فكذلك ألقى السامري  فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي     . 
ظاهر حال الفاء التفريعية أن يكون ما بعدها صادرا من قائل الكلام المفرع عليه . والمعنى : فمثل قذفنا زينة القوم ، أي في النار ، ألقى السامري  شيئا من زينة القوم فأخرج لهم عجلا . والمقصود من هذا التشبيه التخلص إلى قصة صوغ العجل الذي عبدوه . وضميرا الغيبة في قوله ( فأخرج لهم    ) وقوله فقالوا عائدان إلى غير المتكلمين . علق المتكلمون الإخراج والقول بالغائبين للدلالة على أن المتكلمين مع موسى  لم يكونوا ممن اعتقد إلهية العجل ولكنهم صانعوا دهماء القوم ، فيكون هذا من حكاية قول القوم لموسى    . وعلى هذا درج جمهور المفسرين ، فيكون من   [ ص: 286 ] تمام المعذرة التي اعتذر بها المجيبون لموسى ،  ويكون ضمير فأخرج لهم التفاتا قصد القائلون به التبري من أن يكون إخراج العجل لأجلهم ، أي أخرجه لمن رغبوا في ذلك . 
وجعل بعض المفسرين هذا الكلام كله من جانب الله ، وهو اختيار أبي مسلم ،  فيكون اعتراضا وإخبارا للرسول - صلى الله عليه وسلم - وللأمة . وموقع الفاء يناقض هذا لأن الفاء لا ترد للاستئناف على التحقيق ، فتكون الفاء للتفريع تفريع أخبار على أخبار . والمعنى : فمثل ذلك القذف الذي قذفنا ما بأيدينا من زينة القوم ألقى السامري  ما بيده من النار ليذوب ويصوغها ؛ فأخرج لهم من ذلك عجلا جسدا . فإن فعل ( ألقى ) يحكي حالة مشبهة بحالة قذفهم مصوغ القبط . والقذف والإلقاء مترادفان ، شبه أحدهما بالآخر . 
والجسد : الجسم ذو الأعضاء سواء كان حيا أم لا ؛ لقوله تعالى ( وألقينا على كرسيه جسدا    ) . قيل : هو شق طفل ولدته إحدى نسائه كما ورد في الحديث . قال  الزجاج    : الجسد هو الذي لا يعقل ولا يميز إنما هو الجثة ، أي أخرج لهم صورة عجل مجسدة بشكله وقوائمه وجوانبه ، وليس مجرد صورة منقوشة على طبق من فضة أو ذهب . وفي سفر الخروج أنه كان من ذهب . 
والإخراج : إظهار ما كان محجوبا . والتعبير بالإخراج إشارة إلى أنه صنعه بحيلة مستورة عنهم حتى أتمه . 
والخوار : صوت البقر . وكان الذي صنع لهم العجل عارفا بصناعة الحيل التي كانوا يصنعون بها الأصنام ويجعلون في أجوافها وأعناقها منافذ كالزمارات تخرج منها أصوات إذا أطلقت عندها رياح بالكير ونحوه . 
 [ ص: 287 ] وصنع لهم السامري  صنما على صورة عجل ؛ لأنهم كانوا قد اعتادوا في مصر  عبادة العجل " إيبيس " ، فلما رأوا ما صاغه السامري  في صورة معبود عرفوه من قبل ورأوه يزيد عليه بأن له خوارا ، رسخ في أوهامهم الآفنة أن ذلك هو الإله الحقيقي الذي عبروا عنه بقولهم : هذا إلهكم وإله موسى  ؛ لأنهم رأوه من ذهب أو فضة ، فتوهموا أنه أفضل من العجل " إيبيس " . وإذ قد كانوا يثبتون إلها محجوبا عن الأبصار وكانوا يتطلبون رؤيته ، فقالوا لموسى    : أرنا الله جهرة ، حينئذ توهموا أن هذه ضالتهم المنشودة . وقصة اتخاذهم العجل في كتاب التوراة غير ملائمة للنظر السليم . وتفريع " فنسي " يحتمل أن يكون تفريعا على فقالوا هذا إلهكم  تفريع علة على معلول ، فالضمير عائد إلى السامري ،  أي قال السامري  ذلك لأنه نسي ما كان تلقاه من هدي; أو تفريع معلول على علة ، أي قال ذلك ، فكان قوله : سببا في نسيانه ما كان عليه من هدي ، إذ طبع الله على قلبه بقوله ذلك ، فحرمه التوفيق من بعد . 
والنسيان : مستعمل في الإضاعة ، كقوله تعالى : قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها  ، وقوله : الذين هم عن صلاتهم ساهون    . وعلى هذا يكون قوله : " فنسي " من الحكاية لا من المحكي ، والضمير عائد إلى السامري  ، فينبغي على هذا أن يتصل بقوله : " أفلا يرون " ويكون اعتراضا . وجعله جمع من المفسرين عائدا إلى موسى ،  أي فنسي موسى  إلهكم وإلهه ، أي غفل عنه ، وذهب إلى الطور  يفتش عليه وهو بين أيديكم ، وموقع فاء التفريع يبعد هذا التفسير . 
والنسيان يكون مستعملا مجازا في الغفلة . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					