(
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=93ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألن عما كنتم تعملون nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=94ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=95ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا إنما عند الله هو خير لكم إن كنتم تعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=96ما عندكم ينفد وما عند الله باق ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=97من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) : هذه المشيئة مشيئة اختيار على مذهب أهل السنة ، ابتلى الناس بالأمر والنهي ليذهب كل
[ ص: 532 ] إلى ما يسر له ، وذلك لحق الملك لا يسأل عما يفعل . ولو شاء لكانوا كلهم على طريق واحدة ، إما هدى ، وإما ضلالة ، ولكنه فرق ، فناس للسعادة ، وناس للشقاوة . فخلق الهدى والضلال ، وتوعد بالسؤال عن العمل ، وهو سؤال توبيخ لا سؤال تفهم ، وسؤال التفهم هو المنفي في آيات . ومذهب
المعتزلة أن هذه المشيئة مشيئة قهر . قال
العسكري : المراد أنه قادر على أن يجمعكم على الإسلام قهرا ، فلم يفعل ذلك ، وخلقكم ليعذب من يشاء على معصيته ، ويثيب من يشاء على طاعته ، ولا يشاء شيئا من ذلك إلا أن يستحقه . ويجوز أن يكون المعنى : أنه لو شاء خلقكم في الجنة ، ولكن لم يفعل ذلك ليثيب المطيعين منكم ، ويعذب العصاة .
ثم قال : ولتسألن عما كنتم تعملون ; يعني : سؤال المحاسبة والمجازاة . وفيه دليل على أن الإضلال في الآية : العقاب ، ولو كان الإضلال عن الدين لم يكن لسؤاله إياهم معنى . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : أمة واحدة حنيفة مسلمة على طريق الإلجاء والاضطرار ، وهو قادر على ذلك ، ولكن الحكمة اقتضت أن يضل من يشاء ، وهو أن يخذل من علم أنه يختار الكفر ويصمم عليه ، ويهدي من يشاء وهو أن يلطف بمن علم الله أنه يختار الإيمان ، يعني : أنه بنى الأمر على الاختيار ، وعلى ما يستحق به اللطف والخذلان والثواب والعقاب ، ولم ينبه على الإجبار الذي لا يستحق به شيء من ذلك ، وحققه بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=93ولتسألن عما كنتم تعملون . ولو كان هذا المضطر إلى الضلال والاهتداء ، لما أثبت لهم عملا يسألون عنه ; انتهى . قالوا : كرر النهي عن اتخاذ الأيمان دخلا تهمما بذلك ، ومبالغة في النهي عنه لعظم موقعه في الدين . قال
ابن عطية : وتردده في معاملات الناس . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : تأكيدا عليهم ، وإظهارا لعظم ما يرتكب منه ; انتهى . وقيل : إنما كرر لاختلاف المعنيين : لأن الأول : نهى فيه عن الدخول في الحلف ونقض العهد بالقلة والكثرة ، وهنا نهي عن الدخل في الأيمان التي يراد بها اقتطاع حقوق ، فكأنه قال : دخلا بينكم لتتوصلوا بها إلى قطع أموال المسلمين ، وأقول : لم يتكرر النهي عن اتخاذ الأيمان دخلا ، وإنما سبق إخبار بأنهم اتخذوا أيمانهم دخلا معللا بشيء خاص ، وهو : أن تكون أمة هي أربى من أمة . وجاء النهي بقوله : ولا تتخذوا ، استئناف إنشاء عن اتخاذ الأيمان دخلا على العموم ، فيشمل جميع الصور من الحلف في المبايعة ، وقطع الحقوق المالية ، وغير ذلك . وانتصب (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=94فتزل ) على جواب النهي ، وهو استعارة لمن كان مستقيما ووقع في أمر عظيم وسقط ، لأن القدم إذا زلت تقلب الإنسان من حال خير إلى حال شر . وقال
كثير : فلما توافينا ثبت وزلت . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : فتزل أقدامكم عن محجة الإسلام بعد ثبوتها عليها ( فإن قلت ) : لم وحدت القدم ونكرت ؟ ( قلت ) : لاستعظام أن تزل قدم واحدة عن طريق الحق بعد أن ثبتت عليه ، فكيف بأقدام كثيرة ؟ انتهى . ونقول : الجمع تارة يلحظ فيه المجموع من حيث هو مجموع ، وتارة يلحظ فيه اعتبار كل فرد فرد ، فإذا لوحظ فيه المجموع كان الإسناد معتبرا
[ ص: 533 ] فيه الجمعية ، وإذا لوحظ كل فرد فرد كان الإسناد مطابقا للفظ الجمع كثيرا ، فيجمع ما أسند إليه ، ومطابقا لكل فرد فرد فيفرد كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=31وأعتدت لهن متكأ ) أفرد متكئا لما كان لوحظ في قوله ( لهن ) معنى لكل واحدة ، ولو جاء مرادا به الجمعية أو على الكثير في الوجه الثاني لجمع المتكأ ، وعلى هذا المعنى ينبغي أن يحمل قول الشاعر :
فإني وجدت الضامرين متاعهم يموت ويفنى فارضخي من وعائيا
أي : رأيت كل ضامر . ولذلك أفرد الضمير في يموت ويفنى . ولما كان المعنى هنا : لا يتخذ كل واحد منكم ، جاء (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=94فتزل قدم ) مراعاة لهذا المعنى ، ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=94وتذوقوا ، مراعاة للمجموع ، أو للفظ الجمع على الوجه الكثير . إذا قلنا : إن الإسناد لكل فرد فرد ، فتكون الآية قد تعرضت للنهي عن اتخاذ الأيمان دخلا باعتبار المجموع وباعتبار كل فرد فرد ، ودل على ذلك بإفراد قدم وبجمع الضمير في :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=94وتذوقوا . و ( ما ) مصدرية في (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=94بما صددتم ) ، أي : بصدودكم أو بصدكم غيركم ، لأنهم لو نقضوا الأيمان وارتدوا لاتخذ نقضها سنة لغيرهم فيسبون بها ، وذوق السوء في الدنيا .
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=94ولكم عذاب عظيم ، أي : في الآخرة . والسوء : ما يسوءهم من قتل ، ونهب ، وأسر ، وجلاء ، وغير ذلك مما يسوء .
قال
ابن عطية : وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=94صددتم عن سبيل الله ، يدل على أن الآية فيمن بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى هذا فسر
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري ; قال : لأنهم قد نقضوا أيمان البيعة . ولا يدل على ذلك لخصوصه ، بل نقض الأيمان في البيعة مندرج في العموم .
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=95ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا : هذا نهي عن نقض ما بين الله تعالى والعبد لأخذ حطام من عرض الدنيا . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : كان قوم ممن أسلم بمكة زين لهم الشيطان لجزعهم مما رأوا من غلبة
قريش واستضعافهم المسلمين وإيذائهم لهم ، ولما كانوا يعدونهم إن رجعوا من المواعيد أن ينقضوا ما بايعوا عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فثبتهم الله . ولا تشتروا : ولا تستبدلوا بعهد الله وبيعة رسول الله ثمنا قليلا عرضا من الدنيا يسيرا ، وهو ما كانت قريش يعدونهم ويمنونهم إن رجعوا أن ما عند الله من إظهاركم وتغنيمكم ومن ثواب الآخرة خير لكم . وقال
ابن عطية : هذه آية نهي عن الرشا وأخذ الأموال على ترك ما يجب على الآخذ فعله ، أو فعل ما يجب عليه تركه ، فإن هذه هي التي عهد الله إلى عباده فيها ، وبين تعالى الفرق بين حال الدنيا وحال الآخرة ، بأن هذه تنفد وتنقضي عن الإنسان ، وينقضي عنها ، والتي في الآخرة باقية دائمة . ودل قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=96وما عند الله باق ، على أن نعيم الجنة لا ينقطع ، وفي ذلك حجة على
nindex.php?page=showalam&ids=15658جهم بن صفوان إذ زعم أن نعيم الجنة منقطع . وقرأ
عاصم ،
وابن كثير : ولنجزين ، بالنون ، وباقي السبعة ، بالياء . وصبروا : أي : جاهدوا أنفسهم على ميثاق الإسلام وأذى الكفار ، وترك المعاصي ، وكسب المال بالوجه الذي لا يحل بأحسن ما كانوا يعملون . قيل : من التنفل بالطاعات ، وكانت أحسن لأنها لم يحتم فعلها ، فكان الإنسان يأتي بالتنفلات مختارا غير ملزوم بها . وقيل : ذكر الأحسن ترغيبا في عمله ، وإن كانت المجازاة على الحسن والأحسن . وقيل : الأحسن هنا بمعنى الحسن ، فليس أفعل التي للتفضيل . والذي يظهر أن المراد بالأحسن هنا الصبر ، أي : وليجزين الذين صبروا بصبرهم ، أي : بجزاء صبرهم ، وجعل الصبر أحسن الأعمال لاحتياج جميع التكاليف إليه ، فالصبر هو رأسها ، فكان الأحسن لذلك . و ( من ) صالحة للمفرد والمذكر وفروعهما . لكن يتبادر إلى الذهن الإفراد والتذكير ، فبين بالنوعين ليعم الوعد كليهما . وهو مؤمن : جملة حالية ، والإيمان شرط في العمل الصالح مخصص لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=7فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ) أو يراد بمثقال ذرة من إيمان ، كما جاء في من يخرج من النار من عصاة المؤمنين ، والظاهر من قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=97فلنحيينه حياة طيبة [ ص: 534 ] أن ذلك في الدنيا ، وهو قول الجمهور ; ويدل عليه قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=97ولنجزينهم أجرهم : يعني في الآخرة ، وقال
الحسن ،
ومجاهد ،
nindex.php?page=showalam&ids=13033وابن جبير ،
وقتادة ،
وابن زيد : ذلك في الجنة . وقال
شريك : في القبر . وقال
علي ،
nindex.php?page=showalam&ids=17285ووهب بن منبه ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ،
والحسن في رواية عنهما هي : القناعة ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس والضحاك : الرزق الحلال ، وعنه أيضا : السعادة . وقال
عكرمة : الطاعة . وقال
قتادة : الرزق في يوم بيوم ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12428إسماعيل بن أبي خالد : الرزق الطيب والعمل الصالح ، وقال
أبو بكر الوراق : حلاوة الطاعة ، وقيل : العافية والكفاية ، وقيل : الرضا بالقضاء ، ذكرهما
الماوردي . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : المؤمن مع العمل الصالح إن كان موسرا فلا مقال فيه ، وإن كان معسرا فمعه ما يطيب عيشه ، وهو القناعة والرضا بقسمة الله تعالى . والفاجر إن كان معسرا فلا إشكال في أمره ، وإن كان موسرا فالحرص لا يدعه أن يتهنأ بعيشه . وقال
ابن عطية : طيب الحياة للصالحين بانبساط نفوسهم ونيلها وقوة رجائهم ، والرجاء للنفس أمر ملذ ، وبأنهم احتقروا الدنيا فزالت همومها عنهم ، فإن انضاف إلى هذا مال حلال وصحة وقناعة فذاك كمال ، وإلا فالطيب فيما ذكرنا راتب . وعاد الضمير في (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=97فلنحيينه ) على لفظ ( من ) مفردا ، وفي ( ولنجزينهم ) على معناها من الجمع ، فجمع . وروي عن
نافع : وليجزينهم ; بالياء بدل النون ، التفت من ضمير المتكلم إلى ضمير الغيبة . وينبغي أن يكون على تقدير قسم ثان لا معطوفا على (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=97فلنحيينه ) ، فيكون من عطف جملة قسمية على جملة قسمية ، وكلتاهما محذوفتان . ولا يكون من عطف جواب على جواب ، لتغاير الإسناد ، وإفضاء الثاني إلى إخبار المتكلم عن نفسه بإخبار الغائب ، وذلك لا يجوز . فعلى هذا لا يجوز : زيد قلت والله لأضربن هندا ولينفينها ، يريد ولينفيها زيد . فإن جعلته على إضمار قسم ثان جاز ، أي : وقال زيد لينفينها ، لأن لك في هذا التركيب أن تحكي لفظه ، وأن تحكي على المعنى . فمن الأول : ( وليحلفن بالله إن أردنا إلا الحسنى ) ومن الثاني : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74يحلفون بالله ما قالوا ) ولو جاء على اللفظ لكان ما قلنا .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=93وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=94وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=95وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=96مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=97مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) : هَذِهِ الْمَشِيئَةُ مَشِيئَةُ اخْتِيَارٍ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ ، ابْتَلَى النَّاسَ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ لِيَذْهَبَ كُلٌّ
[ ص: 532 ] إِلَى مَا يُسِّرَ لَهُ ، وَذَلِكَ لِحَقِّ الْمَلِكِ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ . وَلَوْ شَاءَ لَكَانُوا كُلُّهُمْ عَلَى طَرِيقٍ وَاحِدَةٍ ، إِمَّا هُدًى ، وَإِمَّا ضَلَالَةٌ ، وَلَكِنَّهُ فَرَّقَ ، فَنَاسٌ لِلسَّعَادَةِ ، وَنَاسٌ لِلشَّقَاوَةِ . فَخَلَقَ الْهُدَى وَالضَّلَالَ ، وَتَوَعَّدَ بِالسُّؤَالِ عَنِ الْعَمَلِ ، وَهُوَ سُؤَالُ تَوْبِيخٍ لَا سُؤَالُ تَفَهُّمٍ ، وَسُؤَالُ التَّفَهُّمِ هُوَ الْمَنْفِيُّ فِي آيَاتٍ . وَمَذْهَبُ
الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّ هَذِهِ الْمَشِيئَةَ مَشِيئَةُ قَهْرٍ . قَالَ
الْعَسْكَرِيُّ : الْمُرَادُ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَجْمَعَكُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ قَهْرًا ، فَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ، وَخَلَقَكُمْ لِيُعَذِّبَ مَنْ يَشَاءُ عَلَى مَعْصِيَتِهِ ، وَيُثِيبَ مَنْ يَشَاءُ عَلَى طَاعَتِهِ ، وَلَا يَشَاءُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَسْتَحِقَّهُ . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى : أَنَّهُ لَوْ شَاءَ خَلَقَكُمْ فِي الْجَنَّةِ ، وَلَكِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ لِيُثِيبَ الْمُطِيعِينَ مِنْكُمْ ، وَيُعَذِّبَ الْعُصَاةَ .
ثُمَّ قَالَ : وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ; يَعْنِي : سُؤَالَ الْمُحَاسَبَةِ وَالْمُجَازَاةِ . وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِضْلَالَ فِي الْآيَةِ : الْعِقَابُ ، وَلَوْ كَانَ الْإِضْلَالُ عَنِ الدِّينِ لَمْ يَكُنْ لِسُؤَالِهِ إِيَّاهُمْ مَعْنًى . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ حَنِيفَةٌ مُسْلِمَةٌ عَلَى طَرِيقِ الْإِلْجَاءِ وَالِاضْطِرَارِ ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ ، وَلَكِنَّ الْحِكْمَةَ اقْتَضَتْ أَنْ يُضِلَّ مَنْ يَشَاءُ ، وَهُوَ أَنْ يَخْذُلَ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَخْتَارُ الْكُفْرَ وَيُصَمِّمَ عَلَيْهِ ، وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَنْ يَلْطُفَ بِمَنْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ يَخْتَارُ الْإِيمَانَ ، يَعْنِي : أَنَّهُ بَنَى الْأَمْرَ عَلَى الِاخْتِيَارِ ، وَعَلَى مَا يَسْتَحِقُّ بِهِ اللُّطْفَ وَالْخِذْلَانَ وَالثَّوَابَ وَالْعِقَابَ ، وَلَمْ يُنَبَّهْ عَلَى الْإِجْبَارِ الَّذِي لَا يُسْتَحَقُّ بِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ، وَحَقَّقَهُ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=93وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ . وَلَوْ كَانَ هَذَا الْمُضْطَرَّ إِلَى الضَّلَالِ وَالِاهْتِدَاءِ ، لَمَا أَثْبَتَ لَهُمْ عَمَلًا يُسْأَلُونَ عَنْهُ ; انْتَهَى . قَالُوا : كَرَّرَ النَّهْيَ عَنِ اتِّخَاذِ الْأَيْمَانِ دَخَلًا تَهَمُّمًا بِذَلِكَ ، وَمُبَالَغَةً فِي النَّهْيِ عَنْهُ لِعِظَمِ مَوْقِعِهِ فِي الدِّينِ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَتَرَدُّدِهِ فِي مُعَامَلَاتِ النَّاسِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : تَأْكِيدًا عَلَيْهِمْ ، وَإِظْهَارًا لْعِظَمِ مَا يَرْتَكِبُ مِنْهُ ; انْتَهَى . وَقِيلَ : إِنَّمَا كَرَّرَ لِاخْتِلَافِ الْمَعْنَيَيْنِ : لِأَنَّ الْأَوَّلَ : نَهَى فِيهِ عَنِ الدُّخُولِ فِي الْحَلِفِ وَنَقْضِ الْعَهْدِ بِالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ ، وَهُنَا نُهِيَ عَنِ الدَّخَلِ فِي الْأَيْمَانِ الَّتِي يُرَادُ بِهَا اقْتِطَاعُ حُقُوقٍ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : دَخَلًا بَيْنَكُمْ لِتَتَوَصَّلُوا بِهَا إِلَى قَطْعِ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَقُولُ : لَمْ يَتَكَرَّرِ النَّهْيُ عَنِ اتِّخَاذِ الْأَيْمَانِ دَخَلًا ، وَإِنَّمَا سَبَقَ إِخْبَارٌ بِأَنَّهُمُ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ دَخَلًا مُعَلَّلًا بِشَيْءٍ خَاصٍّ ، وَهُوَ : أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ . وَجَاءَ النَّهْيُ بِقَوْلِهِ : وَلَا تَتَّخِذُوا ، اسْتِئْنَافُ إِنْشَاءٍ عَنِ اتِّخَاذِ الْأَيْمَانِ دَخَلًا عَلَى الْعُمُومِ ، فَيَشْمَلُ جَمِيعَ الصُّوَرِ مِنَ الْحِلْفِ فِي الْمُبَايَعَةِ ، وَقَطْعِ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ . وَانْتَصَبَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=94فَتَزِلَّ ) عَلَى جَوَابِ النَّهْيِ ، وَهُوَ اسْتِعَارَةٌ لِمَنْ كَانَ مُسْتَقِيمًا وَوَقَعَ فِي أَمْرٍ عَظِيمٍ وَسَقَطَ ، لِأَنَّ الْقَدَمَ إِذَا زَلَّتْ تَقَلَّبَ الْإِنْسَانُ مِنْ حَالِ خَيْرٍ إِلَى حَالِ شَرٍّ . وَقَالَ
كُثَيِّرٌ : فَلَمَّا تَوَافَيْنَا ثَبَتُّ وَزَلَّتِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : فَتَزِلَّ أَقْدَامُكُمْ عَنْ مَحَجَّةِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ ثُبُوتِهَا عَلَيْهَا ( فَإِنْ قُلْتَ ) : لِمَ وَحَّدْتَ الْقَدَمَ وَنَكَّرْتَ ؟ ( قُلْتُ ) : لِاسْتِعْظَامِ أَنْ تَزِلَّ قَدَمٌ وَاحِدَةٌ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ بَعْدَ أَنْ ثَبَتَتْ عَلَيْهِ ، فَكَيْفَ بِأَقْدَامٍ كَثِيرَةٍ ؟ انْتَهَى . وَنَقُولُ : الْجَمْعُ تَارَةً يُلْحَظُ فِيهِ الْمَجْمُوعُ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ ، وَتَارَةً يُلْحَظُ فِيهِ اعْتِبَارُ كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ ، فَإِذَا لُوحِظَ فِيهِ الْمَجْمُوعُ كَانَ الْإِسْنَادُ مُعْتَبَرًا
[ ص: 533 ] فِيهِ الْجَمْعِيَّةُ ، وَإِذَا لُوحِظَ كُلُّ فَرْدٍ فَرْدٍ كَانَ الْإِسْنَادُ مُطَابِقًا لِلَفْظِ الْجَمْعِ كَثِيرًا ، فَيَجْمَعُ مَا أُسْنِدَ إِلَيْهِ ، وَمُطَابِقًا لِكُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ فَيُفْرَدُ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=31وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً ) أَفْرَدَ مُتَّكَئًا لِمَا كَانَ لُوحِظَ فِي قَوْلِهِ ( لَهُنَّ ) مَعْنًى لِكُلِّ وَاحِدَةٍ ، وَلَوْ جَاءَ مُرَادًا بِهِ الْجَمْعِيَّةُ أَوْ عَلَى الْكَثِيرِ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي لِجَمْعِ الْمُتَّكَأِ ، وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ الشَّاعِرِ :
فَإِنِّي وَجَدْتُ الضَّامِرَيْنِ مَتَاعُهُمْ يَمُوتُ وَيَفْنَى فَارْضَخِي مِنْ وَعَائِيَا
أَيْ : رَأَيْتُ كُلَّ ضَامِرٍ . وَلِذَلِكَ أَفْرَدَ الضَّمِيرَ فِي يَمُوتُ وَيَفْنَى . وَلَمَّا كَانَ الْمَعْنَى هُنَا : لَا يَتَّخِذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ ، جَاءَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=94فَتَزِلَّ قَدَمٌ ) مُرَاعَاةً لِهَذَا الْمَعْنَى ، ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=94وَتَذُوقُوا ، مُرَاعَاةً لِلْمَجْمُوعِ ، أَوْ لِلَفْظِ الْجَمْعِ عَلَى الْوَجْهِ الْكَثِيرِ . إِذَا قُلْنَا : إِنَّ الْإِسْنَادَ لِكُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ ، فَتَكُونُ الْآيَةُ قَدْ تَعَرَّضَتْ لِلنَّهْيِ عَنِ اتِّخَاذِ الْأَيْمَانِ دَخَلًا بِاعْتِبَارِ الْمَجْمُوعِ وَبِاعْتِبَارِ كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ ، وَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِإِفْرَادِ قَدَمٍ وَبِجَمْعِ الضَّمِيرِ فِي :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=94وَتَذُوقُوا . وَ ( مَا ) مَصْدَرِيَّةٌ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=94بِمَا صَدَدْتُمْ ) ، أَيْ : بِصُدُودِكُمْ أَوْ بِصَدِّكُمْ غَيْرَكُمْ ، لِأَنَّهُمْ لَوْ نَقَضُوا الْأَيْمَانَ وَارْتَدُّوا لَاتُّخِذَ نَقْضُهَا سُنَّةً لِغَيْرِهِمْ فَيُسَبُّونَ بِهَا ، وَذَوْقُ السُّوءِ فِي الدُّنْيَا .
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=94وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ، أَيْ : فِي الْآخِرَةِ . وَالسُّوءُ : مَا يَسُوءُهُمْ مِنْ قَتْلٍ ، وَنَهْبٍ ، وَأَسْرٍ ، وَجَلَاءٍ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَسُوءُ .
قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=94صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ فِيمَنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى هَذَا فَسَّرَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ ; قَالَ : لِأَنَّهُمْ قَدْ نَقَضُوا أَيْمَانَ الْبَيْعَةِ . وَلَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لِخُصُوصِهِ ، بَلْ نَقْضُ الْأَيْمَانِ فِي الْبَيْعَةِ مُنْدَرِجٌ فِي الْعُمُومِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=95وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا : هَذَا نَهْيٌ عَنْ نَقْضِ مَا بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَالْعَبْدِ لِأَخْذِ حُطَامٍ مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : كَانَ قَوْمٌ مِمَّنْ أَسْلَمَ بِمَكَّةَ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ لِجَزَعِهِمْ مِمَّا رَأَوْا مِنْ غَلَبَةِ
قُرَيْشٍ وَاسْتِضْعَافِهِمُ الْمُسْلِمِينَ وَإِيذَائِهِمْ لَهُمْ ، وَلَمَّا كَانُوا يَعِدُونَهُمْ إِنْ رَجَعُوا مِنَ الْمَوَاعِيدِ أَنْ يَنْقُضُوا مَا بَايَعُوا عَلَيْهِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَثَبَّتَهُمُ اللَّهُ . وَلَا تَشْتَرُوا : وَلَا تَسْتَبْدِلُوا بِعَهْدِ اللَّهِ وَبَيْعَةِ رَسُولِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا يَسِيرًا ، وَهُوَ مَا كَانَتْ قُرَيْشُ يَعِدُونَهُمْ وَيُمَنُّونَهُمْ إِنْ رَجَعُوا أَنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنْ إِظْهَارِكُمْ وَتَغْنِيمِكُمْ وَمِنْ ثَوَابِ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لَكُمْ . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : هَذِهِ آيَةُ نَهْيٍ عَنِ الرِّشَا وَأَخْذِ الْأَمْوَالِ عَلَى تَرْكِ مَا يَجِبُ عَلَى الْآخِذِ فِعْلُهُ ، أَوْ فِعْلُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَرْكُهُ ، فَإِنَّ هَذِهِ هِيَ الَّتِي عَهِدَ اللَّهُ إِلَى عِبَادِهِ فِيهَا ، وَبَيَّنَ تَعَالَى الْفَرْقَ بَيْنَ حَالِ الدُّنْيَا وَحَالِ الْآخِرَةِ ، بِأَنَّ هَذِهِ تَنْفَدُ وَتَنْقَضِي عَنِ الْإِنْسَانِ ، وَيَنْقَضِي عَنْهَا ، وَالَّتِي فِي الْآخِرَةِ بَاقِيَةٌ دَائِمَةٌ . وَدَلَّ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=96وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ ، عَلَى أَنَّ نَعِيمَ الْجَنَّةِ لَا يَنْقَطِعُ ، وَفِي ذَلِكَ حُجَّةٌ عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=15658جَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ إِذْ زَعَمَ أَنَّ نَعِيمَ الْجَنَّةِ مُنْقَطِعٌ . وَقَرَأَ
عَاصِمٌ ،
وَابْنُ كَثِيرٍ : وَلَنَجْزِيَّنَ ، بِالنُّونِ ، وَبَاقِي السَّبْعَةِ ، بِالْيَاءِ . وَصَبَرُوا : أَيْ : جَاهَدُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى مِيثَاقِ الْإِسْلَامِ وَأَذَى الْكُفَّارِ ، وَتَرْكِ الْمَعَاصِي ، وَكَسْبِ الْمَالِ بِالْوَجْهِ الَّذِي لَا يَحِلُّ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . قِيلَ : مِنَ التَّنَفُّلِ بِالطَّاعَاتِ ، وَكَانَتْ أَحْسَنَ لِأَنَّهَا لَمْ يُحَتَّمْ فِعْلُهَا ، فَكَانَ الْإِنْسَانُ يَأْتِي بِالتَّنَفُّلَاتِ مُخْتَارًا غَيْرَ مَلْزُومٍ بِهَا . وَقِيلَ : ذَكَرَ الْأَحْسَنَ تَرْغِيبًا فِي عَمَلِهِ ، وَإِنْ كَانَتِ الْمُجَازَاةُ عَلَى الْحَسَنِ وَالْأَحْسَنِ . وَقِيلَ : الْأَحْسَنُ هُنَا بِمَعْنَى الْحَسَنِ ، فَلَيْسَ أَفْعَلُ الَّتِي لِلتَّفْضِيلِ . وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَحْسَنِ هُنَا الصَّبْرُ ، أَيْ : وَلَيَجْزِيَّنَ الَّذِينَ صَبَرُوا بِصَبْرِهِمْ ، أَيْ : بِجَزَاءِ صَبْرِهِمْ ، وَجَعَلَ الصَّبْرَ أَحْسَنَ الْأَعْمَالِ لِاحْتِيَاجِ جَمِيعِ التَّكَالِيفِ إِلَيْهِ ، فَالصَّبْرُ هُوَ رَأْسُهَا ، فَكَانَ الْأَحْسَنُ لِذَلِكَ . وَ ( مَنْ ) صَالِحَةٌ لِلْمُفْرَدِ وَالْمُذَكَّرِ وَفُرُوعِهِمَا . لَكِنْ يَتَبَادَرُ إِلَى الذِّهْنِ الْإِفْرَادُ وَالتَّذْكِيرُ ، فَبَيَّنَ بِالنَّوْعَيْنِ لِيَعُمَّ الْوَعْدُ كِلَيْهِمَا . وَهُوَ مُؤْمِنٌ : جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ ، وَالْإِيمَانُ شَرْطٌ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ مُخَصَّصٌ لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=7فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ) أَوْ يُرَادُ بِمِثْقَالِ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ ، كَمَا جَاءَ فِي مَنْ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مِنْ عُصَاةِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=97فَلْنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً [ ص: 534 ] أَنَّ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ ; وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=97وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ : يَعْنِي فِي الْآخِرَةِ ، وَقَالَ
الْحَسَنُ ،
وَمُجَاهِدٌ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13033وَابْنُ جُبَيْرٍ ،
وَقَتَادَةُ ،
وَابْنُ زَيْدٍ : ذَلِكَ فِي الْجَنَّةِ . وَقَالَ
شَرِيكٌ : فِي الْقَبْرِ . وَقَالَ
عَلِيٌّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=17285وَوَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنُ عَبَّاسٍ ،
وَالْحَسَنُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُمَا هِيَ : الْقَنَاعَةُ ، وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكِ : الرِّزْقُ الْحَلَالُ ، وَعَنْهُ أَيْضًا : السَّعَادَةُ . وَقَالَ
عِكْرِمَةُ : الطَّاعَةُ . وَقَالَ
قَتَادَةُ : الرِّزْقُ فِي يَوْمٍ بِيَوْمٍ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12428إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ : الرِّزْقُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ ، وَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ الْوَرَّاقُ : حَلَاوَةُ الطَّاعَةِ ، وَقِيلَ : الْعَافِيَةُ وَالْكِفَايَةُ ، وَقِيلَ : الرِّضَا بِالْقَضَاءِ ، ذَكَرَهُمَا
الْمَاوَرْدِيُّ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : الْمُؤْمِنُ مَعَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ إِنْ كَانَ مُوسِرًا فَلَا مَقَالَ فِيهِ ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَمَعَهُ مَا يَطِيبُ عَيْشُهُ ، وَهُوَ الْقَنَاعَةُ وَالرِّضَا بِقِسْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى . وَالْفَاجِرُ إِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلَا إِشْكَالَ فِي أَمْرِهِ ، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا فَالْحِرْصُ لَا يَدَعُهُ أَنْ يَتَهَنَّأَ بِعَيْشِهِ . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : طَيَّبَ الْحَيَاةَ لِلصَّالِحِينَ بِانْبِسَاطِ نُفُوسِهِمْ وَنَيْلِهَا وَقُوَّةِ رَجَائِهِمْ ، وَالرَّجَاءُ لِلنَّفْسِ أَمْرٌ مُلِذٌّ ، وَبِأَنَّهُمُ احْتَقَرُوا الدُّنْيَا فَزَالَتْ هُمُومُهَا عَنْهُمْ ، فَإِنِ انْضَافَ إِلَى هَذَا مَالٌ حَلَالٌ وَصِحَّةٌ وَقَنَاعَةٌ فَذَاكَ كَمَالٌ ، وَإِلَّا فَالطَّيِّبُ فِيمَا ذَكَرْنَا رَاتِبٌ . وَعَادَ الضَّمِيرُ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=97فَلْنُحْيِيَنَّهُ ) عَلَى لَفْظِ ( مَنْ ) مْفُرَدًا ، وَفِي ( وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ ) عَلَى مَعْنَاهَا مِنَ الْجَمْعِ ، فَجَمَعَ . وَرُوِيَ عَنْ
نَافِعٍ : وَلَيَجْزِينَّهُمْ ; بِالْيَاءِ بَدَلَ النُّونِ ، الْتَفَتَ مِنْ ضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ إِلَى ضَمِيرِ الْغَيْبَةِ . وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى تَقْدِيرِ قَسَمٍ ثَانٍ لَا مَعْطُوفًا عَلَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=97فَلْنُحْيِيَنَّهُ ) ، فَيَكُونُ مِنْ عَطْفِ جُمْلَةٍ قَسَمِيَّةٍ عَلَى جُمْلَةٍ قَسَمِيَّةٍ ، وَكِلْتَاهُمَا مَحْذُوفَتَانِ . وَلَا يَكُونُ مِنْ عَطْفِ جَوَابٍ عَلَى جَوَابٍ ، لِتَغَايُرِ الْإِسْنَادِ ، وَإِفْضَاءِ الثَّانِي إِلَى إِخْبَارِ الْمُتَكَلِّمِ عَنْ نَفْسِهِ بِإِخْبَارِ الْغَائِبِ ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ . فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ : زَيْدٌ قُلْتُ وَاللَّهِ لَأَضْرِبَنَّ هِنْدًا وَلِيَنْفِيَنَّهَا ، يُرِيدُ وَلَيَنْفِيهَا زَيْدٌ . فَإِنْ جَعَلْتَهُ عَلَى إِضْمَارِ قَسَمٍ ثَانٍ جَازَ ، أَيْ : وَقَالَ زَيْدٌ لَيَنْفِيَنَّهَا ، لِأَنَّ لَكَ فِي هَذَا التَّرْكِيبِ أَنْ تَحْكِيَ لَفْظَهُ ، وَأَنْ تَحْكِيَ عَلَى الْمَعْنَى . فَمِنَ الْأَوَّلِ : ( وَلَيَحْلِفُنَّ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى ) وَمِنَ الثَّانِي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا ) وَلَوْ جَاءَ عَلَى اللَّفْظِ لَكَانَ مَا قُلْنَا .