(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=81nindex.php?page=treesubj&link=28980فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=82فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون ) : لما ذكر
[ ص: 79 ] تعالى ما ظهر من النفاق والهزء من الذين خرجوا معه إلى غزوة
تبوك من المنافقين ; ذكر حال المنافقين الذين لم يخرجوا معه وتخلفوا عن الجهاد ، واعتذروا بأعذار وعلل كاذبة ، حتى أذن لهم ، فكشف الله للرسول صلى الله عليه وسلم عن أحوالهم وأعلمه بسوء فعالهم ، فأنزل الله عليه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=81فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله ) الآية ، أي : عن غزوة
تبوك . وكان الرسول قد خلفهم
بالمدينة لما اعتذروا ، فأذن لهم . وهذه الآية تقتضي التوبيخ والوعيد . ولفظة ( المخلفون ) تقتضي الذم والتحقير ، ولذلك جاء (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=93رضوا بأن يكونوا مع الخوالف ) ، وهي أمكن من لفظة المتخلفين ، إذ هم مفعول بهم ذلك ، ولم يفرح إلا منافق ، فخرج من ذلك الثلاثة وأصحاب العذر . ولفظ المقعد يكون للزمان والمكان والمصدر ، وهو هنا للمصدر ، أي : بقعودهم ، وهو عبارة عن الإقامة
بالمدينة . وانتصب ( خلاف ) على الظرف ، أي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقال : فلان أقام خلاف الحي ، أي بعدهم ، إذا ظعنوا ولم يظعن معهم . قاله
أبو عبيدة ،
والأخفش ،
وعيسى بن عمرو . قال الشاعر :
عقب الربيع خلافهم فكأنما نشط الشواطب بينهن حصيرا
ومنه قول الشاعر :
فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى تأهب لأخرى مثلها وكأن قد
ويؤيد هذا التأويل قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
وأبي حيوة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16723وعمرو بن ميمون : " خلف رسول الله " . وقال
قطرب ،
ومؤرج ،
nindex.php?page=showalam&ids=14416والزجاج ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935والطبري : انتصب ( خلاف ) على أنه مفعول لأجله ، أي : لمخالفة رسول الله ، لأنهم خالفوه حيث نهض للجهاد وقعدوا . ويؤيد هذا التأويل قراءة من قرأ : ( خلف ) بضم الخاء ، وما تظاهرت به الروايات من أنه أمرهم بالنفر فغضبوا وخالفوا وقعدوا مستأذنين وغير مستأذنين ، وكراهتهم للجهاد هي لكونهم لا يرجون به ثوابا ، ولا يدفعون بزعمهم عنهم عقابا . وفي قوله : ( فرح ) ( وكرهوا ) مقابلة معنوية ، لأن الفرح من ثمرات المحبة . وفي قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=81أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم ) تعريض بالمؤمنين وبتحملهم المشاق العظيمة ، أي : كالمؤمنين الذين بذلوا أموالهم وأنفسهم في الجهاد في سبيل الله ، وآثروا ذلك على الدعة والخفض ، وكره ذلك المنافقون ، وكيف لا يكرهونه وما فيهم ما في المؤمنين من باعث الإيمان . والفرح بالقعود يتضمن الكراهة للخروج ، وكأن الفرح بالقعود هو لمثل الإقامة ببلده لأجل الألفة والإيناس بالأهل والولد ، وكراهة الخروج إلى الغزو لأنه تعريض بالنفس والمال للقتل والتلف . واستعذروا بشدة الحر ، فأجاب الله تعالى عما ذكروا أنه سبب لترك النفر ، وقالوا : إنه قال بعضهم لبعض وكانوا أربعة وثمانين رجلا . وقيل : قالوا للمؤمنين : لم يكفهم ما هم عليه من النفاق والكسل حتى أرادوا أن يكسبوا غيرهم وينبهوهم على العلة الموجبة لترك النفر . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
وأبو رزين والربيع : قال رجل : يا رسول الله ، الحر شديد ، فلا تنفر في الحر . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب : هو رجل من
بني سلمة . انتهى . أي : قال ذلك عن لسانهم ، فلذلك جاء ( وقالوا ) بلفظ الجمع . وكانت غزوة
تبوك في وقت شدة الحر وطيب الثمار والظلال ، فأمر الله نبيه أن يقول لهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=81قل نار جهنم أشد حرا ) ، أقام الحجة عليهم بأنه قيل لهم : إذا كنتم تجزعون من حر القيظ ، فنار جهنم التي هي أشد أحرى أن تجزعوا منها لو فقهتم . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=81قل نار جهنم أشد حرا ) استجهال لهم ؛ لأن من تصون من مشقة ساعة فوقع بذلك التصون في مشقة الأبد كان أجهل من كل جاهل . ولبعضهم :
مسرة أحقاد تلقيت بعدها مساءة يوم أرى بها شبه الصاب
فكيف بأن تلقى مسرة ساعة وراء تقضيها مساءة أحقاب
[ ص: 80 ] انتهى . وقرأ
عبيد الله : ( يعلمون ) مكان " يفقهون ( ، وينبغي أن يحمل ذلك على معنى التفسير ؛ لأنه مخالف لسواد ما أجمع المسلمون عليه ، ولما روى عنه الأئمة . والأمر بالضحك والبكاء في معنى الخبر ، والمعنى : فسيضحكون قليلا ويبكون كثيرا ، إلا أنه أخرج على صيغة الأمر للدلالة على أنه حتم لا يكون غيره . روي أن أهل النفاق يكونون في النار عمر الدنيا ، لا يرقأ لهم دمع ، ولا يكتحلون بنوم . والظاهر أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=82فليضحكوا قليلا ) إشارة إلى مدة العمر في الدنيا ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=82وليبكوا كثيرا ) إشارة إلى تأبيد الخلود ، فجاء بلفظ الأمر ومعناه الخبر عن حالهم . قال
ابن عطية : ويحتمل أن تكون صفة حالهم ، أي : هم لما هم عليه من الخطر مع الله وسوء الحال ، بحيث ينبغي أن يكون ضحكهم قليلا وبكاؤهم كثيرا من أجل ذلك ، وهذا يقتضي أن يكون وقت الضحك والبكاء في الدنيا ; نحو قوله عليه السلام لأمته : ) لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا " وانتصب ( قليلا ) و ( كثيرا ) على المصدر ، لأنهما نعت للمصدر ، أي : ضحكا قليلا وبكاء كثيرا . وهذا من المواضع التي يحذف فيها المنعوت ، ويقوم نعته مقامه ، وذلك لدلالة الفعل عليه . وقال
أبو البقاء : ويجوز أن يكونا نعتا لظرف محذوف ، أي : زمانا قليلا ، وزمانا كثيرا . انتهى . والأول أجود ؛ لأن دلالة الفعل على المصدر بحروفه ، ودلالته على الزمان بهيئته ، فدلالته على المصدر أقوى . وانتصب ( جزاء ) على أنه مفعول لأجله ، وهو متعلق بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=82وليبكوا كثيرا ) .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=81nindex.php?page=treesubj&link=28980فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=82فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) : لَمَّا ذَكَرَ
[ ص: 79 ] تَعَالَى مَا ظَهَرَ مِنَ النِّفَاقِ وَالْهُزْءِ مِنَ الَّذِينَ خَرَجُوا مَعَهُ إِلَى غَزْوَةِ
تَبُوكَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ ; ذَكَرَ حَالَ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ لَمْ يَخْرُجُوا مَعَهُ وَتَخَلَّفُوا عَنِ الْجِهَادِ ، وَاعْتَذَرُوا بِأَعْذَارٍ وَعِلَلٍ كَاذِبَةٍ ، حَتَّى أَذِنَ لَهُمْ ، فَكَشَفَ اللَّهُ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَحْوَالِهِمْ وَأَعْلَمَهُ بِسُوءِ فِعَالِهِمْ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=81فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ ) الْآيَةَ ، أَيْ : عَنْ غَزْوَةِ
تَبُوكَ . وَكَانَ الرَّسُولُ قَدْ خَلَّفَهُمْ
بِالْمَدِينَةِ لَمَّا اعْتَذَرُوا ، فَأَذِنَ لَهُمْ . وَهَذِهِ الْآيَةُ تَقْتَضِي التَّوْبِيخَ وَالْوَعِيدَ . وَلَفْظَةُ ( الْمُخَلَّفُونَ ) تَقْتَضِي الذَّمَّ وَالتَّحْقِيرَ ، وَلِذَلِكَ جَاءَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=93رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ ) ، وَهِيَ أَمْكَنُ مِنْ لَفْظَةِ الْمُتَخَلِّفِينَ ، إِذْ هُمْ مَفْعُولٌ بِهِمْ ذَلِكَ ، وَلَمْ يَفْرَحْ إِلَّا مُنَافِقٌ ، فَخَرَجَ مِنْ ذَلِكَ الثَّلَاثَةُ وَأَصْحَابُ الْعُذْرِ . وَلَفْظُ الْمُقْعَدِ يَكُونُ لِلزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْمَصْدَرِ ، وَهُوَ هُنَا لِلْمَصْدَرِ ، أَيْ : بِقُعُودِهِمْ ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنِ الْإِقَامَةِ
بِالْمَدِينَةِ . وَانْتَصَبَ ( خِلَافَ ) عَلَى الظَّرْفِ ، أَيْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يُقَالُ : فُلَانٌ أَقَامَ خِلَافَ الْحَيِّ ، أَيْ بَعْدَهُمْ ، إِذَا ظَعَنُوا وَلَمْ يَظْعَنْ مَعَهُمْ . قَالَهُ
أَبُو عُبَيْدَةَ ،
وَالْأَخْفَشُ ،
وَعِيسَى بْنُ عَمْرٍو . قَالَ الشَّاعِرُ :
عَقَبَ الرَّبِيعُ خِلَافَهُمْ فَكَأَنَّمَا نَشَطَ الشَّوَاطِبُ بَيْنَهُنَّ حَصِيرًا
وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ :
فَقُلْ لِلَّذِي يَبْغِي خِلَافَ الَّذِي مَضَى تَأَهَّبْ لِأُخْرَى مِثْلِهَا وَكَأَنْ قَدِ
وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ قِرَاءَةُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ،
وَأَبِي حَيْوَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16723وَعَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ : " خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ " . وَقَالَ
قُطْرُبٌ ،
وَمُؤَرِّجٌ ،
nindex.php?page=showalam&ids=14416وَالزَّجَّاجُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وَالطَّبَرِيُّ : انْتَصَبَ ( خِلَافَ ) عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ ، أَيْ : لِمُخَالَفَةِ رَسُولِ اللَّهِ ، لِأَنَّهُمْ خَالَفُوهُ حَيْثُ نَهَضَ لِلْجِهَادِ وَقَعَدُوا . وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ : ( خُلْفَ ) بِضَمِّ الْخَاءِ ، وَمَا تَظَاهَرَتْ بِهِ الرِّوَايَاتُ مِنْ أَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِالنَّفْرِ فَغَضِبُوا وَخَالَفُوا وَقَعَدُوا مُسْتَأْذِنِينَ وَغَيْرَ مُسْتَأْذِنِينَ ، وَكَرَاهَتُهُمْ لِلْجِهَادِ هِيَ لِكَوْنِهِمْ لَا يَرْجُونَ بِهِ ثَوَابًا ، وَلَا يَدْفَعُونَ بِزَعْمِهِمْ عَنْهُمْ عِقَابًا . وَفِي قَوْلِهِ : ( فَرِحَ ) ( وَكَرِهُوا ) مُقَابَلَةٌ مَعْنَوِيَّةٌ ، لِأَنَّ الْفَرَحَ مِنْ ثَمَرَاتِ الْمَحَبَّةِ . وَفِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=81أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ) تَعْرِيضٌ بِالْمُؤْمِنِينَ وَبِتَحَمُّلِهِمُ الْمَشَاقَّ الْعَظِيمَةَ ، أَيْ : كَالْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ بَذَلُوا أَمْوَالَهُمْ وَأَنْفُسَهُمْ فِي الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَآثَرُوا ذَلِكَ عَلَى الدَّعَةِ وَالْخَفْضِ ، وَكَرِهَ ذَلِكَ الْمُنَافِقُونَ ، وَكَيْفَ لَا يَكْرَهُونَهُ وَمَا فِيهِمْ مَا فِي الْمُؤْمِنِينَ مِنْ بَاعِثِ الْإِيمَانِ . وَالْفَرَحُ بِالْقُعُودِ يَتَضَمَّنُ الْكَرَاهَةَ لِلْخُرُوجِ ، وَكَأَنَّ الْفَرَحَ بِالْقُعُودِ هُوَ لِمِثْلِ الْإِقَامَةِ بِبَلَدِهِ لِأَجْلِ الْأُلْفَةِ وَالْإِينَاسِ بِالْأَهْلِ وَالْوَلَدِ ، وَكَرَاهَةُ الْخُرُوجِ إِلَى الْغَزْوِ لِأَنَّهُ تَعْرِيضٌ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ لِلْقَتْلِ وَالتَّلَفِ . وَاسْتَعْذَرُوا بِشِدَّةِ الْحَرِّ ، فَأَجَابَ اللَّهُ تَعَالَى عَمَّا ذَكَرُوا أَنَّهُ سَبَبٌ لِتَرْكِ النَّفْرِ ، وَقَالُوا : إِنَّهُ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ وَكَانُوا أَرْبَعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلًا . وَقِيلَ : قَالُوا لِلْمُؤْمِنِينَ : لَمْ يَكْفِهِمْ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ النِّفَاقِ وَالْكَسَلِ حَتَّى أَرَادُوا أَنْ يُكْسِبُوا غَيْرَهُمْ وَيُنَبِّهُوهُمْ عَلَى الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِتَرْكِ النَّفْرِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ ،
وَأَبُو رَزِينٍ وَالرَّبِيعُ : قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، الْحَرُّ شَدِيدٌ ، فَلَا تَنْفِرُ فِي الْحَرِّ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14980مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ : هُوَ رَجُلٌ مِنْ
بَنِي سَلَمَةَ . انْتَهَى . أَيْ : قَالَ ذَلِكَ عَنْ لِسَانِهِمْ ، فَلِذَلِكَ جَاءَ ( وَقَالُوا ) بِلَفْظِ الْجَمْعِ . وَكَانَتْ غَزْوَةُ
تَبُوكَ فِي وَقْتِ شِدَّةِ الْحَرِّ وَطِيبِ الثِّمَارِ وَالظِّلَالِ ، فَأَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=81قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ) ، أَقَامَ الْحُجَّةَ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُ قِيلَ لَهُمْ : إِذَا كُنْتُمْ تَجْزَعُونَ مِنْ حَرِّ الْقَيْظِ ، فَنَارُ جَهَنَّمَ الَّتِي هِيَ أَشَدُّ أَحْرَى أَنْ تَجْزَعُوا مِنْهَا لَوْ فَقِهْتُمْ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=81قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ) اسْتِجْهَالٌ لَهُمْ ؛ لِأَنَّ مَنْ تَصَوَّنَ مِنْ مَشَقَّةِ سَاعَةٍ فَوَقَعَ بِذَلِكَ التَّصَوُّنِ فِي مَشَقَّةِ الْأَبَدِ كَانَ أَجْهَلَ مِنْ كُلِّ جَاهِلٍ . وَلِبَعْضِهِمْ :
مَسَرَّةُ أَحْقَادٍ تَلَقَّيْتُ بَعْدَهَا مَسَاءَةَ يَوْمٍ أَرَى بِهَا شِبْهَ الصَّابِ
فَكَيْفَ بِأَنْ تَلْقَى مَسَرَّةَ سَاعَةٍ وَرَاءَ تَقَضِّيهَا مَسَاءَةَ أَحْقَابِ
[ ص: 80 ] انْتَهَى . وَقَرَأَ
عُبَيْدُ اللَّهِ : ( يَعْلَمُونَ ) مَكَانَ " يَفْقَهُونَ ( ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى التَّفْسِيرِ ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِسَوَادِ مَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ ، وَلِمَا رَوَى عَنْهُ الْأَئِمَّةُ . وَالْأَمْرُ بِالضَّحِكِ وَالْبُكَاءِ فِي مَعْنَى الْخَبَرِ ، وَالْمَعْنَى : فَسَيَضْحَكُونَ قَلِيلًا وَيَبْكُونَ كَثِيرًا ، إِلَّا أَنَّهُ أُخْرِجَ عَلَى صِيغَةِ الْأَمْرِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ حَتْمٌ لَا يَكُونُ غَيْرُهُ . رُوِيَ أَنَّ أَهْلَ النِّفَاقِ يَكُونُونَ فِي النَّارِ عُمْرَ الدُّنْيَا ، لَا يَرْقَأُ لَهُمْ دَمْعٌ ، وَلَا يَكْتَحِلُونَ بِنَوْمٍ . وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=82فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا ) إِشَارَةٌ إِلَى مُدَّةِ الْعُمُرِ فِي الدُّنْيَا ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=82وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا ) إِشَارَةٌ إِلَى تَأْبِيدِ الْخُلُودِ ، فَجَاءَ بِلَفْظِ الْأَمْرِ وَمَعْنَاهُ الْخَبَرُ عَنْ حَالِهِمْ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ صِفَةَ حَالِهِمْ ، أَيْ : هُمْ لِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْخَطَرِ مَعَ اللَّهِ وَسُوءِ الْحَالِ ، بِحَيْثُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ضَحِكُهُمْ قَلِيلًا وَبُكَاؤُهُمْ كَثِيرًا مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ وَقْتَ الضَّحِكِ وَالْبُكَاءِ فِي الدُّنْيَا ; نَحْوُ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأُمَّتِهِ : ) لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَلَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا " وَانْتَصَبَ ( قَلِيلًا ) وَ ( كَثِيرًا ) عَلَى الْمَصْدَرِ ، لِأَنَّهُمَا نَعْتٌ لِلْمَصْدَرِ ، أَيْ : ضَحِكًا قَلِيلًا وَبُكَاءً كَثِيرًا . وَهَذَا مِنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُحْذَفُ فِيهَا الْمَنْعُوتُ ، وَيَقُومُ نَعْتُهُ مَقَامَهُ ، وَذَلِكَ لِدَلَالَةِ الْفِعْلِ عَلَيْهِ . وَقَالَ
أَبُو الْبَقَاءِ : وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَا نَعْتًا لِظَرْفٍ مَحْذُوفٍ ، أَيْ : زَمَانًا قَلِيلًا ، وَزَمَانًا كَثِيرًا . انْتَهَى . وَالْأَوَّلُ أَجْوَدُ ؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْفِعْلِ عَلَى الْمَصْدَرِ بِحُرُوفِهِ ، وَدَلَالَتُهُ عَلَى الزَّمَانِ بِهَيْئَتِهِ ، فَدَلَالَتُهُ عَلَى الْمَصْدَرِ أَقْوَى . وَانْتَصَبَ ( جَزَاءً ) عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=82وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا ) .