(
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=54nindex.php?page=treesubj&link=28983وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=55قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=56وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=57ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون )
[ ص: 319 ] روي أن الرسول جاءه فقال : أجب الملك ، فخرج من السجن ودعا لأهله : اللهم عطف عليهم قلوب الأخيار ، ولا تعم عليهم الأخبار ، فهم أعلم الناس بالأخبار في الواقعات ، وكتب على باب السجن : هذه منازل البلوى ، وقبور الأحياء ، وشماتة الأعداء ، وتجربة الأصدقاء ، ثم اغتسل وتنظف من درن السجن ، ولبس ثيابا جددا ، فلما دخل على الملك قال : اللهم إني أسألك بخيرك من خيره ، وأعوذ بعزتك وقدرتك من شره ، ثم سلم عليه ودعا له بالعبرانية فقال : ما هذا اللسان ؟ فقال : لسان آبائي ، وكان الملك يتكلم بسبعين لسانا فكلمه بها ، فأجابه بجميعها ، فتعجب منه وقال : أيها الصديق إني أحب أن أسمع رؤياي منك قال : رأيت بقرات سمانا فوصف لونهن وأحوالهن ، وما كان خروجهن ، ووصف السنابل وما كان منها على الهيئة التي رآها الملك لا يخرم منها حرفا ، وقال له : من حفظك أن تجعل الطعام في الأهراء فيأتيك الخلق من النواحي يمتارون منك ، ويجتمع لك من المكنون ما لم يجتمع لأحد قبلك ، وكان
يوسف قصد أولا بتثبته في السجن أن يرتقي إلى أعلى المنازل ، فكان استدعاء الملك إياه أولا بسبب علم الرؤيا ، فلذلك قال : ائتوني به فقط ، فلما فعل يوسف ما فعل فظهرت أمانته وصبره وهمته وجودة نظره وتأنيه في عدم التسرع إليه بأول طلب عظمت منزلته عنده ، فطلبه ثانيا ومقصوده : استخلاصه لنفسه ، ومعنى ( أستخلصه ) أجعله خالصا لنفسي وخاصا بي ، وسمى الله فرعون
مصر ملكا إذ هي حكاية اسم مضى حكمه وتصرم زمنه ، فلو كان حيا لكان حكما له إذا قيل لكافر ملك أو أمير ، ولهذا كتب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى
هرقل عظيم
الروم ولم يقل ملكا ولا أميرا ، لأن ذلك حكم ، والجواب مسلم وتسلموا ، وأما كونه عظيمهم فتلك صفة لا تفارقه كيف ما تقلب ، وفي الكلام حذف ، التقدير : فسمع الملك كلام النسوة وبراءة
يوسف مما رمي به ، فأراد رؤيته وقال : ائتوني به فأتاه ، فلما كلمه ، والظاهر أن الفاعل بـ ( كلمه ) هو ضمير الملك أي : فلما كلمه الملك ورأى حسن جوابه ومحاورته ، ويحتمل أن يكون الفاعل ضمير
يوسف ؛ أي : فلما كلم
يوسف الملك ، ورأى الملك حسن منطقه بما صدق به الخبر الخبر ، والمرء مخبوء تحت لسانه ، قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=54إنك اليوم لدينا مكين ) أي : ذو مكانة ومنزلة ( أمين ) مؤتمن على كل شيء ، وقيل : أمين آمين ، والوصف بالأمانة هو الأبلغ في الإكرام ، وبالأمن يحط من إكرام
يوسف ، ولما وصفه الملك بالتمكن عنده والأمانة ، طلب من الأعمال ما يناسب هذين الوصفين فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=55اجعلني على خزائن الأرض ) أي : ولني خزائن أرضك إني حفيظ أحفظ ما تستحفظه ، عليم بوجوه التصرف ، وصف نفسه بالأمانة والكفاءة وهما مقصود الملوك ممن يولونه ، إذ هما يعمان وجوه التثقيف والحياطة ، ولا خلل معهما لقائل ، وقيل : حفيظ للحساب ، عليم بالألسن ، وقيل : حفيظ لما استودعتني ، عليم بسني الجوع ، وهذا التخصيص لا وجه له ، ودل إثناء
يوسف على نفسه أنه يجوز للإنسان أن يثني على نفسه بالحق إذا جهل أمره ، ولا يكون ذلك التزكية المنهي عنها ، وعلى جواز عمل الرجل الصالح للرجل التاجر بما يقتضيه الشرع والعدل ، لا بما يختاره ويشتهيه مما لا يسيغه الشرع ، وإنما طلب
يوسف هذه الولاية ليتوصل إلى إمضاء حكم الله ، وإقامة الحق ، وبسط العدل ، والتمكن مما لأجله تبعث الأنبياء إلى العباد ، ولعلمه أن غيره لا يقوم مقامه في ذلك ، فإن كان الملك قد أسلم كما روى
مجاهد فلا كلام ، وإن كان كافرا ولا سبيل إلى الحكم بأمر الله ودفع الظلم إلا بتمكينه ، فللمتولي أن يستظهر به . وقيل : كان الملك يصدر عن رأي
يوسف ولا
[ ص: 320 ] يعترض عليه في كل ما رأى ، فكان في حكم التابع ، وما زال قضاة الإسلام يتولون القضاء من جهة من ليس بصالح ، ولولا ذلك لبطلت أحكام الشرع ، فهم مثابون على ذلك إذا عدلوا ، و ( كذلك ) أي : مثل ذلك التمكين في نفس الملك مكنا
ليوسف في أرض
مصر . (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=56يتبوأ منها حيث يشاء ) أي : يتخذ منها مباءة ومنزلا كل مكان أراد ، فاستولى على جميعها ، ودخلت تحت سلطانه ، روي أن الملك توجه بتاجه ، وختمه بخاتمه ، ورداه بسيفه ، ووضع له سريرا من ذهب مكللا بالدر والياقوت ، فجلس على السرير ، ودانت له الملوك ، وفوض الملك إليه أمره وعزل
قطفير ، ثم مات بعد ، فزوجه الملك امرأته ، فلما دخل عليها قال : أليس هذا خيرا مما طلبت ؟ فوجدها عذراء ، لأن العزيز كان لا يطأ ، فولدت له ولدين : أفراثيم ، ومنشا ، وأقام العدل
بمصر ، وأحبه الرجال والنساء ، وأسلم على يده الملك وكثير من الناس ، وباع من أهل
مصر في سني القحط الطعام بالدنانير والدراهم في السنة الأولى حتى لم يبق معهم شيء منها ، ثم بالحلي والجواهر ، ثم بالدواب ، ثم بالضياع والعقار ، ثم برقابهم ، ثم استرقهم جميعا فقالوا : والله ما رأينا كاليوم ملكا أجل ولا أعظم منه فقال للملك : كيف رأيت صنع الله بي فيما خولني ، فما ترى ؟ قال : الرأي رأيك قال : فإني أشهد الله وأشهدك أني أعتقت أهل
مصر عن آخرهم ، ورددت عليهم أملاكهم ، وكان لا يبيع من أحد من الممتارين أكثر من حمل بعير تقسيطا بين الناس ، وأصاب أرض
كنعان وبلاد
الشام نحو ما أصاب
مصر ، فأرسل
يعقوب بنيه ليمتاروا ، واحتبس
بنيامين ، وقرأ
الحسن وابن كثير : بخلاف عنهم
أبو جعفر وشيبة
ونافع : ( حيث نشاء ) بالنون ، والجمهور بالياء ، والظاهر أن قراءة الياء يكون فاعل ( نشاء ) ضميرا يعود على
يوسف ، ومشيئته معذوقة بمشيئة الله ، إذ هو نبيه ورسوله ، وإما أن يكون الضمير عائدا على الله ؛ أي : حيث يشاء الله ، فيكون التفاتا (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=56نصيب برحمتنا ) أي : بنعمتنا من الملك والغنى وغيرهما ، ولا نضيع في الدنيا أجر من أحسن ، ثم ذكر أن أجر الآخرة خير ؛ لأنه الدائم الذي لا يفنى ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة : المؤمن يثاب على حسناته في الدنيا والآخرة ، والفاجر يعجل له الخير في الدنيا ، وما له في الآخرة من خلاق ، وتلا هذه الآية . وفي الحديث ما يوافق ما قال
سفيان ، وفي الآية إشارة إلى أن حال
يوسف في الآخرة خير من حالته العظيمة في الدنيا .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=54nindex.php?page=treesubj&link=28983وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصُهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=55قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=56وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=57وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ )
[ ص: 319 ] رُوِيَ أَنَّ الرَّسُولَ جَاءَهُ فَقَالَ : أَجِبِ الْمَلِكَ ، فَخَرَجَ مِنَ السِّجْنِ وَدَعَا لِأَهْلِهِ : اللَّهُمَّ عَطِّفَ عَلَيْهِمْ قُلُوبَ الْأَخْيَارِ ، وَلَا تُعْمِ عَلَيْهِمُ الْأَخْبَارَ ، فَهُمْ أَعْلَمُ النَّاسِ بِالْأَخْبَارِ فِي الْوَاقِعَاتِ ، وَكَتَبَ عَلَى بَابِ السِّجْنِ : هَذِهِ مَنَازِلُ الْبَلْوَى ، وَقُبُورُ الْأَحْيَاءِ ، وَشَمَاتَةُ الْأَعْدَاءِ ، وَتَجْرِبَةُ الْأَصْدِقَاءِ ، ثُمَّ اغْتَسَلَ وَتَنَظَّفَ مِنْ دَرَنِ السِّجْنِ ، وَلَبِسَ ثِيَابًا جُدُدًا ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى الْمَلِكِ قَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِخَيْرِكَ مِنْ خَيْرِهِ ، وَأَعُوذُ بِعِزَّتِكَ وَقُدْرَتِكَ مِنْ شَرِّهِ ، ثُمَّ سَلَّمَ عَلَيْهِ وَدَعَا لَهُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ فَقَالَ : مَا هَذَا اللِّسَانُ ؟ فَقَالَ : لِسَانُ آبَائِي ، وَكَانَ الْمَلِكُ يَتَكَلَّمُ بِسَبْعِينَ لِسَانًا فَكَلَّمَهُ بِهَا ، فَأَجَابَهُ بِجَمِيعِهَا ، فَتَعَجَّبَ مِنْهُ وَقَالَ : أَيُّهَا الصِّدِّيقُ إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَ رُؤْيَايَ مِنْكَ قَالَ : رَأَيْتَ بَقَرَاتٍ سِمَانًا فَوَصَفَ لَوْنَهُنَّ وَأَحْوَالَهُنَّ ، وَمَا كَانَ خُرُوجَهُنَّ ، وَوَصَفَ السَّنَابِلَ وَمَا كَانَ مِنْهَا عَلَى الْهَيْئَةِ الَّتِي رَآهَا الْمَلِكُ لَا يَخْرِمُ مِنْهَا حَرْفًا ، وَقَالَ لَهُ : مِنْ حِفْظِكَ أَنْ تَجْعَلَ الطَّعَامَ فِي الْأَهْرَاءِ فَيَأْتِيكَ الْخَلْقُ مِنَ النَّوَاحِي يَمْتَارُونَ مِنْكَ ، وَيَجْتَمِعُ لَكَ مِنَ الْمَكْنُونِ مَا لَمْ يَجْتَمِعْ لِأَحَدٍ قَبْلَكَ ، وَكَانَ
يُوسُفُ قَصَدَ أَوَّلًا بِتَثَبُّتِهِ فِي السِّجْنِ أَنْ يَرْتَقِيَ إِلَى أَعْلَى الْمَنَازِلِ ، فَكَانَ اسْتِدْعَاءُ الْمَلِكِ إِيَّاهُ أَوَّلًا بِسَبَبِ عِلْمِ الرُّؤْيَا ، فَلِذَلِكَ قَالَ : ائْتُونِي بِهِ فَقَطْ ، فَلَمَّا فَعَلَ يُوسُفُ مَا فَعَلَ فَظَهَرَتْ أَمَانَتُهُ وَصَبْرُهُ وَهِمَّتُهُ وَجَوْدَةُ نَظَرِهِ وَتَأَنِّيهِ فِي عَدَمِ التَّسَرُّعِ إِلَيْهِ بِأَوَّلِ طَلَبٍ عَظُمَتْ مَنْزِلَتُهُ عِنْدَهُ ، فَطَلَبَهُ ثَانِيًا وَمَقْصُودُهُ : اسْتِخْلَاصُهُ لِنَفْسِهِ ، وَمَعْنَى ( أَسْتَخْلِصْهُ ) أَجْعَلْهُ خَالِصًا لِنَفْسِي وَخَاصًّا بِي ، وَسَمَّى اللَّهُ فِرْعَوْنَ
مِصْرَ مَلِكًا إِذْ هِيَ حِكَايَةُ اسْمٍ مَضَى حُكْمُهُ وَتَصَرَّمَ زَمَنُهُ ، فَلَوْ كَانَ حَيًّا لَكَانَ حُكْمًا لَهُ إِذَا قِيلَ لِكَافِرٍ مَلِكٌ أَوْ أَمِيرٌ ، وَلِهَذَا كَتَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى
هِرَقْلَ عَظِيمِ
الرُّومِ وَلَمْ يَقُلْ مَلِكًا وَلَا أَمْيِرًا ، لِأَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ ، وَالْجَوَابُ مُسَلَّمٌ وَتَسَلَّمُوا ، وَأَمَّا كَوْنُهُ عَظِيمَهُمْ فَتِلْكَ صِفَةٌ لَا تُفَارِقُهُ كَيْفَ مَا تَقَلَّبُ ، وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ ، التَّقْدِيرُ : فَسَمِعَ الْمَلِكُ كَلَامَ النِّسْوَةِ وَبَرَاءَةَ
يُوسُفَ مِمَّا رُمِيَ بِهِ ، فَأَرَادَ رُؤْيَتَهُ وَقَالَ : ائْتُونِي بِهِ فَأَتَاهُ ، فَلَمَّا كَلَّمَهُ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْفَاعِلَ بِـ ( كَلَّمَهُ ) هُوَ ضَمِيرُ الْمَلِكِ أَيْ : فَلَمَّا كَلَّمَهُ الْمَلِكُ وَرَأَى حُسْنَ جَوَابِهِ وَمُحَاوَرَتِهِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْفَاعِلُ ضَمِيرَ
يُوسُفَ ؛ أَيْ : فَلَمَّا كَلَّمَ
يُوسُفُ الْمَلِكَ ، وَرَأَى الْمَلِكُ حُسْنَ مَنْطِقِهِ بِمَا صَدَّقَ بِهِ الْخَبَرُ الْخَبَرَ ، وَالْمَرْءُ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِهِ ، قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=54إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ ) أَيْ : ذُو مَكَانَةٍ وَمَنْزِلَةٍ ( أَمِينٌ ) مُؤْتَمَنٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ، وَقِيلَ : أَمِينٌ آمِينَ ، وَالْوَصْفُ بِالْأَمَانَةِ هُوَ الْأَبْلَغُ فِي الْإِكْرَامِ ، وَبِالْأَمْنِ يَحُطُّ مِنْ إِكْرَامِ
يُوسُفَ ، وَلَمَّا وَصَفَهُ الْمَلِكُ بِالتَّمَكُّنِ عِنْدَهُ وَالْأَمَانَةِ ، طَلَبَ مِنَ الْأَعْمَالِ مَا يُنَاسِبُ هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=55اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ ) أَيْ : وَلِّنِي خَزَائِنَ أَرْضِكَ إِنِّي حَفِيظٌ أَحْفَظُ مَا تَسْتَحْفِظُهُ ، عَلِيمٌ بِوُجُوهِ التَّصَرُّفِ ، وَصَفَ نَفْسَهُ بِالْأَمَانَةِ وَالْكَفَاءَةِ وَهُمَا مَقْصُودُ الْمُلُوكِ مِمَّنْ يُوَلُّونَهُ ، إِذْ هُمَا يَعُمَّانِ وُجُوهَ التَّثْقِيفِ وَالْحِيَاطَةِ ، وَلَا خَلَلَ مَعَهُمَا لِقَائِلٍ ، وَقِيلَ : حَفِيظٌ لِلْحِسَابِ ، عَلِيمٌ بِالْأَلْسُنِ ، وَقِيلَ : حَفِيظٌ لِمَا اسْتَوْدَعْتَنِي ، عَلِيمٌ بِسِنِي الْجُوعِ ، وَهَذَا التَّخْصِيصُ لَا وَجْهَ لَهُ ، وَدَلَّ إِثْنَاءُ
يُوسُفَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُثْنِيَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْحَقِّ إِذَا جَهُلَ أَمْرُهُ ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ التَّزْكِيَةَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا ، وَعَلَى جَوَازِ عَمَلِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ لِلرَّجُلِ التَّاجِرِ بِمَا يَقْتَضِيهِ الشَّرْعُ وَالْعَدْلُ ، لَا بِمَا يَخْتَارُهُ وَيَشْتَهِيهِ مِمَّا لَا يُسِيغُهُ الشَّرْعُ ، وَإِنَّمَا طَلَبَ
يُوسُفُ هَذِهِ الْوِلَايَةَ لِيَتَوَصَّلَ إِلَى إِمْضَاءِ حُكْمِ اللَّهِ ، وَإِقَامَةِ الْحَقِّ ، وَبَسْطِ الْعَدْلِ ، وَالتَّمَكُّنِ مِمَّا لِأَجْلِهِ تُبْعَثُ الْأَنْبِيَاءُ إِلَى الْعِبَادِ ، وَلِعِلْمِهِ أَنَّ غَيْرَهُ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ ، فَإِنْ كَانَ الْمَلِكُ قَدْ أَسْلَمَ كَمَا رَوَى
مُجَاهِدٌ فَلَا كَلَامَ ، وَإِنْ كَانَ كَافِرًا وَلَا سَبِيلَ إِلَى الْحُكْمِ بِأَمْرِ اللَّهِ وَدَفْعِ الظُّلْمِ إِلَّا بِتَمْكِينِهِ ، فَلِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَسْتَظْهِرَ بِهِ . وَقِيلَ : كَانَ الْمَلِكُ يُصْدِرُ عَنْ رَأْيِ
يُوسُفَ وَلَا
[ ص: 320 ] يَعْتَرِضُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ مَا رَأَى ، فَكَانَ فِي حُكْمِ التَّابِعِ ، وَمَا زَالَ قُضَاةُ الْإِسْلَامِ يَتَوَلَّوْنَ الْقَضَاءَ مِنْ جِهَةِ مَنْ لَيْسَ بِصَالِحٍ ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَبَطَلَتْ أَحْكَامُ الشَّرْعِ ، فَهُمْ مُثَابُونَ عَلَى ذَلِكَ إِذَا عَدَلُوا ، وَ ( كَذَلِكَ ) أَيْ : مِثْلَ ذَلِكَ التَّمْكِينِ فِي نَفْسِ الْمَلِكِ مَكَّنَّا
لِيُوسُفَ فِي أَرْضِ
مِصْرَ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=56يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ ) أَيْ : يَتَّخِذُ مِنْهَا مَبَاءَةً وَمَنْزِلًا كُلَّ مَكَانٍ أَرَادَ ، فَاسْتَوْلَى عَلَى جَمِيعِهَا ، وَدَخَلَتْ تَحْتَ سُلْطَانِهِ ، رُوِيَ أَنَّ الْمَلِكَ تَوَجَّهَ بِتَاجِهِ ، وَخَتَمَهُ بِخَاتَمِهِ ، وَرَدَاهُ بِسَيْفِهِ ، وَوَضَعَ لَهُ سَرِيرًا مِنْ ذَهَبٍ مُكَلَّلًا بِالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ ، فَجَلَسَ عَلَى السَّرِيرِ ، وَدَانَتْ لَهُ الْمُلُوكُ ، وَفَوَّضَ الْمَلِكُ إِلَيْهِ أَمَرَهُ وَعَزَلَ
قِطْفِيرَ ، ثُمَّ مَاتَ بَعْدُ ، فَزَوَّجَهُ الْمَلِكُ امْرَأَتَهُ ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا قَالَ : أَلَيْسَ هَذَا خَيْرًا مِمَّا طَلَبْتِ ؟ فَوَجَدَهَا عَذْرَاءَ ، لِأَنَّ الْعَزِيزَ كَانَ لَا يَطَأُ ، فَوَلَدَتْ لَهُ وَلَدَيْنِ : أَفْرَاثِيمَ ، وَمَنْشَا ، وَأَقَامَ الْعَدْلَ
بِمِصْرَ ، وَأَحَبَّهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ ، وَأَسْلَمَ عَلَى يَدِهِ الْمَلِكُ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ، وَبَاعَ مِنْ أَهْلِ
مِصْرَ فِي سِنِي الْقَحْطِ الطَّعَامَ بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ فِي السَّنَّةِ الْأُولَى حَتَّى لَمْ يَبْقَ مَعَهُمْ شَيْءٌ مِنْهَا ، ثُمَّ بِالْحُلِيِّ وَالْجَوَاهِرِ ، ثُمَّ بِالدَّوَابِّ ، ثُمَّ بِالضَّيَاعِ وَالْعَقَارِ ، ثُمَّ بِرِقَابِهِمْ ، ثُمَّ اسْتَرَقَّهُمْ جَمِيعًا فَقَالُوا : وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا كَالْيَوْمِ مَلِكًا أَجَلَّ وَلَا أَعْظَمَ مِنْهُ فَقَالَ لِلْمَلِكِ : كَيْفَ رَأَيْتَ صُنْعَ اللَّهِ بِي فِيمَا خَوَّلَنِي ، فَمَا تَرَى ؟ قَالَ : الرَّأْيُ رَأْيُكَ قَالَ : فَإِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَأُشْهِدُكَ أَنِّي أَعْتَقْتُ أَهْلَ
مِصْرَ عَنْ آخِرِهِمْ ، وَرَدَدْتُ عَلَيْهِمْ أَمْلَاكَهُمْ ، وَكَانَ لَا يَبِيعُ مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْمُمْتَارِينَ أَكْثَرَ مِنْ حِمْلِ بَعِيرٍ تَقْسِيطًا بَيْنَ النَّاسِ ، وَأَصَابَ أَرْضَ
كَنْعَانَ وَبِلَادَ
الشَّامِ نَحْوَ مَا أَصَابَ
مِصْرَ ، فَأَرْسَلَ
يَعْقُوبُ بَنِيهِ لِيَمْتَارُوا ، وَاحْتَبَسَ
بِنْيَامِينَ ، وَقَرَأَ
الْحَسَنُ وَابْنُ كَثِيرٍ : بِخِلَافٍ عَنْهُمْ
أَبُو جَعْفَرٍ وَشَيْبَةُ
وَنَافِعٌ : ( حَيْثُ نَشَاءُ ) بِالنُّونِ ، وَالْجُمْهُورُ بِالْيَاءِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ قِرَاءَةَ الْيَاءِ يَكُونُ فَاعِلُ ( نَشَاءُ ) ضَمِيرًا يَعُودُ عَلَى
يُوسُفَ ، وَمَشِيئَتُهُ مَعْذُوقَةٌ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ ، إِذْ هُوَ نَبِيُّهُ وَرَسُولُهُ ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ عَائِدًا عَلَى اللَّهِ ؛ أَيْ : حَيْثُ يَشَاءُ اللَّهُ ، فَيَكُونُ الْتِفَاتًا (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=56نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا ) أَيْ : بِنِعْمَتِنَا مِنَ الْمُلْكِ وَالْغِنَى وَغَيْرِهِمَا ، وَلَا نُضِيعُ فِي الدُّنْيَا أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ أَجْرَ الْآخِرَةِ خَيْرٌ ؛ لِأَنَّهُ الدَّائِمُ الَّذِي لَا يَفْنَى ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16008سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ : الْمُؤْمِنُ يُثَابُ عَلَى حَسَنَاتِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَالْفَاجِرُ يُعَجَّلُ لَهُ الْخَيْرُ فِي الدُّنْيَا ، وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ . وَفِي الْحَدِيثِ مَا يُوَافِقُ مَا قَالَ
سُفْيَانُ ، وَفِي الْآيَةِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ حَالَ
يُوسُفَ فِي الْآخِرَةِ خَيْرٌ مِنْ حَالَتِهِ الْعَظِيمَةِ فِي الدُّنْيَا .