(
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=108nindex.php?page=treesubj&link=28983قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=109وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ولدار الآخرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=110حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين ) لما
[ ص: 353 ] تقدم من قول
يوسف - عليه السلام - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=101توفني مسلما ) وكان قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=103وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ) دالا على أنه حريص على إيمانهم ، مجتهد في ذلك ، داع إليه ، مثابر عليه . وذكر (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=104وما تسألهم عليه من أجر ) أشار إلى ما فيهم من ذلك وهو شريعة الإسلام ، والإيمان ، وتوحيد الله . فقال : قل يا
محمد ، هذه الطريقة والدعوة طريقي التي سلكتها وأنا عليها ، ثم فسر تلك السبيل فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=108أدعو إلى الله ) يعني : لا إلى غيره من ملك أو إنسان أو كوكب أو صنم ، إنما دعائي إلى الله وحده . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : ( سبيلي ) أي : دعوتي . وقال
عكرمة : صلاتي ، وقال
ابن زيد : سنتي ، وقال مقاتل والجمهور : ديني .
وقرأ
عبد الله : ( قل هذا سبيلي ) على التذكير . والسبيل يذكر ويؤنث ، ومفعول ( أدعو ) " هو " محذوف تقديره : أدعو الناس . والظاهر تعلق (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=108على بصيرة ) بـ ( أدعو ) ، و ( أنا ) توكيد للضمير المستكن في ( أدعو ) . ( ومن ) معطوف على ذلك الضمير ، والمعنى : أدعو أنا إليها من اتبعني . ويجوز أن يكون (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=108على بصيرة ) خبرا مقدما ، و ( أنا ) مبتدأ ، ( ومن ) معطوف عليه . ويجوز أن يكون (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=108على بصيرة ) حالا من ضمير ( أدعو ) فيتعلق بمحذوف ، ويكون " أنا " فاعلا بالجار والمجرور النائب عن ذلك المحذوف ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=108ومن اتبعني ) معطوف على " أنا " . وأجاز
أبو البقاء أن يكون : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=108ومن اتبعني ) مبتدأ خبره محذوف تقديره كذلك ؛ أي : داع إلى الله على بصيرة . ومعنى ( بصيرة ) حجة واضحة وبرهان متيقن من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=104قد جاءكم بصائر من ربكم ) .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=108وسبحان الله ) داخل تحت قوله : ( قل ) أي : قل ، وتبرئة الله من الشركاء أي : براءة الله من أن يكون له شريك ، ولما أمر بأن يخبر عن نفسه أنه يدعو هو ومن اتبعه إلى الله ، وأمر أن يخبر أنه ينزه الله عن الشركاء ، أمر أن يخبر أنه في خاصة نفسه منتف عن الشرك ، وأنه ليس ممن أشرك . وهو نفي عام في الأزمان لم يكن منهم ، ولا في وقت من الأوقات إلا رجالا ، حصر في الرسل دعاة إلى الله ، فلا يكون ملكا . وهذا رد على من قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=14لو شاء ربنا لأنزل ملائكة ) وكذلك ، قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=9ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا ) وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : يعني رجالا لا نساء ، فالرسول لا يكون امرأة ،
nindex.php?page=treesubj&link=31775وهل كان في النساء نبية ؟ فيه خلاف ، والنبي أعم من الرسول ؛ لأنه منطلق على من يأتيه الوحي ، سواء أرسل أو لم يرسل ، قال الشاعر في سجاح المتنبئة :
أمست نبيتنا أنثى نطيف بها ولم تزل أنبياء الله ذكرانا فلعنة الله والأقوام كلهم
على سجاح ومن بالإفك أغرانا
أعني
مسيلمة الكذاب لا سقيت أصداؤه ماء مزن أينما كانا وقرأ
أبو عبد الرحمن وطلحة وحفص : ( نوحي ) بالنون وكسر الحاء موافقا لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=109وما أرسلنا ) ، وقرأ الجمهور : بالياء وفتح الحاء مبنيا للمفعول . و ( القرى ) المدن . قال
ابن زيد : أهل القرى أعلم وأحلم من أهل البادية ، فإنهم قليل نبلهم ، ولم ينشئ الله قط منهم رسولا . وقال
الحسن : لم يبعث الله رسولا من أهل البادية ولا من النساء ولا من الجن . والتبدي مكروه إلا في الفتن ، ففي الحديث : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374577من بدا جفا " ثم استفهم استفهام توبيخ وتقريع . والضمير في ( يسيروا ) عائد على من أنكر إرسال الرسل من البشر ، ومن عاند الرسول وأنكر رسالته كفر ؛ أي : هلا يسيرون في الأرض فيعلمون بالتواتر أخبار الرسل السابقة ، ويرون مصارع الأمم المكذبة ، فيعتبرون بذلك ؟ (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=109ولدار الآخرة خير ) هذا حض على العمل لدار الآخرة والاستعداد لها ، واتقاء المهلكات ، ففي هذه الإضافة تخريجان : أحدهما : أنها من إضافة الموصوف إلى صفته ، وأصله : ولدار الآخرة . والثاني : أن يكون من حذف الموصوف وإقامة صفته مقامه ، وأصله : ولدار المدة الآخرة أو النشأة الآخرة . والأول : تخريج كوفي ، والثاني : تخريج بصري .
وقرأ الجمهور : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=68أفلا يعقلون ) بالياء رعيا لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=109أفلم يسيروا ) . وقرأ
الحسن وعلقمة nindex.php?page=showalam&ids=13723والأعرج وعاصم وابن عامر ونافع :
[ ص: 354 ] بالتاء على خطاب هذه الأمة ، تحذيرا لهم مما وقع فيه أولئك ، فيصيبهم ما أصابهم ، قال
الكرماني : أفلا يعقلون أنها خير فيتوسلوا إليها بالإيمان ، انتهى . والاستيئاس من النصر ، أو من إيمان قومهم قولان . و ( حتى ) غاية لما قبلها ، وليس في اللفظ ما يكون له غاية ، فاحتيج إلى تقدير فقدره
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا ، فتراخى نصرهم حتى إذا استيأسوا عن النصر . وقال
ابن عطية : ويتضمن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=109أفلم يسيروا ) إلى ما قبلهم ، أن الرسل الذين بعثهم الله من أهل القرى دعوهم فلم يؤمنوا بهم حتى نزلت بهم المثلات ، فصاروا في حيز من يعتبر بعاقبته ، فلهذا المضمن حسن أن يدخل حتى في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=110حتى إذا استيأس الرسل ) انتهى . ولم يتحصل لنا من كلامه شيء يكون ما بعد ( حتى ) غاية له ؛ لأنه علق الغاية بما ادعى أنه فهم ذلك من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=109أفلم يسيروا ) الآية . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11890أبو الفرج بن الجوزي : المعنى متعلق بالآية الأولى فتقديره : وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا يدعون قومهم فكذبوهم ، وصبروا وطال دعاؤهم وتكذيب قومهم حتى إذا استيأس الرسل . وقال
القرطبي في تفسيره : المعنى وما أرسلنا من قبلك يا
محمد إلا رجالا ، ثم لم نعاقب أممهم بالعقاب حتى إذا استيأس الرسل . وقرأ
أبي وعلي nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ومجاهد وطلحة nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش والكوفيون : ( كذبوا ) بتخفيف الذال ، وباقي السبعة
والحسن وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=14980ومحمد بن كعب وأبو رجاء وابن مليكة nindex.php?page=showalam&ids=13723والأعرج وعائشة بخلاف عنها بتشديدها ، وهما مبنيان للمفعول ، فالضمائر على قراءة التشديد عائدة كلها على الرسل ، والمعنى : أن الرسل أيقنوا أنهم كذبهم قومهم المشركون . قال
ابن عطية : ويحتمل أن كون الظن على بابه يعني من ترجيح أحد الجائزين قال : والضمير للرسل ، والمكذبون مؤمنون أرسل إليه أي : لما طالت المواعيد حسبت الرسل أن المؤمنين أولا قد كذبوهم وارتابوا بقولهم . وعلى قراءة التخفيف فالضمير في : " وظنوا " عائد على المرسل إليهم لتقدمهم في الذكر في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=109كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ) ولأن الرسل تستدعي مرسلا إليهم ، وفي ( أنهم ) ، وفي (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=110قد كذبوا ) عائد على الرسل ، والمعنى : وظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبهم من ادعوا أنه جاءهم بالوحي عن الله وبنصرهم ، إذ لم يؤمنوا به . ويجوز في هذه القراءة أن تكون الضمائر الثلاثة عائدة على المرسل إليهم أي : وظن المرسل أنهم قد كذبهم الرسل فيما ادعوه من النبوة ، وفيما يوعدون به من لم يؤمن بهم من العذاب . وهذا مشهور قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وتأويل
عبد الله nindex.php?page=showalam&ids=13033وابن جبير ومجاهد . ولا يجوز أن تكون الضمائر في هذه القراءة عائدة على ( الرسل ) لأنهم معصومون ، فلا يمكن أن يظن أحد منهم أنه قد كذبه من جاءه بالوحي عن الله . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في هذه القراءة : ( حتى إذا استيأسوا من النصر وظنوا أنهم قد كذبوا ) أي : كذبتهم أنفسهم حين حدثتهم أنهم ينصرون أو رجاهم كقوله : رجاء صادق ورجاء كاذب . والمعنى : أن مدة التكذيب والعداوة من الكفار ، وانتظار النصر من الله وتأميله قد تطاولت عليهم وتمادت ، حتى استشعروا القنوط ، وتوهموا أن لا نصر لهم في الدنيا ، فجاءهم نصرنا فجأة من غير احتساب ، انتهى . فجعل الضمائر كلها للرسل ، وجعل الفاعل الذي صرف من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=110قد كذبوا ) إما أنفسهم وإما رجاؤهم . وفي قوله إخراج الظن عن معنى الترجيح وعن معنى اليقين إلى معنى التوهم ، حتى يجري الضمائر كلها في القراءتين على سنن واحدة . وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=13033وابن جبير : أن الضمير في " وظنوا " وفي " قد كذبوا " عائد على الرسل والمعنى : كذبهم من أخبرهم عن الله ، والظن على بابه ، قالوا : والرسل بشر فضعفوا ( وساء ظنهم ) وردت
عائشة وجماعة من أهل العلم هذا التأويل ، وأعظموا أن يوصف الرسل بهذا .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : إن صح هذا عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس فقد أراد بالظن ما يخطر بالبال ، ويهجس في القلب من شبه الوسوسة
[ ص: 355 ] وحديث النفس على ما عليه البشرية ، وأما الظن الذي هو ترجيح أحد الجانبين على الآخر فغير جائز على رجل من المسلمين ، فما بال رسل الله الذين هم أعرف بربهم ، وأنه متعال عن خلف الميعاد ، منزه عن كل قبيح ، انتهى - وآخره مذهب الاعتزال - فقال
أبو علي : إن ذهب ذاهب إلى أن المعنى : ظن الرسل أن الذي وعد الله أممهم على لسانهم قد كذبوا فيه ، فقد أتى عظيما لا يجوز أن ينسب مثله إلى الأنبياء ، ولا إلى صالحي عباد الله قال : وكذلك من زعم أن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ذهب إلى أن الرسل قد ضعفوا وظنوا أنهم قد أخلفوا ؛ لأن الله لا يخلف الميعاد ، ولا مبدل لكلماته . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ومجاهد والضحاك : ( قد كذبوا ) بتخفيف الذال مبنيا للفاعل أي : وظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوهم فيما قالوا عن الله من العذاب والظن على بابه ، وجواب ( إذا ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=110جاءهم نصرنا ) .
والظاهر أن الضمير في ( جاءهم ) عائد على ( الرسل ) . وقيل : عائد عليهم وعلى من آمن بهم ، وقرأ
عاصم وابن عامر : ( فنجي ) بنون واحدة وشد الجيم وفتح الياء مبنيا للمفعول ، وقرأ
مجاهد والحسن والجحدري وطلحة بن هرمز كذلك ، إلا أنهم سكنوا الياء ، وخرج على أنه مضارع أدغمت فيه النون في الجيم ، وهذا ليس بشيء ؛ لأنه لا تدغم النون في الجيم ، وتخريجه على أنه ماض كالقراءة التي قبلها سكنت الياء فيه لغة من يستثقل الحركة صلة على الياء ، كقراءة من قرأ ( ما تطعمون أهاليكم ) بسكون الياء . ورويت هذه القراءة عن
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي ونافع ، وقرأهما في المشهور ، وباقي السبعة ( فننجي ) بنونين مضارع أنجى . وقرأت فرقة : كذلك إلا أنهم فتحوا الياء . قال
ابن عطية : رواها
هبيرة عن
حفص عن
عاصم ، وهي غلط من
هبيرة ، انتهى . وليست غلطا ، ولها وجه في العربية وهو أن الشرط والجزاء يجوز أن يأتي بعدهما المضارع منصوبا بإضمار ( أن ) بعد الفاء ، كقراءة من قرأ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=284وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر ) بنصب ( يغفر ) بإضمار " أن " بعد الفاء . ولا فرق في ذلك بين أن تكون أداة الشرط جازمة ، أو غير جازمة . وقرأ
نصر بن عاصم والحسن وأبو حيوة وابن السميقع ومجاهد وعيسى وابن محيصن : ( فنجى ) جعلوه فعلا ماضيا مخفف الجيم . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12111أبو عمرو الداني : وقرأت
لابن محيصن ( فنجى ) بشد الجيم فعلا ماضيا على معنى فنجى النصر . وذكر الداني أن المصاحف متفقة على كتبها بنون واحدة ، وفي التحبير أن
الحسن قرأ ( فننجي ) بنونين ، الثانية مفتوحة والجيم مشددة والياء ساكنة . وقرأ
أبو حيوة : ( من يشاء ) بالياء أي : فنجي من يشاء الله نجاته . و ( من يشاء ) هم المؤمنون لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=110ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين ) والبأس هنا الهلاك . وقرأ
الحسن : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=147بأسه ) بضمير الغائب ؛ أي : بأس الله . وهذه الجملة فيها وعيد وتهديد لمعاصري الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=108nindex.php?page=treesubj&link=28983قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=109وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=110حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ) لَمَّا
[ ص: 353 ] تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ
يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=101تَوَفَّنِي مُسْلِمًا ) وَكَانَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=103وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ) دَالًّا عَلَى أَنَّهُ حَرِيصٌ عَلَى إِيمَانِهِمْ ، مُجْتَهِدٌ فِي ذَلِكَ ، دَاعٍ إِلَيْهِ ، مُثَابِرٌ عَلَيْهِ . وَذَكَرَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=104وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ) أَشَارَ إِلَى مَا فِيهِمْ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ شَرِيعَةُ الْإِسْلَامِ ، وَالْإِيمَانُ ، وَتَوْحِيدُ اللَّهِ . فَقَالَ : قُلْ يَا
مُحَمَّدُ ، هَذِهِ الطَّرِيقَةُ وَالدَّعْوَةُ طَرِيقِي الَّتِي سَلَكْتُهَا وَأَنَا عَلَيْهَا ، ثُمَّ فَسَّرَ تِلْكَ السَّبِيلَ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=108أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ) يَعْنِي : لَا إِلَى غَيْرِهِ مِنْ مَلَكٍ أَوْ إِنْسَانٍ أَوْ كَوْكَبٍ أَوْ صَنَمٍ ، إِنَّمَا دُعَائِي إِلَى اللَّهِ وَحْدَهُ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : ( سَبِيلِي ) أَيْ : دَعْوَتِي . وَقَالَ
عِكْرِمَةُ : صَلَاتِي ، وَقَالَ
ابْنُ زَيْدٍ : سُنَّتِي ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ وَالْجُمْهُورُ : دِينِي .
وَقَرَأَ
عَبْدُ اللَّهِ : ( قُلْ هَذَا سَبِيلِي ) عَلَى التَّذْكِيرِ . وَالسَّبِيلُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ ، وَمَفْعُولُ ( أَدْعُو ) " هُوَ " مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ : أَدْعُو النَّاسَ . وَالظَّاهِرُ تَعَلُّقُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=108عَلَى بَصِيرَةٍ ) بِـ ( أَدْعُو ) ، وَ ( أَنَا ) تَوْكِيدٌ لِلضَّمِيرِ الْمَسْتَكِنِّ فِي ( أَدْعُو ) . ( وَمَنْ ) مَعْطُوفٌ عَلَى ذَلِكَ الضَّمِيرِ ، وَالْمَعْنَى : أَدْعُو أَنَا إِلَيْهَا مَنِ اتَّبَعَنِي . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=108عَلَى بَصِيرَةٍ ) خَبَرًا مُقَدَّمًا ، وَ ( أَنَا ) مُبْتَدَأٌ ، ( وَمَنْ ) مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=108عَلَى بَصِيرَةٍ ) حَالًا مِنْ ضَمِيرِ ( أَدْعُو ) فَيَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ ، وَيَكُونُ " أَنَا " فَاعِلًا بِالْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ النَّائِبِ عَنْ ذَلِكَ الْمَحْذُوفِ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=108وَمَنِ اتَّبَعَنِي ) مَعْطُوفٌ عَلَى " أَنَا " . وَأَجَازَ
أَبُو الْبَقَاءِ أَنْ يَكُونَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=108وَمَنِ اتَّبَعَنِي ) مُبْتَدَأً خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ كَذَلِكَ ؛ أَيْ : دَاعٍ إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ . وَمَعْنَى ( بَصِيرَةٍ ) حُجَّةٌ وَاضِحَةٌ وَبُرْهَانٌ مُتَيَقِّنٌ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=104قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ ) .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=108وَسُبْحَانَ اللَّهِ ) دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ : ( قُلْ ) أَيْ : قُلْ ، وَتَبْرِئَةُ اللَّهِ مِنَ الشُّرَكَاءِ أَيْ : بَرَاءَةُ اللَّهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ شَرِيكٌ ، وَلَمَّا أَمَرَ بِأَنْ يُخْبِرَ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ يَدْعُو هُوَ وَمَنِ اتَّبَعَهُ إِلَى اللَّهِ ، وَأَمَرَ أَنْ يُخْبِرَ أَنَّهُ يُنَزِّهُ اللَّهَ عَنِ الشُّرَكَاءِ ، أَمَرَ أَنْ يُخْبِرَ أَنَّهُ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ مُنْتَفٍ عَنِ الشِّرْكِ ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّنْ أَشْرَكَ . وَهُوَ نَفْيٌ عَامٌّ فِي الْأَزْمَانِ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ ، وَلَا فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ إِلَّا رِجَالًا ، حَصَرَ فِي الرُّسُلِ دُعَاةً إِلَى اللَّهِ ، فَلَا يَكُونُ مَلَكًا . وَهَذَا رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=14لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً ) وَكَذَلِكَ ، قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=9وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا ) وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : يَعْنِي رِجَالًا لَا نِسَاءً ، فَالرَّسُولُ لَا يَكُونُ امْرَأَةً ،
nindex.php?page=treesubj&link=31775وَهَلْ كَانَ فِي النِّسَاءِ نَبِيَّةٌ ؟ فِيهِ خِلَافٌ ، وَالنَّبِيُّ أَعَمُّ مِنَ الرَّسُولِ ؛ لِأَنَّهُ مُنْطَلِقٌ عَلَى مَنْ يَأْتِيهِ الْوَحْيُ ، سَوَاءٌ أُرْسِلَ أَوْ لَمْ يُرْسَلْ ، قَالَ الشَّاعِرُ فِي سَجَاحَ الْمُتَنَبِّئَةِ :
أَمْسَتْ نَبِيَّتُنَا أُنْثَى نَطِيفُ بِهَا وَلَمْ تَزَلْ أَنْبِيَاءُ اللَّهِ ذُكْرَانَا فَلَعْنَةُ اللَّهِ وَالْأَقْوَامِ كُلِّهِمُ
عَلَى سَجَاحَ وَمَنْ بِالْإِفْكِ أَغْرَانَا
أَعْنِي
مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ لَا سَقِيَتْ أَصْدَاؤُهُ مَاءَ مُزْنٍ أَيْنَمَا كَانَا وَقَرَأَ
أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَطَلْحَةُ وَحَفْصٌ : ( نُوحِي ) بِالنُّونِ وَكَسْرِ الْحَاءِ مُوَافِقًا لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=109وَمَا أَرْسَلْنَا ) ، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : بِالْيَاءِ وَفَتْحِ الْحَاءِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ . وَ ( الْقُرَى ) الْمُدُنُ . قَالَ
ابْنُ زَيْدٍ : أَهْلُ الْقُرَى أَعْلَمُ وَأَحْلَمُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ ، فَإِنَّهُمْ قَلِيلٌ نُبْلُهُمْ ، وَلَمْ يُنْشِئِ اللَّهُ قَطُّ مِنْهُمْ رَسُولًا . وَقَالَ
الْحَسَنُ : لَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ رَسُولًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ وَلَا مِنَ النِّسَاءِ وَلَا مِنَ الْجِنِّ . وَالتَّبَدِّي مَكْرُوهٌ إِلَّا فِي الْفِتَنِ ، فَفِي الْحَدِيثِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374577مَنْ بَدَا جَفَا " ثُمَّ اسْتَفْهَمَ اسْتِفْهَامَ تَوْبِيخٍ وَتَقْرِيعٍ . وَالضَّمِيرُ فِي ( يَسِيرُوا ) عَائِدٌ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ إِرْسَالَ الرُّسُلِ مِنَ الْبَشَرِ ، وَمَنْ عَانَدَ الرَّسُولَ وَأَنْكَرَ رِسَالَتَهُ كَفَرَ ؛ أَيْ : هَلَا يَسِيرُونَ فِي الْأَرْضِ فَيَعْلَمُونَ بِالتَّوَاتُرِ أَخْبَارَ الرُّسُلِ السَّابِقَةِ ، وَيَرَوْنَ مَصَارِعَ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ ، فَيَعْتَبِرُونَ بِذَلِكَ ؟ (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=109وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ ) هَذَا حَضٌّ عَلَى الْعَمَلِ لِدَارِ الْآخِرَةِ وَالِاسْتِعْدَادِ لَهَا ، وَاتِّقَاءِ الْمُهْلِكَاتِ ، فَفِي هَذِهِ الْإِضَافَةِ تَخْرِيجَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهَا مِنْ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى صِفَتِهِ ، وَأَصْلُهُ : وَلَدَارُ الْآخِرَةِ . وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ مِنْ حَذْفِ الْمَوْصُوفِ وَإِقَامَةِ صِفَتِهِ مَقَامَهُ ، وَأَصْلُهُ : وَلَدَارُ الْمُدَّةِ الْآخِرَةِ أَوِ النَّشْأَةِ الْآخِرَةِ . وَالْأَوَّلُ : تَخْرِيجٌ كُوفِيٌّ ، وَالثَّانِي : تَخْرِيجٌ بَصْرِيٌّ .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=68أَفَلَا يَعْقِلُونَ ) بِالْيَاءِ رَعْيًا لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=109أَفَلَمْ يَسِيرُوا ) . وَقَرَأَ
الْحَسَنُ وَعَلْقَمَةُ nindex.php?page=showalam&ids=13723وَالْأَعْرَجُ وَعَاصِمٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَنَافِعٌ :
[ ص: 354 ] بِالتَّاءِ عَلَى خِطَابِ هَذِهِ الْأُمَّةِ ، تَحْذِيرًا لَهُمْ مِمَّا وَقَعَ فِيهِ أُولَئِكَ ، فَيُصِيبُهُمْ مَا أَصَابَهُمْ ، قَالَ
الْكِرْمَانِيُّ : أَفَلَا يَعْقِلُونَ أَنَّهَا خَيْرٌ فَيَتَوَسَّلُوا إِلَيْهَا بِالْإِيمَانِ ، انْتَهَى . وَالِاسْتِيئَاسُ مِنَ النَّصْرِ ، أَوْ مِنْ إِيمَانِ قَوْمِهِمْ قَوْلَانِ . وَ ( حَتَّى ) غَايَةٌ لِمَا قَبْلَهَا ، وَلَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يَكُونُ لَهُ غَايَةٌ ، فَاحْتِيجَ إِلَى تَقْدِيرٍ فَقَدَّرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا ، فَتَرَاخَى نَصْرُهُمْ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسُوا عَنِ النَّصْرِ . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَيَتَضَمَّنُ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=109أَفَلَمْ يَسِيرُوا ) إِلَى مَا قَبْلَهُمْ ، أَنَّ الرُّسُلَ الَّذِينَ بَعَثَهُمُ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى دَعَوْهُمْ فَلَمْ يُؤْمِنُوا بِهِمْ حَتَّى نَزَلَتْ بِهِمُ الْمَثُلَاتُ ، فَصَارُوا فِي حَيِّزِ مَنْ يَعْتَبِرُ بِعَاقِبَتِهِ ، فَلِهَذَا الْمُضَمَّنِ حَسَنٌ أَنْ يَدْخُلَ حَتَّى فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=110حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ ) انْتَهَى . وَلَمْ يَتَحَصَّلْ لَنَا مِنْ كَلَامِهِ شَيْءٌ يَكُونُ مَا بَعْدَ ( حَتَّى ) غَايَةً لَهُ ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْغَايَةَ بِمَا ادَّعَى أَنَّهُ فَهِمَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=109أَفَلَمْ يَسِيرُوا ) الْآيَةَ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11890أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ : الْمَعْنَى مُتَعَلِّقٌ بِالْآيَةِ الْأُولَى فَتَقْدِيرُهُ : وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا يَدْعُونَ قَوْمَهُمْ فَكَذَّبُوهُمْ ، وَصَبَرُوا وَطَالَ دُعَاؤُهُمْ وَتَكْذِيبُ قَوْمِهِمْ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ . وَقَالَ
الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ : الْمَعْنَى وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ يَا
مُحَمَّدُ إِلَّا رِجَالًا ، ثُمَّ لَمْ نُعَاقِبْ أُمَمَهُمْ بِالْعِقَابِ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ . وَقَرَأَ
أُبَيٌّ وَعَلِيٌّ nindex.php?page=showalam&ids=10وَابْنُ مَسْعُودٍ nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَطَلْحَةُ nindex.php?page=showalam&ids=13726وَالْأَعْمَشُ وَالْكُوفِيُّونَ : ( كُذِبُوا ) بِتَخْفِيفِ الذَّالِ ، وَبَاقِي السَّبْعَةِ
وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ nindex.php?page=showalam&ids=14980وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ وَأَبُو رَجَاءٍ وَابْنُ مُلَيْكَةَ nindex.php?page=showalam&ids=13723وَالْأَعْرَجُ وَعَائِشَةُ بِخِلَافٍ عَنْهَا بِتَشْدِيدِهَا ، وَهُمَا مَبْنِيَّانِ لِلْمَفْعُولِ ، فَالضَّمَائِرُ عَلَى قِرَاءَةِ التَّشْدِيدِ عَائِدَةٌ كُلُّهَا عَلَى الرُّسُلِ ، وَالْمَعْنَى : أَنَّ الرُّسُلَ أَيْقَنُوا أَنَّهُمْ كَذَّبَهُمْ قَوْمُهُمُ الْمُشْرِكُونَ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَيُحْتَمَلُ أَنَّ كَوْنَ الظَّنِّ عَلَى بَابِهِ يَعْنِي مِنْ تَرْجِيحِ أَحَدِ الْجَائِزِينَ قَالَ : وَالضَّمِيرُ لِلرُّسُلِ ، وَالْمُكَذِّبُونَ مُؤْمِنُونَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ أَيْ : لَمَّا طَالَتِ الْمَوَاعِيدُ حَسِبَتِ الرُّسُلُ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ أَوَّلًا قَدْ كَذَّبُوهُمْ وَارْتَابُوا بِقَوْلِهِمْ . وَعَلَى قِرَاءَةِ التَّخْفِيفِ فَالضَّمِيرُ فِي : " وَظَنُّوا " عَائِدٌ عَلَى الْمُرْسَلِ إِلَيْهِمْ لِتَقَدُّمِهِمْ فِي الذِّكْرِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=109كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) وَلِأَنَّ الرُّسُلَ تَسْتَدْعِي مُرْسَلًا إِلَيْهِمْ ، وَفِي ( أَنَّهُمْ ) ، وَفِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=110قَدْ كُذِبُوا ) عَائِدٌ عَلَى الرُّسُلِ ، وَالْمَعْنَى : وَظَنَّ الْمُرْسَلُ إِلَيْهِمْ أَنَّ الرُّسُلَ قَدْ كَذَّبَهُمْ مَنِ ادَّعَوْا أَنَّهُ جَاءَهُمْ بِالْوَحْيِ عَنِ اللَّهِ وَبِنَصْرِهِمْ ، إِذْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ . وَيَجُوزُ فِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ أَنْ تَكُونَ الضَّمَائِرُ الثَّلَاثَةُ عَائِدَةً عَلَى الْمُرْسَلِ إِلَيْهِمْ أَيْ : وَظَنَّ الْمُرْسَلُ أَنَّهُمْ قَدْ كَذَّبَهُمُ الرُّسُلُ فِيمَا ادَّعَوْهُ مِنَ النُّبُوَّةِ ، وَفِيمَا يُوعِدُونَ بِهِ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ . وَهَذَا مَشْهُورُ قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَتَأْوِيلُ
عَبْدِ اللَّهِ nindex.php?page=showalam&ids=13033وَابْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ . وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الضَّمَائِرُ فِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ عَائِدَةً عَلَى ( الرُّسُلِ ) لِأَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَظُنَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنَّهُ قَدْ كَذَّبَهُ مَنْ جَاءَهُ بِالْوَحْيِ عَنِ اللَّهِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ فِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ : ( حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسُوا مِنَ النَّصْرِ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا ) أَيْ : كَذَّبَتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ حِينَ حَدَّثَتْهُمْ أَنَّهُمْ يُنْصُرُونَ أَوْ رَجَاهُمْ كَقَوْلِهِ : رَجَاءٌ صَادِقٌ وَرَجَاءٌ كَاذِبٌ . وَالْمَعْنَى : أَنَّ مُدَّةَ التَّكْذِيبِ وَالْعَدَاوَةِ مِنَ الْكُفَّارِ ، وَانْتِظَارُ النَّصْرِ مِنَ اللَّهِ وَتَأْمِيلُهُ قَدْ تَطَاوَلَتْ عَلَيْهِمْ وَتَمَادَتْ ، حَتَّى اسْتَشْعَرُوا الْقُنُوطَ ، وَتَوَهَّمُوا أَنْ لَا نَصْرَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا ، فَجَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَجْأَةً مِنْ غَيْرِ احْتِسَابٍ ، انْتَهَى . فَجَعَلَ الضَّمَائِرَ كُلَّهَا لِلرُّسُلِ ، وَجَعَلَ الْفَاعِلَ الَّذِي صُرِفَ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=110قَدْ كُذِبُوا ) إِمَّا أَنْفُسُهُمْ وَإِمَّا رَجَاؤُهُمْ . وَفِي قَوْلِهِ إِخْرَاجُ الظَّنِّ عَنْ مَعْنَى التَّرْجِيحِ وَعَنْ مَعْنَى الْيَقِينِ إِلَى مَعْنَى التَّوَهُّمِ ، حَتَّى يُجْرِيَ الضَّمَائِرَ كُلَّهَا فِي الْقِرَاءَتَيْنِ عَلَى سُنَنٍ وَاحِدَةٍ . وَرُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنِ عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=13033وَابْنِ جُبَيْرٍ : أَنَّ الضَّمِيرَ فِي " وَظَنُّوا " وَفِي " قَدْ كُذِبُوا " عَائِدٌ عَلَى الرُّسُلِ وَالْمَعْنَى : كَذَّبَهُمْ مَنْ أَخْبَرَهُمْ عَنِ اللَّهِ ، وَالظَّنُّ عَلَى بَابِهِ ، قَالُوا : وَالرُّسُلُ بَشَرٌ فَضَعُفُوا ( وَسَاءَ ظَنُّهُمْ ) وَرَدَّتْ
عَائِشَةُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ هَذَا التَّأْوِيلَ ، وَأَعْظَمُوا أَنْ يُوصَفَ الرُّسُلُ بِهَذَا .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : إِنْ صَحَّ هَذَا عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَدْ أَرَادَ بِالظَّنِّ مَا يَخْطُرُ بِالْبَالِ ، وَيَهْجِسُ فِي الْقَلْبِ مِنْ شُبَهِ الْوَسْوَسَةِ
[ ص: 355 ] وَحَدِيثِ النَّفْسِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْبَشَرِيَّةُ ، وَأَمَّا الظَّنُّ الَّذِي هُوَ تَرْجِيحُ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ عَلَى الْآخَرِ فَغَيْرُ جَائِزٍ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، فَمَا بَالُ رُسُلِ اللَّهِ الَّذِينَ هُمْ أَعْرَفُ بِرَبِّهِمْ ، وَأَنَّهُ مُتَعَالٍ عَنْ خَلْفِ الْمِيعَادِ ، مُنَزَّهٌ عَنْ كُلِّ قَبِيحٍ ، انْتَهَى - وَآخِرُهُ مَذْهَبُ الِاعْتِزَالِ - فَقَالَ
أَبُو عَلِيٍّ : إِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إِلَى أَنَّ الْمَعْنَى : ظَنَّ الرُّسُلُ أَنَّ الَّذِي وَعَدَ اللَّهُ أُمَمَهُمْ عَلَى لِسَانِهِمْ قَدْ كُذِبُوا فِيهِ ، فَقَدْ أَتَى عَظِيمًا لَا يَجُوزُ أَنْ يُنْسَبَ مِثْلُهُ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ ، وَلَا إِلَى صَالِحِي عِبَادِ اللَّهِ قَالَ : وَكَذَلِكَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنَ عَبَّاسٍ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الرُّسُلَ قَدْ ضَعُفُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ أُخْلِفُوا ؛ لِأَنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ، وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ : ( قَدْ كَذَبُوا ) بِتَخْفِيفِ الذَّالِ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ أَيْ : وَظَنَّ الْمُرْسَلَ إِلَيْهِمْ أَنَّ الرُّسُلَ قَدْ كَذَبُوهُمْ فِيمَا قَالُوا عَنِ اللَّهِ مِنَ الْعَذَابِ وَالظَّنِّ عَلَى بَابِهِ ، وَجَوَابُ ( إِذَا ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=110جَاءَهُمْ نَصْرُنَا ) .
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي ( جَاءَهُمْ ) عَائِدٌ عَلَى ( الرُّسُلِ ) . وَقِيلَ : عَائِدٌ عَلَيْهِمْ وَعَلَى مَنْ آمَنَ بِهِمْ ، وَقَرَأَ
عَاصِمٌ وَابْنُ عَامِرٍ : ( فَنُجِّيَ ) بِنُونٍ وَاحِدَةٍ وَشَدِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الْيَاءِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ ، وَقَرَأَ
مُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ وَالْجَحْدَرِيُّ وَطَلْحَةُ بْنُ هُرْمُزَ كَذَلِكَ ، إِلَّا أَنَّهُمْ سَكَّنُوا الْيَاءَ ، وَخَرَجَ عَلَى أَنَّهُ مُضَارِعٌ أُدْغِمَتْ فِيهِ النُّونُ فِي الْجِيمِ ، وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا تُدْغَمُ النُّونُ فِي الْجِيمِ ، وَتَخْرِيجُهُ عَلَى أَنَّهُ مَاضٍ كَالْقِرَاءَةِ الَّتِي قَبْلَهَا سُكِّنَتِ الْيَاءُ فِيهِ لُغَةَ مَنْ يَسْتَثْقِلُ الْحَرَكَةَ صِلَةً عَلَى الْيَاءِ ، كَقِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ ( مَا تُطْعِمُونَ أَهَالِيكُمْ ) بِسُكُونِ الْيَاءِ . وَرُوِيَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=15080الْكِسَائِيِّ وَنَافِعٍ ، وَقَرَأَهُمَا فِي الْمَشْهُورِ ، وَبَاقِي السَّبْعَةِ ( فَنُنْجِي ) بِنُونَيْنِ مُضَارِعُ أَنْجَى . وَقَرَأَتْ فِرْقَةٌ : كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُمْ فَتَحُوا الْيَاءَ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : رَوَاهَا
هُبَيْرَةُ عَنْ
حَفْصٍ عَنْ
عَاصِمٍ ، وَهِيَ غَلَطٌ مِنْ
هُبَيْرَةَ ، انْتَهَى . وَلَيْسَتْ غَلَطًا ، وَلَهَا وَجْهٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَهُوَ أَنَّ الشَّرْطَ وَالْجَزَاءَ يَجُوزُ أَنْ يَأْتِيَ بَعْدَهُمَا الْمُضَارِعُ مَنْصُوبًا بِإِضْمَارِ ( أَنْ ) بَعْدَ الْفَاءِ ، كَقِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=284وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ ) بِنَصْبِ ( يَغْفِرَ ) بِإِضْمَارِ " أَنْ " بَعْدَ الْفَاءِ . وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ أَدَاةُ الشَّرْطِ جَازِمَةً ، أَوْ غَيْرَ جَازِمَةٍ . وَقَرَأَ
نَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ وَالْحَسَنُ وَأَبُو حَيْوَةَ وَابْنُ السَّمَيْقَعِ وَمُجَاهِدٌ وَعِيسَى وَابْنُ مُحَيْصِنٍ : ( فَنَجَى ) جَعَلُوهُ فِعْلًا مَاضِيًا مُخَفَّفَ الْجِيمِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12111أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ : وَقَرَأْتُ
لِابْنِ مُحَيْصِنٍ ( فَنَجَّى ) بِشَدِّ الْجِيمِ فِعْلًا مَاضِيًا عَلَى مَعْنَى فَنَجَّى النَّصْرَ . وَذَكَرَ الدَّانِيُّ أَنَّ الْمَصَاحِفَ مُتَّفِقَةٌ عَلَى كَتْبِهَا بِنُونٍ وَاحِدَةٍ ، وَفِي التَّحْبِيرِ أَنَّ
الْحَسَنَ قَرَأَ ( فَنُنَجِّي ) بِنُونَيْنِ ، الثَّانِيَةُ مَفْتُوحَةٌ وَالْجِيمُ مُشَدَّدَةٌ وَالْيَاءُ سَاكِنَةٌ . وَقَرَأَ
أَبُو حَيْوَةَ : ( مَنْ يَشَاءُ ) بِالْيَاءِ أَيْ : فَنُجِّيَ مَنْ يَشَاءُ اللَّهُ نَجَاتَهُ . وَ ( مَنْ يَشَاءُ ) هُمُ الْمُؤْمِنُونَ لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=110وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ) وَالْبَأْسُ هُنَا الْهَلَاكُ . وَقَرَأَ
الْحَسَنُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=147بَأْسُهُ ) بِضَمِيرِ الْغَائِبِ ؛ أَيْ : بَأْسُ اللَّهِ . وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ فِيهَا وَعِيدٌ وَتَهْدِيدٌ لِمُعَاصِرِي الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .