(
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104nindex.php?page=treesubj&link=28981قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم وأمرت أن أكون من المؤمنين nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=105وأن أقم وجهك للدين حنيفا ولا تكونن من المشركين nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=106ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=107وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم ) : خطاب لأهل
مكة يقول : إن كنتم لا تعرفون ما أنا عليه فأنا أبينه لكم ، فبدأ أولا بالانتفاء من عبادة ما يعبدون من الأصنام تسفيها لآرائهم ، وأثبت ثانيا من الذي يعبده وهو الله الذي يتوفاكم .
وفي ذكر هذا الوصف الوسط الدال على التوفي دلالة على البدء وهو الخلق وعلى الإعادة ، فكأنه أشار إلى أنه يعبد الله الذي خلقكم ويتوفاكم ويعيدكم ، وكثيرا ما صرح في القرآن بهذه الأطوار الثلاثة ، وكان التصريح بهذا الوصف لما فيه من التذكير بالموت ، وإرهاب النفوس به ، وصيرورتهم إلى الله بعده ، فهو الجدير بأن يخاف ويتقى ويعبد لا الحجارة التي تعبدونها .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104وأمرت أن أكون من المؤمنين ) : لما ذكر أنه يعبد الله وكانت العبادة أغلب ما عليها عمل الجوارح ، أخبر أنه أمر بأن يكون من المصدقين بالله الموحدين له ، المفردون له بالعبادة ، وانتقل من عمل الجوارح إلى نور المعرفة ، وطابق الباطن الظاهر . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : يعني أن الله تعالى أمرني بما ركب في من العقل ، وبما أوحى إلي في كتابه .
وقيل معناه : إن كنتم في شك من ديني ومما أنا عليه ، أأثبت أم أتركه وأوافقكم ؟ فلا تحدثوا أنفسكم بالمحال ، ولا تشكوا في أمري ، واقطعوا عني أطماعكم ، واعلموا أني لا أعبد الذين تعبدون من دون الله ، ولا أختار الضلالة على الهدى كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=1قل ياأيها الكافرون nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=2لا أعبد ما تعبدون ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=72وأمرت أن أكون ) : أصله بأن أكون ، فحذف الجار وهذا الحذف
[ ص: 196 ] يحتمل أن يكون من الحذف المطرد ، الذي هو حذف الحروف الجارة مع أن وأن ، وأن يكون من الحذف غير المطرد وهو قوله : أمرتك الخير (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=94فاصدع بما تؤمر ) انتهى .
يعني بالحذف غير المطرد وهو قوله : أمرتك الخير ، إنه لا يحذف حرف الجر من المفعول الثاني إلا في أفعال محصورة سماعا لا قياسا وهي : اختار واستغفر وأمر وسمى ولبى ودعا بمعنى : سمى وزوج وصدق خلافا لمن قاس الحذف بحرف الجر من المفعول الثاني ، حيث يعني الحرف ، وموضع الحذف نحو : بريت القلم بالسكين ، فيجيز السكين بالنصب . وجواب إن كنتم في شك قوله : فلا أعبد ، والتقدير : فأنا لا أعبد ، لأن الفعل المنفي بلا إذا وقع جوابا انجزم ، فإذا دخلت عليه الفاء علم أنه على إضمار المبتدأ . وكذلك لو ارتفع دون لا لقوله .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=95ومن عاد فينتقم الله منه ) ، أي : فهو ينتقم الله منه . وتضمن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104فلا أعبد ) معنى : فأنا مخالفكم . (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=105وأن أقم ) : يحتمل أن تكون معمولة لقوله : ( وأمرت ) ، مراعى فيها المعنى . لأن معنى قوله : ( أن أكون ) : كن من المؤمنين ، فتكون أن مصدرية صلتها الأمر . وقد أجاز ذلك النحويون ، فلم يلتزموا في صلتها ما التزم في صلات الأسماء الموصولة ، من كونها لا تكون إلا خبرية بشروطها المذكورة في النحو . ويحتمل أن تكون على إضمار فعل أي : وأوحي إلي أن أقم ، فاحتمل أن تكون مصدرية ، واحتمل أن تكون حرف تفسير ، لأن الجملة المقدرة فيها معنى القول ، وإضمار الفعل أولى ، ليزول قلق العطف لوجود الكاف ، إذ لو كان : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=105وأن أقم ) عطفا على أن أكون ، لكان التركيب وجهي بياء المتكلم ومراعاة المعنى فيه ضعف ، وإضمار الفعل أكثر من مراعاة العطف على المعنى . والوجه هنا المنحى والمقصد ، أي : استقم للدين ولا تحد عنه ، وكنى بذلك عن صرف العقل بالكلية إلى طلب الدين . و ( حنيفا ) : حال من الضمير في أقم ، أو من المفعول . وأجاز
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري أن تكون حالا من الدين . ( ولا تدع ) : يحتمل أن يكون استئناف نهي ، ويحتمل أن يكون معطوفا على أقم ، فيكون في حيز أن على قسميها من كونها مصدرية ، وكونها حرف تفسير .
وإذا كان دعاء الأصنام منهيا عنه فأحرى أن ينهى عن عبادتها (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=106فإن فعلت ) كنى بالفعل عن الدعاء إيجازا أي : فإن دعوت ما لا ينفعك ولا يضرك . وجواب الشرط فإنك وخبرها ، وتوسطت إذا بين اسم إن والخبر ، ورتبتها بعد الخبر ، لكن روعي في ذلك الفاصلة . قال
الحوفي : الفاء جواب الشرط ، وإذا متوسطة لا عمل لها يراد بها في هذا : إذا كان ذلك ، هذا تفسير المعنى لا يجيء على معنى الجواب ، انتهى .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : إذا جواب الشرط ، وجواب لجواب مقدر كأن سائلا سأل عن تبعة عبادة الأوثان . وجعل من الظالمين لأنه لا ظلم أعظم من الشرك ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=13إن الشرك لظلم عظيم ) انتهى .
وكلامه في إذا يحتاج إلى تأمل ، وقد تقدم لنا الكلام فيها مشبعا في سورة البقرة . ولما وقع النهي عن دعاء الأصنام وهي لا تضر ولا تنفع ، ذكر أن الحول والقوة والنفع والضر ليس ذلك إلا لله ، وأنه تعالى هو المنفرد بذلك ، وأتى في الضر بلفظ المس ، وفي الخير بلفظ الإرادة ، وطابق بين الضر والخير مطابقة معنوية لا لفظية ، لأن مقابل الضر النفع ، ومقابل الخير الشر ، فجاءت لفظة الضر ألطف وأخص من لفظة الشر ، وجاءت لفظة الخير أتم من لفظة النفع ، ولفظة المس أوجز من لفظ الإرادة ، وأنص على الإصابة وأنسب لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=107فلا كاشف له إلا هو ) ، ولفظ الإرادة أدل على الحصول في وقت الخطاب وفي غيره وأنسب للفظ الخير ، وإن كان المس والإرادة معناهما الإصابة . وجاء جواب (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=107وإن يمسسك ) بنفي عام وإيجاب ، وجاء جواب (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=107وإن يردك ) بنفي عام ، لأن ما أراده لا يرده راد لا هو ولا غيره ، لأن إرادته قديمة لا تتغير ، فلذلك لم يجيء التركيب فلا راد له إلا هو .
والمس من حيث هو فعل هو صفة فعل يوقعه ويرفعه بخلاف الإرادة ، فإنها صفة ذات وجاء (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=107فلا راد لفضله ) : سمى الخير فضلا إشعارا بأن الخيور
[ ص: 197 ] من الله تعالى ، هي صادرة على سبيل الفضل والإحسان والتفضل . ثم اتسع في الإخبار عن الفضل والخير فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=107يصيب به من يشاء من عباده ) ، ثم أخبر بالصفتين الدالتين على عدم المؤاخذة وهما : الغفور الذي يستر ويصفح عن الذنوب ، والرحيم الذي رحمته سبقت غضبه .
ولما تقدم قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=106ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك ) : فأخر الضر ، ناسب أن تكون البداءة بجملة الشرط المتعلقة بالضر . وأيضا فإنه لما كان الكفار يتوقع منهم الضر للمؤمنين ، والنفع لا يرجى منهم ، كان تقديم جملة الضر آكد في الإخبار فبدئ بها .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : ( فإن قلت ) : لم ذكر المس في أحدهما ، والإرادة في الثاني ؟ قلت : كأنه أراد أن يذكر الأمرين جميعا : الإرادة والإصابة في كل واحد من الضر والخير ، وأنه لا راد لما يريد منهما ، ولا مزيل لما يصيب به منهما ، فأوجز الكلام : بأن ذكر المس وهو الإصابة في أحدهما ، والإرادة في الإنجاز ، ليدل بما ذكر على ما ترك على أنه قد كرر الإصابة في الخير في قوله : يصيب به من يشاء من عباده ، والمراد بالمشيئة : المصلحة .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104nindex.php?page=treesubj&link=28981قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=105وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=106وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=107وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) : خِطَابٌ لِأَهْلِ
مَكَّةَ يَقُولُ : إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْرِفُونَ مَا أَنَا عَلَيْهِ فَأَنَا أُبَيِّنُهُ لَكُمْ ، فَبَدَأَ أَوَّلًا بِالِانْتِفَاءِ مِنْ عِبَادَةِ مَا يَعْبُدُونَ مِنَ الْأَصْنَامِ تَسْفِيهًا لِآرَائِهِمْ ، وَأَثْبَتَ ثَانِيًا مَنِ الَّذِي يَعْبُدُهُ وَهُوَ اللَّهُ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ .
وَفِي ذِكْرِ هَذَا الْوَصْفِ الْوَسَطِ الدَّالِّ عَلَى التَّوَفِّي دِلَالَةٌ عَلَى الْبَدْءِ وَهُوَ الْخَلْقُ وَعَلَى الْإِعَادَةِ ، فَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّهُ يَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَيَتَوَفَّاكُمْ وَيُعِيدُكُمْ ، وَكَثِيرًا مَا صُرِّحَ فِي الْقُرْآنِ بِهَذِهِ الْأَطْوَارِ الثَّلَاثَةِ ، وَكَانَ التَّصْرِيحُ بِهَذَا الْوَصْفِ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّذْكِيرِ بِالْمَوْتِ ، وَإِرْهَابِ النُّفُوسِ بِهِ ، وَصَيْرُورَتِهِمْ إِلَى اللَّهِ بَعْدَهُ ، فَهُوَ الْجَدِيرُ بِأَنْ يُخَافَ وَيُتَّقَى وَيُعْبَدَ لَا الْحِجَارَةَ الَّتِي تَعْبُدُونَهَا .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) : لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ يَعْبُدُ اللَّهَ وَكَانَتِ الْعِبَادَةُ أَغْلَبَ مَا عَلَيْهَا عَمَلُ الْجَوَارِحِ ، أَخْبَرَ أَنَّهُ أُمِرَ بِأَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُصَدِّقِينَ بِاللَّهِ الْمُوَحِّدِينَ لَهُ ، الْمُفْرِدُونَ لَهُ بِالْعِبَادَةِ ، وَانْتَقَلَ مِنْ عَمَلِ الْجَوَارِحِ إِلَى نُورِ الْمَعْرِفَةِ ، وَطَابَقَ الْبَاطِنُ الظَّاهِرَ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : يَعْنِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنِي بِمَا رَكَّبَ فِيَّ مِنَ الْعَقْلِ ، وَبِمَا أَوْحَى إِلَيَّ فِي كِتَابِهِ .
وَقِيلَ مَعْنَاهُ : إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي وَمِمَّا أَنَا عَلَيْهِ ، أَأَثْبُتُ أَمْ أَتْرُكُهُ وَأُوَافِقُكُمْ ؟ فَلَا تُحَدِّثُوا أَنْفُسَكُمْ بِالْمُحَالِ ، وَلَا تَشُكُّوا فِي أَمْرِي ، وَاقْطَعُوا عَنِّي أَطْمَاعَكُمْ ، وَاعْلَمُوا أَنِّي لَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ، وَلَا أَخْتَارُ الضَّلَالَةَ عَلَى الْهُدَى كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=1قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=2لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=72وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ ) : أَصْلُهُ بِأَنْ أَكُونَ ، فَحُذِفَ الْجَارُ وَهَذَا الْحَذْفُ
[ ص: 196 ] يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْحَذْفِ الْمُطَّرِدِ ، الَّذِي هُوَ حَذْفُ الْحُرُوفِ الْجَارَّةِ مَعَ أَنْ وَأَنَّ ، وَأَنْ يَكُونَ مِنَ الْحَذْفِ غَيْرِ الْمُطَّرِدِ وَهُوَ قَوْلُهُ : أَمَرْتُكَ الْخَيْرَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=94فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ) انْتَهَى .
يَعْنِي بِالْحَذْفِ غَيْرِ الْمُطَّرِدِ وَهُوَ قَوْلُهُ : أَمَرْتُكَ الْخَيْرَ ، إِنَّهُ لَا يُحْذَفُ حَرْفُ الْجَرِّ مِنَ الْمَفْعُولِ الثَّانِي إِلَّا فِي أَفْعَالٍ مَحْصُورَةٍ سَمَاعًا لَا قِيَاسًا وَهِيَ : اخْتَارَ وَاسْتَغْفَرَ وَأَمَرَ وَسَمَّى وَلَبَّى وَدَعَا بِمَعْنَى : سَمَّى وَزَوَّجَ وَصَدَّقَ خِلَافًا لِمَنْ قَاسَ الْحَذْفَ بِحَرْفِ الْجَرِّ مِنَ الْمَفْعُولِ الثَّانِي ، حَيْثُ يَعْنِي الْحَرْفَ ، وَمَوْضِعُ الْحَذْفِ نَحْوُ : بَرَيْتُ الْقَلَمَ بِالسِّكِّينِ ، فَيُجِيزُ السِّكِّينَ بِالنَّصْبِ . وَجَوَابُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ قَوْلُهُ : فَلَا أَعْبُدُ ، وَالتَّقْدِيرُ : فَأَنَا لَا أَعْبُدُ ، لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمَنْفِيَّ بِلَا إِذَا وَقَعَ جَوَابًا انْجَزَمَ ، فَإِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ الْفَاءُ عُلِمَ أَنَّهُ عَلَى إِضْمَارِ الْمُبْتَدَأِ . وَكَذَلِكَ لَوِ ارْتَفَعَ دُونَ لَا لِقَوْلِهِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=95وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ ) ، أَيْ : فَهُوَ يَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ . وَتَضَمَّنَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104فَلَا أَعْبُدُ ) مَعْنَى : فَأَنَا مُخَالِفُكُمْ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=105وَأَنْ أَقِمْ ) : يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مَعْمُولَةً لِقَوْلِهِ : ( وَأُمِرْتُ ) ، مُرَاعًى فِيهَا الْمَعْنَى . لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ : ( أَنْ أَكُونَ ) : كُنْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَتَكُونُ أَنْ مَصْدَرِيَّةً صِلَتُهَا الْأَمْرُ . وَقَدْ أَجَازَ ذَلِكَ النَّحْوِيُّونَ ، فَلَمْ يَلْتَزِمُوا فِي صِلَتِهَا مَا الْتُزِمَ فِي صِلَاتِ الْأَسْمَاءِ الْمَوْصُولَةِ ، مِنْ كَوْنِهَا لَا تَكُونُ إِلَّا خَبَرِيَّةً بِشُرُوطِهَا الْمَذْكُورَةِ فِي النَّحْوِ . وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ عَلَى إِضْمَارِ فِعْلٍ أَيْ : وَأُوحِيَ إِلَيَّ أَنْ أَقِمْ ، فَاحْتُمِلَ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً ، وَاحْتُمِلَ أَنْ تَكُونَ حَرْفَ تَفْسِيرٍ ، لِأَنَّ الْجُمْلَةَ الْمُقَدَّرَةَ فِيهَا مَعْنَى الْقَوْلِ ، وَإِضْمَارُ الْفِعْلِ أَوْلَى ، لِيَزُولَ قَلَقُ الْعَطْفِ لِوُجُودِ الْكَافِ ، إِذْ لَوْ كَانَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=105وَأَنْ أَقِمْ ) عَطْفًا عَلَى أَنْ أَكُونَ ، لَكَانَ التَّرْكِيبُ وَجْهِي بِيَاءِ الْمُتَكَلِّمَ وَمُرَاعَاةُ الْمَعْنَى فِيهِ ضَعْفٌ ، وَإِضْمَارُ الْفِعْلِ أَكْثَرُ مِنْ مُرَاعَاةِ الْعَطْفِ عَلَى الْمَعْنَى . وَالْوَجْهُ هُنَا الْمَنْحَى وَالْمَقْصِدُ ، أَيِ : اسْتَقِمْ لِلدِّينِ وَلَا تَحِدْ عَنْهُ ، وَكَنَّى بِذَلِكَ عَنْ صَرْفِ الْعَقْلِ بِالْكُلِّيَّةِ إِلَى طَلَبِ الدِّينِ . وَ ( حَنِيفًا ) : حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي أَقِمْ ، أَوْ مِنَ الْمَفْعُولِ . وَأَجَازَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ أَنْ تَكُونَ حَالًا مِنَ الدِّينِ . ( وَلَا تَدْعُ ) : يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اسْتِئْنَافَ نَهْيٍ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى أَقِمْ ، فَيَكُونُ فِي حَيِّزِ أَنْ عَلَى قِسْمَيْهَا مِنْ كَوْنِهَا مَصْدَرِيَّةً ، وَكَوْنِهَا حَرْفَ تَفْسِيرٍ .
وَإِذَا كَانَ دُعَاءُ الْأَصْنَامِ مَنْهِيًّا عَنْهُ فَأَحْرَى أَنْ يُنْهَى عَنْ عِبَادَتِهَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=106فَإِنْ فَعَلْتَ ) كَنَّى بِالْفِعْلِ عَنِ الدُّعَاءِ إِيجَازًا أَيْ : فَإِنْ دَعَوْتَ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ . وَجَوَابُ الشَّرْطِ فَإِنَّكَ وَخَبَرُهَا ، وَتَوَسَّطَتْ إِذَا بَيْنَ اسْمِ إِنَّ وَالْخَبَرِ ، وَرُتْبَتُهَا بَعْدَ الْخَبَرِ ، لَكِنْ رُوعِيَ فِي ذَلِكَ الْفَاصِلَةُ . قَالَ
الْحَوْفِيُّ : الْفَاءُ جَوَابُ الشَّرْطِ ، وَإِذَا مُتَوَسِّطَةٌ لَا عَمَلَ لَهَا يُرَادُ بِهَا فِي هَذَا : إِذَا كَانَ ذَلِكَ ، هَذَا تَفْسِيرُ الْمَعْنَى لَا يَجِيءُ عَلَى مَعْنَى الْجَوَابِ ، انْتَهَى .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : إِذَا جَوَابُ الشَّرْطِ ، وَجَوَابٌ لِجَوَابٍ مُقَدَّرٍ كَأَنَّ سَائِلًا سَأَلَ عَنْ تَبِعَةِ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ . وَجُعِلَ مِنَ الظَّالِمِينَ لِأَنَّهُ لَا ظُلْمَ أَعْظَمُ مِنَ الشِّرْكِ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=13إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) انْتَهَى .
وَكَلَامُهُ فِي إِذَا يَحْتَاجُ إِلَى تَأَمُّلٍ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ لَنَا الْكَلَامُ فِيهَا مُشْبَعًا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ . وَلَمَّا وَقَعَ النَّهْيُ عَنْ دُعَاءِ الْأَصْنَامِ وَهِيَ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ ، ذَكَرَ أَنَّ الْحَوْلَ وَالْقُوَّةَ وَالنَّفْعَ وَالضُّرَّ لَيْسَ ذَلِكَ إِلَّا لِلَّهِ ، وَأَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِذَلِكَ ، وَأَتَى فِي الضُّرِّ بِلَفْظِ الْمَسِّ ، وَفِي الْخَيْرِ بِلَفْظِ الْإِرَادَةِ ، وَطَابَقَ بَيْنَ الضُّرِّ وَالْخَيْرِ مُطَابَقَةً مَعْنَوِيَّةً لَا لَفْظِيَّةً ، لِأَنَّ مُقَابِلَ الضُّرِّ النَّفْعُ ، وَمُقَابِلَ الْخَيْرِ الشَّرُّ ، فَجَاءَتْ لَفْظَةُ الضُّرِّ أَلْطَفَ وَأَخَصَّ مِنْ لَفْظَةِ الشَّرِّ ، وَجَاءَتْ لَفْظَةُ الْخَيْرِ أَتَمَّ مِنْ لَفْظَةِ النَّفْعِ ، وَلَفْظَةُ الْمَسِّ أَوْجَزَ مِنْ لَفْظِ الْإِرَادَةِ ، وَأَنَصَّ عَلَى الْإِصَابَةِ وَأَنْسَبَ لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=107فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ) ، وَلَفْظُ الْإِرَادَةِ أَدَلُّ عَلَى الْحُصُولِ فِي وَقْتِ الْخِطَابِ وَفِي غَيْرِهِ وَأَنْسَبُ لِلَفْظِ الْخَيْرِ ، وَإِنْ كَانَ الْمَسُّ وَالْإِرَادَةُ مَعْنَاهُمَا الْإِصَابَةُ . وَجَاءَ جَوَابُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=107وَإِنْ يَمْسَسْكَ ) بِنَفْيٍ عَامٍّ وَإِيجَابٍ ، وَجَاءَ جَوَابُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=107وَإِنْ يُرِدْكَ ) بِنَفْيٍ عَامٍّ ، لِأَنَّ مَا أَرَادَهُ لَا يَرُدُّهُ رَادٌّ لَا هُوَ وَلَا غَيْرُهُ ، لِأَنَّ إِرَادَتَهُ قَدِيمَةٌ لَا تَتَغَيَّرُ ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَجِيءِ التَّرْكِيبُ فَلَا رَادَّ لَهُ إِلَّا هُوَ .
وَالْمَسُّ مِنْ حَيْثُ هُوَ فِعْلٌ هُوَ صِفَةُ فِعْلٍ يُوقِعُهُ وَيَرْفَعُهُ بِخِلَافِ الْإِرَادَةِ ، فَإِنَّهَا صِفَةُ ذَاتٍ وَجَاءَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=107فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ ) : سَمَّى الْخَيْرَ فَضْلًا إِشْعَارًا بِأَنَّ الْخُيُورَ
[ ص: 197 ] مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ، هِيَ صَادِرَةٌ عَلَى سَبِيلِ الْفَضْلِ وَالْإِحْسَانِ وَالتَّفَضُّلِ . ثُمَّ اتَّسَعَ فِي الْإِخْبَارِ عَنِ الْفَضْلِ وَالْخَيْرِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=107يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ) ، ثُمَّ أَخْبَرَ بِالصِّفَتَيْنِ الدَّالَّتَيْنِ عَلَى عَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ وَهُمَا : الْغَفُورُ الَّذِي يَسْتُرُ وَيَصْفَحُ عَنِ الذُّنُوبِ ، وَالرَّحِيمُ الَّذِي رَحْمَتُهُ سَبَقَتْ غَضَبَهُ .
وَلَمَّا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=106وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ ) : فَأَخَرَّ الضُّرَّ ، نَاسَبَ أَنْ تَكُونَ الْبُدَاءَةُ بِجُمْلَةِ الشَّرْطِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالضُّرِّ . وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ الْكُفَّارُ يُتَوَقَّعُ مِنْهُمُ الضُّرُّ لِلْمُؤْمِنِينَ ، وَالنَّفْعُ لَا يُرْجَى مِنْهُمْ ، كَانَ تَقْدِيمُ جُمْلَةِ الضُّرِّ آكَدُ فِي الْإِخْبَارِ فَبُدِئَ بِهَا .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : ( فَإِنْ قُلْتَ ) : لِمَ ذَكَرَ الْمَسَّ فِي أَحَدِهِمَا ، وَالْإِرَادَةَ فِي الثَّانِي ؟ قُلْتُ : كَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَذْكُرَ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا : الْإِرَادَةَ وَالْإِصَابَةَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الضُّرِّ وَالْخَيْرِ ، وَأَنَّهُ لَا رَادَّ لِمَا يُرِيدُ مِنْهُمَا ، وَلَا مُزِيلَ لِمَا يُصِيبُ بِهِ مِنْهُمَا ، فَأَوْجَزَ الْكَلَامَ : بِأَنْ ذَكَرَ الْمَسَّ وَهُوَ الْإِصَابَةُ فِي أَحَدِهِمَا ، وَالْإِرَادَةَ فِي الْإِنْجَازِ ، لِيَدُلَّ بِمَا ذَكَرَ عَلَى مَا تَرَكَ عَلَى أَنَّهُ قَدْ كَرَّرَ الْإِصَابَةَ فِي الْخَيْرِ فِي قَوْلِهِ : يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ، وَالْمُرَادُ بِالْمَشِيئَةِ : الْمَصْلَحَةُ .