(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=107nindex.php?page=treesubj&link=28980والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين ) لما ذكر طرائق ذميمة لأصناف المنافقين أقوالا وأفعالا ; ذكر أن منهم من بالغ في الشر حتى ابتنى مجمعا للمنافقين يدبرون فيه ما شاءوا من الشر ، وسموه مسجدا . ولما بنى
عمرو بن عوف مسجد
قباء وبعثوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فجاء وصلى فيه ودعا لهم - حسدهم بنو عمهم
[ ص: 98 ] بنو غنم بن عوف ،
وبنو سالم بن عوف ، وحرضهم
أبو عمرو الفاسق على بنائه حين نزل
الشام هاربا من وقعة حنينفراسلهم في بنائه وقال : ابنوا لي مسجدا فإني ذاهب إلى
قيصر آتي بجند من الروم فأخرج
محمدا وأصحابه ، فبنوه إلى مسجد
قباء ، وكانوا اثني عشر رجلا من المنافقين :
خذام بن خالد ، ومن داره أخرج المسجد ،
وثعلبة بن حاطب ،
ومعتب بن قشير ،
وحارثة بن عامر ، وابناه
مجمع وزيد ،
ونبتل بن الحارث ،
وعباد بن حنيف ،
ونجاد بن عثمان ،
ووديعة بن ثابت ،
وأبو حنيفة الأزهر ،
وبحزج بن عمرو ، ورجل من
بني ضبيعة ، وقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والشاتية ، ونحن نحب أن تصلي لنا فيه ، وتدعو لنا بالبركة ، فقال صلى الله عليه وسلم :
" إني على جناح سفر وحال شغل ، وإذا قدمنا إن شاء الله صلينا فيه " ، وكان إمامهم
مجمع بن جارية وكان غلاما قارئا للقرآن حسن الصوت ، وهو ممن حسن إسلامه ، وولاه
عمر إمامة مسجد
قباء بعد مراجعة ، ثم بعثه إلى
الكوفة يعلمهم القرآن ، فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة
تبوك نزل بذي أوان بلد بينه وبين
المدينة ساعة من نهار ، ونزل عليه القرآن في شأن مسجد الضرار ، فدعا
مالك بن الدخشم ومعنا وعاصما ابني عدي . وقيل : بعث
nindex.php?page=showalam&ids=56عمار بن ياسر ووحشيا قاتل
حمزة بهدمه وتحريقه ، فهدم وحرق بنار في سعف ، واتخذ كناسة ترمى فيها الجيف والقمامة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : صلوا فيه الجمعة والسبت والأحد وانهار يوم الاثنين ولم يحرق . وقرأ أهل
المدينة :
نافع ،
وأبو جعفر ، وشيبة ، وغيرهم ،
وابن عامر : " الذين " بغير واو ، كذا هي في مصاحف
المدينة والشام ، فاحتمل أن يكون بدلا من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=106وآخرون مرجون ) ، وأن يكون خبر ابتداء تقديره : هم الذين ، وأن يكون مبتدأ . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي : الخبر (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108لا تقم فيه أبدا ) . قال
ابن عطية : ويتجه بإضمار إما في أول الآية ، وإما في آخرها ، بتقدير : لا تقم في مسجدهم . وقال
النحاس والحوفي : الخبر ( لا يزال بنيانهم ) . وقال
المهدوي : الخبر محذوف ، تقديره : معذبون أو نحوه .
وقرأ جمهور القراء : ( والذين ) بالواو عطفا على ( وآخرون ) ، أي : ومنهم الذين اتخذوا ، ويجوز أن يكون مبتدأ خبره كخبره بغير الواو إذا أعرب مبتدأ . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : فإن قلت : ( والذين اتخذوا ) ما محله من الإعراب ؟ قلت : محله النصب على الاختصاص كقوله تعالى : ( والمقيمين الصلاة ) وقيل : هو مبتدأ وخبره محذوف ، معناه فيمن وصفنا ( الذين اتخذوا ) كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=38والسارق والسارقة ) ، وانتصب ( ضرارا ) على أنه مفعول من أجله ، أي : مضارة لإخوانهم أصحاب مسجد
قباء ، ومعادة وكفرا وتقوية للنفاق ، وتفريقا بين المؤمنين ؛ لأنهم كانوا يصلون مجتمعين في مسجد
قباء فيغتص بهم ، فأرادوا أن يفترقوا عنه وتختلف كلمتهم ، إذ كان من يجاوز مسجدهم يصرفونه إليه ، وذلك داعية إلى صرفه عن الإيمان . ويجوز أن ينتصب على أنه مصدر في موضع الحال . وأجاز
أبو البقاء أن يكون مفعولا ثانيا لـ ( اتخذوا ) ، ( وإرصادا ) ، أي : إعدادا لأجل من حارب الله ورسوله وهو
أبو عامر الراهب أعدوه له ليصلي فيه ، ويظهر على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان قد تعبد في الجاهلية فسمي الراهب ، وسماه الرسول صلى الله عليه وسلم الفاسق ، وكان سيدا في قومه نظيرا وقريبا من
عبد الله بن أبي ابن سلول ، فلما جاء الله بالإسلام نافق ولم يزل مجاهرا بذلك ، وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد محاورة : " لا أجد قوما يقاتلونك إلا قاتلتك معهم " ، فلم يزل يقاتله وحزب على رسول الله صلى الله عليه وسلم الأحزاب ، فلما ردهم الله بغيظهم أقام ب
مكة مظهرا للعداوة ، فلما كان الفتح هرب إلى الطائف ، فلما أسلم أهل
الطائف هرب إلى
الشام يريد قيصر مستنصرا على الرسول ، فمات وحيدا طريدا غريبا
بقنسرين ، وكان قد دعا بذلك على الكافرين وأمن الرسول ، فكان كما دعا ، وفيه يقول
nindex.php?page=showalam&ids=331كعب بن مالك :
[ ص: 99 ] معاذ الله من فعل خبيث كسعيك في العشيرة عبد عمرو وقلت بأن لي شرفا وذكرا
فقد تابعت إيمانا بكفر
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش : ( وإرصادا للذين حاربوا الله ورسوله ) ، والظاهر أن " من قبل " متعلقا بـ ( حارب ) ، يريد في غزوة الأحزاب وغيرها ، أي : من قبل اتخاذ هذا المسجد . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : فإن قلت : بم يتصل قوله تعالى : ( من قبل ) ؟ قلت : بـ ( اتخذوا ) ، أي : اتخذوا مسجدا من قبل أن ينافق هؤلاء بالتخلف . انتهى . وليس بظاهر ، والخالف هو الذي لا يخرج ، أي للغزو . ما أردنا ببناء هذا المسجد إلا الحسنى والتوسعة علينا وعلى من ضعف أو عجز عن المسير إلى مسجد
قباء . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : ما أردنا ببناء هذا المسجد إلا الخصلة الحسنى ، أو لإرادة الحسنى وهي الصلاة وذكر الله تعالى والتوسع على المصلين . انتهى . كأنه في قوله : إلا الخصلة الحسنى جعله مفعولا ، وفي قوله : أو لإرادة الحسنى جعله علة ، وكأنه ضمن أراد معنى قصد ، أي : ما قصدنا ببنائه لشيء من الأشياء إلا لإرادة الحسنى وهي الصلاة ، وهذا وجه متكلف . فأكذبهم الله في قولهم ، ونهاه أن يقوم فيه فقال : ( لا تقم فيه أبدا ) نهاه ; لأن بناته كانوا خادعوا الرسول صلى الله عليه وسلم ، فهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالمشي معهم ، واستدعى قميصه لينهض ، فنزلت : ( لا تقم فيه أبدا ) ، وعبر بالقيام عن الصلاة فيه .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وفرقة من الصحابة والتابعين : المؤسس على التقوى مسجد
قباء ، أسسه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى فيه أيام مقامه ب
قباء ، وهي : يوم الاثنين ، والثلاثاء ، والأربعاء ، والخميس ، وخرج يوم الجمعة ، وهو أولى لأن الموازنة بين مسجد
قباء ومسجد الضرار أوقع منها بين مسجد الرسول ومسجد الضرار ، وذلك لائق بالقصة . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت ،
وأبي سعيد ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر : أنه مسجد الرسول . وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال : " هو مسجدي هذا " لما سئل عن المسجد الذي أسس على التقوى . وإذا صح هذا النقل لم يمكن خلافه ، ومن هنا دخلت على الزمان ، واستدل بذلك الكوفيون على أن " من " تكون لابتداء الغاية في الزمان ، وتأوله البصريون على حذف مضاف ، أي : من تأسيس أول يوم ؛ لأن من مذهبهم أنها لا تجر الأزمان ، وتحقيق ذلك في علم النحو . قال
ابن عطية : ويحسن عندي أن يستغنى عن تقدير ، وأن تكون " من " تجر لفظة " أول " لأنها بمعنى البداءة ، كأنه قال : من مبتدأ الأيام ، وقد حكي لي هذا الذي اخترته عن بعض أئمة النحو . انتهى . و ( أحق ) بمعنى حقيق ، وليست أفعل تفضيل ، إذ لا اشتراك بين المسجدين في الحق ، والتاء في ( أن تقوم ) تاء خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم .
وقرأ
عبد الله بن يزيد : ( فيه ) بكسر الهاء ، ( فيه ) الثانية بضم الهاء ، جمع بين اللغتين ، والأصل الضم ، وفيه رفع توهم التوكيد ، ورفع ( رجال ) فيقوم إذ فيه الأولى في موضع نصب ، والثانية في موضع رفع . وجوزوا في ( فيه رجال ) أن يكون صفة لمسجد ، والحال ، والاستئناف . وفي الحديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374524قال لهم : " يا معشر الأنصار رأيت الله أثنى عليكم بالطهور فماذا تفعلون ؟ " قالوا : يا رسول الله إنا رأينا جيراننا من اليهود يتطهرون بالماء يريدون الاستنجاء بالماء ففعلنا ذلك ، فلما جاء الإسلام لم ندعه فقال : " فلا تدعوه إذا " وفي بعض ألفاظ هذا الحديث زيادة واختلاف .
وقد اختلف أهل العلم في الاستنجاء بالحجارة أو بالماء ، أيهما أفضل . ورأت فرقة الجمع بينهما ، وشذ
ابن حبيب فقال : لا يستنجى بالحجارة حيث يوجد الماء ، فعلى ما روي في هذا الحديث يكون التطهير عبارة عن استعمال الماء في إزالة النجاسة في الاستنجاء . وقيل : هو عام في النجاسات كلها . وقال
الحسن : من التطهير من الذنوب بالتوبة . وقيل : يحبون أن يتطهروا بالحمى المكفرة للذنوب ، فحموا عن آخرهم . وفي دلائل النبوة
للبيهقي :
أن أهل قباء شكوا الحمى ، فقال : " إن شئتم دعوت الله فأزالها عنكم ، وإن شئتم جعلتها لكم طهرة " فقالوا : بل اجعلها لنا [ ص: 100 ] طهرة . ومعنى محبتهم التطهير أنهم يؤثرونه ويحرصون عليه حرص المحب الشيء المشتهى له على أشياء ، ومحبة الله إياهم أنه يحسن إليهم كما يفعل المحب بمحبوبه . وقرأ
ابن مصرف nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش : ( يطهروا ) بالإدغام ، وقرأ
ابن أبي طالب : ( المتطهرين ) .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=107nindex.php?page=treesubj&link=28980وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ) لَمَّا ذَكَرَ طَرَائِقَ ذَمِيمَةً لِأَصْنَافِ الْمُنَافِقِينَ أَقْوَالًا وَأَفْعَالًا ; ذَكَرَ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ بَالَغَ فِي الشَّرِّ حَتَّى ابْتَنَى مَجْمَعًا لِلْمُنَافِقِينَ يُدَبِّرُونَ فِيهِ مَا شَاءُوا مِنَ الشَّرِّ ، وَسَمَّوْهُ مَسْجِدًا . وَلَمَّا بَنَى
عَمْرُو بْنُ عَوْفٍ مَسْجِدَ
قُبَاءٍ وَبَعَثُوا إِلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ وَصَلَّى فِيهِ وَدَعَا لَهُمْ - حَسَدَهُمْ بَنُو عَمِّهِمْ
[ ص: 98 ] بَنُو غَنْمِ بْنِ عَوْفٍ ،
وَبَنُو سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ ، وَحَرَّضَهُمْ
أَبُو عَمْرٍو الْفَاسِقُ عَلَى بِنَائِهِ حِينَ نَزَلَ
الشَّامَ هَارِبًا مِنْ وَقْعَةِ حُنَيْنٍفَرَاسَلَهُمْ فِي بِنَائِهِ وَقَالَ : ابْنُوا لِي مَسْجِدًا فَإِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى
قَيْصَرَ آتِي بِجُنْدٍ مِنَ الرُّومِ فَأُخْرِجُ
مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ ، فَبَنَوْهُ إِلَى مَسْجِدِ
قُبَاءٍ ، وَكَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنَ الْمُنَافِقِينَ :
خِذَامُ بْنُ خَالِدٍ ، وَمِنْ دَارِهِ أَخْرَجَ الْمَسْجِدَ ،
وَثَعْلَبَةُ بْنُ حَاطِبٍ ،
وَمُعَتِّبُ بْنُ قُشَيْرٍ ،
وَحَارِثَةُ بْنُ عَامِرٍ ، وَابْنَاهُ
مُجَمِّعٌ وَزَيْدٌ ،
وَنَبْتَلُ بْنُ الْحَارِثِ ،
وَعَبَّادُ بْنُ حُنَيْفٍ ،
وَنِجَادُ بْنُ عُثْمَانَ ،
وَوَدِيعَةُ بْنُ ثَابِتٍ ،
وَأَبُو حَنِيفَةَ الْأَزْهَرُ ،
وَبَحْزَجُ بْنُ عَمْرٍو ، وَرَجُلٌ مِنْ
بَنِي ضُبَيْعَةَ ، وَقَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بَنَيْنَا مَسْجِدًا لِذِي الْعِلَّةِ وَالْحَاجَةِ وَاللَّيْلَةِ الْمَطِيرَةِ وَالشَّاتِيَةِ ، وَنَحْنُ نُحِبُّ أَنْ تُصَلِّيَ لَنَا فِيهِ ، وَتَدْعُوَ لَنَا بِالْبَرَكَةِ ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
" إِنِّي عَلَى جَنَاحِ سَفَرٍ وَحَالِ شُغْلٍ ، وَإِذَا قَدِمْنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَلَّيْنَا فِيهِ " ، وَكَانَ إِمَامُهُمْ
مُجَمِّعُ بْنُ جَارِيَةَ وَكَانَ غُلَامًا قَارِئًا لِلْقُرْآنِ حَسَنَ الصَّوْتِ ، وَهُوَ مِمَّنْ حَسُنَ إِسْلَامُهُ ، وَوَلَّاهُ
عُمَرُ إِمَامَةَ مَسْجِدِ
قُبَاءٍ بَعْدَ مُرَاجَعَةٍ ، ثُمَّ بَعَثَهُ إِلَى
الْكُوفَةِ يُعَلِّمُهُمُ الْقُرْآنُ ، فَلَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةِ
تَبُوكَ نَزَلَ بِذِي أَوَانٍ بَلَدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
الْمَدِينَةِ سَاعَةٌ مِنْ نَهَارٍ ، وَنَزَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ فِي شَأْنِ مَسْجِدِ الضِّرَارِ ، فَدَعَا
مَالِكَ بْنَ الدُّخْشُمِ وَمَعْنًا وَعَاصِمًا ابْنَيْ عَدِيٍّ . وَقِيلَ : بَعَثَ
nindex.php?page=showalam&ids=56عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ وَوَحْشِيًّا قَاتِلَ
حَمْزَةَ بِهَدْمِهِ وَتَحْرِيقِهِ ، فَهُدِمَ وَحُرِّقَ بِنَارٍ فِي سَعَفٍ ، وَاتُّخِذَ كُنَاسَةً تُرْمَى فِيهَا الْجِيَفُ وَالْقُمَامَةُ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنُ جُرَيْجٍ : صَلَّوْا فِيهِ الْجُمُعَةَ وَالسَّبْتَ وَالْأَحَدَ وَانْهَارَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَلَمْ يُحَرَّقْ . وَقَرَأَ أَهْلُ
الْمَدِينَةِ :
نَافِعٌ ،
وَأَبُو جَعْفَرٍ ، وَشَيْبَةُ ، وَغَيْرُهُمْ ،
وَابْنُ عَامِرٍ : " الَّذِينَ " بِغَيْرِ وَاوٍ ، كَذَا هِيَ فِي مَصَاحِفِ
الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ ، فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=106وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ ) ، وَأَنْ يَكُونَ خَبَرَ ابْتِدَاءٍ تَقْدِيرُهُ : هُمُ الَّذِينَ ، وَأَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15080الْكِسَائِيُّ : الْخَبَرُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا ) . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَيَتَّجِهُ بِإِضْمَارِ إِمَّا فِي أَوَّلِ الْآيَةِ ، وَإِمَّا فِي آخِرِهَا ، بِتَقْدِيرِ : لَا تَقُمْ فِي مَسْجِدِهِمْ . وَقَالَ
النَّحَّاسُ وَالْحَوْفِيُّ : الْخَبَرُ ( لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ ) . وَقَالَ
الْمَهْدَوِيُّ : الْخَبَرُ مَحْذُوفٌ ، تَقْدِيرُهُ : مُعَذَّبُونَ أَوْ نَحْوُهُ .
وَقَرَأَ جُمْهُورُ الْقُرَّاءِ : ( وَالَّذِينَ ) بِالْوَاوِ عَطْفًا عَلَى ( وَآخَرُونَ ) ، أَيْ : وَمِنْهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً خَبَرُهُ كَخَبَرِهِ بِغَيْرِ الْوَاوِ إِذَا أُعْرِبَ مُبْتَدَأً . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : فَإِنْ قُلْتَ : ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا ) مَا مَحَلُّهُ مِنَ الْإِعْرَابِ ؟ قُلْتُ : مَحَلُّهُ النَّصْبُ عَلَى الِاخْتِصَاصِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ ) وَقِيلَ : هُوَ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ ، مَعْنَاهُ فِيمَنْ وَصَفْنَا ( الَّذِينَ اتَّخَذُوا ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=38وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ ) ، وَانْتَصَبَ ( ضِرَارًا ) عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ ، أَيْ : مُضَارَّةً لِإِخْوَانِهِمْ أَصْحَابِ مَسْجِدِ
قُبَاءٍ ، وَمُعَادَةً وَكُفْرًا وَتَقْوِيَةً لِلنِّفَاقِ ، وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ مُجْتَمِعِينَ فِي مَسْجِدِ
قُبَاءٍ فَيَغْتَصُّ بِهِمْ ، فَأَرَادُوا أَنْ يَفْتَرِقُوا عَنْهُ وَتَخْتَلِفَ كَلِمَتُهُمْ ، إِذْ كَانَ مَنْ يُجَاوِزُ مَسْجِدَهُمْ يَصْرِفُونَهُ إِلَيْهِ ، وَذَلِكَ دَاعِيَةٌ إِلَى صَرْفِهِ عَنِ الْإِيمَانِ . وَيَجُوزُ أَنْ يَنْتَصِبَ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ . وَأَجَازَ
أَبُو الْبَقَاءِ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا ثَانِيًا لِـ ( اتَّخَذُوا ) ، ( وَإِرْصَادًا ) ، أَيْ : إِعْدَادًا لِأَجْلِ مَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَهُوَ
أَبُو عَامِرٍ الرَّاهِبُ أَعَدُّوهُ لَهُ لِيُصَلِّيَ فِيهِ ، وَيَظْهَرَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَانَ قَدْ تَعَبَّدَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَسُمِّيَ الرَّاهِبَ ، وَسَمَّاهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَاسِقَ ، وَكَانَ سَيِّدًا فِي قَوْمِهِ نَظِيرًا وَقَرِيبًا مِنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ ، فَلَمَّا جَاءَ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ نَافَقَ وَلَمْ يَزَلْ مُجَاهِرًا بِذَلِكَ ، وَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مُحَاوَرَةٍ : " لَا أَجِدُ قَوْمًا يُقَاتِلُونَكَ إِلَّا قَاتَلْتُكَ مَعَهُمْ " ، فَلَمْ يَزَلْ يُقَاتِلُهُ وَحَزَّبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَحْزَابَ ، فَلَمَّا رَدَّهُمُ اللَّهُ بِغَيْظِهِمْ أَقَامَ بِ
مَكَّةَ مُظْهِرًا لِلْعَدَاوَةِ ، فَلَمَّا كَانَ الْفَتْحُ هَرَبَ إِلَى الطَّائِفِ ، فَلَمَّا أَسْلَمَ أَهْلُ
الطَّائِفِ هَرَبَ إِلَى
الشَّامِ يُرِيدُ قَيْصَرَ مُسْتَنْصِرًا عَلَى الرَّسُولِ ، فَمَاتَ وَحِيدًا طَرِيدًا غَرِيبًا
بِقِنِّسَرِينَ ، وَكَانَ قَدْ دَعَا بِذَلِكَ عَلَى الْكَافِرِينَ وَأَمَّنَ الرَّسُولُ ، فَكَانَ كَمَا دَعَا ، وَفِيهِ يَقُولُ
nindex.php?page=showalam&ids=331كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ :
[ ص: 99 ] مَعَاذَ اللَّهِ مِنْ فِعْلٍ خَبِيثٍ كَسَعْيِكَ فِي الْعَشِيرَةِ عَبْدَ عَمْرٍو وَقُلْتَ بِأَنَّ لِي شَرَفًا وَذِكْرًا
فَقَدْ تَابَعْتَ إِيمَانًا بِكُفْرِ
وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=13726الْأَعْمَشُ : ( وَإِرْصَادًا لِلَّذِينَ حَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ " مِنْ قَبْلُ " مُتَعَلِّقًا بِـ ( حَارَبَ ) ، يُرِيدُ فِي غَزْوَةِ الْأَحْزَابِ وَغَيْرِهَا ، أَيْ : مِنْ قَبْلِ اتِّخَاذِ هَذَا الْمَسْجِدِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : فَإِنْ قُلْتَ : بِمَ يَتَّصِلُ قَوْلُهُ تَعَالَى : ( مِنْ قَبْلُ ) ؟ قُلْتُ : بِـ ( اتَّخَذُوا ) ، أَيْ : اتَّخَذُوا مَسْجِدًا مِنْ قَبْلُ أَنْ يُنَافِقَ هَؤُلَاءِ بِالتَّخَلُّفِ . انْتَهَى . وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ ، وَالْخَالِفُ هُوَ الَّذِي لَا يَخْرُجُ ، أَيْ لِلْغَزْوِ . مَا أَرَدْنَا بِبِنَاءِ هَذَا الْمَسْجِدِ إِلَّا الْحُسْنَى وَالتَّوْسِعَةِ عَلَيْنَا وَعَلَى مَنْ ضَعُفَ أَوْ عَجَزَ عَنِ الْمَسِيرِ إِلَى مَسْجِدِ
قُبَاءٍ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : مَا أَرَدْنَا بِبِنَاءِ هَذَا الْمَسْجِدِ إِلَّا الْخَصْلَةَ الْحُسْنَى ، أَوْ لِإِرَادَةِ الْحُسْنَى وَهِيَ الصَّلَاةُ وَذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّوَسُّعُ عَلَى الْمُصَلِّينَ . انْتَهَى . كَأَنَّهُ فِي قَوْلِهِ : إِلَّا الْخَصْلَةَ الْحُسْنَى جَعَلَهُ مَفْعُولًا ، وَفِي قَوْلِهِ : أَوْ لِإِرَادَةِ الْحُسْنَى جَعَلَهُ عِلَّةً ، وَكَأَنَّهُ ضَمَّنَ أَرَادَ مَعْنَى قَصَدَ ، أَيْ : مَا قَصَدْنَا بِبِنَائِهِ لِشَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ إِلَّا لِإِرَادَةِ الْحُسْنَى وَهِيَ الصَّلَاةُ ، وَهَذَا وَجْهٌ مُتَكَلَّفٌ . فَأَكْذَبَهُمُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِمْ ، وَنَهَاهُ أَنْ يَقُومَ فِيهِ فَقَالَ : ( لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا ) نَهَاهُ ; لِأَنَّ بُنَاتَهُ كَانُوا خَادَعُوا الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَهَمَّ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَشْيِ مَعَهُمْ ، وَاسْتَدْعَى قَمِيصَهُ لِيَنْهَضَ ، فَنَزَلَتْ : ( لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا ) ، وَعَبَّرَ بِالْقِيَامِ عَنِ الصَّلَاةِ فِيهِ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ وَفِرْقَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ : الْمُؤَسَّسُ عَلَى التَّقْوَى مَسْجِدُ
قُبَاءٍ ، أَسَّسَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَلَّى فِيهِ أَيَّامَ مَقَامِهِ بِ
قُبَاءٍ ، وَهِيَ : يَوْمُ الِاثْنَيْنِ ، وَالثُّلَاثَاءِ ، وَالْأَرْبِعَاءِ ، وَالْخَمِيسِ ، وَخَرَجَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، وَهُوَ أَوْلَى لِأَنَّ الْمُوَازَنَةَ بَيْنَ مَسْجِدِ
قُبَاءٍ وَمَسْجِدِ الضِّرَارِ أَوْقَعُ مِنْهَا بَيْنَ مَسْجِدِ الرَّسُولِ وَمَسْجِدِ الضِّرَارِ ، وَذَلِكَ لَائِقٌ بِالْقِصَّةِ . وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=47زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ،
وَأَبِي سَعِيدٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وَابْنِ عُمَرَ : أَنَّهُ مَسْجِدُ الرَّسُولِ . وَرُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " هُوَ مَسْجِدِي هَذَا " لَمَّا سُئِلَ عَنِ الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى . وَإِذَا صَحَّ هَذَا النَّقْلُ لَمْ يُمْكِنْ خِلَافُهُ ، وَمِنْ هُنَا دَخَلَتْ عَلَى الزَّمَانِ ، وَاسْتَدَلَّ بِذَلِكَ الْكُوفِيُّونَ عَلَى أَنَّ " مِنْ " تَكُونُ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ فِي الزَّمَانِ ، وَتَأَوَّلَهُ الْبَصْرِيُّونَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ ، أَيْ : مِنْ تَأْسِيسِ أَوَّلِ يَوْمٍ ؛ لِأَنَّ مِنْ مَذْهَبِهِمْ أَنَّهَا لَا تَجُرُّ الْأَزْمَانَ ، وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ فِي عِلْمِ النَّحْوِ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَيَحْسُنُ عِنْدِي أَنْ يُسْتَغْنَى عَنْ تَقْدِيرِ ، وَأَنْ تَكُونَ " مِنْ " تَجُرُّ لَفْظَةَ " أَوَّلِ " لِأَنَّهَا بِمَعْنَى الْبُدَاءَةِ ، كَأَنَّهُ قَالَ : مِنْ مُبْتَدَأِ الْأَيَّامِ ، وَقَدْ حُكِيَ لِي هَذَا الَّذِي اخْتَرْتُهُ عَنْ بَعْضِ أَئِمَّةِ النَّحْوِ . انْتَهَى . وَ ( أَحَقُّ ) بِمَعْنَى حَقِيقٌ ، وَلَيْسَتْ أَفْعَلَ تَفْضِيلٍ ، إِذْ لَا اشْتِرَاكَ بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ فِي الْحَقِّ ، وَالتَّاءُ فِي ( أَنْ تَقُومَ ) تَاءُ خِطَابٍ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَقَرَأَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدٍ : ( فِيهِ ) بِكَسْرِ الْهَاءِ ، ( فِيهُ ) الثَّانِيَةَ بِضَمِّ الْهَاءِ ، جَمَعَ بَيْنَ اللُّغَتَيْنِ ، وَالْأَصْلُ الضَّمُّ ، وَفِيهِ رَفْعُ تَوَهُّمِ التَّوْكِيدِ ، وَرَفَعَ ( رِجَالٌ ) فَيَقُومُ إِذْ فِيهِ الْأُولَى فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ ، وَالثَّانِيَةُ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ . وَجَوَّزُوا فِي ( فِيهِ رِجَالٌ ) أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِمَسْجِدٍ ، وَالْحَالَ ، وَالِاسْتِئْنَافَ . وَفِي الْحَدِيثِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374524قَالَ لَهُمْ : " يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ رَأَيْتُ اللَّهَ أَثْنَى عَلَيْكُمْ بِالطَّهُورِ فَمَاذَا تَفْعَلُونَ ؟ " قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا رَأَيْنَا جِيرَانَنَا مِنَ الْيَهُودِ يَتَطَهَّرُونَ بِالْمَاءِ يُرِيدُونَ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ فَفَعَلْنَا ذَلِكَ ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ لَمْ نَدَعْهُ فَقَالَ : " فَلَا تَدَعُوهُ إِذًا " وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِ هَذَا الْحَدِيثِ زِيَادَةٌ وَاخْتِلَافٌ .
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحِجَارَةِ أَوْ بِالْمَاءِ ، أَيُّهِمَا أَفْضَلُ . وَرَأَتْ فِرْقَةٌ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا ، وَشَذَّ
ابْنُ حَبِيبٍ فَقَالَ : لَا يُسْتَنْجَى بِالْحِجَارَةِ حَيْثُ يُوجَدُ الْمَاءُ ، فَعَلَى مَا رُوِيَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ يَكُونُ التَّطْهِيرُ عِبَارَةً عَنِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِي إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ . وَقِيلَ : هُوَ عَامٌّ فِي النَّجَاسَاتِ كُلِّهَا . وَقَالَ
الْحَسَنُ : مِنَ التَّطْهِيرِ مِنَ الذُّنُوبِ بِالتَّوْبَةِ . وَقِيلَ : يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا بِالْحُمَّى الْمُكَفِّرَةِ لِلذُّنُوبِ ، فَحُمُّوا عَنْ آخِرِهِمْ . وَفِي دَلَائِلَ النُّبُوَّةِ
لِلْبَيْهَقِيِّ :
أَنَّ أَهْلَ قُبَاءٍ شَكَوَا الْحُمَّى ، فَقَالَ : " إِنْ شِئْتُمْ دَعَوْتُ اللَّهَ فَأَزَالَهَا عَنْكُمْ ، وَإِنْ شِئْتُمْ جَعَلْتُهَا لَكُمْ طُهْرَةً " فَقَالُوا : بَلِ اجْعَلْهَا لَنَا [ ص: 100 ] طُهْرَةً . وَمَعْنَى مَحَبَّتِهِمُ التَّطْهِيرُ أَنَّهُمْ يُؤْثِرُونَهُ وَيَحْرِصُونَ عَلَيْهِ حِرْصَ الْمُحِبِّ الشَّيْءَ الْمُشْتَهَى لَهُ عَلَى أَشْيَاءَ ، وَمَحَبَّةُ اللَّهِ إِيَّاهُمْ أَنَّهُ يُحْسِنُ إِلَيْهِمْ كَمَا يَفْعَلُ الْمُحِبُّ بِمَحْبُوبِهِ . وَقَرَأَ
ابْنُ مُصَرِّفٍ nindex.php?page=showalam&ids=13726وَالْأَعْمَشُ : ( يَطَّهَرُوا ) بِالْإِدْغَامِ ، وَقَرَأَ
ابْنُ أَبِي طَالِبٍ : ( الْمُتَطَهِّرِينَ ) .