(
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=45nindex.php?page=treesubj&link=28983وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=46يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=47قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=48ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=49ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون )
لما استثنى الملك في رؤياه وأعضل على الملأ تأويلها ، تذكر الناجي من القتل وهو ساقي الملك
يوسف ، وتأويل رؤياه ورؤيا صاحبه ، وطلبه إليه ليذكره عند الملك ، ( وادكر ) أي : تذكر ما سبق له مع
يوسف ( بعد أمة ) أي : مدة طويلة ، والجملة من قوله : ( وادكر ) حالية ، وأصله : واذتكر أبدلت التاء دالا وأدغمت الذال فيها فصار ادكر ، وهي قراءة الجمهور ، وقرأ
الحسن : واذكر بإبدال التاء ذالا ، وإدغام الذال فيها ، وقرأ
الأشهب العقيلي : ( بعد إمة ) بكسر الهمزة أي : بعد نعمة أنعم عليه بالنجاة من القتل ، وقال
ابن عطية : بعد نعمة أنعم الله بها على
يوسف في تقريب إطلاقه ، والأمة النعمة قال :
ألا لا أرى ذا إمة أصبحت به فتتركه الأيام وهي كما هيا
قال الأعلم : الأمة النعمة والحال الحسنة ، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=15948وزيد بن علي والضحاك وقتادة وأبو رجاء وشبيل بن عزرة الضبعي وربيعة بن عمرو : ( بعد أمه ) بفتح الهمزة والميم مخففة وهاء ، وكذلك قرأ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ومجاهد وعكرمة ، واختلف عنهم ، وقرأ
عكرمة وأيضا
مجاهد وشبيل بن عزرة : ( بعد أمه ) بسكون الميم ، مصدر أمه على غير قياس ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : ومن قرأ بسكون الميم فقد أخطأ ، انتهى . وهذا على عادته في نسبته الخطأ إلى
الفراء ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=45أنا أنبئكم بتأويله ) أي : أخبركم به عمن عنده علمه لا من جهتي ، وقرأ
الحسن : ( أنا أتيكم ) مضارع أتى من الإتيان ، وكذا في الإمام ، وفي مصحف
أبي : ( فأرسلون ) أي : ابعثوني إليه لأسأله ، ومروني باستعباره ، استأذن في المضي إلى
يوسف ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : كان في السجن في غير
[ ص: 315 ] مدينة الملك ، وقيل : كان فيها ، ويرسم الناس اليوم سجن
يوسف في موضع على النيل بينه وبين الفسطاط ثمانية أميال ، وفي الكلام حذف ، التقدير : فأرسلوه إلى
يوسف فأتاه فقال : و ( الصديق ) بناء مبالغة كالشريب والسكير ، وكان قد صحبه زمانا وجرب صدقه في غير ما شيء كتأويل رؤياه ورؤيا صاحبه ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=46لعلي أرجع إلى الناس ) أي : بتفسير هذه الرؤيا ، واحترز بلفظة ( لعلي ) لأنه ليس على يقين من الرجوع إليهم ؛ إذ من الجائز أن يخترم دون بلوغه إليهم ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=46لعلهم يعلمون ) كالتعليل لرجوعه إليهم بتأويل الرؤيا ، وقيل : لعلهم يعلمون فضلك ومكانك من العلم ، فيطلبونك ويخلصونك من محنتك ، فتكون لعل كالتعليل لقوله : ( أفتنا ) . قال : ( تزرعون ) إلى آخره ، تضمن هذا الكلام من
يوسف ثلاثة أنواع من القول ؛ أحدها : تعبير بالمعنى لا باللفظ . والثاني : عرض رأي وأمر به ، وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=47فذروه في سنبله ) . والثالث : الإعلام بالغيب في أمر العام الثامن ، قاله
قتادة . قال
ابن عطية : ويحتمل هذا أن لا يكون غيبا ، بل علم العبارة أعطى انقطاع الخوف بعد سبع ، ومعلوم أنه الأخصب ، انتهى . والظاهر أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=47تزرعون سبع سنين دأبا ) خبرا ، أخبر أنهم تتوالى لهم هذه السنون لا ينقطع فيها زرعهم للري الذي يوجد . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : ( تزرعون ) خبر في معنى الأمر كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=11تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون ) وإنما يخرج الأمر في صورة الخبر للمبالغة في إيجاب إنجاز المأمور به ، فيجعل كأنه وجد فهو يخبر عنه ، والدليل على كونه في معنى الأمن ، قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=47فذروه في سنبله ) انتهى ، ولا يدل الأمر بتركه في سنبله على أن ( تزرعون ) في معنى ازرعوا ، بل ( تزرعون ) إخبار غيب بما يكون منهم من توالي الزرع سبع سنين ، وأما قوله : ( فذروه ) فهو أمر إشارة بما ينبغي أن يفعلوه ، ومعنى ( دأبا ) : ملازمة ، كعادتكم في المزارعة ، وقرأ
حفص : ( دأبا ) بفتح الهمزة ، والجمهور بإسكانها ، وهما مصدران لدأب ، وانتصابه بفعل محذوف من لفظه أي : تدابون دأبا ، فهو منصوب على المصدر ، وعند المبرد بـ ( تزرعون ) بمعنى تدأبون ، وهي عنده مثل قعد القرفصاء ، وقيل : مصدر في موضع الحال ؛ أي : دائبين ، أو ذوي دأب حالا من ضمير تزرعون . و " ما " في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=47فما حصدتم ) شرطية أو موصولة بـ (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=47ذروه في سنبله ) إشارة برأي
نافع بحسب طعام
مصر وحنطتها التي لا تبقى عامين بوجه إلا بحيلة إبقائها في السنبل ، فإذا بقيت فيها انحفظت ، والمعنى : اتركوا الزرع في السنبل إلا ما لا غنى عنه للأكل ، فيجتمع الطعام ويتركب ويؤكل الأقدم فالأقدم ، فإذا جاءت السنون الجدبة تقوت الأقدم فالأقدم من ذلك المدخر ، وقرأ
السلمي : ( مما يأكلون ) بالياء على الغيبة أي : يأكل الناس ، وحذف المميز في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=48سبع شداد ) أي : سبع سنين شداد ، لدلالة قوله : ( سبع سنين ) عليه ، وأسند الأكل الذي في قوله : ( يأكلن ) على سبيل المجاز من حيث أنه يؤكل فيهما كما قال : ( والنهار مبصرا ) ومعنى ( تحصنون ) تحرزون وتخبئون ، مأخوذ من الحصن وهو الحرز والملجأ ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ومجاهد والجمهور ، يغاث من الغيث ، وقيل : من الغوث ، وهو الفرج ، ففي الأول بني من ثلاثي ، وفي الثاني من رباعي ، تقول : غاثنا الله من الغيث ، وأغاثنا من الغوث ، وقرأ الأخوان : ( تعصرون ) بالتاء على الخطاب ، وباقي السبعة بالياء على الغيبة ، والجمهور على أنه من عصر النبات كالعنب والقصب والزيتون والسمسم والفجل وجميع ما يعصر ،
ومصر بلد عصير لأشياء كثيرة والحلب منه ؛ لأنه عصر للضروع ، وروي أنهم لم يعصروا شيئا مدة الجدب ، وقال
أبو عبيدة وغيره ، مأخوذ من العصرة ، والعصر وهو المنجي ، ومنه قول
أبي زبيد في
عثمان رضي الله عنه :
صاديا يستغيث غير مغاث ولقد كان عصرة المنجود
[ ص: 316 ] فالمعنى : ينجون بالعصرة ، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=15639جعفر بن محمد nindex.php?page=showalam&ids=13723والأعرج وعيسى البصرة ( يعصرون ) بضم الياء وفتح الصاد مبنيا للمفعول ، وعن عيسى أيضا : ( تعصرون ) بالتاء على الخطاب مبنيا للمفعول ، ومعناه : ينجون من عصره إذا أنجاه ، وهو مناسب لقوله : يغاث الناس ، وقال
ابن المستنير : معناه يمطرون ، من أعصرت السحابة ماءها عليهم ، فجعلوا معصرين مجازا بإسناد ذلك إليهم ، وهو للماء الذي يمطرون به ، وحكى
النقاش أنه قرئ ( يعصرون ) بضم الياء وكسر الصاد وشدها من عصر مشددا للتكثير ، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=15948زيد بن علي : ( وفيه تعصرون ) بكسر التاء والعين والصاد وشدها ، وأصله تعتصرون ، فأدغم التاء في الصاد ونقل حركتها إلى العين ، وأتبع حركة التاء لحركة العين ، واحتمل أن يكون من اعتصر العنب ونحوه ، ومن اعتصر بمعنى نجا ، قال الشاعر :
لو بغير الماء حلقي شرق كنت كالغصان بالماء اعتصاري
أي : نجاتي ، تأول
يوسف - عليه السلام - البقرات السمان والسنبلات الخضر بسنين مخصبة ، والعجاف واليابسات بسنين مجدبة ، ثم بشرهم بعد الفراغ من تأويل الرؤيا بمجيء العام الثامن مباركا خصيبا كثير الخير غزير النعم ، وذلك من جهة الوحي ، وعن
قتادة : زاده الله علم سنة ، والذي من جهة الوحي هو التفضيل بحال العام بأنه فيه يغاث الناس ، ( وفيه يعصرون ) ، وإلا فمعلوم بانتهاء السبع الشداد مجيء الخصب .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=45nindex.php?page=treesubj&link=28983وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=46يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=47قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=48ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=49ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ )
لَمَّا اسْتَثْنَى الْمَلِكُ فِي رُؤْيَاهُ وَأَعْضَلَ عَلَى الْمَلَأِ تَأْوِيلَهَا ، تَذَكَّرَ النَّاجِي مِنَ الْقَتْلِ وَهُوَ سَاقِي الْمَلِكِ
يُوسُفَ ، وَتَأْوِيلَ رُؤْيَاهُ وَرُؤْيَا صَاحِبِهِ ، وَطَلَبَهُ إِلَيْهِ لِيَذْكُرَهُ عِنْدَ الْمَلِكِ ، ( وَادَّكَرَ ) أَيْ : تَذَكَّرَ مَا سَبَقَ لَهُ مَعَ
يُوسُفَ ( بَعْدَ أُمَّةٍ ) أَيْ : مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ ، وَالْجُمْلَةُ مِنْ قَوْلِهِ : ( وَادَّكَرَ ) حَالِيَّةٌ ، وَأَصْلُهُ : وَاذْتَكَرَ أُبْدِلَتِ التَّاءُ دَالًا وَأُدْغِمَتِ الذَّالُ فِيهَا فَصَارَ ادَّكَرَ ، وَهِيَ قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ ، وَقَرَأَ
الْحَسَنُ : وَاذَّكَرَ بِإِبْدَالِ التَّاءِ ذَالًا ، وَإِدْغَامُ الذَّالِ فِيهَا ، وَقَرَأَ
الْأَشْهَبُ الْعُقَيْلِيُّ : ( بَعْدَ إِمَّةٍ ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَيْ : بَعْدَ نِعْمَةٍ أُنْعِمَ عَلَيْهِ بِالنَّجَاةِ مِنَ الْقَتْلِ ، وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : بَعْدَ نِعْمَةٍ أَنْعَمَ اللَّهُ بِهَا عَلَى
يُوسُفَ فِي تَقْرِيبِ إِطْلَاقِهِ ، وَالْأُمَّةُ النِّعْمَةُ قَالَ :
أَلَا لَا أَرَى ذَا إِمَّةٍ أَصْبَحَتْ بِهِ فَتَتْرُكُهُ الْأَيَّامُ وَهِيَ كَمَا هِيَا
قَالَ الْأَعْلَمُ : الْأُمَّةُ النِّعْمَةُ وَالْحَالُ الْحَسَنَةُ ، وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=15948وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَالضَّحَّاكُ وَقَتَادَةُ وَأَبُو رَجَاءٍ وَشُبَيْلُ بْنُ عَزْرَةَ الضُّبَعِيُّ وَرَبِيعَةُ بْنُ عَمْرٍو : ( بَعْدَ أَمَهِ ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمُ مُخَفَّفَةٌ وَهَاءٌ ، وَكَذَلِكَ قَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنُ عُمَرَ وَمُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ ، وَاخْتَلَفَ عَنْهُمْ ، وَقَرَأَ
عِكْرِمَةُ وَأَيْضًا
مُجَاهِدٌ وَشُبَيْلُ بْنُ عَزْرَةَ : ( بَعْدَ أُمْهِ ) بِسُكُونِ الْمِيمِ ، مَصْدَرُ أَمَهَ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَمَنْ قَرَأَ بِسُكُونِ الْمِيمِ فَقَدْ أَخْطَأَ ، انْتَهَى . وَهَذَا عَلَى عَادَتِهِ فِي نِسْبَتِهِ الْخَطَأَ إِلَى
الْفَرَّاءِ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=45أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ ) أَيْ : أُخْبِرُكُمْ بِهِ عَمَّنْ عِنْدَهُ عِلْمُهُ لَا مِنْ جِهَتِي ، وَقَرَأَ
الْحَسَنُ : ( أَنَا أَتِيكُمُ ) مُضَارِعُ أَتَى مِنَ الْإِتْيَانِ ، وَكَذَا فِي الْإِمَامِ ، وَفِي مُصْحَفِ
أُبَيٍّ : ( فَأَرْسِلُونِ ) أَيِ : ابْعَثُونِي إِلَيْهِ لِأَسْأَلَهُ ، وَمُرُونِي بِاسْتِعْبَارِهِ ، اسْتَأْذَنَ فِي الْمُضِيِّ إِلَى
يُوسُفَ ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : كَانَ فِي السِّجْنِ فِي غَيْرِ
[ ص: 315 ] مَدِينَةِ الْمَلِكِ ، وَقِيلَ : كَانَ فِيهَا ، وَيَرْسُمُ النَّاسُ الْيَوْمَ سِجْنَ
يُوسُفَ فِي مَوْضِعٍ عَلَى النِّيلِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفُسْطَاطِ ثَمَانِيَةَ أَمْيَالٍ ، وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ ، التَّقْدِيرُ : فَأَرْسِلُوهُ إِلَى
يُوسُفَ فَأَتَاهُ فَقَالَ : وَ ( الصَّدِّيقُ ) بِنَاءُ مُبَالِغَةٍ كَالشَّرِّيبِ وَالسِّكِّيرِ ، وَكَانَ قَدْ صَحِبَهُ زَمَانًا وَجَرَّبَ صِدْقَهُ فِي غَيْرِ مَا شَيْءٍ كَتَأْوِيلِ رُؤْيَاهُ وَرُؤْيَا صَاحِبِهِ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=46لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ ) أَيْ : بِتَفْسِيرِ هَذِهِ الرُّؤْيَا ، وَاحْتَرَزَ بِلَفْظَةِ ( لَعَلِّي ) لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى يَقِينٍ مِنَ الرُّجُوعِ إِلَيْهِمْ ؛ إِذْ مِنَ الْجَائِزِ أَنْ يَخْتَرِمَ دُونَ بُلُوغِهِ إِلَيْهِمْ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=46لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ ) كَالتَّعْلِيلِ لِرُجُوعِهِ إِلَيْهِمْ بِتَأْوِيلِ الرُّؤْيَا ، وَقِيلَ : لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ فَضْلَكَ وَمَكَانَكَ مِنَ الْعِلْمِ ، فَيَطْلُبُونَكَ وَيُخَلِّصُونَكَ مِنْ مِحْنَتِكَ ، فَتَكُونُ لَعَلَّ كَالتَّعْلِيلِ لِقَوْلِهِ : ( أَفْتِنَا ) . قَالَ : ( تَزْرَعُونَ ) إِلَى آخِرِهِ ، تَضَمَّنَ هَذَا الْكَلَامُ مِنْ
يُوسُفَ ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ مِنَ الْقَوْلِ ؛ أَحَدُهَا : تَعْبِيرٌ بِالْمَعْنَى لَا بِاللَّفْظِ . وَالثَّانِي : عَرْضُ رَأْيٍ وَأَمَرَ بِهِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=47فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ ) . وَالثَّالِثُ : الْإِعْلَامُ بِالْغَيْبِ فِي أَمْرِ الْعَامِ الثَّامِنِ ، قَالَهُ
قَتَادَةُ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَيَحْتَمِلُ هَذَا أَنْ لَا يَكُونَ غَيْبًا ، بَلْ عِلْمُ الْعِبَارَةِ أَعْطَى انْقِطَاعَ الْخَوْفِ بَعْدَ سَبْعٍ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ الْأَخْصَبُ ، انْتَهَى . وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=47تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا ) خَبَرًا ، أَخْبَرَ أَنَّهُمْ تَتَوَالَى لَهُمْ هَذِهِ السُّنُونَ لَا يَنْقَطِعُ فِيهَا زَرْعُهُمْ لِلرَّيِّ الَّذِي يُوجَدُ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : ( تَزْرَعُونَ ) خَبَرٌ فِي مَعْنَى الْأَمْرِ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=11تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ ) وَإِنَّمَا يَخْرُجُ الْأَمْرُ فِي صُورَةِ الْخَبَرِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي إِيجَابِ إِنْجَازِ الْمَأْمُورِ بِهِ ، فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ وُجِدَ فَهُوَ يُخْبِرُ عَنْهُ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى كَوْنِهِ فِي مَعْنَى الْأَمْنِ ، قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=47فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ ) انْتَهَى ، وَلَا يَدُلُّ الْأَمْرُ بِتَرْكِهِ فِي سُنْبُلِهِ عَلَى أَنَّ ( تَزْرَعُونَ ) فِي مَعْنَى ازْرَعُوا ، بَلْ ( تَزْرَعُونَ ) إِخْبَارُ غَيْبٍ بِمَا يَكُونُ مِنْهُمْ مَنْ تَوَالِي الزَّرْعِ سَبْعَ سِنِينَ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( فَذَرُوهُ ) فَهُوَ أَمْرُ إِشَارَةٍ بِمَا يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلُوهُ ، وَمَعْنَى ( دَأَبًا ) : مُلَازَمَةً ، كَعَادَتِكُمْ فِي الْمُزَارَعَةِ ، وَقَرَأَ
حَفْصٌ : ( دَأَبًا ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ ، وَالْجُمْهُورُ بِإِسْكَانِهَا ، وَهُمَا مَصْدَرَانِ لِدَأَبَ ، وَانْتِصَابُهُ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ مِنْ لَفْظِهِ أَيْ : تَدَابُونَ دَأَبًا ، فَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ ، وَعِنْدَ الْمُبَرِّدِ بِـ ( تَزْرَعُونَ ) بِمَعْنَى تَدْأَبُونَ ، وَهِيَ عِنْدَهُ مِثْلُ قَعَدَ الْقُرْفُصَاءَ ، وَقِيلَ : مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ ؛ أَيْ : دَائِبِينَ ، أَوْ ذَوِي دَأْبٍ حَالًا مِنْ ضَمِيرِ تَزْرَعُونَ . وَ " مَا " فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=47فَمَا حَصَدْتُمْ ) شَرْطِيَّةٌ أَوْ مَوْصُولَةٌ بِـ (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=47ذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ ) إِشَارَةً بِرَأْيِ
نَافِعٍ بِحَسَبِ طَعَامِ
مِصْرَ وَحِنْطَتِهَا الَّتِي لَا تَبْقَى عَامَيْنِ بِوَجْهٍ إِلَّا بِحِيلَةِ إِبْقَائِهَا فِي السُّنْبُلِ ، فَإِذَا بَقِيَتْ فِيهَا انْحَفَظَتْ ، وَالْمَعْنَى : اتْرُكُوا الزَّرْعَ فِي السُّنْبُلِ إِلَّا مَا لَا غِنَى عَنْهُ لِلْأَكْلِ ، فَيَجْتَمِعُ الطَّعَامُ وَيَتَرَكَّبُ وَيُؤْكَلُ الْأَقْدَمُ فَالْأَقْدَمُ ، فَإِذَا جَاءَتِ السُّنُونَ الْجَدْبَةُ تُقُوِّتَ الْأَقْدَمُ فَالْأَقْدَمُ مِنْ ذَلِكَ الْمُدَّخَرِ ، وَقَرَأَ
السُّلَمِيُّ : ( مِمَّا يَأْكُلُونَ ) بِالْيَاءِ عَلَى الْغَيْبَةِ أَيْ : يَأْكُلُ النَّاسُ ، وَحَذَفَ الْمُمَيَّزَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=48سَبْعٌ شِدَادٌ ) أَيْ : سَبْعُ سِنِينَ شِدَادٌ ، لِدَلَالَةِ قَوْلِهِ : ( سَبْعُ سِنِينَ ) عَلَيْهِ ، وَأَسْنَدَ الْأَكْلَ الَّذِي فِي قَوْلِهِ : ( يَأْكُلْنَ ) عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ مِنْ حَيْثُ أَنَّهُ يُؤْكَلُ فِيهِمَا كَمَا قَالَ : ( وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ) وَمَعْنَى ( تُحْصِنُونَ ) تُحْرِزُونَ وَتُخْبِئُونَ ، مَأْخُوذٌ مِنَ الْحِصْنِ وَهُوَ الْحِرْزُ وَالْمَلْجَأُ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَالْجُمْهُورُ ، يُغَاثُ مِنَ الْغَيْثِ ، وَقِيلَ : مِنَ الْغَوْثِ ، وَهُوَ الْفَرَجُ ، فَفِي الْأَوَّلِ بُنِيَ مِنْ ثُلَاثِيٍّ ، وَفِي الثَّانِي مِنْ رُبَاعِيٍّ ، تَقُولُ : غَاثَنَا اللَّهُ مِنَ الْغَيْثِ ، وَأَغَاثَنَا مِنَ الْغَوْثِ ، وَقَرَأَ الْأَخَوَانِ : ( تَعْصِرُونَ ) بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَابِ ، وَبَاقِي السَّبْعَةِ بِالْيَاءِ عَلَى الْغَيْبَةِ ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ عَصْرِ النَّبَاتِ كَالْعِنَبِ وَالْقَصَبِ وَالزَّيْتُونِ وَالسِّمْسِمِ وَالْفِجْلِ وَجَمِيعِ مَا يُعْصَرُ ،
وَمِصْرُ بَلَدُ عَصِيرٍ لِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ وَالْحَلْبُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ عَصْرٌ لِلضُّرُوعِ ، وَرُوِيَ أَنَّهُمْ لَمْ يَعْصِرُوا شَيْئًا مُدَّةَ الْجَدْبِ ، وَقَالَ
أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ ، مَأْخُوذٌ مِنَ الْعُصْرَةِ ، وَالْعَصْرُ وَهُوَ الْمُنَجِّي ، وَمِنْهُ قَوْلُ
أَبِي زُبَيْدٍ فِي
عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ :
صَادِيًا يَسْتَغِيثُ غَيْرَ مُغَاثٍ وَلَقَدْ كَانَ عُصْرَةَ الْمَنْجُودِ
[ ص: 316 ] فَالْمَعْنَى : يَنْجُونَ بِالْعُصْرَةِ ، وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=15639جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ nindex.php?page=showalam&ids=13723وَالْأَعْرَجُ وَعِيسَى الْبَصْرَةِ ( يُعْصَرُونَ ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الصَّادِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ ، وَعَنْ عِيسَى أَيْضًا : ( تُعْصَرُونَ ) بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَابِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ ، وَمَعْنَاهُ : يَنْجُونَ مِنْ عَصْرِهِ إِذَا أَنْجَاهُ ، وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِقَوْلِهِ : يُغَاثُ النَّاسُ ، وَقَالَ
ابْنُ الْمُسْتَنِيرِ : مَعْنَاهُ يُمْطَرُونَ ، مِنْ أَعْصَرَتِ السَّحَابَةُ مَاءَهَا عَلَيْهِمْ ، فَجُعِلُوا مُعْصِرِينَ مَجَازًا بِإِسْنَادِ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ ، وَهُوَ لِلْمَاءِ الَّذِي يُمْطَرُونَ بِهِ ، وَحَكَى
النَّقَّاشُ أَنَّهُ قُرِئَ ( يُعَصِّرُونَ ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الصَّادِ وَشَدِّهَا مِنْ عَصَّرَ مُشَدَّدًا لِلتَّكْثِيرِ ، وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=15948زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ : ( وَفِيهِ تِعِصِّرُونَ ) بِكَسْرِ التَّاءِ وَالْعَيْنِ وَالصَّادِ وَشَدِّهَا ، وَأَصْلُهُ تَعْتَصِرُونَ ، فَأَدْغَمَ التَّاءَ فِي الصَّادِ وَنَقَلَ حَرَكَتَهَا إِلَى الْعَيْنِ ، وَأَتْبَعَ حَرَكَةَ التَّاءِ لِحَرَكَةِ الْعَيْنِ ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مِنِ اعْتَصَرَ الْعِنَبَ وَنَحْوِهِ ، وَمِنِ اعْتَصَرَ بِمَعْنَى نَجَا ، قَالَ الشَّاعِرُ :
لَوْ بِغَيْرِ الْمَاءِ حَلْقِي شَرِقٌ كُنْتُ كَالْغَصَّانِ بِالْمَاءِ اعْتِصَارِي
أَيْ : نَجَاتِي ، تَأَوَّلَ
يُوسُفُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْبَقَرَاتِ السِّمَانَ وَالسُّنْبُلَاتِ الْخُضْرَ بِسِنِينَ مُخْصِبَةٍ ، وَالْعِجَافَ وَالْيَابِسَاتِ بِسِنِينَ مُجْدِبَةٍ ، ثُمَّ بَشَّرَهُمْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ تَأْوِيلِ الرُّؤْيَا بِمَجِيءِ الْعَامِ الثَّامِنِ مُبَارَكًا خَصِيبًا كَثِيرَ الْخَيْرِ غَزِيرَ النِّعَمِ ، وَذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْوَحْيِ ، وَعَنْ
قَتَادَةَ : زَادَهُ اللَّهُ عِلْمَ سَنَةٍ ، وَالَّذِي مِنْ جِهَةِ الْوَحْيِ هُوَ التَّفْضِيلُ بِحَالِ الْعَامِ بِأَنَّهُ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ ، ( وَفِيهِ يَعْصِرُونَ ) ، وَإِلَّا فَمَعْلُومٌ بِانْتِهَاءِ السَّبْعِ الشِّدَادِ مَجِيءُ الْخِصْبِ .