(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=123nindex.php?page=treesubj&link=28980يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين ) : لما حض تعالى على التفقه في الدين ، وحرض على رحلة طائفة من المؤمنين فيه ، أمر تعالى المؤمنين كافة بقتال من يليهم من الكفار ، فجمع من الجهاد جهاد الحجة وجهاد السيف . وقال بعض الشعراء في ذلك :
من لا يعدله القرآن كان له من الصغار وبيض الهند تعديل
قيل : نزلت قبل الأمر بقتل الكفار كافة ، فهي من التدريج الذي كان في أول الإسلام . وضعف هذا القول بأن هذه الآية من آخر ما نزل . وقالت فرقة : إنما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما تجاوز قوما من الكفار غازيا لقوم آخرين أبعد منهم ، فأمر الله بغزو الأدنى فالأدنى إلى
المدينة . وقالت فرقة : الآية مبينة صورة القتال كافة ، فهي مترتبة مع الأمر بقتال الكفار كافة ، ومعناها أن الله تعالى أمر فيها المؤمنين أن يقاتل كل فريق منهم الجيش الذي يضايقه من الكفرة ، وهذا هو القتال لكلمة الله ورد البأس إلى الإسلام . وأما إذا مال العدو إلى صقع من أصقاع المسلمين ففرض
[ ص: 115 ] على من اتصل به من المؤمنين كفاية عدو ذلك الصقع وإن بعدت الدار ونأت البلاد . وقال قائلو هذه المقالة : نزلت الآية مشيرة إلى قتال الروم
بالشام ؛ لأنهم كانوا يومئذ العدو الذي يلي ويقرب ، إذ كانت العرب قد عمها الإسلام ، وكانت
العراق بعيدة ، ثم لما اتسع نطاق الإسلام توجه الفرض في قتال
الفرس والديلم وغيرهما من الأمم ، وسأل
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رجل عن قتال
الديلم فقال : عليك بالروم . وقال
علي بن الحسين والحسن : هم الروم
والديلم ، يعني في زمنه . وقال
ابن زيد : المراد بهذه الآية وقت نزولها العرب ، فلما فرغ منهم نزلت في الروم وغيرهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=29قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ) إلى آخرها . وقيل : هم
قريظة والنضير وفدك وخيبر . وقال قوم : تحرجوا أن يقاتلوا أقرباءهم وجيرانهم ، فأمروا بقتالهم . و (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=123يلونكم ) : ظاهره القرب في المكان . وقيل : هو عام في القرب في المكان والنسب ، والبداءة بقتال من يلي ؛ لأنه متعذر قتال كلهم دفعة واحدة ، وقد أمرنا بقتال كلهم ، فوجب الترجيح بالقرب كما في سائر المهمات كالدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ ولأن النفقات فيه ، والحاجة إلى الدواب والأدوات أقل ، ولأن قتال الأبعد تعريض لتدارك المسلمين إلى الفتنة ؛ ولأن الدين يكون إن كانوا ضعفاء كان الاستيلاء عليهم أسهل ، وحصول غير الإسلام أيسر . وإن كانوا أقوياء كان تعرضهم لدار الإسلام أشد ؛ ولأن المعرفة بمن يلي آكد منها بمن بعد للوقوف على كيفية أحوالهم وعددهم وعددهم ، فترجحت البداءة بقتال من يلي على قتال من بعد . وأمر تعالى المؤمنين بالغلظة على الكفار والشدة عليهم كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=73جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ) وذلك ليكون ذلك أهيب وأوقع للفزع في قلوبهم . وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=54أعزة على الكافرين ) وفي الحديث :
القوا الكفار بوجوه مكفهرة وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=139ولا تهنوا ولا تحزنوا ) وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=146فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا ) ، والغلظة : تجمع الجرأة والصبر على القتال وشدة العداوة ، والغلظة حقيقة في الأجسام ، واستعيرت هنا للشدة في الحرب . وقرأ الجمهور : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=123غلظة ) بكسر الغين ، وهي لغة
أسد ،
nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش وأبان بن ثعلب والمفضل كلاهما عن
عاصم بفتحها وهي لغة
الحجاز ،
وأبو حيوة والسلمي nindex.php?page=showalam&ids=12356وابن أبي عبلة والمفضل وأبان أيضا بضمها وهي لغة
تميم ، وعن
أبي عمرو ثلاث اللغات ، ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=123واعلموا أن الله مع المتقين ) لينبه على أن يكون الحامل على القتال ووجود الغلظة إنما هو تقوى الله تعالى ، ومن اتقى الله كان الله معه بالنصر والتأييد ، ولا يقصد بقتاله الغنيمة ، ولا الفخر ، ولا إظهار البسالة .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=123nindex.php?page=treesubj&link=28980يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) : لَمَّا حَضَّ تَعَالَى عَلَى التَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ ، وَحَرَّضَ عَلَى رِحْلَةِ طَائِفَةٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِيهِ ، أَمَرَ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ كَافَّةً بِقِتَالِ مَنْ يَلِيهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ ، فَجَمَعَ مِنَ الْجِهَادِ جِهَادَ الْحُجَّةِ وَجِهَادَ السَّيْفِ . وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ فِي ذَلِكَ :
مَنْ لَا يُعَدِّلُهُ الْقُرْآنُ كَانَ لَهُ مِنَ الصَّغَارِ وَبِيضِ الْهِنْدِ تَعْدِيلُ
قِيلَ : نَزَلَتْ قَبْلَ الْأَمْرِ بِقَتْلِ الْكُفَّارِ كَافَّةً ، فَهِيَ مِنَ التَّدْرِيجِ الَّذِي كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ . وَضُعِّفَ هَذَا الْقَوْلُ بِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ . وَقَالَتْ فِرْقَةٌ : إِنَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُبَّمَا تَجَاوَزَ قَوْمًا مِنَ الْكُفَّارِ غَازِيًا لِقَوْمٍ آخَرِينَ أَبْعَدَ مِنْهُمْ ، فَأَمَرَ اللَّهُ بِغَزْوِ الْأَدْنَى فَالْأَدْنَى إِلَى
الْمَدِينَةِ . وَقَالَتْ فِرْقَةٌ : الْآيَةُ مُبِيِّنَةٌ صُورَةَ الْقِتَالِ كَافَّةً ، فَهِيَ مُتَرَتِّبَةٌ مَعَ الْأَمْرِ بِقِتَالِ الْكُفَّارِ كَافَّةً ، وَمَعْنَاهَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ فِيهَا الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُقَاتِلَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمُ الْجَيْشَ الَّذِي يُضَايِقُهُ مِنَ الْكَفَرَةِ ، وَهَذَا هُوَ الْقِتَالُ لِكَلِمَةِ اللَّهِ وَرَدُّ الْبَأْسِ إِلَى الْإِسْلَامِ . وَأَمَّا إِذَا مَالَ الْعَدُوُّ إِلَى صُقْعٍ مِنْ أَصْقَاعِ الْمُسْلِمِينَ فَفَرْضٌ
[ ص: 115 ] عَلَى مَنِ اتَّصَلَ بِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ كِفَايَةُ عَدُوِّ ذَلِكَ الصُّقْعِ وَإِنْ بَعُدَتِ الدَّارُ وَنَأَتِ الْبِلَادُ . وَقَالَ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَةِ : نَزَلَتِ الْآيَةُ مُشِيرَةً إِلَى قِتَالِ الرُّومِ
بِالشَّامِ ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَوْمَئِذٍ الْعَدُوَّ الَّذِي يَلِي وَيَقْرُبُ ، إِذْ كَانَتِ الْعَرَبُ قَدْ عَمَّهَا الْإِسْلَامُ ، وَكَانَتِ
الْعِرَاقُ بَعِيدَةً ، ثُمَّ لَمَّا اتَّسَعَ نِطَاقُ الْإِسْلَامِ تَوَجَّهَ الْفَرْضُ فِي قِتَالِ
الْفُرْسِ وَالدَّيْلَمِ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْأُمَمِ ، وَسَأَلَ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنُ عُمَرَ رَجُلٌ عَنْ قِتَالِ
الدَّيْلَمِ فَقَالَ : عَلَيْكَ بِالرُّومِ . وَقَالَ
عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ وَالْحَسَنُ : هُمُ الرُّومُ
وَالدَّيْلَمُ ، يَعْنِي فِي زَمَنِهِ . وَقَالَ
ابْنُ زَيْدٍ : الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَقْتَ نُزُولِهَا الْعَرَبُ ، فَلَمَّا فُرِغَ مِنْهُمْ نَزَلَتْ فِي الرُّومِ وَغَيْرِهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=29قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ) إِلَى آخِرِهَا . وَقِيلَ : هُمْ
قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرُ وَفَدَكٌ وَخَيْبَرُ . وَقَالَ قَوْمٌ : تَحَرَّجُوا أَنْ يُقَاتِلُوا أَقْرِبَاءَهُمْ وَجِيرَانَهُمْ ، فَأُمِرُوا بِقِتَالِهِمْ . وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=123يَلُونَكُمْ ) : ظَاهَرَهُ الْقُرْبُ فِي الْمَكَانِ . وَقِيلَ : هُوَ عَامٌّ فِي الْقُرْبِ فِي الْمَكَانِ وَالنَّسَبِ ، وَالْبُدَاءَةِ بِقِتَالِ مَنْ يَلِي ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَذِّرٌ قِتَالُ كُلِّهِمُ دُفْعَةً وَاحِدَةً ، وَقَدْ أُمِرْنَا بِقِتَالِ كُلِّهِمْ ، فَوَجَبَ التَّرْجِيحُ بِالْقُرْبِ كَمَا فِي سَائِرِ الْمُهِمَّاتِ كَالدَّعْوَةِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ ؛ وَلِأَنَّ النَّفَقَاتِ فِيهِ ، وَالْحَاجَةَ إِلَى الدَّوَابِّ وَالْأَدَوَاتِ أَقَلُّ ، وَلِأَنَّ قِتَالَ الْأَبْعَدِ تَعْرِيضٌ لِتَدَارُكِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْفِتْنَةِ ؛ وَلِأَنَّ الدِّينَ يَكُونُ إِنْ كَانُوا ضُعَفَاءَ كَانَ الِاسْتِيلَاءُ عَلَيْهِمْ أَسْهَلَ ، وَحُصُولُ غَيْرِ الْإِسْلَامِ أَيْسَرَ . وَإِنْ كَانُوا أَقْوِيَاءَ كَانَ تَعَرُّضُهُمْ لِدَارِ الْإِسْلَامِ أَشَدَّ ؛ وَلِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ بِمَنْ يَلِي آكَدُ مِنْهَا بِمَنْ بَعُدَ لِلْوُقُوفِ عَلَى كَيْفِيَّةِ أَحْوَالِهِمْ وَعُدَدِهِمْ وَعَدَدِهِمْ ، فَتَرَجَّحَتِ الْبُدَاءَةُ بِقِتَالِ مَنْ يَلِي عَلَى قِتَالِ مَنْ بَعُدَ . وَأَمَرَ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ بِالْغِلْظَةِ عَلَى الْكُفَّارِ وَالشِّدَّةِ عَلَيْهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=73جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ) وَذَلِكَ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَهْيَبَ وَأَوْقَعَ لِلْفَزَعِ فِي قُلُوبِهِمْ . وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=54أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ) وَفِي الْحَدِيثِ :
الْقَوُا الْكُفَّارَ بِوُجُوهٍ مُكْفَهِرَّةٍ وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=139وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا ) وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=146فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا ) ، وَالْغِلْظَةُ : تَجْمَعُ الْجُرْأَةَ وَالصَّبْرَ عَلَى الْقِتَالِ وَشِدَّةِ الْعَدَاوَةِ ، وَالْغِلْظَةُ حَقِيقَةٌ فِي الْأَجْسَامِ ، وَاسْتُعِيرَتْ هُنَا لِلشِّدَّةِ فِي الْحَرْبِ . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=123غِلْظَةً ) بِكَسْرِ الْغَيْنِ ، وَهِيَ لُغَةُ
أَسَدٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13726وَالْأَعْمَشُ وَأَبَانُ بْنُ ثَعْلَبٍ وَالْمُفَضَّلُ كِلَاهُمَا عَنْ
عَاصِمٍ بِفَتْحِهَا وَهِيَ لُغَةُ
الْحِجَازِ ،
وَأَبُو حَيْوَةَ وَالسُّلَمِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=12356وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ وَالْمُفَضَّلُ وَأَبَانُ أَيْضًا بِضَمِّهَا وَهِيَ لُغَةُ
تَمِيمٍ ، وَعَنْ
أَبِي عَمْرٍو ثَلَاثُ اللُّغَاتِ ، ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=123وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْحَامِلُ عَلَى الْقِتَالِ وَوُجُودِ الْغِلْظَةِ إِنَّمَا هُوَ تَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَمَنِ اتَّقَى اللَّهَ كَانَ اللَّهُ مَعَهُ بِالنَّصْرِ وَالتَّأْيِيدِ ، وَلَا يَقْصِدُ بِقِتَالِهِ الْغَنِيمَةَ ، وَلَا الْفَخْرَ ، وَلَا إِظْهَارَ الْبَسَالَةِ .