( سورة إبراهيم - عليه السلام - )
( بسم الله الرحمن الرحيم )
(
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=28985الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=2الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وويل للكافرين من عذاب شديد nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=3الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا أولئك في ضلال بعيد )
[ ص: 403 ] هذه السورة مكية كلها في قول الجمهور ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وقتادة : هي مكية إلا من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=28ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا ) إلى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=30إلى النار ) وارتباط أول هذه السورة بالسورة قبلها واضح جدا ، لأنه ذكر فيها (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=31ولو أن قرآنا ) ، ثم (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=37وكذلك أنزلناه حكما عربيا ) ، ثم (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=43ومن عنده علم الكتاب ) فناسب هذا قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=1الر كتاب أنزلناه إليك ) . وأيضا فإنهم لما قالوا على سبيل الاقتراح (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=27لولا أنزل عليه آية من ربه ) وقيل له : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=27قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب ) أنزل (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=1الر كتاب أنزلناه إليك ) كأنه قيل : أولم يكفهم من الآيات كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات - هي الضلال - إلى النور - وهو الهدى - .
وجوزوا في إعراب " الر " أن يكون في موضع رفع بالابتداء ، و ( كتاب ) : الخبر ، أو في موضع رفع على خبر مبتدأ محذوف تقديره : هذه الر ، وفي موضع نصب على تقدير : الزم أو اقرأ (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=1الر ) . و (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=1كتاب أنزلناه إليك ) جملة مفسرة في هذين الإعرابين ، و ( كتاب ) مبتدأ . وسوغ الابتداء به كونه موصوفا في التقدير ؛ أي : كتاب عظيم أنزلناه إليك . وجوزوا أن يكون ( كتاب ) خبر مبتدأ محذوف تقديره : هذا كتاب ، و ( أنزلناه ) جملة في موضع الصفة . وفي قوله : ( أنزلناه ) وإسناد الإنزال إلى نون العظمة ومخاطبته تعالى بقوله : ( إليك ) ، وإسناد الإخراج إليه عليه الصلاة والسلام تنويه عظيم وتشريف له من حيث المشاركة في تحصيل الهداية بإنزاله تعالى ، وبإخراجه عليه الصلاة والسلام ؛ إذ هو الداعي والمنذر ، وإن كان في الحقيقة مخترع الهداية هو الله تعالى . و ( الناس ) عام ؛ إذ هو مبعوث إلى الخلق كلهم ، والظلمات والنور : مستعاران للكفر والإيمان . ولما ذكر علة إنزال الكتاب وهي قوله : ( لتخرج ) قال : بإذن ربهم ؛ أي : ذلك الإخراج بتسهيل مالكهم الناظر في مصالحهم ؛ إذ هم عبيده ، فناسب ذكر الرب هنا تنبيها على منة المالك ، وكونه ناظرا في حال عبيده ، و ( بإذن ) : ظاهره التعلق بقوله : ( لتخرج ) . وجوز
أبو البقاء أن يكون ( بإذن ربهم ) في موضع الحال ، قال : أي مأذونا لك . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : ( بإذن ربهم ) بتسهيله وتيسيره ، مستعار من الإذن الذي هو تسهيل الحجاب ، وذلك ما يمنحهم من اللطف والتوفيق ، انتهى . وفيه دسيسة الاعتزال .
والظاهر أن قوله : ( إلى صراط ) بدل من قوله : ( إلى النور ) ، ولا يضر هذا الفصل بين المبدل منه والبدل ؛ لأن ( بإذن ) معمول للعامل في المبدل منه وهو ( لتخرج ) . وأجاز
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري أن يكون " إلى صراط " على وجه الاستئناف ، كأنه قيل : إلى أي نور ؟ فقيل : إلى صراط العزيز الحميد . وقرئ : ( ليخرج ) مضارع خرج بالياء بنقطتين من تحتها ، و ( الناس ) رفع به . ولما كان قوله : ( إلى النور ) فيه إبهام ما أوضحه بقوله : ( إلى صراط ) . ولما تقدم شيئان ؛ أحدهما : إسناد إنزال هذا الكتاب إليه . والثاني : إخراج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم ، ناسب ذكر هاتين الصفتين صفة العزة المتضمنة للقدرة والغلبة ، وذلك من حيث إنزال الكتاب ، وصفة الحمد المتضمنة استحقاقه الحمد من حيث الإخراج من الظلمات إلى النور ، إذ الهداية إلى الإيمان هي النعمة التي يجب على العبد الحمد عليها والشكر . وتقدمت صفة ( العزيز ) لتقدم ما دل عليها ، وتليها صفة ( الحميد ) لتلو ما دل عليها . وقرأ
نافع [ ص: 404 ] وابن عامر " الله " بالرفع فقيل : مبتدأ محذوف ؛ أي : هو الله . وهذا الإعراب أمكن لظهور تعلقه بما قبله ، وتفلته على التقدير الأول . وقرأ باقي السبعة ،
nindex.php?page=showalam&ids=13721والأصمعي عن
نافع : " الله " بالجر على البدل في قول
ابن عطية والحوفي وأبي البقاء ، وعلى عطف البيان في قول
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري قال : لأنه جرى مجرى الأسماء الأعلام لغلبته واختصاصه بالمعبود الذي يحق له العبادة ، كما غلب النجم على الثريا ، انتهى . وهذا التعليل لا يتم إلا على تقدير : أن يكون أصله الإله ، ثم نقلت الحركة إلى لام التعريف وحذفت الهمزة ، والتزم فيه النقل والحذف ، ومادته إذ ذاك الهمزة واللام والهاء ، وقد تقدمت الأقوال في هذا اللفظ في البسملة أول الحمد . وقال الأستاذ
أبو الحسن بن عصفور : لا تقدم صفة على موصوف إلا حيث سمع وذلك قليل ، وللعرب فيما وجد من ذلك وجهان ؛ أحدهما : أن تقدم الصفة وتبقيتها على ما كانت عليه ، وفي إعراب مثل هذا وجهان ؛ أحدهما : إعرابه نعتا مقدما ، والثاني : أن يجعل ما بعد الصفة بدلا . والوجه الثاني : أن تضيف الصفة إلى الموصوف إذا قدمتها ، انتهى . فعلى هذا الذي ذكره
ابن عصفور يجوز أن يكون ( العزيز الحميد ) يعربان صفتين متقدمتين ، ويعرب لفظ ( الله ) موصوفا متأخرا . ومما جاء فيه تقديم ما لو تأخر لكان صفة ، وتأخير ما لو تقدم لكان موصوفا قول الشاعر :
والمؤمن العائذات الطير يمسحها ركبان مكة بين الغيل والسعد
فلو جاء على الكثير لكان التركيب : والمؤمن الطير العائذات .
وارتفع ( ويل ) على الابتداء ، وللكافرين خبره . لما تقدم ذكره ( الظلمات ) دعا بالهلكة على من لم يخرج منها ، و ( من عذاب شديد ) في موضع الصفة لـ ( ويل ) . ولا يضر الفصل والخبر بين الصفة والموصوف ، ولا يجوز أن يكون متعلقا بـ ( ويل ) لأنه مصدر ولا يجوز الفصل بين المصدر وما يتعلق به بالخبر . ويظهر من كلام
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري أنه ليس في موضع الصفة . قال : ( فإن قلت ) ما وجه اتصال قوله : ( من عذاب شديد ) بالويل ؟ ( قلت ) لأن المعنى أنهم يولون من عذاب شديد ويضجون منه ، ويقولون يا ويلاه كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=13دعوا هنالك ثبورا ) انتهى . وظاهره يدل على تقدير عامل يتعلق به (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=2من عذاب شديد ) ويحتمل هذا العذاب أن يكون واقعا بهم في الدنيا ، أو واقعا بهم في الآخرة . والاستحباب الإيثار والاختيار ، وهو استفعال من المحبة ؛ لأن المؤثر للشيء على غيره كأنه يطلب من نفسه يكون أحب إليها وأفضل عندها من الآخر . ويجوز أن يكون استفعل بمعنى أفعل كاستجاب وأجاب ، ولما ضمن معنى الإيثار عدي بـ ( على ) . وجوزوا في إعراب ( الذين ) أن يكون مبتدأ خبره (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=3أولئك في ضلال بعيد ) وأن يكون معطوفا على الذم ، إما خبر مبتدأ محذوف ؛ أي : هم الذين ، وإما منصوبا بإضمار فعل تقديره أذم ، وأن يكون بدلا ، وأن يكون صفة للكافرين . ونص على هذا الوجه الأخير
الحوفي nindex.php?page=showalam&ids=14423والزمخشري وأبو البقاء ، وهو لا يجوز ؛ لأن فيه الفصل بين الصفة والموصوف بأجنبي منهما وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=2من عذاب شديد ) سواء كان (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=2من عذاب شديد ) في موضع الصفة لـ ( ويل ) ، أم متعلقا بفعل محذوف أي : يضجون ويولولون من عذاب شديد . ونظيره إذا كان صفة أن تقول : الدار لزيد الحسنة القرشي ، فهذا التركيب لا يجوز ، لأنك فصلت بين زيد وصفته بأجنبي منهما وهو صفة الدار ، والتركيب الفصيح أن تقول : الدار الحسنة لزيد القرشي ، أو الدار لزيد القرشي الحسنة ، وقرأ
الحسن : ( ويصدون ) مضارع أصد الداخل عليه همزة النقل من صد - اللازم - صدودا . وتقدم الكلام على قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=3ويبغونها عوجا ) في آل عمران ، وعلى وصف الضلال بالبعد .
( سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - )
( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ )
(
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=28985الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=2اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=3الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ )
[ ص: 403 ] هَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ ، وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ : هِيَ مَكِّيَّةٌ إِلَّا مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=28أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا ) إِلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=30إِلَى النَّارِ ) وَارْتِبَاطُ أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ بِالسُّورَةِ قَبْلَهَا وَاضِحٌ جِدًّا ، لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِيهَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=31وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا ) ، ثُمَّ (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=37وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا ) ، ثُمَّ (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=43وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) فَنَاسَبَ هَذَا قَوْلَهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=1الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ ) . وَأَيْضًا فَإِنَّهُمْ لَمَّا قَالُوا عَلَى سَبِيلِ الِاقْتِرَاحِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=27لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ ) وَقِيلَ لَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=27قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ ) أَنْزَلَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=1الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ ) كَأَنَّهُ قِيلَ : أَوْلَمَ يَكْفِهِمْ مِنَ الْآيَاتِ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ - هِيَ الضَّلَالُ - إِلَى النُّورِ - وَهُوَ الْهُدَى - .
وَجَوَّزُوا فِي إِعْرَابِ " الر " أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ ، وَ ( كِتَابٌ ) : الْخَبَرُ ، أَوْ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى خَبَرِ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ : هَذِهِ الر ، وَفِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى تَقْدِيرِ : الْزَمْ أَوِ اقْرَأْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=1الر ) . وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=1كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ ) جُمْلَةٌ مُفَسِّرَةٌ فِي هَذَيْنِ الْإِعْرَابَيْنِ ، وَ ( كِتَابٌ ) مُبْتَدَأٌ . وَسَوَّغَ الِابْتِدَاءَ بِهِ كَوْنُهُ مَوْصُوفًا فِي التَّقْدِيرِ ؛ أَيْ : كِتَابٌ عَظِيمٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ . وَجَوَّزُوا أَنْ يَكُونَ ( كِتَابٌ ) خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ : هَذَا كِتَابٌ ، وَ ( أَنْزَلْنَاهُ ) جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ . وَفِي قَوْلِهِ : ( أَنْزَلْنَاهُ ) وَإِسْنَادِ الْإِنْزَالِ إِلَى نُونِ الْعَظَمَةِ وَمُخَاطَبَتِهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ : ( إِلَيْكَ ) ، وَإِسْنَادِ الْإِخْرَاجِ إِلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ تَنْوِيهٌ عَظِيمٌ وَتَشْرِيفٌ لَهُ مِنْ حَيْثُ الْمُشَارَكَةُ فِي تَحْصِيلِ الْهِدَايَةِ بِإِنْزَالِهِ تَعَالَى ، وَبِإِخْرَاجِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ؛ إِذْ هُوَ الدَّاعِي وَالْمُنْذِرُ ، وَإِنْ كَانَ فِي الْحَقِيقَةِ مُخْتَرِعُ الْهِدَايَةِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى . وَ ( النَّاسَ ) عَامٌّ ؛ إِذْ هُوَ مَبْعُوثٌ إِلَى الْخَلْقِ كُلِّهِمْ ، وَالظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ : مُسْتَعَارَانِ لِلْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ . وَلَمَّا ذَكَرَ عِلَّةَ إِنْزَالِ الْكِتَابِ وَهِيَ قَوْلُهُ : ( لِتُخْرِجَ ) قَالَ : بِإِذْنِ رَبِّهِمْ ؛ أَيْ : ذَلِكَ الْإِخْرَاجُ بِتَسْهِيلِ مَالِكِهِمُ النَّاظِرِ فِي مَصَالِحِهِمْ ؛ إِذْ هُمْ عَبِيدُهُ ، فَنَاسَبَ ذِكْرَ الرَّبِّ هُنَا تَنْبِيهًا عَلَى مِنَّةِ الْمَالِكِ ، وَكَوْنُهُ نَاظِرًا فِي حَالِ عَبِيدِهِ ، وَ ( بِإِذْنِ ) : ظَاهِرُهُ التَّعَلُّقُ بِقَوْلِهِ : ( لِتُخْرِجَ ) . وَجَوَّزَ
أَبُو الْبَقَاءِ أَنْ يَكُونَ ( بِإِذْنِ رَبِّهِمْ ) فِي مَوْضِعِ الْحَالِ ، قَالَ : أَيْ مَأْذُونًا لَكَ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : ( بِإِذْنِ رَبِّهِمْ ) بِتَسْهِيلِهِ وَتَيْسِيرِهِ ، مُسْتَعَارٌ مِنَ الْإِذْنِ الَّذِي هُوَ تَسْهِيلُ الْحِجَابِ ، وَذَلِكَ مَا يَمْنَحُهُمْ مِنَ اللُّطْفِ وَالتَّوْفِيقِ ، انْتَهَى . وَفِيهِ دَسِيسَةُ الِاعْتِزَالِ .
وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ : ( إِلَى صِرَاطِ ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ : ( إِلَى النُّورِ ) ، وَلَا يَضُرُّ هَذَا الْفَصْلُ بَيْنَ الْمُبَدَلِ مِنْهُ وَالْبَدَلِ ؛ لِأَنَّ ( بِإِذْنِ ) مَعْمُولٌ لِلْعَامِلِ فِي الْمُبْدَلِ مِنْهُ وَهُوَ ( لِتُخْرِجَ ) . وَأَجَازَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ أَنْ يَكُونَ " إِلَى صِرَاطِ " عَلَى وَجْهِ الِاسْتِئْنَافِ ، كَأَنَّهُ قِيلَ : إِلَى أَيِّ نُورٍ ؟ فَقِيلَ : إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ . وَقُرِئَ : ( لِيَخْرُجَ ) مُضَارِعُ خَرَجَ بِالْيَاءِ بِنُقْطَتَيْنِ مِنْ تَحْتِهَا ، وَ ( النَّاسُ ) رُفِعَ بِهِ . وَلَمَّا كَانَ قَوْلُهُ : ( إِلَى النُّورِ ) فِيهِ إِبْهَامٌ مَا أَوْضَحَهُ بِقَوْلِهِ : ( إِلَى صِرَاطِ ) . وَلَمَّا تَقَدَّمَ شَيْئَانِ ؛ أَحَدُهُمَا : إِسْنَادُ إِنْزَالِ هَذَا الْكِتَابِ إِلَيْهِ . وَالثَّانِي : إِخْرَاجُ النَّاسِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ ، نَاسَبَ ذِكْرُ هَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ صِفَةَ الْعِزَّةِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلْقُدْرَةِ وَالْغَلَبَةِ ، وَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ إِنْزَالُ الْكِتَابِ ، وَصِفَةُ الْحَمْدِ الْمُتَضَمِّنَةُ اسْتِحْقَاقِهِ الْحَمْدَ مِنْ حَيْثُ الْإِخْرَاجِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ، إِذِ الْهِدَايَةُ إِلَى الْإِيمَانِ هِيَ النِّعْمَةُ الَّتِي يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ الْحَمْدُ عَلَيْهَا وَالشُّكْرُ . وَتَقَدَّمَتْ صِفَةُ ( الْعَزِيزِ ) لِتَقَدُّمِ مَا دَلَّ عَلَيْهَا ، وَتَلِيهَا صِفَةُ ( الْحَمِيدِ ) لِتُلُوِّ مَا دَلَّ عَلَيْهَا . وَقَرَأَ
نَافِعٌ [ ص: 404 ] وَابْنُ عَامِرٍ " اللَّهُ " بِالرَّفْعِ فَقِيلَ : مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفٌ ؛ أَيْ : هُوَ اللَّهُ . وَهَذَا الْإِعْرَابُ أَمْكَنَ لِظُهُورِ تَعَلُّقِهِ بِمَا قَبْلَهُ ، وَتَفَلُّتِهِ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ . وَقَرَأَ بَاقِي السَّبْعَةِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13721وَالْأَصْمَعِيُّ عَنْ
نَافِعٍ : " اللَّهِ " بِالْجَرِّ عَلَى الْبَدَلِ فِي قَوْلِ
ابْنِ عَطِيَّةَ وَالْحَوْفِيِّ وَأَبِي الْبَقَاءِ ، وَعَلَى عَطْفِ الْبَيَانِ فِي قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيِّ قَالَ : لِأَنَّهُ جَرَى مَجْرَى الْأَسْمَاءِ الْأَعْلَامِ لِغَلَبَتِهِ وَاخْتِصَاصِهِ بِالْمَعْبُودِ الَّذِي يَحِقُّ لَهُ الْعِبَادَةُ ، كَمَا غَلَبَ النَّجْمُ عَلَى الثُّرَيَّا ، انْتَهَى . وَهَذَا التَّعْلِيلُ لَا يَتِمُّ إِلَّا عَلَى تَقْدِيرِ : أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُ الْإِلَهَ ، ثُمَّ نُقِلَتِ الْحَرَكَةُ إِلَى لَامِ التَّعْرِيفِ وَحُذِفَتِ الْهَمْزَةُ ، وَالْتَزَمَ فِيهِ النَّقْلَ وَالْحَذْفَ ، وَمَادَّتُهُ إِذْ ذَاكَ الْهُمَزَةُ وَاللَّامُ وَالْهَاءُ ، وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْأَقْوَالُ فِي هَذَا اللَّفْظِ فِي الْبَسْمَلَةِ أَوَّلَ الْحَمْدِ . وَقَالَ الْأُسْتَاذُ
أَبُو الْحَسَنِ بْنُ عُصْفُورٍ : لَا تُقَدَّمُ صِفَةٌ عَلَى مَوْصُوفٍ إِلَّا حَيْثُ سُمِعَ وَذَلِكَ قَلِيلٌ ، وَلِلْعَرَبِ فِيمَا وُجِدَ مِنْ ذَلِكَ وَجْهَانِ ؛ أَحَدُهُمَا : أَنْ تُقَدَّمَ الصِّفَةُ وَتَبْقِيَتُهَا عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ ، وَفِي إِعْرَابِ مِثْلِ هَذَا وَجْهَانِ ؛ أَحَدُهُمَا : إِعْرَابُهُ نَعْتًا مُقَدَّمًا ، وَالثَّانِي : أَنْ يَجْعَلَ مَا بَعْدَ الصِّفَةِ بَدَلًا . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنْ تُضِيفَ الصِّفَةَ إِلَى الْمَوْصُوفِ إِذَا قَدِمَتْهَا ، انْتَهَى . فَعَلَى هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ
ابْنُ عُصْفُورٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ( الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ) يُعْرَبَانِ صِفَتَيْنِ مُتَقَدِّمَتَيْنِ ، وَيُعْرَبُ لَفْظُ ( اللَّهِ ) مَوْصُوفًا مُتَأَخِّرًا . وَمِمَّا جَاءَ فِيهِ تَقْدِيمُ مَا لَوْ تَأَخَّرَ لَكَانَ صِفَةً ، وَتَأْخِيرُ مَا لَوْ تَقَدَّمَ لَكَانَ مَوْصُوفًا قَوْلُ الشَّاعِرِ :
وَالْمُؤْمِنِ الْعَائِذَاتِ الطَّيْرَ يَمْسَحُهَا رُكْبَانُ مَكَّةَ بَيْنَ الْغَيْلِ وَالسَّعَدِ
فَلَوْ جَاءَ عَلَى الْكَثِيرِ لَكَانَ التَّرْكِيبُ : وَالْمُؤْمِنِ الطَّيْرَ الْعَائِذَاتِ .
وَارْتَفَعَ ( وَيْلٌ ) عَلَى الِابْتِدَاءِ ، وَلِلْكَافِرِينَ خَبَرُهُ . لَمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ ( الظُّلُمَاتِ ) دَعَا بِالْهَلَكَةِ عَلَى مَنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا ، وَ ( مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ) فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِـ ( وَيْلٌ ) . وَلَا يَضُرُّ الْفَصْلُ وَالْخَبَرُ بَيْنَ الصِّفَةِ وَالْمَوْصُوفِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِـ ( وَيْلٌ ) لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ وَلَا يَجُوزُ الْفَصْلُ بَيْنَ الْمَصْدَرِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ بِالْخَبَرِ . وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيِّ أَنَّهُ لَيْسَ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ . قَالَ : ( فَإِنْ قُلْتَ ) مَا وَجْهُ اتِّصَالِ قَوْلِهِ : ( مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ) بِالْوَيْلِ ؟ ( قُلْتُ ) لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ يُوَلُّونَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ وَيَضِجُّونَ مِنْهُ ، وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَاهُ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=13دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا ) انْتَهَى . وَظَاهِرُهُ يَدُلُّ عَلَى تَقْدِيرِ عَامِلٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=2مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ) وَيُحْتَمَلُ هَذَا الْعَذَابُ أَنْ يَكُونَ وَاقِعًا بِهِمْ فِي الدُّنْيَا ، أَوْ وَاقِعًا بِهِمْ فِي الْآخِرَةِ . وَالِاسْتِحْبَابُ الْإِيثَارُ وَالِاخْتِيَارُ ، وَهُوَ اسْتِفْعَالٌ مِنَ الْمَحَبَّةِ ؛ لِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ لِلشَّيْءِ عَلَى غَيْرِهِ كَأَنَّهُ يَطْلُبُ مِنْ نَفْسِهِ يَكُونُ أَحَبَّ إِلَيْهَا وَأَفْضَلَ عِنْدَهَا مِنَ الْآخَرِ . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتَفْعَلَ بِمَعْنَى أَفْعَلَ كَاسْتَجَابَ وَأَجَابَ ، وَلَمَّا ضَمِنَ مَعْنَى الْإِيثَارِ عُدِّيَ بِـ ( عَلَى ) . وَجَوَّزُوا فِي إِعْرَابِ ( الَّذِينَ ) أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً خَبَرُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=3أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ ) وَأَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى الذَّمِّ ، إِمَّا خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ ؛ أَيْ : هُمُ الَّذِينَ ، وَإِمَّا مَنْصُوبًا بِإِضْمَارِ فِعْلٍ تَقْدِيرُهُ أَذُمُّ ، وَأَنْ يَكُونَ بَدَلًا ، وَأَنْ يَكُونَ صِفَةً لِلْكَافِرِينَ . وَنَصَّ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْأَخِيرِ
الْحَوْفِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=14423وَالزَّمَخْشَرِيُّ وَأَبُو الْبَقَاءِ ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ الْفَصْلَ بَيْنَ الصِّفَةِ وَالْمَوْصُوفِ بِأَجْنَبِيٍّ مِنْهُمَا وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=2مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ) سَوَاءٌ كَانَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=2مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ) فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِـ ( وَيْلٌ ) ، أَمْ مُتَعَلِّقًا بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ : يَضِجُّونَ وَيُوَلْوِلُونَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ . وَنَظِيرُهُ إِذَا كَانَ صِفَةً أَنْ تَقُولَ : الدَّارُ لِزَيْدٍ الْحَسَنَةُ الْقُرَشِيِّ ، فَهَذَا التَّرْكِيبُ لَا يَجُوزُ ، لِأَنَّكَ فَصَلْتَ بَيْنَ زَيْدٍ وَصِفَتِهِ بِأَجْنَبِيٍّ مِنْهُمَا وَهُوَ صِفَةُ الدَّارِ ، وَالتَّرْكِيبُ الْفَصِيحُ أَنْ تَقُولَ : الدَّارُ الْحَسَنَةُ لِزَيْدٍ الْقُرَشِيِّ ، أَوِ الدَّارُ لِزَيْدٍ الْقُرَشِيِّ الْحَسَنَةُ ، وَقَرَأَ
الْحَسَنُ : ( وَيُصِدُّونَ ) مُضَارِعُ أَصَدَّ الدَّاخِلِ عَلَيْهِ هَمْزَةُ النَّقْلِ مِنْ صَدَّ - اللَّازِمِ - صُدُودًا . وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=3وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا ) فِي آلِ عِمْرَانَ ، وَعَلَى وَصْفِ الضَّلَالِ بِالْبُعْدِ .