(
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=58nindex.php?page=treesubj&link=28983وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=59ولما جهزهم بجهازهم قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=60فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=61قالوا سنراود عنه أباه وإنا لفاعلون nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=62وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون )
[ ص: 321 ] أي : جاءوا من القريات من أرض
فلسطين بأرض
الشام ، وقيل : من الأولاج من ناحية الشعب إلى
مصر ليمتاروا منها ، فتوصلوا إلى
يوسف للميرة ، فعرفهم لأنه فارقهم وهم رجال ، ورأى زيهم قريبا من زيهم إذ ذاك ، ولأن همته كانت معمورة بهم وبمعرفتهم ، فكان يتأمل ويتفطن ، وروي أنهم انتسبوا في الاستئذان عليه فعرفهم ، وأمر بإنزالهم ، ولذلك قال
الحسن : ما عرفهم حتى تعرفوا له ، وإنكارهم إياه كان ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : لطول العهد ومفارقته إياهم في سن الحداثة ، ولاعتقادهم أنه قد هلك ، ولذهابه عن أوهامهم لقلة فكرهم فيه ، ولبعد حاله التي بلغها من الملك والسلطان عن حالته التي فارقوه عليها طريحا في البئر مشريا بدراهم معدودة ، حتى لو تخيل لهم أنه هو لكذبوا أنفسهم ، ولأن الملك مما يبدل الزي ويلبس صاحبه من التهيب والاستعظام ما ينكر منه المعروف ، وقيل : رأوه على زي فرعون عليه ثياب الحرير جالسا على سرير في عنقه طوق من ذهب ، وعلى رأسه تاج ، فما خطر لهم أنه هو ، وقيل : ما رأوه إلا من بعيد بينهم وبينه مسافة وحجاب ، وما وقفوا إلا حيث يقف طلاب الحوائج .
ولما جهزهم بجهازهم ، وكان الجهاز الذي لهم هو الطعام الذي امتاروه ، وفي الكلام حذف ، تقديره : وقد كان استوضح منهم أنهم لهم أخ قعد عند أبيهم ، روي أنه لما عرفهم أراد أن يخبروه بجميع أمرهم ، فباحثهم بأن قال لهم ترجمانه : أظنكم جواسيس ، فاحتاجوا إلى التعريف بأنفسهم فقالوا : نحن أبناء رجل صديق ، وكنا اثني عشر ، ذهب منا واحد في البرية ، وبقي أصغرنا عند أبينا ، وجئنا نحن للميرة ، وسقنا بعير الباقي منا وكانوا عشرة ولهم أحد عشر بعيرا ، فقال لهم
يوسف : ولم تخلف أحدكم ؟ قالوا : لمحبة أبينا فيه ، قال : فأتوني بهذا الأخ حتى أعلم حقيقة قولكم ، وأرى لم أحبه أبوكم أكثر منكم إن كنتم صادقين ؟ وأورد
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري هذا القصص بألفاظ أخر تقارب هذه في المعنى ، وفي آخره قال : فمن يشهد لكم إنكم لستم بعيون وأن الذي تقولون حق ؟ قالوا : إنا ببلاد لا يعرفنا فيها أحد يشهد لنا ، قال : فدعوا بعضكم عندي رهينة وائتوني بأخيكم من أبيكم وهو حمل رسالة من أبيكم حتى أصدقكم ، فاقترعوا فأصاب القرعة
شمعون ، وكان أحسنهم رأيا في
يوسف ، فخلفوه عنده ، وكان قد أحسن إنزالهم وضيافتهم ، وقيل : لم يرتهن أحدا .
وروي غير هذا في طلب الأخ من أبيهم ، قيل : كان
يوسف ملثما أبدا سترا لجماله ، وكان ينقر في الصواع فيفهم من طنينه صدق الحديث أو كذبه ، فسئلوا عن أخبارهم ، فكلما صدقوا قال لهم : صدقتم ، فلما قالوا : وكان لنا أخ أكله الذئب أطن
يوسف الصواع وقال : كذبتم ، ثم تغير لهم وقال : أراكم جواسيس ، وكلفهم سوق الأخ الباقي ليظهر صدقهم ، وقرئ : ( بجهازهم ) بكسر الجيم ، وتنكر أخ ، ولم يقل بأخيكم وإن كان قد عرفه ، و ( عرفهم ) مبالغة في كونه لا يريد أن يتعرف لهم ، ولا أنه يدري من هو ، ألا ترى فرقا بين مررت بغلامك ، ومررت بغلام لك ؟ إنك في التعريف تكون عارفا بالغلام ، وفي التنكير أنت جاهل به ، فالتعريف يفيد فرع عهد في الغلام بينك وبين المخاطب ، والتنكير لا عهد فيه البتة ، وجائز أن نخبر عمن تعرفه أخبار النكرة فتقول : قال رجل لنا وأنت تعرفه لصدق إطلاق النكرة على المعرفة ، ثم ذكر ما يحرضهم به على الإتيان بأخيهم بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=59ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين ) أي : المضيفين ؟ يعني في قطره وفي زمانه يؤنسهم بذلك ويستميلهم ، ثم توعدهم إن لم يأتوا به إليه بحرمانهم من الميرة في المستقبل ، واحتمل قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=60ولا تقربون ) أن يكون نهيا ، وأن يكون نفيا مستقلا ومعناه النهي ، وحذفت النون وهو مرفوع ، كما حذفت في (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=54فبم تبشروني ) أن يكون نفيا داخلا في الجزاء معطوفا على محل فلا كيل لكم عندي ، فيكون مجزوما ، والمعنى : أنهم لا يقربون له
[ ص: 322 ] بكذا ولا طاعة .
وظاهر كل ما فعله
يوسف - عليه السلام - معهم أنه بوحي ، وإلا فإنه كان مقتضى البر أن يبادر إلى أبيه ويستدعيه ، لكن الله تعالى أراد تكميل أجر
يعقوب ومحنته ، ولتتفسر الرؤيا الأولى .
قالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=61سنراود عنه أباه ) أي : سنخادعه ونستميله في رفق إلى أن يتركه يأتي معنا إليك ، ثم أكدوا ذلك الوعد بأنهم فاعلو ذلك لا محالة ، لا نفرط فيه ولا نتوانى ، وقرأ الأخوان
وحفص : ( لفتيانه ) ، وباقي السبعة : ( لفتيته ) فالكثرة على مراعاة المأمورين ، والقلة على مراعاة المتأولين ، فهم الخدمة الكائلون أمرهم بجعل المال الذي اشتروا به الطعام في رحالهم مبالغة في استمالتهم . (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=62لعلهم يعرفونها ) أي : يعرفون حق ردها ، وحق التكرم بإعطاء البدلين فيرغبون فينا إذا انقلبوا إلى أهلهم ، وفرغوا ظروفهم ، و (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=62لعلهم يعرفونها ) تعليق بالجعل ، و (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=62لعلهم يرجعون ) تعليق بترجي معرفة البضاعة للرجوع إلى
يوسف ، قيل : وكانت بضاعتهم النعال والأدم ، وقيل : ( يرجعون ) متعد ، فالمعنى لعلهم يردون البضاعة ، وقيل : تخوف أن لا يكون عند أبيه من المتاع ما يرجعون به ، وقيل : علم أن ديانتهم تحملهم على رد البضاعة ، لا يستحلون إمساكها فيرجعون لأجلها ، وقيل : جعلها توطئة لجعل السقاية في رحل أخيه بعد ذلك ، ليتبين أنه لم يسرق لمن يتأمل القصة . قال
ابن عطية : ويظهر أن ما فعله
يوسف من صلتهم وجبرهم في تلك الشدة كان واجبا عليه ، إذ هو ملك عادل وهم أهل إيمان ونبوة .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=58nindex.php?page=treesubj&link=28983وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=59وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=60فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=61قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=62وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ )
[ ص: 321 ] أَيْ : جَاءُوا مِنَ الْقُرَيَاتِ مِنْ أَرْضِ
فِلَسْطِينَ بِأَرْضِ
الشَّامِ ، وَقِيلَ : مِنَ الْأَوْلَاجِ مِنْ نَاحِيَةِ الشِّعْبِ إِلَى
مِصْرَ لِيَمْتَارُوا مِنْهَا ، فَتَوَصَّلُوا إِلَى
يُوسُفَ لِلْمِيرَةِ ، فَعَرَفَهُمْ لِأَنَّهُ فَارَقَهُمْ وَهُمْ رِجَالٌ ، وَرَأَى زِيَّهُمْ قَرِيبًا مِنْ زِيِّهِمْ إِذْ ذَاكَ ، وَلِأَنَّ هِمَّتَهُ كَانَتْ مَعْمُورَةً بِهِمْ وَبِمَعْرِفَتِهِمْ ، فَكَانَ يَتَأَمَّلُ وَيَتَفَطَّنُ ، وَرُوِيَ أَنَّهُمُ انْتَسَبُوا فِي الِاسْتِئْذَانِ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ ، وَأَمَرَ بِإِنْزَالِهِمْ ، وَلِذَلِكَ قَالَ
الْحَسَنُ : مَا عَرَفَهُمْ حَتَّى تَعَرَّفُوا لَهُ ، وَإِنْكَارُهُمْ إِيَّاهُ كَانَ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : لِطُولِ الْعَهْدِ وَمُفَارَقَتِهِ إِيَّاهُمْ فِي سِنِّ الْحَدَاثَةِ ، وَلِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُ قَدْ هَلَكَ ، وَلِذَهَابِهِ عَنْ أَوْهَامِهِمْ لِقِلَّةِ فِكْرِهِمْ فِيهِ ، وَلِبُعْدِ حَالِهِ الَّتِي بَلَغَهَا مِنَ الْمُلْكِ وَالسُّلْطَانِ عَنْ حَالَتِهِ الَّتِي فَارَقُوهُ عَلَيْهَا طَرِيحًا فِي الْبِئْرِ مَشْرِيًّا بِدَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ ، حَتَّى لَوْ تَخَيَّلَ لَهُمْ أَنَّهُ هُوَ لَكَذَّبُوا أَنْفُسَهُمْ ، وَلِأَنَّ الْمُلْكَ مِمَّا يُبَدِّلُ الزِّيَّ وَيُلْبِسُ صَاحِبَهُ مِنَ التَّهَيُّبِ وَالِاسْتِعْظَامِ مَا يُنْكَرُ مِنْهُ الْمَعْرُوفُ ، وَقِيلَ : رَأَوْهُ عَلَى زِيِّ فِرْعَوْنَ عَلَيْهِ ثِيَابُ الْحَرِيرِ جَالِسًا عَلَى سَرِيرٍ فِي عُنُقِهِ طَوْقٌ مِنْ ذَهَبٍ ، وَعَلَى رَأْسِهِ تَاجٌ ، فَمَا خَطَرَ لَهُمْ أَنَّهُ هُوَ ، وَقِيلَ : مَا رَأَوْهُ إِلَّا مِنْ بَعِيدٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ مَسَافَةٌ وَحِجَابٌ ، وَمَا وَقَفُوا إِلَّا حَيْثُ يَقِفُ طُلَّابُ الْحَوَائِجِ .
وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجِهَازِهِمْ ، وَكَانَ الْجِهَازُ الَّذِي لَهُمْ هُوَ الطَّعَامُ الَّذِي امْتَارُوهُ ، وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ ، تَقْدِيرُهُ : وَقَدْ كَانَ اسْتَوْضَحَ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ لَهُمْ أَخٌ قَعَدَ عِنْدَ أَبِيهِمْ ، رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا عَرَفَهُمْ أَرَادَ أَنْ يُخْبِرُوهُ بِجَمِيعِ أَمْرِهِمْ ، فَبَاحَثَهُمْ بِأَنْ قَالَ لَهُمْ تُرْجُمَانُهِ : أَظُنُّكُمْ جَوَاسِيسَ ، فَاحْتَاجُوا إِلَى التَّعْرِيفِ بِأَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا : نَحْنُ أَبْنَاءُ رَجُلٍ صِدِّيقٍ ، وَكُنَّا اثَّنَيْ عَشَرَ ، ذَهَبَ مِنَّا وَاحِدٌ فِي الْبَرِيَّةِ ، وَبَقِيَ أَصْغَرُنَا عِنْدَ أَبِينَا ، وَجِئْنَا نَحْنُ لِلْمِيرَةِ ، وَسُقْنَا بِعِيرِ الْبَاقِي مِنَّا وَكَانُوا عَشَرَةً وَلَهُمْ أَحَدَ عَشَرَ بَعِيرًا ، فَقَالَ لَهُمْ
يُوسُفُ : وَلِمَ تَخَلَّفَ أَحَدُكُمْ ؟ قَالُوا : لِمَحَبَّةِ أَبَيْنَا فِيهِ ، قَالَ : فَأَتَوْنِي بِهَذَا الْأَخِ حَتَّى أَعْلَمَ حَقِيقَةَ قَوْلِكُمْ ، وَأَرَى لِمَ أَحَبَّهُ أَبُوكُمْ أَكْثَرَ مِنْكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ؟ وَأَوْرَدَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ هَذَا الْقَصَصَ بِأَلْفَاظٍ أُخَرَ تُقَارِبُ هَذِهِ فِي الْمَعْنَى ، وَفِي آخِرِهِ قَالَ : فَمَنْ يَشْهَدُ لَكُمْ إِنَّكُمْ لَسْتُمْ بِعُيُونٍ وَأَنَّ الَّذِي تَقُولُونَ حَقٌّ ؟ قَالُوا : إِنَّا بِبِلَادٍ لَا يَعْرِفُنَا فِيهَا أَحَدٌ يَشْهَدُ لَنَا ، قَالَ : فَدَعُوا بَعْضَكُمْ عِنْدِي رَهِينَةً وَائْتُونِي بِأَخِيكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ وَهُوَ حَمْلُ رِسَالَةٍ مِنْ أَبِيكُمْ حَتَّى أُصَدِّقَكُمْ ، فَاقْتَرَعُوا فَأَصَابَ الْقُرْعَةُ
شَمْعُونَ ، وَكَانَ أَحْسَنَهُمْ رَأْيًا فِي
يُوسُفَ ، فَخَلَّفُوهُ عِنْدَهُ ، وَكَانَ قَدْ أَحْسَنَ إِنْزَالَهُمْ وَضِيَافَتَهُمْ ، وَقِيلَ : لَمْ يَرْتَهِنْ أَحَدًا .
وَرُوِيَ غَيْرُ هَذَا فِي طَلَبِ الْأَخِ مِنْ أَبِيهِمْ ، قِيلَ : كَانَ
يُوسُفُ مُلَثَّمًا أَبَدًا سَتْرًا لِجَمَالِهِ ، وَكَانَ يَنْقُرُ فِي الصُّوَاعِ فَيُفْهَمُ مِنْ طَنِينِهِ صِدْقَ الْحَدِيثِ أَوْ كَذِبَهُ ، فَسُئِلُوا عَنْ أَخْبَارِهِمْ ، فَكُلَّمَا صَدَقُوا قَالَ لَهُمْ : صَدَقْتُمْ ، فَلَمَّا قَالُوا : وَكَانَ لَنَا أَخٌ أَكَلَهُ الذِّئْبُ أَطَنَّ
يُوسُفُ الصُّوَاعَ وَقَالَ : كَذَبْتُمْ ، ثُمَّ تَغَيَّرَ لَهُمْ وَقَالَ : أَرَاكُمْ جَوَاسِيسَ ، وَكَلَّفَهُمْ سَوْقَ الْأَخِ الْبَاقِي لِيَظْهَرَ صِدْقُهُمْ ، وَقُرِئَ : ( بِجِهَازِهِمْ ) بِكَسْرِ الْجِيمِ ، وَتَنَكَّرَ أَخٌ ، وَلَمْ يَقُلْ بِأَخِيكُمْ وَإِنْ كَانَ قَدْ عَرَّفَهُ ، وَ ( عَرَفَهُمْ ) مُبَالَغَةً فِي كَوْنِهِ لَا يُرِيدُ أَنْ يَتَعَرَّفَ لَهُمْ ، وَلَا أَنَّهُ يُدْرِي مَنْ هُوَ ، أَلَا تَرَى فَرْقًا بَيْنَ مَرَرْتُ بِغُلَامِكَ ، وَمَرَرْتُ بِغُلَامٍ لَكَ ؟ إِنَّكَ فِي التَّعْرِيفِ تَكُونُ عَارِفًا بِالْغُلَامِ ، وَفِي التَّنْكِيرِ أَنْتَ جَاهِلٌ بِهِ ، فَالتَّعْرِيفُ يُفِيدُ فَرْعَ عَهْدٍ فِي الْغُلَامِ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْمُخَاطَبِ ، وَالتَّنْكِيرُ لَا عَهْدَ فِيهِ الْبَتَّةَ ، وَجَائِزٌ أَنْ نُخْبِرَ عَمَّنْ تَعْرِفُهُ أَخْبَارُ النَّكِرَةِ فَتَقُولُ : قَالَ رَجُلٌ لَنَا وَأَنْتَ تَعْرِفُهُ لِصِدْقِ إِطْلَاقِ النَّكِرَةِ عَلَى الْمَعْرِفَةِ ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا يُحَرِّضُهُمْ بِهِ عَلَى الْإِتْيَانِ بِأَخِيهِمْ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=59أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ ) أَيِ : الْمُضِيفِينَ ؟ يَعْنِي فِي قُطْرِهِ وَفِي زَمَانِهِ يُؤْنِسُهُمْ بِذَلِكَ وَيَسْتَمِيلُهُمْ ، ثُمَّ تَوَعَّدَهُمْ إِنْ لَمْ يَأْتُوا بِهِ إِلَيْهِ بِحِرْمَانِهِمْ مِنَ الْمِيرَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، وَاحْتَمَلَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=60وَلَا تَقْرَبُونِ ) أَنْ يَكُونَ نَهْيًا ، وَأَنْ يَكُونَ نَفْيًا مُسْتَقِلًّا وَمَعْنَاهُ النَّهْيُ ، وَحُذِفَتِ النُّونُ وَهُوَ مَرْفُوعٌ ، كَمَا حُذِفَتْ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=54فَبِمَ تُبَشِّرُونَي ) أَنْ يَكُونَ نَفْيًا دَاخِلًا فِي الْجَزَاءِ مَعْطُوفًا عَلَى مَحَلٍّ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي ، فَيَكُونُ مَجْزُومًا ، وَالْمَعْنَى : أَنَّهُمْ لَا يَقْرُبُونَ لَهُ
[ ص: 322 ] بِكَذَا وَلَا طَاعَةٍ .
وَظَاهِرُ كُلِّ مَا فَعَلَهُ
يُوسُفُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَعَهُمْ أَنَّهُ بِوَحْيٍ ، وَإِلَّا فَإِنَّهُ كَانَ مُقْتَضَى الْبِرِّ أَنْ يُبَادِرَ إِلَى أَبِيهِ وَيَسْتَدْعِيَهُ ، لَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ تَكْمِيلَ أَجْرِ
يَعْقُوبَ وَمِحْنَتِهِ ، وَلِتَتَفَسَّرَ الرُّؤْيَا الْأُولَى .
قَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=61سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ ) أَيْ : سَنُخَادِعُهُ وَنَسْتَمِيلُهُ فِي رِفْقٍ إِلَى أَنْ يَتْرُكَهُ يَأْتِيَ مَعَنَا إِلَيْكَ ، ثُمَّ أَكَّدُوا ذَلِكَ الْوَعْدَ بِأَنَّهُمْ فَاعِلُو ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ ، لَا نُفَرِّطُ فِيهِ وَلَا نَتَوَانَى ، وَقَرَأَ الْأَخَوَانِ
وَحَفْصٌ : ( لِفِتْيَانِهِ ) ، وَبَاقِي السَّبْعَةِ : ( لِفِتْيَتِهِ ) فَالْكَثْرَةُ عَلَى مُرَاعَاةِ الْمَأْمُورِينَ ، وَالْقِلَّةُ عَلَى مُرَاعَاةِ الْمُتَأَوِّلِينَ ، فَهُمُ الْخَدَمَةُ الْكَائِلُونَ أَمَرَهُمْ بِجَعْلِ الْمَالِ الَّذِي اشْتَرَوْا بِهِ الطَّعَامَ فِي رِحَالِهِمْ مُبَالِغَةً فِي اسْتِمَالَتِهِمْ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=62لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا ) أَيْ : يَعْرِفُونَ حَقَّ رَدِّهَا ، وَحَقَّ التَّكَرُّمِ بِإِعْطَاءِ الْبَدَلَيْنِ فَيَرْغَبُونَ فِينَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ ، وَفَرَّغُوا ظُرُوفَهُمْ ، وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=62لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا ) تَعْلِيقٌ بِالْجَعْلِ ، وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=62لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) تَعْلِيقٌ بِتَرَجِّي مَعْرِفَةِ الْبِضَاعَةِ لِلرُّجُوعِ إِلَى
يُوسُفَ ، قِيلَ : وَكَانَتْ بِضَاعَتُهُمُ النِّعَالَ وَالْأُدُمَ ، وَقِيلَ : ( يَرْجِعُونَ ) مُتَعَدٍّ ، فَالْمَعْنَى لَعَلَّهُمْ يَرُدُّونَ الْبِضَاعَةَ ، وَقِيلَ : تَخَوَّفَ أَنْ لَا يَكُونَ عِنْدَ أَبِيهِ مِنَ الْمَتَاعِ مَا يَرْجِعُونَ بِهِ ، وَقِيلَ : عَلِمَ أَنَّ دِيَانَتَهُمْ تَحْمِلُهُمْ عَلَى رَدِّ الْبِضَاعَةِ ، لَا يَسْتَحِلُّونَ إِمْسَاكَهَا فَيَرْجِعُونَ لِأَجْلِهَا ، وَقِيلَ : جَعَلَهَا تَوْطِئَةً لَجَعْلِ السِّقَايَةِ فِي رَحْلِ أَخِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ ، لِيَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَسْرِقْ لِمَنْ يَتَأَمَّلُ الْقِصَّةَ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَيَظْهَرُ أَنَّ مَا فَعَلَهُ
يُوسُفُ مِنْ صِلَتِهِمْ وَجَبْرِهِمْ فِي تِلْكَ الشِّدَّةِ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ ، إِذْ هُوَ مَلِكٌ عَادِلٌ وَهُمْ أَهْلُ إِيمَانٍ وَنُبُوَّةٍ .