الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين ) : لولا هنا : هي التحضيضية التي صحبها التوبيخ ، وكثيرا ما جاءت في القرآن للتحضيض ، فهي بمعنى : هلا .

وقرأ أبي وعبد الله : فهلا وكذا هو في مصحفيهما ، والتحضيض : أن يريد الإنسان فعل الشيء الذي يحض عليه ، وإذا كانت للتوبيخ : فلا يريد المتكلم الحض على ذلك الشيء ، كقول الشاعر :


تعدون عقر النيب أفضل مجدكم بني ضوطري لولا الكمي المقنعا



لم يقصد حضهم على عقر الكمي المقنع ، وهنا وبخهم على ترك الإيمان النافع . والمعنى : فهلا آمن أهل القرية وهم على مهل لم يلتبس العذاب بهم ، فيكون الإيمان نافعا لهم في هذه الحال .

و ( قوم ) منصوب على الاستثناء المنقطع ، وهو قول سيبويه والكسائي والفراء والأخفش ، إذ ليسوا مندرجين تحت لفظ قرية . وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون متصلا والجملة في معنى النفي ، كأنه قيل : ما آمنت قرية من القرى الهالكة إلا قوم يونس . وقال ابن عطية : هو بحسب اللفظ استثناء منقطع ، وكذلك رسمه النحويون ، وهو بحسب المعنى متصل لأن تقديره : ما آمن أهل قرية إلا قوم يونس ، والنصب هو الوجه ، ولذلك أدخله سيبويه في باب ما لا يكون فيه إلا النصب ، وذلك مع انقطاع الاستثناء . وقالت فرقة : يجوز فيه الرفع ، وهذا مع اتصال الاستثناء .

وقال المهدوي : والرفع على البدل من ( قرية ) وقال الزمخشري : وقرئ بالرفع على البدل عن الحرمي والكسائي ، وتقدم الخلاف في قراءة ( يونس ) بضم النون وكسرها ، وذكر جواز فتحها .

وقوم يونس : هم أهل نينوى من بلاد الموصل ، كانوا يعبدون الأصنام ، فبعث الله إليهم يونس فأقاموا على تكذيبه سبع سنين ، وتوعدهم العذاب بعد ثلاثة أيام . وقيل : بعد أربعين يوما .

وذكر المفسرون قصة قوم يونس وتفاصيل فيها وفي كيفية عذابهم . الله أعلم بصحة ذلك ويوقف على ذلك في كتبهم . وقال الطبري : وذكره عن جماعة أن قوم يونس خصوا من بين الأمم بأن تيب عليهم بعد معاينة العذاب . وقال الزجاج : هؤلاء دنا منهم العذاب ولم يباشرهم كما باشر فرعون ، فكانوا كالمريض الذي يخاف الموت ويرجو العافية ، فأما الذي يباشره العذاب فلا توبة له .

وقال ابن الأنباري : علم منهم صدق النيات بخلاف من تقدمهم من الهالكين . قال السدي : ( إلى حين ) : إلى وقت انقضاء آجالهم . وقيل : إلى يوم القيامة ، وروي عن ابن عباس ولعله لا يصح ، فعلى هذا يكونون باقين أحياء ، وسترهم الله عن الناس .

التالي السابق


الخدمات العلمية