( ألا تعبدوا إلا الله    ) : ظاهر في أنهم كانوا يعبدون الأوثان كما جاء مصرحا في غير هذه السورة ، وأن بدل من أي لكم في قراءة من فتح ، ويحتمل أن تكون أن المفسرة . 
وأما في قراءة من كسر فيحتمل أن تكون المفسرة ، والمراعى قبلها : إما أرسلنا وإما نذير مبين ، ويحتمل أن تكون معمولة لأرسلنا أي : بأن لا تعبدوا إلا الله ، وإسناد الألم إلى اليوم مجاز لوقوع الألم فيه لا به . 
قال  الزمخشري    : ( فإن قلت ) : فإذا وصف به العذاب ؟ ( قلت ) : مجازي مثله ، لأن الأليم في الحقيقة هو المعذب ، ونظيرهما قولك : نهاره صائم ، انتهى . 
وهذا على أن يكون ( أليم ) صفة مبالغة من ألم ، وهو : من كثر ألمه . فإن كان أليم بمعنى : مؤلم ، فنسبته لليوم مجاز ، وللعذاب حقيقة لما أنذرهم من عذاب الله وأمرهم بإفراده بالعبادة ، وأخبر أنه رسول من عند الله ، ذكروا أنه مماثلهم في البشرية ، واستبعدوا أن يبعث الله رسولا من البشر ، وكأنهم ذهبوا إلى مذهب البراهمة  الذين ينكرون نبوة البشر على الإطلاق ، ثم عيروه بأنه لم يتبعه إلا الأراذل أي : فنحن لا نساويهم ، ثم نفوا أن يكون له عليهم فضل أي : أنت مساوينا في البشرية ولا فضل لك علينا ، فكيف امتزت بأنك رسول الله ؟ . 
وفي قوله : ( إلا الذين هم أراذلنا    ) : مبالغة في الإخبار ، وكأنه مؤذن بتأكيد حصر من اتبعه ، وأنهم هم الأراذل لم يشركهم شريف في ذلك . وفي الحديث إنهم كانوا حاكة وحجامين وقال النحاس    : هم الفقراء والذين لا حسب لهم ، والخسيسوا الصناعات . 
وفي حديث هرقل    : أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم ؟ فقال : بل ضعفاؤهم ، فقال : هم أتباع الرسل قبل وإنما كان كذلك لاستيلاء الرئاسة على الأشراف ، وصعوبة الانفكاك عنها ، والأنفة من الانقياد لغيرهم ، والفقير خلي عن تلك الموانع فهو سريع إلى الإجابة والانقياد . ( ونراك ) : يحتمل أن تكون بصرية ، وأن تكون علمية . قالوا : وأراذل : جمع الجمع ، فقيل : جمع أرذل ككلب وأكلب وأكالب . وقيل : جمع أرذال ، وقياسه أراذيل . 
والظاهر أنه جمع أرذل التي هي أفعل التفضيل ، وجاء جمعا كما جاء : أكابر مجرميها   [ ص: 215 ] وأحاسنكم أخلاقا . وقال  الزمخشري    : ما نراك إلا بشرا مثلنا ، تعريض بأنهم أحق منه بالنبوة ، وأن الله لو أراد أن يجعلها في أحد من البشر لجعلها فيهم ، فقالوا : هب أنك واحد من الملأ وموازيهم في المنزلة ، فما جعلك أحق منهم ؟ ألا ترى إلى قولهم : ( وما نرى لكم علينا من فضل    ) ، أو أرادوا أنه كان ينبغي أن يكون ملكا لا بشرا ، ولا يظهر ما قاله  الزمخشري  من الآية . 
وقرأ أبو عمرو  و عيسى الثقفي    : ( بادئ الرأي ) من بدأ يبدأ ومعناه : أول الرأي . وقرأ باقي السبعة : بادي بالياء من بدا يبدو ، ومعناه : ظاهر الرأي . وقيل : بادي بالياء معناه : بادئ بالهمز ، فسهلت الهمزة بإبدالها ياء لكسر ما قبلها . 
وذكروا أنه منصوب على الظرف ، والعامل فيه نراك أو اتبعك أو أراذلنا أي : وما نراك فيما يظهر لنا من الرأي ، أو في أول رأينا ، أو وما نراك اتبعك أول رأيهم ، أو ظاهر رأيهم . واحتمل هذا الوجه معنيين : أحدهما : أن يريد : اتبعك في ظاهر أمرهم ، وعسى أن تكون بواطنهم ليست معك . والمعنى الثاني : أن يريد : اتبعوك بأول نظر وبالرأي البادئ دون تعقب ، ولو تثبتوا لم يتبعوك ، وفي هذا الوجه ذم الرأي غير المروي . 
وقال  الزمخشري    : اتبعوك أول الرأي ، أو ظاهر الرأي ، وانتصابه على الظرف أصله وقت حدوث أول أمرهم ، أو وقت حدوث ظاهر رأيهم ، فحذف ذلك ، وأقيم المضاف إليه مقامه ، أرادوا : أن اتباعهم لك إنما هو شيء عن لهم بديهة من غير روية ونظر ، انتهى . 
وكونه منصوبا على الظرف هو قول أبي علي  في الحجة ، وإنما حمله على الظرف وليس بزمان ولا مكان ، لأن في مقدرة فيه أي : في ظاهر الأمر ، أو في أول الأمر . 
وعلى هذين التقديرين أعني أن يكون العامل فيه : نراك ، أو اتبعك ، يقتضي أن لا يجوز ذلك ، لأن ما بعد إلا لا يكون معمولا لما قبلها ، إلا إن كان مستثنى منه نحو : قام إلا زيدا القوم ، أو مستثنى نحو : جاء القوم إلا زيدا ، أو تابعا للمستثنى منه نحو : ما جاءني أحد إلا زيد أخبرني عمرو ، وبادئ الرأي ليس واحدا من هذه الثلاثة . 
وأجيب بأنه ظرف ، أو كالظرف مثل : جهد رأي إنك ذاهب ، أي : إنك ذاهب في جهد رأي ، والظروف يتسع فيها . وإذا كان العامل أراذلنا فمعناه : الذين هم أراذلنا بأقل نظر فيهم ، وببادئ الرأي يعلم ذلك منهم . 
وقيل : ( بادي الرأي    ) : نعت لقوله : ( بشرا ) . وقيل : انتصب حالا من ضمير نوح  في اتبعك ، أي : وأنت مكشوف الرأي لا حصافة لك . وقيل : انتصب على النداء لـ نوح  أي : يا بادي الرأي ، أي : ما في نفسك من الرأي ظاهر لكل أحد ، قالوا ذلك تعجيزا له . 
وقيل : انتصب على المصدر ، وجاء الظرف والمصدر على فاعل ، وليس بالقياس . فالرأي هنا إما من رؤية العين ، وإما من الفكر . قال  الزمخشري    : وإنما استرذلوا المؤمنين لفقرهم وتأخرهم في الأسباب الدنيوية ، لأنهم كانوا جهالا ما كانوا يعلمون إلا ظاهرا من الحياة الدنيا ، فكان الأشرف عندهم من له جاه ومال ، انتهى . 
وظاهر الخطاب في لكم شامل لـ نوح  ومن اتبعه ، والمعنى : ليس لكم علينا زيادة في مال ، ونسب ، ولا دين . وقال  ابن عباس    : في الخلق والخلق ، وقيل : بكثرة الملك والملك ، وقيل : بمتابعتكم نوحا  ومخالفتكم لنا ، وقيل : من شرف يؤهلكم للنبوة ، وقال الكلبي    : نظنكم : نتيقنكم ، وقال مقاتل    : نحسبكم ، أي في دعوى نوح  وتصديقكم ، وقال صاحب العتيان : بل نظنكم كاذبين توسلا إلى الرئاسة والشهرة . 
				
						
						
