحمد  وإسحاق  أحب إليك أم قول  الشافعي  ؟ قال : بل اختيار أحمد  فإسحاق   . ما أعلم في أصحابنا أسود الرأس أفقه من  أحمد بن حنبل  ، وما رأيت أحدا أجمع منه . 
وبه قال ابن أبي حاتم   : حدثنا صالح بن أحمد  ، قال دخلت على أبي يوما أيام الواثق   - والله يعلم على أي حال نحن - وقد خرج لصلاة العصر ، وكان له لبد يجلس عليه ، قد أتى عليه سنون كثيرة حتى بلي ، وإذا تحته كتاب كاغد فيه : بلغني يا أبا عبد الله  ما أنت فيه من الضيق ، وما عليك من الدين ، وقد وجهت إليك بأربعة آلاف درهم على يدي فلان ، وما هي من صدقة ولا زكاة ، وإنما هو شيء ورثته من أبي . فقرأت الكتاب ، ووضعته .  [ ص: 206 ] 
فلما دخل ، قلت : يا أبة ، ما هذا الكتاب ؟ فاحمر وجهه ، وقال : رفعته منك . ثم قال : تذهب لجوابه ؟ فكتب إلى الرجل : وصل كتابك إلي ، ونحن في عافية . فأما الدين ، فإنه لرجل لا يرهقنا ، وأما عيالنا ، ففي نعمة الله . فذهبت بالكتاب إلى الرجل الذي كان أوصل كتاب الرجل ، فلما كان بعد حين ، ورد كتاب الرجل مثل ذلك ، فرد عليه بمثل ما رد . فلما مضت سنة أو نحوها ، ذكرناها ، فقال : لو كنا قبلناها ، كانت قد ذهبت . 
وشهدت ابن الجروي  ، وقد جاء بعد المغرب ، فقال لأبي : أنا رجل مشهور ، وقد أتيتك في هذا الوقت ، وعندي شيء قد اعتددته لك ، وهو ميراث ، فأحب أن تقبله . فلم يزل به . فلما أكثر عليه ، قام ودخل . قال صالح   : فأخبرت عن ابن الجروي  أنه قال : قلت له : يا أبا عبد الله  ، هي ثلاثة آلاف دينار . فقام وتركني . 
قال صالح   : ووجه رجل من الصين بكاغد صيني إلى جماعة من المحدثين ، ووجه بقمطر إلى أبي ، فرده ، وولد لي مولود فأهدى صديق لي شيئا . ثم أتى على ذلك أشهر ، وأراد الخروج إلى البصرة  ، فقال لي : تكلم أبا عبد الله  يكتب لي إلى المشايخ بالبصرة  ، فكلمته فقال : لولا أنه أهدى إليك ، كنت أكتب له . 
وبه قال ابن أبي حاتم   : حدثنا أحمد بن سنان  قال : بلغني أن  أحمد بن حنبل  رهن نعله عند خباز باليمن  ، وأكرى نفسه من جمالين عند خروجه ، وعرض عليه عبد الرزاق  دراهم صالحة ، فلم يقبلها . 
وبعث ابن طاهر  حين مات أحمد  بأكفان وحنوط ، فأبى صالح  أن  [ ص: 207 ] يقبله ، وقال : إن أبي قد أعد كفنه وحنوطه ، ورده ، فراجعه ، فقال : إن أمير المؤمنين أعفى أبا عبد الله  مما يكره ، وهذا مما يكره ، فلست أقبله . 
وبه : حدثنا صالح  قال : قال أبي : جاءني يحيى بن يحيى   - قال أبي : وما أخرجت خراسان  بعد ابن المبارك  رجلا يشبه يحيى بن يحيى   - فجاءني ابنه ، فقال : إن أبي أوصى بمبطنة له لك ، وقال : يذكرني بها . 
فقلت : جئ بها . فجاء برزمة ثياب ، فقلت له : اذهب رحمك الله ، يعني : ولم يقبلها . 
قلت : وقيل : إنه أخذ منها ثوبا واحدا . 
وبه قال : حدثنا صالح  قال : قلت لأبي : إن أحمد الدورقي  أعطي ألف دينار . فقال : يا بني ، ورزق ربك خير وأبقى   . 
وبه : حدثنا أبي ، حدثنا أحمد بن أبي الحواري  ، حدثني عبيد القاري  قال : دخل على أحمد  عمه ، فقال : يا ابن أخي ، أيش هذا الغم ؟ وأيش هذا الحزن ؟ فرفع رأسه ، وقال : يا عم ، طوبى لمن أخمل الله ذكره . 
وبه : سمعت أبي يقول : كان أحمد  إذا رأيته ، تعلم أنه لا يظهر النسك ، رأيت عليه نعلا لا يشبه نعال القراء ، له رأس كبير معقد ، وشراكه مسبل ، ورأيت عليه إزارا وجبة برد مخططة . أي : لم يكن بزي القراء . 
وبه : حدثنا صالح   : قال لي أبي : جاءني أمس رجل كنت أحب أن تراه ، بينا أنا قاعد ، في نحر الظهيرة ، إذا برجل سلم بالباب ، فكأن قلبي ارتاح ، ففتحت ، فإذا أنا برجل عليه فروة ، وعلى رأسه خرقة ، ما تحت فروه قميص ، ولا معه ركوة ولا جراب ولا عكاز ، قد لوحته الشمس . فقلت :  [ ص: 208 ] ادخل ، فدخل الدهليز ، فقلت : من أين أقبلت ؟ قال : من ناحية المشرق أريد الساحل ، ولولا مكانك ما دخلت هذا البلد ، نويت السلام عليك . 
قلت : على هذه الحال ؟ قال : نعم . ما الزهد في الدنيا ؟ قلت : قصر الأمل ، قال : فجعلت أعجب منه ، فقلت في نفسي . ما عندي ذهب ولا فضة . فدخلت البيت ، فأخذت أربعة أرغفة ، فخرجت إليه ، فقال : أويسرك أن أقبل ذلك يا أبا عبد الله  ؟ قلت : نعم . فأخذها ، فوضعها تحت حضنه ، وقال : أرجو أن تكفيني إلى الرقة . أستودعك الله . فكان يذكره كثيرا . 
وبه : كتب إلي عبد الله بن أحمد  ، سمعت أبي ، وذكر الدنيا ، فقال : قليلها يجزئ ، وكثيرها لا يجزئ ، وقال أبي : وقد ذكر عنده الفقر فقال : الفقر مع الخير . 
وبه حدثنا صالح  قال : أمسك أبي عن مكاتبة  ابن راهويه  ، لما أدخل كتابه إلى عبد الله بن طاهر  وقرأه . 
وبه قال : ذكر عبد الله بن أبي عمر البكري  ، سمعت  عبد الملك بن عبد الحميد الميموني  قال : ما أعلم أني رأيت أحدا أنظف بدنا ، ولا أشد تعاهدا لنفسه في شاربه وشعر رأسه وشعر بدنه ، ولا أنقى ثوبا بشدة بياض ، من  أحمد بن حنبل  رضي الله عنه . 
كان ثيابه بين الثوبين ، تسوى ملحفته خمسة عشر درهما ، وكان ثوب قميصه يؤخذ بالدينار ونحوه ، لم يكن له دقة تنكر ، ولا غلظ ينكر ، وكان ملحفته مهذبة . 
وبه حدثنا ، صالح  قال : ربما رأيت أبي يأخذ الكسر ، ينفض الغبار عنها ، ويصيرها في قصعة ، ويصب عليها ماء ثم يأكلها بالملح . وما رأيته اشترى رمانا ولا سفرجلا ولا شيئا من الفاكهة ، إلا أن تكون بطيخة فيأكلها  [ ص: 209 ] بخبز وعنبا وتمرا . 
وقال لي : كانت والدتك في الظلام تغزل غزلا دقيقا ، فتبيع الأستار بدرهمين أقل أو أكثر ، فكان ذلك قوتنا ، وكنا إذا اشترينا الشيء ، نستره عنه كيلا يراه ، فيوبخنا ، وكان ربما خبز له ، فيجعل في فخارة عدسا وشحما وتمرات شهريز فيجيء الصبيان ، فيصوت ببعضهم ، فيدفعه إليهم ، فيضحكون ولا يأكلون . وكان يأتدم بالخل كثيرا . 
قال : وقال أبي : إذا لم يكن عندي قطعة ، أفرح . 
وكان إذا توضأ لا يدع من يستقي له ، وربما اعتللت فيأخذ قدحا فيه ماء ، فيقرأ فيه ، ثم يقول : اشرب منه ، واغسل وجهك ويديك . 
وكانت له قلنسوة خاطها بيده ، فيها قطن ، فإذا قام بالليل لبسها . 
وكان ربما أخذ القدوم ، وخرج إلى دار السكان ، يعمل الشيء بيده . 
واعتل فتعالج . 
وكان ربما خرج إلى البقال ، فيشتري الجرزة الحطب والشيء ، فيحمله بيده . 
وكان يتنور في البيت . فقال لي في يوم شتوي : أريد أدخل الحمام بعد المغرب ، فقل لصاحب الحمام . ثم بعث إلي : إني قد أضربت عن الدخول . وتنور في البيت . 
وكنت أسمعه كثيرا يقول : اللهم سلم سلم . 
وبه حدثنا أحمد بن سنان  قال : بعث إلى  أحمد بن حنبل  حيث كان  [ ص: 210 ] عندنا أيام يزيد  جوز ونبق كثير فقبل ، وقال لي : كل هذا . 
قال عبد الله بن أحمد   : حدثنا أبي ، وذكر عنده  الشافعي   - رحمه الله - فقال : ما استفاد منا أكثر مما استفدنا منه . ثم قال عبد الله   : كل شيء في كتاب  الشافعي  حدثنا الثقة فهو عن أبي . 
الخلال   : حدثنا المروذي  قال : قدم رجل من الزهاد ، فأدخلته على أحمد  ، وعليه فرو خلق ، وخريقة على رأسه وهو حاف في برد شديد ، فسلم ، وقال : يا أبا عبد الله  ، قد جئت من موضع بعيد ، وما أردت إلا السلام عليك ، وأريد عبادان  ، وأريد إن أنا رجعت ، أسلم عليك . فقال : إن قدر . فقام الرجل وسلم ، وأبو عبد الله  قاعد ، فما رأيت أحدا قام من عند أبي عبد الله  ، حتى يقوم هو إلا هذا الرجل . فقال لي أبو عبد الله   : ما ترى ما أشبهه بالأبدال ، أو قال : إني لأذكر به الأبدال . وأخرج إليه أبو عبد الله  أربعة أرغفة مشطورة بكامخ وقال : لو كان عندنا شيء ، لواسيناك . 
وأخبرنا المروذي   : قلت لأبي عبد الله   : ما أكثر الداعي لك ! قال : أخاف أن يكون هذا استدراجا بأي شيء هذا ؟ وقلت له : قدم رجل من طرسوس  ، فقال : كنا في بلاد الروم  في الغزو إذا هدأ الليل ، رفعوا أصواتهم بالدعاء ، ادعوا لأبي عبد الله  ، وكنا نمد المنجنيق ، ونرمي عن أبي عبد الله   . ولقد رمي عنه بحجر ، والعلج على الحصن متترس بدرقة فذهب برأسه وبالدرقة . قال : فتغير وجه أبي عبد الله  ، وقال : ليته لا يكون استدراجا . قلت : كلا .  [ ص: 211 ] 
وعن رجل قال : عندنا بخراسان  يظنون أن أحمد  لا يشبه البشر ، يظنون أنه من الملائكة . 
وقال آخر : نظرة عندنا من أحمد  تعدل عبادة سنة . 
قلت : هذا غلو لا ينبغي; لكن الباعث له حب ولي الله في الله . 
قال المروذي   : رأيت طبيبا نصرانيا خرج من عند أحمد  ومعه راهب ، فقال : إنه سألني أن يجيء معي ليرى أبا عبد الله   . 
وأدخلت نصرانيا على أبي عبد الله  ، فقال له : إني لأشتهي أن أراك منذ سنين . ما بقاؤك صلاح للإسلام وحدهم ، بل للخلق جميعا ، وليس من أصحابنا أحد إلا وقد رضي بك . فقلت لأبي عبد الله   : إني لأرجو أن يكون يدعى لك في جميع الأمصار . فقال : يا أبا بكر  إذا عرف الرجل نفسه ، فما ينفعه كلام الناس . 
قال عبد الله بن أحمد   : خرج أبي إلى طرسوس  ماشيا ، وحج حجتين أو ثلاثا ماشيا ، وكان أصبر الناس على الوحدة ، وبشر  لم يكن يصبر على الوحدة . كان يخرج إلى ذا وإلى ذا . 
قال عباس الدوري   : حدثنا علي بن أبي فزارة  جارنا ، قال : كانت أمي مقعدة من نحو عشرين سنة . فقالت لي يوما : اذهب إلى  أحمد بن حنبل  ، فسله أن يدعو لي ، فأتيت ، فدققت عليه وهو في دهليزه ، فقال : من هذا ؟ قلت : رجل سألتني أمي وهي مقعدة أن أسألك الدعاء . فسمعت كلامه كلام رجل مغضب . فقال : نحن أحوج أن تدعو الله لنا ، فوليت منصرفا . فخرجت عجوز ، فقالت : قد تركته يدعو لها . فجئت إلى بيتنا  [ ص: 212 ] ودققت الباب ، فخرجت أمي على رجليها تمشي  . 
هذه الواقعة نقلها ثقتان عن عباس   . 
قال عبد الله بن أحمد   : كان أبي يصلي في كل يوم وليلة ثلاثمائة ركعة . فلما مرض من تلك الأسواط ، أضعفته ، فكان يصلي كل يوم وليلة مائة وخمسين ركعة . 
وعن أبي إسماعيل الترمذي   : قال : جاء رجل بعشرة آلاف من ربح تجارته إلى أحمد  فردها . وقيل : إن صيرفيا بذل لأحمد  خمسمائة دينار ، فلم يقبل . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					