(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=91nindex.php?page=treesubj&link=28980ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=92ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون ) :
[ ص: 85 ] لما ذكر حال من تخلف عن الجهاد مع القدرة عليه ; ذكر حال من له عذر في تركه ، والضعفاء جمع ضعيف وهو الهرم ، ومن خلق في أصل البنية شديد المخافة والضئولة ، بحيث لا يمكنه الجهاد . والمريض من عرض له المرض ، أو كان زمنا ويدخل فيه العمى والعرج ، و (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=91nindex.php?page=treesubj&link=28980الذين لا يجدون ما ينفقون ) هم الفقراء ، قيل : هم
مزينة وجهينة وبنو عذرة ، ونفى الحرج عنهم في التخلف عن الغزو ، ونفي الحرج لا يتضمن المنع من الخروج إلى الغزو ، فلو خرج أحد هؤلاء ليعين المجاهدين بما يقدر عليه من حفظ متاعهم أو تكثير سوادهم ولا يكون كلا عليهم ، كان له في ذلك ثواب جزيل .
فقد كان nindex.php?page=showalam&ids=5899عمرو بن الجموح أعرج وهو من أتقياء الأنصار ، وهو في أول الجيش ، وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله قد عذرك " فقال : والله لأحفرن بعرجتي هذه في الجنة . وكان
nindex.php?page=showalam&ids=100ابن أم مكتوم أعمى ، فخرج إلى أحد وطلب أن يعطى اللواء فأخذه ، فأصيبت يده التي فيها اللواء فأمسكه باليد الأخرى ، فضربت فأمسكه بصدره . وقرأ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=144وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ) وشرط في انتفاء الحرج النصح لله ورسوله ، وهو أن يكون نياتهم وأقوالهم سرا وجهرا خالصة لله من الغش ، ساعية في إيصال الخير للمؤمنين ، داعية لهم بالنصر والتمكين . ففي سنن
أبي داود :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374518 " لقد تركتم بعدكم قوما ما سرتم مسيرا ولا أنفقتم من نفقة ولا قطعتم واديا إلا هم معكم فيه " قالوا : يا رسول الله ، وكيف يكونون معنا وهم بالمدينة ؟ قال : " حبسهم العذر " . وقرأ
أبو حيوة : "
nindex.php?page=treesubj&link=28980إذا نصحوا الله ورسوله " بنصب الجلالة والمعطوف . (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=91nindex.php?page=treesubj&link=28980ما على المحسنين من سبيل ) ، أي : من لائمة تناط بهم أو عقوبة . ولفظ ( المحسنين ) عام يندرج فيه هؤلاء المعذورون الناصحون غيرهم ، وقيل : المحسنين هنا المعذورون الناصحون ، ويبعد الاستدلال بهذه الجملة على نفي القياس وأن المحسن هو المسلم ; لانتفاء جميع السبيل ، فلا يتوجه عليه شيء من التكاليف إلا بدليل منفصل ، فيكون يخص هذا العام الدال على براءة الذمة . وقال
الكرماني : ( المحسنين ) هم الذين أطاعوا الله ورسوله في أقوالهم ، ثم أكد الرجاء فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=91والله غفور رحيم ) ، وقراءة
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : " والله لأهل الإساءة غفور رحيم " على سبيل التفسير ، لا على أنه قرآن لمخالفته سواد المصحف . قيل : وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=91ما على المحسنين من سبيل ) فيه نوع من أنواع البديع ، يسمى التمليح ، وهو أن يشار في فحوى الكلام إلى مثل سائر ، أو شعر نادر ، أو قصة مشهورة ، أو ما يجري مجرى المثل . ومنه قول
يسار بن عدي حين بلغه قتل أخيه ، وهو يشرب الخمر :
اليوم خمر ويبدو في غد خبر والدهر من بين إنعام وإيئاس
(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=92nindex.php?page=treesubj&link=28980ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم ) معطوف على ما قبله ، وهم مندرجون في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=91ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون ) ، وذكروا على سبيل نفي الحرج عنهم ، وأنهم بالغوا في تحصيل ما يخرجون به إلى الجهاد حتى أفضى بهم الحال إلى المسألة ، والحاجة لبذل ماء وجوههم في طلب ما يحملهم إلى الجهاد ، والاستعانة به حتى يجاهدوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا يفوتهم أجر الجهاد ، ويحتمل أن لا يندرجوا في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=91ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون ) ، بأن يكون هؤلاء هم الذين وجدوا ما ينفقون ، إلا أنهم لم يجدوا المركوب ، وتكون النفقة عبارة عن الزاد ، لا عبارة عما يحتاج إليه المجاهد من زاد ومركوب وسلاح وغير ذلك مما يحتاج إليه . وهذه نزلت في
nindex.php?page=showalam&ids=143العرباض بن سارية . وقيل : في
nindex.php?page=showalam&ids=5078عبد الله بن مغفل . وقيل : في
عائذ بن عمرو . وقيل : في
nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى الأشعري ورهطه . وقيل : في تسعة نفر من بطون شتى ، فهم البكاءون ، وهم :
سالم بن عمير من
بني عوف ،
وحرمي بن عمرو من
بني واقف ،
وأبو ليلى عبد الرحمن بن كعب من
بني مازن بن النجار ،
وسلمان بن صخر من بني المعلى ،
[ ص: 86 ] وأبو رعيلة عبد الرحمن بن زيد بن بني حارثة ،
وعمرو بن غنمة من
بني سلمة ،
وعائذ بن عمرو المزني . وقيل :
عبد الله بن عمرو المزني . وقال
مجاهد : البكاءون هم
بنو بكر من
مزينة . وقال الجمهور : نزلت في
بني مقرن ، وكانوا ستة إخوة صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم ، وليس في الصحابة ستة إخوة غيرهم . ومعنى ( لتحملهم ) أي : على ظهر مركب ، ويحمل عليه أثاث المجاهد . قال معناه
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك : لتحملهم بالزاد . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14117الحسن بن صالح : بالبغال . وروي أن سبعة من قبائل شتى ، قالوا : يا رسول الله ، قد ندبتنا إلى الخروج معك ، فاحملنا على الخفاف المرقوعة والنعال المخصوفة نغز معك ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=92لا أجد ما أحملكم عليه ) فتولوا وهم يبكون .
وقرأ
معقل بن هارون : ( لنحملهم ) بنون الجماعة . و " إذا " تقتضي جوابا . والأولى أن يكون ما يقرب منها ، وهو ( قلت ) ، ويكون قوله : ( تولوا ) جوابا لسؤال مقدر ;كأنه قيل : فما كان حالهم إذ أجابهم الرسول ؟ قيل : تولوا وأعينهم تفيض . وقيل : جواب ( إذا تولوا ) ، و ( قلت ) جملة في موضع الحال من الكاف ، أي : إذا ما أتوك قائلا لا أجد ، وقد قبله مقدر كما قيل في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=90nindex.php?page=treesubj&link=28980حصرت صدورهم ) قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري . أو على حذف حرف العطفة ؛ أي : وقلت ، قاله
الجرجاني ، وقاله
ابن عطية ، وقدره : فقلت ، بالفاء . (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=92وأعينهم تفيض ) جملة حالية . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : فإن قلت : فهل يجوز أن يكون قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=92قلت لا أجد ) استئنافا مثله ، يعني مثل (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=93رضوا بأن يكونوا مع الخوالف ) ، كأنه قيل : إذا ما أتوك لتحملهم تولوا ، فقيل : ما لهم تولوا باكين ؟ قلت : لا أجد ما أحملهم عليه ، إلا أنه وسط بين الشرط والجزاء كالاعتراض ; قلت : نعم ، ويحسن . انتهى . ولا يجوز ولا يحسن في كلام العرب ، فكيف في كلام الله وهو فهم أعجمي ؟ وتقدم الكلام على نحو (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=92nindex.php?page=treesubj&link=28980وأعينهم تفيض من الدمع ) في أوائل حزب ( لتجدن ) من سورة المائدة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري هنا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=92وأعينهم تفيض من الدمع ) كقولك : تفيض دمعا ، وهو أبلغ من يفيض دمعها ، لأن العين جعلت كأن كلها دمع فائض . و " من " للبيان كقولك : أفديك من رجل ، ومحل الجار والمجرور النصب على التمييز . انتهى . ولا يجوز ذلك لأن التمييز الذي أصله فاعل لا يجوز جره بـ " من " ، وأيضا فإنه معرفة ، ولا يجوز إلا على رأي الكوفيين الذين يجيزون مجيء التمييز معرفة . وانتصب ( حزنا ) على المفعول له ، والعامل فيه ( تفيض ) . وقال
أبو البقاء : أو مصدر في موضع الحال . و ( ألا يجدوا ) مفعول له أيضا ، والناصب له ( حزنا ) ، قال
أبو البقاء : ويجوز أن يتعلق بـ ( تفيض ) . انتهى . ولا يجوز ذلك على إعرابه ( حزنا ) مفعولا له ، والعامل فيه ( تفيض ) ; لأن العامل لا يقض اثنين من المفعول له إلا بالعطف أو البدل . وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=92ألا يجدوا ما ينفقون ) فيه دلالة على أنهم مندرجون تحت قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=91ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج ) .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=91nindex.php?page=treesubj&link=28980لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=92وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ ) :
[ ص: 85 ] لَمَّا ذَكَرَ حَالَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنِ الْجِهَادِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ ; ذَكَرَ حَالَ مَنْ لَهُ عُذْرٌ فِي تَرْكِهِ ، وَالضُّعَفَاءُ جَمْعُ ضَعِيفٍ وَهُوَ الْهَرِمُ ، وَمَنْ خُلِقَ فِي أَصْلِ الْبِنْيَةِ شَدِيدَ الْمَخَافَةِ وَالضُّئُولَةِ ، بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ الْجِهَادُ . وَالْمَرِيضُ مَنْ عَرَضَ لَهُ الْمَرَضُ ، أَوْ كَانَ زَمِنًا وَيَدْخُلُ فِيهِ الْعَمَى وَالْعَرَجُ ، وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=91nindex.php?page=treesubj&link=28980الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ ) هُمُ الْفُقَرَاءُ ، قِيلَ : هُمْ
مُزَيْنَةُ وَجُهَيْنَةُ وَبَنُو عُذْرَةَ ، وَنَفَى الْحَرَجَ عَنْهُمْ فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الْغَزْوِ ، وَنَفْيُ الْحَرَجِ لَا يَتَضَمَّنُ الْمَنْعَ مِنَ الْخُرُوجِ إِلَى الْغَزْوِ ، فَلَوْ خَرَجَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ لِيُعِينَ الْمُجَاهِدِينَ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ حِفْظِ مَتَاعِهِمْ أَوْ تَكْثِيرِ سَوَادِهِمْ وَلَا يَكُونُ كَلًّا عَلَيْهِمْ ، كَانَ لَهُ فِي ذَلِكَ ثَوَابٌ جَزِيلٌ .
فَقَدْ كَانَ nindex.php?page=showalam&ids=5899عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ أَعْرَجَ وَهُوَ مِنْ أَتْقِيَاءِ الْأَنْصَارِ ، وَهُوَ فِي أَوَّلِ الْجَيْشِ ، وَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّهَ قَدْ عَذَرَكَ " فَقَالَ : وَاللَّهِ لَأَحْفِرَنَّ بِعَرْجَتِي هَذِهِ فِي الْجَنَّةِ . وَكَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=100ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ أَعْمَى ، فَخَرَجَ إِلَى أُحُدٍ وَطَلَبَ أَنْ يُعْطَى اللِّوَاءَ فَأَخَذَهُ ، فَأُصِيبَتْ يَدُهُ الَّتِي فِيهَا اللِّوَاءُ فَأَمْسَكَهُ بِالْيَدِ الْأُخْرَى ، فَضُرِبَتْ فَأَمْسَكَهُ بِصَدْرِهِ . وَقَرَأَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=144وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ) وَشَرَطَ فِي انْتِفَاءِ الْحَرَجِ النُّصْحَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ نِيَّاتُهُمْ وَأَقْوَالُهُمْ سِرًّا وَجَهْرًا خَالِصَةً لِلَّهِ مِنَ الْغِشِّ ، سَاعِيَةً فِي إِيصَالِ الْخَيْرِ لِلْمُؤْمِنِينَ ، دَاعِيَةً لَهُمْ بِالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ . فَفِي سُنَنِ
أَبِي دَاوُدَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374518 " لَقَدْ تَرَكْتُمْ بَعْدَكُمْ قَوْمًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا هُمْ مَعَكُمْ فِيهِ " قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَكَيْفَ يَكُونُونَ مَعَنَا وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ ؟ قَالَ : " حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ " . وَقَرَأَ
أَبُو حَيْوَةَ : "
nindex.php?page=treesubj&link=28980إِذَا نَصَحُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ " بِنَصْبِ الْجَلَالَةِ وَالْمَعْطُوفِ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=91nindex.php?page=treesubj&link=28980مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) ، أَيْ : مِنْ لَائِمَةٍ تُنَاطُ بِهِمْ أَوْ عُقُوبَةٍ . وَلَفْظُ ( الْمُحْسِنِينَ ) عَامٌّ يَنْدَرِجُ فِيهِ هَؤُلَاءِ الْمَعْذُورُونَ النَّاصِحُونَ غَيْرَهُمْ ، وَقِيلَ : الْمُحْسِنِينَ هُنَا الْمَعْذُورُونَ النَّاصِحُونَ ، وَيَبْعُدُ الِاسْتِدْلَالُ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ عَلَى نَفْيِ الْقِيَاسِ وَأَنَّ الْمُحْسِنَ هُوَ الْمُسْلِمُ ; لِانْتِفَاءِ جَمِيعِ السَّبِيلِ ، فَلَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ التَّكَالِيفِ إِلَّا بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ ، فَيَكُونُ يَخُصُّ هَذَا الْعَامَّ الدَّالَّ عَلَى بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ . وَقَالَ
الْكَرْمَانِيُّ : ( الْمُحْسِنِينَ ) هُمُ الَّذِينَ أَطَاعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِي أَقْوَالِهِمْ ، ثُمَّ أَكَّدَ الرَّجَاءُ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=91وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ، وَقِرَاءَةُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ : " وَاللَّهُ لِأَهْلِ الْإِسَاءَةِ غَفُورٌ رَحِيمٌ " عَلَى سَبِيلِ التَّفْسِيرِ ، لَا عَلَى أَنَّهُ قُرْآنٌ لِمُخَالَفَتِهِ سَوَادَ الْمُصْحَفِ . قِيلَ : وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=91مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) فِيهِ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَدِيعِ ، يُسَمَّى التَّمْلِيحَ ، وَهُوَ أَنْ يُشَارَ فِي فَحْوَى الْكَلَامِ إِلَى مَثَلٍ سَائِرٍ ، أَوْ شِعْرٍ نَادِرٍ ، أَوْ قِصَّةٍ مَشْهُورَةٍ ، أَوْ مَا يَجْرِي مَجْرَى الْمَثَلِ . وَمِنْهُ قَوْلُ
يَسَارِ بْنِ عَدِيٍّ حِينَ بَلَغَهُ قَتْلُ أَخِيهِ ، وَهُوَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ :
الْيَوْمَ خَمْرٌ وَيَبْدُو فِي غَدٍ خَبَرُ وَالدَّهْرُ مِنْ بَيْنِ إِنْعَامٍ وَإِيئَاسِ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=92nindex.php?page=treesubj&link=28980وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ ) مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ ، وَهُمْ مُنْدَرِجُونَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=91وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ ) ، وَذُكِرُوا عَلَى سَبِيلِ نَفْيِ الْحَرَجِ عَنْهُمْ ، وَأَنَّهُمْ بَالَغُوا فِي تَحْصِيلِ مَا يَخْرُجُونَ بِهِ إِلَى الْجِهَادِ حَتَّى أَفْضَى بِهِمُ الْحَالُ إِلَى الْمَسْأَلَةِ ، وَالْحَاجَةِ لِبَذْلِ مَاءِ وُجُوهِهِمْ فِي طَلَبِ مَا يَحْمِلُهُمْ إِلَى الْجِهَادِ ، وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِ حَتَّى يُجَاهِدُوا مَعَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَا يَفُوتُهُمْ أَجْرُ الْجِهَادِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَنْدَرِجُوا فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=91وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ ) ، بِأَنْ يَكُونَ هَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ وَجَدُوا مَا يُنْفِقُونَ ، إِلَّا أَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا الْمَرْكُوبَ ، وَتَكُونُ النَّفَقَةُ عِبَارَةً عَنِ الزَّادِ ، لَا عِبَارَةً عَمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْمُجَاهِدُ مِنْ زَادٍ وَمَرْكُوبٍ وَسِلَاحٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ . وَهَذِهِ نَزَلَتْ فِي
nindex.php?page=showalam&ids=143الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ . وَقِيلَ : فِي
nindex.php?page=showalam&ids=5078عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ . وَقِيلَ : فِي
عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو . وَقِيلَ : فِي
nindex.php?page=showalam&ids=110أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَرَهْطِهِ . وَقِيلَ : فِي تِسْعَةِ نَفَرٍ مِنْ بُطُونٍ شَتَّى ، فَهُمُ الْبَكَّاءُونَ ، وَهُمْ :
سَالِمُ بْنُ عُمَيْرٍ مِنْ
بَنِي عَوْفٍ ،
وَحَرَمِيُّ بْنُ عَمْرٍو مِنْ
بَنِي وَاقِفٍ ،
وَأَبُو لَيْلَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَعْبٍ مِنْ
بَنِي مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ ،
وَسَلْمَانُ بْنُ صَخْرٍ مِنْ بَنِي الْمُعَلَّى ،
[ ص: 86 ] وَأَبُو رُعَيْلَةَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ بَنِي حَارِثَةَ ،
وَعَمْرُو بْنُ غَنَمَةَ مَنْ
بَنِي سَلَمَةَ ،
وَعَائِذُ بْنُ عَمْرٍو الْمُزَنِيُّ . وَقِيلَ :
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الْمُزَنِيُّ . وَقَالَ
مُجَاهِدٌ : الْبَكَّاءُونَ هُمْ
بَنُو بَكْرٍ مِنْ
مُزَيْنَةَ . وَقَالَ الْجُمْهُورُ : نَزَلَتْ فِي
بَنِي مُقْرِنٍ ، وَكَانُوا سِتَّةَ إِخْوَةٍ صَحِبُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَيْسَ فِي الصَّحَابَةِ سِتَّةُ إِخْوَةٍ غَيْرَهُمْ . وَمَعْنَى ( لِتَحْمِلَهُمْ ) أَيْ : عَلَى ظَهْرِ مَرْكَبٍ ، وَيُحْمَلُ عَلَيْهِ أَثَاثُ الْمُجَاهِدِ . قَالَ مَعْنَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=9أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ : لِتَحْمِلَهُمْ بِالزَّادِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14117الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ : بِالْبِغَالِ . وَرَوِيَ أَنَّ سَبْعَةً مِنْ قَبَائِلَ شَتَّى ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَدْ نَدَبْتَنَا إِلَى الْخُرُوجِ مَعَكَ ، فَاحْمِلْنَا عَلَى الْخِفَافِ الْمَرْقُوعَةِ وَالنِّعَالِ الْمَخْصُوفَةِ نَغْزُ مَعَكَ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=92لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ ) فَتَوَلَّوْا وَهُمْ يَبْكُونَ .
وَقَرَأَ
مَعْقِلُ بْنُ هَارُونَ : ( لِنَحْمِلَهُمْ ) بِنُونِ الْجَمَاعَةِ . وَ " إِذَا " تَقْتَضِي جَوَابًا . وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَا يَقْرُبُ مِنْهَا ، وَهُوَ ( قُلْتَ ) ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ : ( تَوَلَّوْا ) جَوَابًا لِسُؤَالٍ مُقَدَّرٍ ;كَأَنَّهُ قِيلَ : فَمَا كَانَ حَالُهُمْ إِذْ أَجَابَهُمُ الرَّسُولُ ؟ قِيلَ : تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ . وَقِيلَ : جَوَابُ ( إِذَا تَوَلَّوْا ) ، وَ ( قُلْتَ ) جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الْكَافِ ، أَيْ : إِذَا مَا أَتَوْكَ قَائِلًا لَا أَجِدُ ، وَقَدْ قَبْلَهُ مُقَدَّرٌ كَمَا قِيلَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=90nindex.php?page=treesubj&link=28980حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ ) قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ . أَوْ عَلَى حَذْفِ حَرْفِ الْعَطْفَةِ ؛ أَيْ : وَقُلْتَ ، قَالَهُ
الْجُرْجَانِيُّ ، وَقَالَهُ
ابْنُ عَطِيَّةِ ، وَقَدَّرَهُ : فَقُلْتَ ، بِالْفَاءِ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=92وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : فَإِنْ قُلْتَ : فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=92قُلْتَ لَا أَجِدُ ) اسْتِئْنَافًا مِثْلَهُ ، يَعْنِي مِثْلَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=93رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ ) ، كَأَنَّهُ قِيلَ : إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ تَوَلَّوْا ، فَقِيلَ : مَا لَهُمْ تَوَلَّوْا بَاكِينَ ؟ قُلْتُ : لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ ، إِلَّا أَنَّهُ وَسَطٌ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ كَالِاعْتِرَاضِ ; قُلْتُ : نَعَمْ ، وَيَحْسُنُ . انْتَهَى . وَلَا يَجُوزُ وَلَا يَحْسُنُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ ، فَكَيْفَ فِي كَلَامِ اللَّهِ وَهُوَ فَهْمٌ أَعْجَمِيٌّ ؟ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى نَحْوِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=92nindex.php?page=treesubj&link=28980وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ ) فِي أَوَائِلِ حِزْبِ ( لَتَجِدَنَّ ) مِنْ سُورَةِ الْمَائِدَةِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ هُنَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=92وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ ) كَقَوْلِكَ : تَفِيضُ دَمْعًا ، وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ يَفِيضُ دَمْعُهَا ، لِأَنَّ الْعَيْنَ جُعِلَتْ كَأَنَّ كُلَّهَا دَمْعٌ فَائِضٌ . وَ " مِنْ " لِلْبَيَانِ كَقَوْلِكَ : أَفْدِيكَ مِنْ رَجُلٍ ، وَمَحَلُّ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ النَّصْبُ عَلَى التَّمْيِيزِ . انْتَهَى . وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّ التَّمْيِيزَ الَّذِي أَصْلُهُ فَاعِلٌ لَا يَجُوزُ جَرُّهُ بِـ " مِنْ " ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ مَعْرِفَةٌ ، وَلَا يَجُوزُ إِلَّا عَلَى رَأْيِ الْكُوفِيِّينَ الَّذِينَ يُجِيزُونَ مَجِيءَ التَّمْيِيزِ مَعْرِفَةً . وَانْتَصَبَ ( حَزَنًا ) عَلَى الْمَفْعُولِ لَهُ ، وَالْعَامِلُ فِيهِ ( تَفِيضُ ) . وَقَالَ
أَبُو الْبَقَاءِ : أَوْ مَصْدَرٍ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ . وَ ( أَلَّا يَجِدُوا ) مَفْعُولٌ لَهُ أَيْضًا ، وَالنَّاصِبُ لَهُ ( حَزَنًا ) ، قَالَ
أَبُو الْبَقَاءِ : وَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِـ ( تَفِيضُ ) . انْتَهَى . وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى إِعْرَابِهِ ( حَزَنًا ) مَفْعُولًا لَهُ ، وَالْعَامِلُ فِيهِ ( تَفِيضُ ) ; لِأَنَّ الْعَامِلَ لَا يَقْضِ اثْنَيْنِ مِنَ الْمَفْعُولِ لَهُ إِلَّا بِالْعَطْفِ أَوِ الْبَدَلِ . وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=92أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ ) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُمْ مُنْدَرِجُونَ تَحْتَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=91وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ ) .