(
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=29nindex.php?page=treesubj&link=28982ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقو ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=30ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم أفلا تذكرون nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=31ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا الله أعلم بما في أنفسهم إني إذا لمن الظالمين nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=32قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=33قال إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=34ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون ) : تلطف
نوح عليه السلام بندائه بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=29ويا قوم ) ، استدراجا لهم في قبول كلامه ، كما تلطف
إبراهيم عليه السلام بقوله ( يا أبت ) وكما تلطف مؤمن
آل فرعون بقوله ( يا قوم ) والضمير في عليه عائد إلى الإنذار .
وإفراد الله بالعبادة المفهوم من قوله لهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=25إني لكم نذير مبين nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=2ألا تعبدوا إلا الله )
[ ص: 218 ] وقيل : على الدين ، وقيل : على الدعاء إلى التوحيد ، وقيل : على تبليغ الرسالة . وكلها أقوال متقاربة ، والمعنى : إنكم وهؤلاء الذين اتبعونا سواء في أن أدعوكم إلى الله ، وإني لا أبتغي عما ألقيه إليكم من شرائع الله مالا ، فلا يتفاوت حالكم وحالهم .
وأيضا : فلعلهم ظنوا أنه يريد : الاسترفاد منهم ، فنفاه بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=29لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله ) ، فلا تحرموا أنفسكم السعادة الأبدية بتوهم فاسد . ثم ذكر أنه قام بهؤلاء وصف يجب العكوف عليهم به والانضواء معهم ، وهو الإيمان فلا يمكن طردهم ، وكانوا سألوا منه طرد هؤلاء المؤمنين ، رفعا لأنفسهم من مساواة أولئك الفقراء .
ونظير هذا : ما اقترحت
قريش على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من طرد أتباعه الذين لم يكونوا من
قريش . وقرئ : بطارد : بالتنوين ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : على الأصل يعني : أن اسم الفاعل إذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال ، أصله أن يعمل ولا يضاف ، وهذا ظاهر كلام
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه . ويمكن أن يقال : إن الأصل الإضافة لا العمل ، لأنه قد اعتوره شبهان : أحدهما : شبه بالمضارع وهو شبهه بغير جنسه . والآخر : شبه بالأسماء إذا كانت فيها الإضافة ، فكان إلحاقه بجنسه أولى من إلحاقه بغير جنسه . (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=46أنهم ملاقو ربهم ) : ظاهره التعليل لانتفاء طردهم ، أي : إنهم يلاقون الله ، أي : جزاءه ، فيوصلهم إلى حقهم عندي إن ظلمتهم بالطرد . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : معناه : أنهم يلاقون الله فيعاقب من طردهم ، أو : يلاقونه فيجازيهم على ما في قلوبهم من إيمان صحيح ثابت كما ظهر لي منهم ، وما أعرف غيره منهم ، أو على خلاف ذلك مما تعرفونهم به من بناء إيمانهم على بادئ الرأي من غير نظر ولا تفكر ، وما علي أن أشق على قلوبهم ، وأتعرف ذلك منهم حتى أطردهم ونحوه (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=52ولا تطرد الذين يدعون ) الآية ، أو هم مصدقون بلقاء ربهم ، موقنون به عالمون أنهم ملاقوه لا محالة ، انتهى .
ووصفهم بالجهل لكونهم بنوا أمرهم على الجهل بالعواقب ، والاغترار بالظواهر . أو لأنهم يتسافلون على المؤمنين ويدعونهم : أراذل ، من قوله : ألا لا يجهلن أحد علينا أو : تجهلون لقاء ربكم ، أو : تجهلون أنهم خير منكم ، أو : وصفهم بالجهل في هذا الاقتراح ، وهو طرد المؤمنين ونحوه (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=30من ينصرني ) استفهام معناه : لا ناصر لي من عقاب الله إن طردتهم عن الخير الذي قد قبلوه ، أو لأجل إيمانهم ، قاله
الفراء ، وكانوا يسألونه أن يطردهم ليؤمنوا به ، أنفة منهم أن يكونوا معهم على سواء ، ثم وقفهم بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=3أفلا تذكرون ) ، على النظر المؤدي إلى صحة هذا الاحتجاج . وتقدم تفسير الجمل الثلاث في الأنعام . وتزدري : تفتعل ، والدال بدل من التاء قال : ترى الرجل النحيف فتزدريه وفي أثوابه أسد هصور وأنشد
الفراء : يباعده الصديق وتزدريه حليلته وينهره الصغير والعائد على الموصول محذوف ، أي : تزدرونهم ، أي : تستحقرهم أعينكم . ولن يؤتيهم : معمول لقوله : ( ولا أقول ) و ( للذين ) : معناه لأجل الذين . ولو كانت اللام للتبليغ لكان القياس : ( لن يؤتيكم ) بكاف الخطاب ، أي : ليس احتقاركم إياهم ينقص ثوابهم عند الله ولا يبطل أجورهم . (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=31الله أعلم بما في أنفسهم ) : تسليم لله ، أي : لست أحكم عليهم بشيء من هذا ، وإنما الحكم بذلك لله تعالى الذي يعلم ما في أنفسهم فيجازيهم عليه .
وقيل : هو رد على قولهم : اتبعك أراذلنا ، أي : لست أحكم عليهم بأن لا يكون لهم خير لظنكم بهم ، إن بواطنهم ليست كظواهرهم ، الله عز وجل أعلم بما في نفوسهم . إني : لو فعلت ذلك لمن الظالمين ، وهم الذين يضعون الشيء في غير مواضعه ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=32قد جادلتنا ) : الظاهر المبالغة في الخصومة والمناظرة . وقال
الكلبي : دعوتنا . وقيل : وعظتنا ، وقيل : أتيت بأنواع الجدال وفنونه فما صح دعواك . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : فأكثرت
[ ص: 219 ] جدلنا كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=54وكان الإنسان أكثر شيء جدلا ) فأتنا بما تعدنا من العذاب : المعجل ، وما بمعنى الذي والعائد محذوف أي : بما تعدناه ، أو مصدرية ، وإنما كثرت مجادلته لهم لأنه أقام فيهم ما أخبر الله به ألف سنة إلا خمسين عاما ، وهو كل وقت يدعوهم إلى الله وهم يجيبونه بعبادتهم أصنامهم . قال : إنما يأتيكم به الله ، أي : ليس ذلك إلي إنما هو للإله الذي يعاقبكم على عصيانكم ، إن شاء ، أي : إن اقتضت حكمته أن يعجل عذابكم وأنتم في قبضته لا يمكن أن تفلتوا منه ، ولا أن تمتنعوا . ولما قالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=32قد جادلتنا ) ، وطلبوا تعجيل العذاب ، وكان مجادلته لهم إنما هو على سبيل النصح والإنقاذ من عذاب الله ، قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=34ولا ينفعكم نصحي ) . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16748عيسى بن عمر الثقفي : نصحي بفتح النون ، وهو مصدر .
وقراءة الجماعة : بضمها ، فاحتمل أن يكون مصدرا كالشكر ، واحتمل أن يكون اسما . وهذان الشرطان اعتقب الأول منهما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=34ولا ينفعكم نصحي ) ، وهو دليل على جواب الشرط تقديره : إن أردت أن أنصح لكم فلا ينفعكم نصحي ، والشرط الثاني : اعتقب الشرط الأول . وجوابه أيضا ما دل عليه قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=34ولا ينفعكم نصحي ) ، تقديره : إن كان الله يريد أن يغويكم فلا ينفعكم نصحي . وصار الشرط الثاني شرطا في الأول ، وصار المتقدم متأخرا والمتأخر متقدما ، وكأن التركيب : إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم فلا ينفعكم نصحي ، وهو من حيث المعنى كالشرط إذا كان بالفاء نحو : إن كان الله يريد أن يغويكم . فإن أردت أن أنصح لكم فلا ينفعكم نصحي . ونظيره : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=50وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها ) وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=34إن كان الله يريد أن يغويكم ) جزاؤه ما دل عليه قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=34ولا ينفعكم نصحي ) ، وهذا الدليل في حكم ما دل عليه ، فوصل بشرط كما وصل الجزاء بالشرط في قوله : إن أحسنت إلي أحسنت إليك إن أمكنني . وقال
ابن عطية : وليس نصحي لكم بنافع ، ولا إرادتي الخير لكم مغنية ، إذا كان الله تعالى قد أراد بكم الإغواء والإضلال والإهلاك .
والشرط الثاني : اعتراض بين الكلام ، وفيه بلاغة من اقتران الإرادتين ، وأن إرادة البشر غير مغنية ، وتعلق هذا الشرط هو بنصحي ، وتعلق الآخر هو بلا ينفع ، انتهى . وكذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=11890أبو الفرج بن الجوزي قال : جواب الأول : النصح ، وجواب الثاني : النفع . والظاهر أن معنى يغويكم : يضلكم من قوله : غوى الرجل يغوي وهو : الضلال . وفيه إسناد الإغواء إلى الله ، فهو حجة على
المعتزلة إذ يقولون : إن الضلال هو من العبد . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : إذا عرف الله من الكافر الإصرار فخلاه وشأنه ولم يلجئه ، سمي ذلك إغواء وإملاء ، كما إنه إذا عرف منه أن يتوب ويرعوي فلطف به ، سمي : إرشادا وهداية ، انتهى .
وهو على طريقة الاعتزال ، ونصوا على أنه لا يوصف الله بأنه عارف ، فلا ينبغي أن يقال : إذا عرف الله ، كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري ، وللمعتزلي أن يقول : لا يتعين أن تكون إن شرطية ، بل هي نافية والمعنى : ما كان الله يريد أن يغويكم ، ففي ذلك دليل على نفي الإضلال عن الله تعالى ، ويكون قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=34ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح ) : إخبارا منه لهم وتعزية لنفسه عنهم ، لما رأى من إصرارهم وتماديهم على الكفر . وقيل : معنى ( يغويكم ) : يهلككم ، والغوى : المرض والهلاك . وفي لغة
طيء : أصبح فلان غاويا أي : مريضا ، والغوى : بشم الفصيل ، وقاله
يعقوب في الإصلاح . وقيل : فقده اللبن حتى يموت جوعا ، قاله
الفراء ، وحكاه
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري يقال منه : غوى يغوي .
وحكى
الزهراوي : أنه الذي قطع عنه اللبن حتى كاد يهلك ، أو لما يهلك بعد . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري : وكون معنى يغويكم يهلككم ، قول مرغوب عنه ، وأنكر
nindex.php?page=showalam&ids=17140مكي أن يكون الغوى بمعنى : الهلاك ، موجودا في لسان العرب ، وهو محجوج بنقل
الفراء وغيره . وإذا كان معنى يغويكم : يهلككم ، فلا حجة فيه لا لمعتزلي ولا لسني ، بل الحجة من غير هذا ، ومعناه : أنكم إذا كنتم من التصميم على الكفر ، فالمنزلة التي لا تنفعكم نصائح الله ومواعظه وسائر ألطافه ، كيف ينفعكم نصحي ؟
[ ص: 220 ] وفي قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=34هو ربكم ) : تنبيه على المعرفة بالخالق ، وأنه الناظر في مصالحكم ، إن شاء أن يغويكم ، وإن شاء أن يهديكم . وفي قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=56وإليه ترجعون ) : وعيد وتخويف . (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=35أم يقولون افتراه قل إن افتريته فعلي إجرامي وأنا بريء مما تجرمون ) : قيل : هذه الآية اعترضت في قصة
نوح ، والأخبار فيها عن
قريش . يقولون ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، أي : افترى القرآن ، وافترى هذا الحديث عن
نوح وقومه ، ولو صح ذلك بسند صحيح لوقف عنده ، ولكن الظاهر أن الضمير في يقولون عائد على قوم
نوح ، أي : بل أيقولون افترى ما أخبرهم به من دين الله وعقاب من أعرض عنه ، فقال عليه السلام : قل إن افتريته فعلي إثم إجرامي ، والإجرام : مصدر أجرم ، ويقال : أجرم وهو الكثير ، وجرم بمعنى .
ومنه قول الشاعر :
طريد عشيرة ورهين ذنب بما جرمت يدي وجنى لساني
وقرئ : ( أجرامي ) بفتح الهمزة جمع جرم ، ذكره
النحاس ، وفسر : بآثامي .
ومعنى (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=35مما تجرمون ) : من إجرامكم في إسناد الافتراء إلي ، وقيل : مما تجرمون من الكفر والتكذيب .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=29nindex.php?page=treesubj&link=28982وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=30وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=31وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=32قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=33قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=34وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) : تَلَطَّفَ
نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِنِدَائِهِ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=29وَيَا قَوْمِ ) ، اسْتِدْرَاجًا لَهُمْ فِي قَبُولِ كَلَامِهِ ، كَمَا تَلَطَّفَ
إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِقَوْلِهِ ( يَا أَبَتِ ) وَكَمَا تَلَطَّفَ مُؤْمِنُ
آلِ فِرْعَوْنَ بِقَوْلِهِ ( يَا قَوْمِ ) وَالضَّمِيرُ فِي عَلَيْهِ عَائِدٌ إِلَى الْإِنْذَارِ .
وَإِفْرَادُ اللَّهِ بِالْعِبَادَةِ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِ لَهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=25إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=2أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ )
[ ص: 218 ] وَقِيلَ : عَلَى الدِّينِ ، وَقِيلَ : عَلَى الدُّعَاءِ إِلَى التَّوْحِيدِ ، وَقِيلَ : عَلَى تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ . وَكُلُّهَا أَقْوَالٌ مُتَقَارِبَةٌ ، وَالْمَعْنَى : إِنَّكُمْ وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ اتَّبَعُونَا سَوَاءٌ فِي أَنْ أَدْعُوَكُمْ إِلَى اللَّهِ ، وَإِنِّي لَا أَبْتَغِي عَمَّا أُلْقِيهِ إِلَيْكُمْ مِنْ شَرَائِعِ اللَّهِ مَالًا ، فَلَا يَتَفَاوَتُ حَالُكُمْ وَحَالُهُمْ .
وَأَيْضًا : فَلَعَلَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّهُ يُرِيدُ : الِاسْتِرْفَادَ مِنْهُمْ ، فَنَفَاهُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=29لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ) ، فَلَا تَحْرِمُوا أَنْفُسَكُمُ السَّعَادَةَ الْأَبَدِيَّةَ بِتَوَهُّمٍ فَاسِدٍ . ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ قَامَ بِهَؤُلَاءِ وَصْفٌ يَجِبُ الْعُكُوفُ عَلَيْهِمْ بِهِ وَالِانْضِوَاءُ مَعَهُمْ ، وَهُوَ الْإِيمَانُ فَلَا يُمْكِنُ طَرْدُهُمْ ، وَكَانُوا سَأَلُوا مِنْهُ طَرْدَ هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ ، رَفْعًا لِأَنْفُسِهِمْ مِنْ مُسَاوَاةِ أُولَئِكَ الْفُقَرَاءِ .
وَنَظِيرَ هَذَا : مَا اقْتَرَحَتْ
قُرَيْشٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طَرْدِ أَتْبَاعِهِ الَّذِينَ لَمْ يَكُونُوا مِنْ
قُرَيْشٍ . وَقُرِئَ : بِطَارِدٍ : بِالتَّنْوِينِ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : عَلَى الْأَصْلِ يَعْنِي : أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ إِذَا كَانَ بِمَعْنَى الْحَالِ أَوْ الِاسْتِقْبَالِ ، أَصْلُهُ أَنْ يَعْمَلَ وَلَا يُضَافَ ، وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ . وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : إِنَّ الْأَصْلَ الْإِضَافَةُ لَا الْعَمَلُ ، لِأَنَّهُ قَدِ اعْتَوَرَهُ شَبَهَانِ : أَحَدُهُمَا : شِبْهٌ بِالْمُضَارِعِ وَهُوَ شَبَهُهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ . وَالْآخَرُ : شِبْهٌ بِالْأَسْمَاءِ إِذَا كَانَتْ فِيهَا الْإِضَافَةُ ، فَكَانَ إِلْحَاقُهُ بِجِنْسِهِ أَوْلَى مِنْ إِلْحَاقِهِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=46أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ ) : ظَاهِرُهُ التَّعْلِيلُ لِانْتِفَاءِ طَرْدِهِمْ ، أَيْ : إِنَّهُمْ يُلَاقُونَ اللَّهَ ، أَيْ : جَزَاءَهُ ، فَيُوصِلُهُمْ إِلَى حَقِّهِمْ عِنْدِي إِنْ ظَلَمْتُهُمْ بِالطَّرْدِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : مَعْنَاهُ : أَنَّهُمْ يُلَاقُونَ اللَّهَ فَيُعَاقِبُ مَنْ طَرَدَهُمْ ، أَوْ : يُلَاقُونَهُ فَيُجَازِيهِمْ عَلَى مَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ إِيمَانٍ صَحِيحٍ ثَابِتٍ كَمَا ظَهَرَ لِي مِنْهُمْ ، وَمَا أَعْرِفُ غَيْرَهُ مِنْهُمْ ، أَوْ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ مِمَّا تَعْرِفُونَهُمْ بِهِ مِنْ بِنَاءِ إِيمَانِهِمْ عَلَى بَادِئِ الرَّأْيِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَلَا تَفَكُّرٍ ، وَمَا عَلَيَّ أَنْ أَشُقَّ عَلَى قُلُوبِهِمْ ، وَأَتَعَرَّفَ ذَلِكَ مِنْهُمْ حَتَّى أَطْرُدَهُمْ وَنَحْوُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=52وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ ) الْآيَةَ ، أَوْ هُمْ مُصَدِّقُونَ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ ، مُوقِنُونَ بِهِ عَالِمُونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُوهُ لَا مَحَالَةَ ، انْتَهَى .
وَوَصْفُهُمْ بِالْجَهْلِ لِكَوْنِهِمْ بَنَوْا أَمْرَهُمْ عَلَى الْجَهْلِ بِالْعَوَاقِبِ ، وَالِاغْتِرَارِ بِالظَّوَاهِرِ . أَوْ لِأَنَّهُمْ يَتَسَافَلُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَيَدْعُونَهُمْ : أَرَاذِلَ ، مِنْ قَوْلِهِ : أَلَا لَا يَجْهَلَنْ أَحَدٌ عَلَيْنَا أَوْ : تَجْهَلُونَ لِقَاءَ رَبِّكُمْ ، أَوْ : تَجْهَلُونَ أَنَّهُمْ خَيْرٌ مِنْكُمْ ، أَوْ : وَصْفُهُمْ بِالْجَهْلِ فِي هَذَا الِاقْتِرَاحِ ، وَهُوَ طَرْدُ الْمُؤْمِنِينَ وَنَحْوِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=30مَنْ يَنْصُرُنِي ) اسْتِفْهَامٌ مَعْنَاهُ : لَا نَاصِرَ لِي مِنْ عِقَابِ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ عَنِ الْخَيْرِ الَّذِي قَدْ قَبِلُوهُ ، أَوْ لِأَجْلِ إِيمَانِهِمْ ، قَالَهُ
الْفَرَّاءُ ، وَكَانُوا يَسْأَلُونَهُ أَنْ يَطْرُدَهُمْ لِيُؤْمِنُوا بِهِ ، أَنَفَةً مِنْهُمْ أَنْ يَكُونُوا مَعَهُمْ عَلَى سَوَاءٍ ، ثُمَّ وَقَفَهُمْ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=3أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ) ، عَلَى النَّظَرِ الْمُؤَدِّي إِلَى صِحَّةِ هَذَا الِاحْتِجَاجِ . وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْجُمَلِ الثَّلَاثِ فِي الْأَنْعَامِ . وَتَزْدَرِي : تَفْتَعِلُ ، وَالدَّالُ بَدَلٌ مِنَ التَّاءِ قَالَ : تَرَى الرَّجُلَ النَّحِيفَ فَتَزْدَرِيهِ وَفِي أَثْوَابِهِ أَسَدٌ هَصُورُ وَأَنْشَدَ
الْفَرَّاءُ : يُبَاعِدُهُ الصَّدِيقُ وَتَزْدَرِيهِ حَلِيلَتُهُ وَيَنْهَرُهُ الصَّغِيرُ وَالْعَائِدُ عَلَى الْمَوْصُولِ مَحْذُوفٌ ، أَيْ : تَزْدَرُونَهُمْ ، أَيْ : تَسْتَحْقِرُهُمْ أَعْيُنُكُمْ . وَلَنْ يُؤْتِيَهُمْ : مَعْمُولٌ لِقَوْلِهِ : ( وَلَا أَقُولُ ) وَ ( لِلَّذِينَ ) : مَعْنَاهُ لِأَجْلِ الَّذِينَ . وَلَوْ كَانَتِ اللَّامُ لِلتَّبْلِيغِ لَكَانَ الْقِيَاسُ : ( لَنْ يُؤْتِيَكُمْ ) بِكَافِ الْخِطَابِ ، أَيْ : لَيْسَ احْتِقَارُكُمْ إِيَّاهُمْ يُنْقِصُ ثَوَابَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا يُبْطِلُ أُجُورَهُمْ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=31اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ ) : تَسْلِيمٌ لِلَّهِ ، أَيْ : لَسْتُ أَحْكُمُ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا ، وَإِنَّمَا الْحُكْمُ بِذَلِكَ لِلَّهِ تَعَالَى الَّذِي يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِهِمْ فَيُجَازِيهِمْ عَلَيْهِ .
وَقِيلَ : هُوَ رَدٌّ عَلَى قَوْلِهِمُ : اتَّبَعَكَ أَرَاذِلُنَا ، أَيْ : لَسْتُ أَحْكُمُ عَلَيْهِمْ بِأَنْ لَا يَكُونَ لَهُمْ خَيْرٌ لِظَنِّكُمْ بِهِمْ ، إِنَّ بَوَاطِنَهُمْ لَيْسَتْ كَظَوَاهِرِهِمُ ، اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِهِمْ . إِنِّي : لَوْ فَعَلْتُ ذَلِكَ لَمِنَ الظَّالِمِينَ ، وَهُمُ الَّذِينَ يَضَعُونَ الشَّيْءَ فِي غَيْرِ مَوَاضِعِهِ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=32قَدْ جَادَلْتَنَا ) : الظَّاهِرُ الْمُبَالَغَةُ فِي الْخُصُومَةِ وَالْمُنَاظَرَةِ . وَقَالَ
الْكَلْبِيُّ : دَعَوْتَنَا . وَقِيلَ : وَعَظْتَنَا ، وَقِيلَ : أَتَيْتَ بِأَنْوَاعِ الْجِدَالِ وَفُنُونِهِ فَمَا صَحَّ دَعْوَاكَ . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : فَأَكْثَرْتَ
[ ص: 219 ] جَدَلَنَا كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=54وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا ) فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا مِنَ الْعَذَابِ : الْمُعَجَّلِ ، وَمَا بِمَعْنَى الَّذِي وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ أَيْ : بِمَا تَعِدْنَاهُ ، أَوْ مَصْدَرِيَّةٌ ، وَإِنَّمَا كَثُرَتْ مُجَادَلَتُهُ لَهُمْ لِأَنَّهُ أَقَامَ فِيهِمْ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا ، وَهُوَ كُلُّ وَقْتٍ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ وَهُمْ يُجِيبُونَهُ بِعِبَادَتِهِمْ أَصْنَامَهُمْ . قَالَ : إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ ، أَيْ : لَيْسَ ذَلِكَ إِلَيَّ إِنَّمَا هُوَ لِلْإِلَهِ الَّذِي يُعَاقِبُكُمْ عَلَى عِصْيَانِكُمْ ، إِنْ شَاءَ ، أَيْ : إِنِ اقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ أَنْ يُعَجِّلَ عَذَابَكُمْ وَأَنْتُمْ فِي قَبْضَتِهِ لَا يُمْكِنُ أَنْ تُفْلِتُوا مِنْهُ ، وَلَا أَنْ تَمْتَنِعُوا . وَلَمَّا قَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=32قَدْ جَادَلْتَنَا ) ، وَطَلَبُوا تَعْجِيلَ الْعَذَابِ ، وَكَانَ مُجَادَلَتُهُ لَهُمْ إِنَّمَا هُوَ عَلَى سَبِيلِ النُّصْحِ وَالْإِنْقَاذِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ ، قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=34وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي ) . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=16748عِيسَى بْنُ عُمَرَ الثَّقَفِيُّ : نَصْحِي بِفَتْحِ النُّونِ ، وَهُوَ مَصْدَرٌ .
وَقِرَاءَةُ الْجَمَاعَةِ : بِضَمِّهَا ، فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا كَالشُّكْرِ ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ اسْمًا . وَهَذَانِ الشَّرْطَانِ اعْتَقَبَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=34وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي ) ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَابِ الشَّرْطِ تَقْدِيرُهُ : إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ فَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي ، وَالشَّرْطُ الثَّانِي : اعْتَقَبَ الشَّرْطَ الْأَوَّلَ . وَجَوَابُهُ أَيْضًا مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=34وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي ) ، تَقْدِيرُهُ : إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ فَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي . وَصَارَ الشَّرْطُ الثَّانِي شَرْطًا فِي الْأَوَّلِ ، وَصَارَ الْمُتَقَدِّمُ مُتَأَخِّرًا وَالْمُتَأَخِّرُ مُتَقَدِّمًا ، وَكَأَنَّ التَّرْكِيبَ : إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ فَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي ، وَهُوَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى كَالشَّرْطِ إِذَا كَانَ بِالْفَاءِ نَحْوَ : إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ . فَإِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ فَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي . وَنَظِيرُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=50وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا ) وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=34إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ ) جَزَاؤُهُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=34وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي ) ، وَهَذَا الدَّلِيلُ فِي حُكْمِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ ، فَوُصِلَ بِشَرْطٍ كَمَا وُصِلَ الْجَزَاءُ بِالشَّرْطِ فِي قَوْلِهِ : إِنْ أَحْسَنْتَ إِلَيَّ أَحْسَنْتُ إِلَيْكَ إِنْ أَمْكَنَنِي . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَلَيْسَ نُصْحِي لَكُمْ بِنَافِعٍ ، وَلَا إِرَادَتِي الْخَيْرَ لَكُمْ مُغْنِيَةً ، إِذَا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَرَادَ بِكُمُ الْإِغْوَاءَ وَالْإِضْلَالَ وَالْإِهْلَاكَ .
وَالشَّرْطُ الثَّانِي : اعْتِرَاضٌ بَيْنَ الْكَلَامِ ، وَفِيهِ بَلَاغَةٌ مِنَ اقْتِرَانِ الْإِرَادَتَيْنِ ، وَأَنَّ إِرَادَةَ الْبَشَرِ غَيْرُ مُغْنِيَةٍ ، وَتَعَلُّقُ هَذَا الشَّرْطِ هُوَ بِنُصْحِي ، وَتَعَلُّقُ الْآخَرِ هُوَ بِلَا يَنْفَعُ ، انْتَهَى . وَكَذَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11890أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ قَالَ : جَوَابُ الْأَوَّلِ : النُّصْحُ ، وَجَوَابُ الثَّانِي : النَّفْعُ . وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَى يُغْوِيَكُمْ : يُضِلَّكُمْ مِنْ قَوْلِهِ : غَوَى الرَّجُلُ يَغْوِي وَهُوَ : الضَّلَالُ . وَفِيهِ إِسْنَادُ الْإِغْوَاءِ إِلَى اللَّهِ ، فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى
الْمُعْتَزِلَةِ إِذْ يَقُولُونَ : إِنَّ الضَّلَالَ هُوَ مِنَ الْعَبْدِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : إِذَا عَرَفَ اللَّهُ مِنَ الْكَافِرِ الْإِصْرَارَ فَخَلَّاهُ وَشَأْنَهُ وَلَمْ يُلْجِئْهُ ، سُمِّيَ ذَلِكَ إِغْوَاءً وَإِمْلَاءً ، كَمَا إِنَّهُ إِذَا عَرَفَ مِنْهُ أَنْ يَتُوبَ وَيَرْعَوِي فَلَطَفَ بِهِ ، سُمِّيَ : إِرْشَادًا وَهِدَايَةً ، انْتَهَى .
وَهُوَ عَلَى طَرِيقَةِ الِاعْتِزَالِ ، وَنَصُّوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُوصَفُ اللَّهُ بِأَنَّهُ عَارِفٌ ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ : إِذَا عَرَفَ اللَّهُ ، كَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ ، وَلِلْمُعْتَزِلِيِّ أَنْ يَقُولَ : لَا يَتَعَيَّنُ أَنْ تَكُونَ إِنْ شَرْطِيَّةً ، بَلْ هِيَ نَافِيَةٌ وَالْمَعْنَى : مَا كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ ، فَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى نَفْيِ الْإِضْلَالِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=34وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ ) : إِخْبَارًا مِنْهُ لَهُمْ وَتَعْزِيَةً لِنَفْسِهِ عَنْهُمْ ، لِمَا رَأَى مِنْ إِصْرَارِهِمْ وَتَمَادِيهِمْ عَلَى الْكُفْرِ . وَقِيلَ : مَعْنَى ( يُغْوِيَكُمْ ) : يُهْلِكَكُمْ ، وَالْغَوَى : الْمَرَضُ وَالْهَلَاكُ . وَفِي لُغَةِ
طَيِّءٍ : أَصْبَحَ فُلَانٌ غَاوِيًا أَيْ : مَرِيضًا ، وَالْغَوَى : بَشَمُ الْفَصِيلِ ، وَقَالَهُ
يَعْقُوبُ فِي الْإِصْلَاحِ . وَقِيلَ : فَقْدُهُ اللَّبَنَ حَتَّى يَمُوتَ جُوعًا ، قَالَهُ
الْفَرَّاءُ ، وَحَكَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطَّبَرِيُّ يُقَالُ مِنْهُ : غَوَى يَغْوِي .
وَحَكَى
الزَّهْرَاوِيُّ : أَنَّهُ الَّذِي قُطِعَ عَنْهُ اللَّبَنُ حَتَّى كَادَ يَهْلِكُ ، أَوْ لَمَّا يَهْلِكُ بَعْدُ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ : وَكَوْنُ مَعْنَى يُغْوِيَكُمْ يُهْلِكَكُمْ ، قَوْلٌ مَرْغُوبٌ عَنْهُ ، وَأَنْكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=17140مَكِّيٌّ أَنْ يَكُونَ الْغَوَى بِمَعْنَى : الْهَلَاكِ ، مَوْجُودًا فِي لِسَانِ الْعَرَبِ ، وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِنَقْلِ
الْفَرَّاءِ وَغَيْرِهِ . وَإِذَا كَانَ مَعْنَى يُغْوِيَكُمْ : يُهْلِكَكُمْ ، فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لَا لِمُعْتَزِلِيٍّ وَلَا لِسُنِّيٍّ ، بَلِ الْحُجَّةُ مِنْ غَيْرِ هَذَا ، وَمَعْنَاهُ : أَنَّكُمْ إِذَا كُنْتُمْ مِنَ التَّصْمِيمِ عَلَى الْكُفْرِ ، فَالْمَنْزِلَةُ الَّتِي لَا تَنْفَعُكُمْ نَصَائِحُ اللَّهِ وَمَوَاعِظُهُ وَسَائِرُ أَلْطَافِهِ ، كَيْفَ يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي ؟
[ ص: 220 ] وَفِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=34هُوَ رَبُّكُمْ ) : تَنْبِيهٌ عَلَى الْمَعْرِفَةِ بِالْخَالِقِ ، وَأَنَّهُ النَّاظِرُ فِي مَصَالِحِكُمْ ، إِنْ شَاءَ أَنْ يُغْوِيَكُمْ ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَهْدِيَكُمْ . وَفِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=56وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) : وَعِيدٌ وَتَخْوِيفٌ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=35أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ ) : قِيلَ : هَذِهِ الْآيَةُ اعْتُرِضَتْ فِي قِصَّةِ
نُوحٍ ، وَالْأَخْبَارُ فِيهَا عَنْ
قُرَيْشٍ . يَقُولُونَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَيِ : افْتَرَى الْقُرْآنَ ، وَافْتَرَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ
نُوحٍ وَقَوْمِهِ ، وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ لَوُقِفَ عِنْدَهُ ، وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي يَقُولُونَ عَائِدٌ عَلَى قَوْمِ
نُوحٍ ، أَيْ : بَلْ أَيَقُولُونَ افْتَرَى مَا أَخْبَرَهُمْ بِهِ مِنْ دِينِ اللَّهِ وَعِقَابِ مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِثْمُ إِجْرَامِي ، وَالْإِجْرَامُ : مَصْدَرُ أَجْرَمَ ، وَيُقَالُ : أَجْرَمَ وَهُوَ الْكَثِيرُ ، وَجَرَمَ بِمَعْنًى .
وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ :
طَرِيدُ عَشِيرَةٍ وَرَهِينُ ذَنْبٍ بِمَا جَرَمَتْ يَدِي وَجَنَى لِسَانِي
وَقُرِئَ : ( أَجْرَامِي ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ جُرْمٍ ، ذَكَرَهُ
النَّحَّاسُ ، وَفُسِّرَ : بِآثَامِي .
وَمَعْنَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=35مِمَّا تُجْرِمُونَ ) : مِنْ إِجْرَامِكُمْ فِي إِسْنَادِ الِافْتِرَاءِ إِلَيَّ ، وَقِيلَ : مِمَّا تُجْرِمُونَ مِنَ الْكُفْرِ وَالتَّكْذِيبِ .