سورة السجدة مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=1الم nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=2nindex.php?page=treesubj&link=29003تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=3أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=4الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=5يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=6ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=7الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=8ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=9ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=10وقالوا أئذا ضللنا في الأرض أئنا لفي خلق جديد بل هم بلقاء ربهم كافرون nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=11قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=12ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون ) .
[ ص: 196 ] هذه السورة مكية ، قيل : إلا خمس آيات : (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=16تتجافى ) إلى ( تكذبون ) . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
ومقاتل ،
والكلبي : إلا ثلاث آيات نزلت بالمدينة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=18أفمن كان مؤمنا ) . قال كفار
قريش : لم يبعث الله
محمدا إلينا ، وإنما الذي جاء به اختلاق منه ، فنزلت . ولما ذكر تعالى ، فيما قبلها ، دلائل التوحيد من بدء الخلق ، وهو الأصل الأول ; ثم ذكر المعاد والحشر ، وهو الأصل الثاني ، وختم به السورة ، ذكر في بدء هذه السورة الأصل الثالث ، وهو تبيين الرسالة .
و ( الكتاب ) القرآن . قال
الحوفي : ( تنزيل ) مبتدأ ( ولا ريب ) خبره . ويجوز أن يكون ( تنزيل ) خبر مبتدأ ، أي : هذا المتلو تنزيل ، أو هذه الحروف تنزيل ، و ( الم ) بدل على الحروف . وقال
أبو البقاء : ( الم ) مبتدأ ، و ( تنزيل ) خبره بمعنى المنزل ، و ( لا ريب فيه ) حال من الكتاب ، والعامل فيه ( تنزيل ) ، و ( من رب العالمين ) متعلق بـ : ( تنزيل ) أيضا . ويجوز أن يكون حالا من الضمير في ( فيه ) ، والعامل فيه الظرف . ويجوز أن يكون ( تنزيل ) مبتدأ ، و ( لا ريب فيه ) الخبر ، و ( من رب العالمين ) حال كما تقدم . ولا يجوز على هذا أن يتعلق بـ : ( تنزيل ) ; لأن المصدر قد أخبر عنه . ويجوز أن يكون الخبر ( من رب العالمين ) و ( لا ريب ) حال من الكتاب ، وأن يكون خبرا بعد خبر . انتهى . والذي أختاره أن يكون ( تنزيل ) مبتدأ ، و ( لا ريب ) اعتراض ، و ( من رب العالمين ) الخبر . وقال
ابن عطية : ( من رب العالمين ) متعلق بـ : ( تنزيل ) ، ففي الكلام تقديم وتأخير ; ويجوز أن يتعلق بقوله : ( لا ريب ) أي :
[ ص: 197 ] لا شك من جهة الله تعالى ، وإن وقع شك الكفرة ، فذلك لا يراعى . والريب : الشك ، وكذا هو في كل القرآن ، إلا قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=30ريب المنون ) . انتهى .
وإذا كان ( تنزيل ) خبر مبتدأ محذوف ، وكانت الجملة اعتراضية بين ما افتقر إلى غيره وبينه ، لم نقل فيه : إن فيه تقديما وتأخيرا ، بل لو تأخر لم يكن اعتراضا . وأما كونه متعلقا بـ : ( لا ريب ) ، فليس بالجيد ; لأن نفي الريب عنه مطلقا هو المقصود ; لأن المعنى : لا مدخل للريب فيه أنه تنزيل الله ; لأن موجب نفي الريب عنه موجود فيه ، وهو الإعجاز ، فهو أبعد شيء من الريب . وقولهم : ( افتراه ) كلام جاهل لم يمعن النظر ، أو جاحد مستيقن أنه من عند الله ، فقال ذلك حسدا ، أو حكما من الله عليه بالضلال . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : والضمير في ( فيه ) راجع إلى مضمون الجملة ، كأنه قيل : لا ريب في ذلك ، أي : في كونه منزلا من رب العالمين . ويشهد لوجاهته قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=3أم يقولون افتراه ) لأن قولهم : هذا مفترى ، إنكار لأن يكون من رب العالمين . وكذلك قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=3بل هو الحق من ربك ) وما فيه من تقدير أنه من الله ، وهذا أسلوب صحيح محكم ، أثبت أولا أن تنزيله من رب العالمين ، وأن ذلك ما لا ريب فيه . ثم أضرب عن ذلك إلى قوله : (
nindex.php?page=treesubj&link=29003أم يقولون افتراه ) لأن أم هي المنقطعة الكائنة بمعنى بل ، والهمزة إنكارا لقولهم وتعجبا منه لظهور أمره في عجز بلغائهم عن مثل ثلاث آيات ، ثم أضرب عن الإنكار إلى الإثبات أنه الحق من ربك . انتهى ، وهو كلام فيه تكثير . وقال
أبو عبيدة : " أم " يكون معناه : بل يقولون ، فهو خروج من حديث إلى حديث ; و ( من ربك ) في موضع الحال ، أي : كائنا من عند ربك ، وبه متعلق بـ : ( لتنذر ) ، أو بمحذوف تقديره : أنزله لتنذر . والقوم هنا
قريش والعرب ، و " ما " نافية ، و ( من نذير ) : " من " زائدة ، و " نذير " فاعل أتاهم .
أخبر تعالى أنه لم يبعث إليهم رسولا بخصوصيتهم قبل
محمد ، لا لهم ولا لآبائهم ، لكنهم كانوا متعبدين بملة
إبراهيم وإسماعيل ، وما زالوا على ذلك إلى أن غير ذلك بعض رؤسائهم ، وعبدوا الأصنام وعم ذلك ، فهم مندرجون تحت قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=24وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ) أي : شريعته ودينه ; والنذير ليس مخصوصا بمن باشر ، بل يكون نذيرا لمن باشره ، ولغير من باشره بالقرب ممن سبق لها نذير ، ولم يباشرهم نذير غير
محمد - صلى الله عليه وسلم - . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
ومقاتل : المعنى لم يأتهم في الفترة بين
عيسى ومحمد ، عليهما السلام .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : ( ما أتاهم من نذير من قبلك ) كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=6ما أنذر آباؤهم ) وذلك أن
قريشا لم يبعث الله إليهم رسولا قبل
محمد . فإن قلت : فإذا لم يأتهم نذير ، لم تقم عليهم حجة . قلت : أما قيام الحجة بالشرائع التي لا يدرك علمها إلا بالرسل فلا ، وأما قيامها بمعرفة الله وتوحيده وحكمته فنعم ; لأن أدلة العقل الموصلة إلى ذلك معهم في كل زمان . انتهى . والذي ذهب إليه غير ما ذهب إليه المفسرون ، وذلك أنهم فهموا من قوله : ( ما أتاهم ) و (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=6ما أنذر آباؤهم ) أن " ما " نافية ، وعندي أن ما موصولة ، والمعنى : لتنذر قوما العقاب الذي أتاهم . ( من نذير ) متعلق بـ : ( أتاهم ) ، أي : أتاهم على لسان نذير من قبلك . وكذلك (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=6لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم ) أي : العقاب الذي أنذره آباؤهم ، ف : " ما " مفعولة في الموضعين ، و ( أنذر ) يتعدى إلى اثنين . قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=13فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة ) وهذا القول جار على ظواهر القرآن . قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=24وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ) و (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=19أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=15وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=59وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا ) .
ولما حكى تعالى عنهم أنهم يقولون : إن
محمدا - صلى الله عليه وسلم - افتراه ورد عليهم ، اقتصر في ذكر ما جاء به القرآن على الإنذار ، وإن كان قد جاء له وللتبشير ليكون ذلك ردعا لهم ، ولأنه إذا ذكر الإنذار ، صار عند العاقل فكر فيما أنذر به ، فلعل ذلك الفكر يكون سببا لهدايته . و ( لعلهم يهتدون ) ترجية من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما كان في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=44لعله يتذكر أو يخشى ) من
موسى وهارون . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وأن
[ ص: 198 ] يستعار لفظ الترجي للإرادة . انتهى . يعني أنه عبر عن الإرادة بلفظ الترجي ، ومعناه : إرادة اهتدائهم ، وهذه نزعة اعتزالية ; لأنه عندهم أن يريد هداية العبد ، فلا يقع ما يريد ، ويقع ما يريد العبد ، تعالى الله عن ذلك . ولما بين تعالى أمر الرسالة ، ذكر ما على الرسول صلى الله عليه وسلم من الدعاء إلى التوحيد ، وإقامة الدليل بذكر مبدأ العالم . وتقدم الكلام على (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=54في ستة أيام ) في الأعراف . (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=4ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع ) أي : إذا جاوزتموه إلى سواه فاتخذتموه ناصرا وشفيعا . ( أفلا تتذكرون ) موجد هذا العالم ، فتعبدوه وترفضوا ما سواه ؟
( يدبر الأمر ) الأمر : واحد الأمور . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
ومجاهد ،
وقتادة ،
وعكرمة ،
والضحاك : ينفذ الله قضاءه بجميع ما يشاؤه . (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=5ثم يعرج إليه ) أي : يصعد ، خبر ذلك ( في يوم ) من أيام الدنيا ( مقداره ) أن لو سير فيه السير المعروف من البشر ( ألف سنة ) لأن ما بين السماء والأرض خمسمائة عام . وقال
مجاهد أيضا : الضمير في ( مقداره ) عائد على التدبير ، أي : كان مقدار التدبير المنقضي في يوم ألف سنة لو دبره البشر . وقال
مجاهد أيضا : يدبر ويلقي إلى الملائكة أمور ألف سنة من عندنا ، وهو اليوم عنده ، فإذا فرغت ألقى إليهم مثلها . فالمعنى : أن الأمور تنفذ عنه لهذه المدة وتصير إليه آخرا ; لأن عاقبة الأمور إليه . وقيل : المعنى يدبره في الدنيا إلى أن تقوم الساعة ، فينزل القضاء والقدر ، ثم تعرج إليه يوم القيامة ، ومقداره ما ذكر ليحكم فيه من ذلك اليوم ، حيث ينقطع أمر الأمراء ، أو أحكام الحكام ، وينفرد بالأمر كل يوم من أيام الآخرة بألف سنة ، وهو على الكفار قدر خسمين ألف سنة حسبما في سورة " سأل سائل " ، وتأتي الأقوال فيه إن شاء الله تعالى . وقيل : ينزل الوحي مع جبريل من السماء إلى الأرض ، ثم يرجع إلى ما كان من قبول الوحي أو ربه مع جبريل ، وذلك في وقت هو في الحقيقة ألف سنة ; لأن المسافة مسيرة ألف سنة في الهبوط والصعود ; لأن ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة ، وهو يوم من أيامكم لسرعة جبريل ; لأنه يقطع مسيرة ألف سنة في يوم واحد . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وبداية الأمر المأمور به من الطاعات والأعمال الصالحة ، ينزله مدبرا من السماء إلى الأرض ، ثم لا يعمل به ، ولا يصعد إليه ذلك المأمور به خالصا كما يريده ويرتضيه ، إلا في مدة متطاولة ، لقلة الأعمال لله والخلوص من عباده ، وقلة الأعمال الصاعدة ; لأنه لا يوصف بالصعود إلا الخالص ، ودل عليه قوله على أثره : ( قليلا ما تشكرون ) . انتهى .
وقيل : يدبر أمر الشمس في طلوعها من المشرق وغروبها في المغرب ، ومدارها في العالم من السماء إلى الأرض ; لأنها على أهل الأرض تطلع إلى أن تغرب ، وترجع إلى موضعها من الطلوع في يوم مقداره في المسافة ألف سنة . والضمير في ( إليه ) عائد إلى السماء ; لأنها تذكر ; وقيل : إلى الله . وقال
عبد الله بن سابط : يدبر أمر الدنيا أربعة :
جبريل للرياح ، والجنود
وميكائيل للقطر والماء ، وملك الموت لقبض الأرواح ،
وإسرافيل لنزول الأمر عليهم . وقيل : العرش موضع التدبير ، وما دونه موضع التفصيل ، وما دون السماوات موضع التعريف . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : الأمر : الوحي . وقال
مقاتل : القضاء . وقال غيرهما : أمر الدنيا . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : تقول عرجت في السلم أعرج ، وعرج الرجل يعرج إذا صار أعرج . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=12356ابن أبي عبلة : ( يعرج ) مبنيا للمفعول ; والجمهور : مبنيا للفاعل . قال
أبو عبد الله الرازي : وفي هذا لطيفة ، وهو أن الله ذكر في الآية المتقدمة عالم الأجسام والخلق ، وأشار إلى عظمة الملك ; وذكر هنا عالم الأرواح والأمر بقوله : ( يدبر الأمر ) والروح من عالم الأمر ، كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=85قل الروح من أمر ربي ) وأشار إلى دوامه بلفظ يوهم الزمان . والمراد دوام النفاد ، كما يقال في العرف : طال زمان فلان ، والزمان يمتد فيوجد في أزمنة كثيرة . فأشار إلى عظمة الملك بالمكان ، وأشار إلى دوامه هنا بالزمان والمكان من خلقه وملكه ، والزمان بحكمه وأمره . انتهى . وهو كلام ليس جاريا
[ ص: 199 ] على فهم العرب . وقرأ الجمهور : ( مما تعدون ) بتاء الخطاب . وقرأ
السلمي ،
وابن وثاب ،
nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش ،
والحسن : بياء الغيبة ، بخلاف عن
الحسن . وقرأ
جناح بن حبيش : " ثم تعرج الملائكة " ، بزيادة الملائكة ، ولعله تفسير منه لسقوطه في سواد المصحف .
( ذلك ) أي : ذلك الموصوف بالخلق والاستواء والتدبير ( عالم الغيب ) والغيب : الآخرة ( والشهادة ) الدنيا ، أو الغيب : ما غاب عن المخلوقين ، والشهادة : ما شوهد من الأشياء ، قولان . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=15948زيد بن علي :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=6عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم بخفض الأوصاف الثلاثة ;
nindex.php?page=showalam&ids=12020وأبو زيد النحوي : بخفض ( العزيز الرحيم ) . وقرأ الجمهور : برفع الثلاثة على أنها أخبار لذلك ، أو الأول خبر والاثنان وصفان ، ووجه الخفض أن يكون ذلك إشارة إلى الأمر ، وهو فاعل بـ : ( يعرج ) ، أي : ثم يعرج إليه ذلك ، أي : الأمر المدبر ، ويكون " عالم " وما بعده بدلا من الضمير في " إليه " . وفي قراءة
ابن زيد يكون ( ذلك عالم ) مبتدأ وخبر ، و " العزيز الرحيم " بالخفض بدل من الضمير في " إليه " . وقرأ الجمهور : ( خلقه ) ، بفتح اللام ، فعلا ماضيا صفة لـ : ( كل ) أو لشيء . وقرأ العربيان ،
وابن كثير : بسكون اللام ، والظاهر أنه بدل اشتمال ، والمبدل منه " كل " ، أي : أحسن خلق كل شيء ، فالضمير في ( خلقه ) عائد على ( كل ) . وقيل : الضمير في ( خلقه ) عائد على الله ، فيكون انتصابه نصب المصدر المؤكد لمضمون الجملة ، كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=138صبغة الله ) وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه ، أي : خلقه خلقا . ورجح على بدل الاشتمال بأن فيه إضافة المصدر إلى الفاعل ، وهو أكثر من إضافته إلى المفعول ، وبأنه أبلغ في الامتنان ; لأنه إذا قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=7أحسن كل شيء ) كان أبلغ من : أحسن خلق كل شيء ; لأنه قد يحسن الخلق ، وهو المجاز له ، ولا يكون الشيء في نفسه حسنا . فإذا قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=7أحسن كل شيء ) اقتضى أن كل شيء خلقه حسن ، بمعنى : أنه وضع كل شيء في موضعه . انتهى .
وقيل : في هذا الوجه ، وهو عود الضمير في ( خلقه ) على الله ، يكون بدلا من كل شيء ، بدل شيء من شيء ، وهما لعين واحدة . ومعنى ( أحسن ) حسن ; لأنه ما من شيء خلقه إلا وهو مرتب على ما تقضيه الحكمة . فالمخلوقات كلها حسنة ، وإن تفاوتت في الحسن ، وحسنها من جهة المقصد الذي أريد بها . ولهذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : ليست القردة بحسنة ، ولكنها متقنة محكمة . وعلى قراءة من سكن لام ( خلقه ) ، قال
مجاهد : أعطى كل جنس شكله ، والمعنى : خلق كل شيء على شكله الذي خصه به . وقال
الفراء : ألهم كل شيء خلقه فيما يحتاجون إليه ، كأنه أعلمهم ذلك ، فيكون كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=50أعطى كل شيء خلقه ) . وقرأ الجمهور : ( بدأ ) بالهمز ;
nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري : بالألف بدلا من الهمزة ، وليس بقياس أن يقول في هدأ : هدا ، بإبدال الهمزة ألفا ، بل قياس هذه الهمزة التسهيل بين بين ; على أن
الأخفش حكى في قرأت : قريت ونظائره . وقيل : وهي لغية ;
والأنصار تقول في بدأ : بدي ، بكسر عين الكلمة وياء بعدها ، وهي لغة لطيئ . يقولون في فعل هذا نحو بقي : بقأ ، فاحتمل أن تكون قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري على هذه اللغة أصله بدي ، ثم صار بدأ ، أو على لغة الأنصار . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=82ابن رواحة :
باسم الإله وبه بدينا ولو عبدنا غيره شقينا
(
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=7nindex.php?page=treesubj&link=29003وبدأ خلق الإنسان ) هو آدم ، عليه الصلاة والسلام . (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=8ثم جعل نسله ) أي : ذريته . نسل من الشيء : انفصل منه . (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=9ثم سواه ) قومه وأضاف الروح إلى ذاته ; دلالة على أنه خلق عجيب ، لا يعلم حقيقته إلا هو ، وهي إضافة ملك إلى مالك وخلق إلى خالق تعالى . ( وجعل لكم ) التفات ، إذ هو خروج من مفرد غائب إلى جمع مخاطب ، وتعديد للنعم ، وهي شاملة لآدم ; كما أن التسوية ونفخ الروح شامل له ولذريته . والظاهر أن ( وقالوا ) الضمير لجمع ، وقيل : القائل
أبي بن خلف ، وأسند إلى الجمع لرضاهم به ، والناصب للظرف محذوف يدل عليه ( أئنا ) وما بعدها تقديره انبعث . (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=10أئذا ضللنا ) ومن قرأ إذا بغير استفهام ، فجواب
[ ص: 200 ] إذا محذوف ، أي : إذا ضللنا في الأرض نبعث ، ويكون إخبارا منهم على طريق الاستهزاء . وكذلك من قرأ : " إنا " على الخبر ، أكدوا ذلك الاستهزاء باستهزاء آخر . وقرأ الجمهور : بفتح اللام ، والمضارع " يضل " بكسر عين الكلمة ، وهي اللغة الشهيرة الفصيحة ، وهي لغة
نجد . قال
مجاهد : هلكنا ، وكل شيء غلب عليه غيره حتى تلف وخفي فقد هلك ، وأصله من : ضل الماء في اللبن ، إذا ذهب . وقال
قطرب : ضللنا : غبنا في الأرض ، وأنشد قول
النابغة الذبياني :
فآب مضلوه بعين جلية وغودر بالجولان حزم ونائل
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=17344يحيى بن يعمر ،
وابن محيصن ،
وأبو رجاء ،
وطلحة ،
وابن وثاب : بكسر اللام ، والمضارع بفتحها ، وهي لغة
أبي العالية . وقرأ
أبو حيوة : " ضللنا " ، بالضاد المنقوطة وضمها وكسر اللام مشددة ، ورويت عن
علي . وقرأ
علي ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ،
والحسن ،
nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش ،
وأبان بن سعيد بن العاص : " صللنا " ، بالصاد المهملة وفتح اللام ، ومعناه : أنتنا . وعن
الحسن : " صللنا " ، بكسر اللام ، يقال : صل يصل ، بفتح العين في الماضي وكسرها في المضارع ; وصل يصل : بكسر العين في الماضي وفتحها في المضارع ; وأصل يصل ، بالهمزة على وزن أفعل . قال الشاعر :
تلجلج مضغة فيها أنيض أصلت فهي تحت الكشح داء
وقال
الفراء : معناه صرنا بين الصلة ، وهي الأرض اليابسة الصلبة . وقال
النحاس : لا نعرف في اللغة صللنا ، ولكن يقال : أصل اللحم وصل ، وأخم وخم إذا أنتن ، وحكاه غيره . (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=10بل هم بلقاء ربهم كافرون ) جاحدون بلقاء الله والصيرورة إلى جزائه . ثم أمره تعالى أن يخبرهم بجملة الحال غير مفصلة ، من قبض أرواحهم ، ثم عودهم إلى جزاء ربهم بالبعث . و (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=11ملك الموت ) اسمه
عزرائيل ، ومعناه عبد الله . وقرأ الجمهور : ( ترجعون ) مبنيا للمفعول ;
nindex.php?page=showalam&ids=15948وزيد بن علي : مبنيا للفاعل .
( ولو ترى ) الظاهر أنه خطاب للرسول ، وقيل : له ولأمته ، أي : ولو ترى يا
محمد منكري البعث يوم القيامة لرأيت العجب . وقال
أبو العباس : المعنى يا محمد قل للمجرم . ( ولو ترى ) رأى أن الجملة معطوفة على ( يتوفاكم ) داخلة تحت ( قل ) فلذلك لم يجعله خطابا للرسول . والظاهر أن لو هنا لم تشرب معنى التمني ، بل هي التي لما كان سيقع لوقوع غيره ، والجواب محذوف ، أي : لرأيت أسوأ حال يرى . ولو تعليق في الماضي ، وإذ ظرف للماضي ، فلتحقق الأخبار ووقوعه قطعا أتى بهما تنزيلا منزلة الماضي . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : يجوز أن يكون خطابا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وفيه وجهان : أحدهما : أن يراد به التمني ، كأن قيل : وليتك ترى ، والتمني له ، كما كان الترجي له في : ( لعلهم يهتدون ) لأنه تجرع منهم الغصص ومن عداوتهم وضرارهم ، فجعل الله له تمني أن يراهم على تلك الصفة الفظيعة من الحياء والخزي والغم ليشمت بهم ، وأن تكون لو امتناعية ، وقد حذف جوابها ، وهو : لرأيت أمرا فظيعا . ويجوز أن يخاطب به كل أحد ، كما تقول : فلان لئيم إن أكرمته أهانك ، وإن أحسنت إليه أساء إليك ، فلا يريد به مخاطبا بعينه ، وكأنك قلت : إن أكرم وإن أحسن إليه . انتهى . والتمني بـ : " لو " في هذا الموضع بعيد ، وتسمية لو امتناعية ليس بجيد ، بل العبارة الصحيحة : لو لما
[ ص: 201 ] كان سيقع لوقوع غيره ، وهي عبارة
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه ، وقوله : قد حذف جوابها وتقديره : وليتك ترى ما يدل على أنها كانت إذا للتمني لا جواب لها ، والصحيح أنها إذا أشربت معنى التمني ، يكون لها جواب كحالها إذا لم تشربه . قال الشاعر :
فلو نبش المقابر عن كليب فيخبر بالذنائب أي زير
بيوم الشعثمين لقر عينا وكيف لقاء من تحت القبور
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وقد تجيء لو في معنى التمني ، كقولك : لو تأتيني فتحدثني ، كما تقول : ليتك تأتيني فتحدثني . فقال
ابن مالك : إن أراد به الحذف ، أي : وددت لو تأتيني فصحيح ، وإن أراد أنها موضوعة للتمني فغير صحيح ; لأنها لو كانت موضوعة له ، ما جاز أن يجمع بينها وبين فعل التمني . لا يقال : تمنيت ليتك تفعل ، ويجوز : تمنيت لو تقوم . وكذلك امتنع الجمع بين لعل والترجي ، وبين إلا وأستثني . انتهى . (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=12ناكسو رءوسهم ) مطرقوها ، من الذل والحزن والهم والغم والذم . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=15948زيد بن علي : " نكسوا رءوسهم " ، فعلا ماضيا ومفعولا ; والجمهور : اسم فاعل مضاف . ( عند ربهم ) أي : عند مجازاته ، وهو مكان شدة الخجل ; لأن المربوب إذا أساء ووقف بين يدي ربه كان في غاية الخجل . ( ربنا ) على إضمار يقولون ، وقدره
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : يستغيثون بقولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=12ربنا أبصرنا ) ما كنا نكذب ; (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=12وسمعنا ) ما كنا ننكر ; وأبصرنا صدق وعدك ووعيدك ، وسمعنا تصديق رسلك ، وكنا عميا وصما فأبصرنا وسمعنا ، فارجعنا إلى الدنيا . (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=12إنا موقنون ) أي : بالبعث . قاله
النقاش ; وقيل : مصدقون بالذي قال الرسول صلى الله عليه وسلم ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=17317يحيى بن سلام . و ( موقنون ) : مشعر بالالتباس في الحال ، أي : حين أبصروا وسمعوا . وقيل : ( موقنون ) : زالت الآن عنا الشكوك ، ولم نكن في الدنيا نتدبر ، وكنا كمن لا يبصر ولا يسمع . وقيل : لك الحجة ، ربنا قد أبصرنا رسلك وعجائب في الدنيا ، وسمعنا كلامهم فلا حجة لنا ، وهذا اعتراف منهم .
سُورَةُ السَّجْدَةِ مَكِّيَّةٌ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=1الم nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=2nindex.php?page=treesubj&link=29003تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=3أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=4اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=5يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=6ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=7الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=8ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=9ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=10وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=11قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=12وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ ) .
[ ص: 196 ] هَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ ، قِيلَ : إِلَّا خَمْسَ آيَاتٍ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=16تَتَجَافَى ) إِلَى ( تُكَذِّبُونَ ) . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ ،
وَمُقَاتِلٌ ،
وَالْكَلْبِيُّ : إِلَّا ثَلَاثَ آيَاتٍ نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=18أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا ) . قَالَ كُفَّارُ
قُرَيْشٍ : لَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ
مُحَمَّدًا إِلَيْنَا ، وَإِنَّمَا الَّذِي جَاءَ بِهِ اخْتِلَاقٌ مِنْهُ ، فَنَزَلَتْ . وَلَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى ، فِيمَا قَبْلَهَا ، دَلَائِلَ التَّوْحِيدِ مِنْ بَدْءِ الْخَلْقِ ، وَهُوَ الْأَصْلُ الْأَوَّلُ ; ثُمَّ ذَكَرَ الْمَعَادَ وَالْحَشْرَ ، وَهُوَ الْأَصْلُ الثَّانِي ، وَخَتَمَ بِهِ السُّورَةَ ، ذَكَرَ فِي بَدْءِ هَذِهِ السُّورَةِ الْأَصْلَ الثَّالِثَ ، وَهُوَ تَبْيِينُ الرِّسَالَةِ .
وَ ( الْكِتَابِ ) الْقُرْآنِ . قَالَ
الْحَوْفِيُّ : ( تَنْزِيلُ ) مُبْتَدَأٌ ( وَلَا رَيْبَ ) خَبَرُهُ . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ( تَنْزِيلُ ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ ، أَيْ : هَذَا الْمَتْلُوُّ تَنْزِيلٌ ، أَوْ هَذِهِ الْحُرُوفُ تَنْزِيلٌ ، وَ ( الم ) بَدَلٌ عَلَى الْحُرُوفِ . وَقَالَ
أَبُو الْبَقَاءِ : ( الم ) مُبْتَدَأٌ ، وَ ( تَنْزِيلُ ) خَبَرُهُ بِمَعْنَى الْمَنْزِلِ ، وَ ( لَا رَيْبَ فِيهِ ) حَالٌ مِنَ الْكِتَابِ ، وَالْعَامِلُ فِيهِ ( تَنْزِيلُ ) ، وَ ( مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) مُتَعَلِّقٌ بِـ : ( تَنْزِيلُ ) أَيْضًا . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي ( فِيهِ ) ، وَالْعَامِلُ فِيهِ الظَّرْفُ . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ( تَنْزِيلُ ) مُبْتَدَأً ، وَ ( لَا رَيْبَ فِيهِ ) الْخَبَرُ ، وَ ( مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) حَالٌ كَمَا تَقَدَّمَ . وَلَا يَجُوزُ عَلَى هَذَا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِـ : ( تَنْزِيلُ ) ; لِأَنَّ الْمَصْدَرَ قَدْ أُخْبِرَ عَنْهُ . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ ( مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) وَ ( لَا رَيْبَ ) حَالٌ مِنَ الْكِتَابِ ، وَأَنْ يَكُونَ خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ . انْتَهَى . وَالَّذِي أَخْتَارُهُ أَنْ يَكُونَ ( تَنْزِيلُ ) مُبْتَدَأً ، وَ ( لَا رَيْبَ ) اعْتِرَاضٌ ، وَ ( مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) الْخَبَرُ . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : ( مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) مُتَعَلِّقٌ بِـ : ( تَنْزِيلُ ) ، فَفِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ ; وَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ : ( لَا رَيْبَ ) أَيْ :
[ ص: 197 ] لَا شَكَّ مِنْ جِهَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَإِنْ وَقَعَ شَكُّ الْكَفَرَةِ ، فَذَلِكَ لَا يُرَاعَى . وَالرَّيْبُ : الشَّكُّ ، وَكَذَا هُوَ فِي كُلِّ الْقُرْآنِ ، إِلَّا قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=30رَيْبَ الْمَنُونِ ) . انْتَهَى .
وَإِذَا كَانَ ( تَنْزِيلُ ) خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ ، وَكَانَتِ الْجُمْلَةُ اعْتِرَاضِيَّةً بَيْنَ مَا افْتَقَرَ إِلَى غَيْرِهِ وَبَيْنَهُ ، لَمْ نَقُلْ فِيهِ : إِنَّ فِيهِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا ، بَلْ لَوْ تَأَخَّرَ لَمْ يَكُنِ اعْتِرَاضًا . وَأَمَّا كَوْنُهُ مُتَعَلِّقًا بِـ : ( لَا رَيْبَ ) ، فَلَيْسَ بِالْجَيِّدِ ; لِأَنَّ نَفْيَ الرَّيْبِ عَنْهُ مُطْلَقًا هُوَ الْمَقْصُودُ ; لِأَنَّ الْمَعْنَى : لَا مَدْخَلَ لِلرَّيْبِ فِيهِ أَنَّهُ تَنْزِيلُ اللَّهِ ; لِأَنَّ مُوجِبَ نَفْيِ الرَّيْبِ عَنْهُ مَوْجُودٌ فِيهِ ، وَهُوَ الْإِعْجَازُ ، فَهُوَ أَبْعَدُ شَيْءٍ مِنَ الرَّيْبِ . وَقَوْلُهُمُ : ( افْتَرَاهُ ) كَلَامُ جَاهِلٍ لَمْ يُمْعِنِ النَّظَرَ ، أَوْ جَاحِدٍ مُسْتَيْقِنٍ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، فَقَالَ ذَلِكَ حَسَدًا ، أَوْ حُكْمًا مِنَ اللَّهِ عَلَيْهِ بِالضَّلَالِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَالضَّمِيرُ فِي ( فِيهِ ) رَاجِعٌ إِلَى مَضْمُونِ الْجُمْلَةِ ، كَأَنَّهُ قِيلَ : لَا رَيْبَ فِي ذَلِكَ ، أَيْ : فِي كَوْنِهِ مُنْزَلًا مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ . وَيَشْهَدُ لِوَجَاهَتِهِ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=3أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ) لِأَنَّ قَوْلَهُمْ : هَذَا مُفْتَرًى ، إِنْكَارٌ لِأَنْ يَكُونَ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=3بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ) وَمَا فِيهِ مِنْ تَقْدِيرٍ أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ ، وَهَذَا أُسْلُوبٌ صَحِيحٌ مُحْكَمٌ ، أَثْبَتَ أَوَّلًا أَنَّ تَنْزِيلَهُ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَأَنَّ ذَلِكَ مَا لَا رَيْبَ فِيهِ . ثُمَّ أَضْرَبَ عَنْ ذَلِكَ إِلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=treesubj&link=29003أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ) لِأَنَّ أَمْ هِيَ الْمُنْقَطِعَةُ الْكَائِنَةُ بِمَعْنَى بَلْ ، وَالْهَمْزَةُ إِنْكَارًا لِقَوْلِهِمْ وَتَعَجُّبًا مِنْهُ لِظُهُورِ أَمْرِهِ فِي عَجْزِ بُلَغَائِهِمْ عَنْ مِثْلِ ثَلَاثِ آيَاتٍ ، ثُمَّ أَضْرَبَ عَنِ الْإِنْكَارِ إِلَى الْإِثْبَاتِ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ . انْتَهَى ، وَهُوَ كَلَامٌ فِيهِ تَكْثِيرٌ . وَقَالَ
أَبُو عُبَيْدَةَ : " أَمْ " يَكُونُ مَعْنَاهُ : بَلْ يَقُولُونَ ، فَهُوَ خُرُوجٌ مِنْ حَدِيثٍ إِلَى حَدِيثٍ ; وَ ( مِنْ رَبِّكَ ) فِي مَوْضِعِ الْحَالِ ، أَيْ : كَائِنًا مِنْ عِنْدِ رَبِّكَ ، وَبِهِ مُتَعَلِّقٌ بِـ : ( لِتُنْذِرَ ) ، أَوْ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ : أَنْزَلَهُ لِتُنْذِرَ . وَالْقَوْمُ هُنَا
قُرَيْشٌ وَالْعَرَبُ ، وَ " مَا " نَافِيَةٌ ، وَ ( مِنْ نَذِيرٍ ) : " مِنْ " زَائِدَةٌ ، وَ " نَذِيرٍ " فَاعِلُ أَتَاهُمْ .
أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ لَمْ يَبْعَثْ إِلَيْهِمْ رَسُولًا بِخُصُوصِيَّتِهِمْ قَبْلَ
مُحَمَّدٍ ، لَا لَهُمْ وَلَا لِآبَائِهِمْ ، لَكِنَّهُمْ كَانُوا مُتَعَبِّدِينَ بِمِلَّةِ
إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ ، وَمَا زَالُوا عَلَى ذَلِكَ إِلَى أَنْ غَيَّرَ ذَلِكَ بَعْضُ رُؤَسَائِهِمْ ، وَعَبَدُوا الْأَصْنَامَ وَعَمَّ ذَلِكَ ، فَهُمْ مُنْدَرِجُونَ تَحْتَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=24وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ ) أَيْ : شَرِيعَتُهُ وَدِينُهُ ; وَالنَّذِيرُ لَيْسَ مَخْصُوصًا بِمَنْ بَاشَرَ ، بَلْ يَكُونُ نَذِيرًا لِمَنْ بَاشَرَهُ ، وَلِغَيْرِ مَنْ بَاشَرَهُ بِالْقُرْبِ مِمَّنْ سَبَقَ لَهَا نَذِيرٌ ، وَلَمْ يُبَاشِرْهُمْ نَذِيرٌ غَيْرُ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ ،
وَمُقَاتِلٌ : الْمَعْنَى لَمْ يَأْتِهِمْ فِي الْفَتْرَةِ بَيْنَ
عِيسَى وَمُحَمَّدٍ ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : ( مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ ) كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=6مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ ) وَذَلِكَ أَنَّ
قُرَيْشًا لَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ إِلَيْهِمْ رَسُولًا قَبْلَ
مُحَمَّدٍ . فَإِنْ قُلْتَ : فَإِذَا لَمْ يَأْتِهِمْ نَذِيرٌ ، لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِمْ حُجَّةٌ . قُلْتُ : أَمَّا قِيَامُ الْحُجَّةِ بِالشَّرَائِعِ الَّتِي لَا يُدْرَكُ عِلْمُهَا إِلَّا بِالرُّسُلِ فَلَا ، وَأَمَّا قِيَامُهَا بِمَعْرِفَةِ اللَّهِ وَتَوْحِيدِهِ وَحِكْمَتِهِ فَنَعَمْ ; لِأَنَّ أَدِلَّةَ الْعَقْلِ الْمُوصِلَةَ إِلَى ذَلِكَ مَعَهُمْ فِي كُلِّ زَمَانٍ . انْتَهَى . وَالَّذِي ذُهِبَ إِلَيْهِ غَيْرُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمُفَسِّرُونَ ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ فَهِمُوا مِنْ قَوْلِهِ : ( مَا أَتَاهُمْ ) وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=6مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ ) أَنَّ " مَا " نَافِيَةٌ ، وَعِنْدِي أَنَّ مَا مَوْصُولَةٌ ، وَالْمَعْنَى : لِتُنْذِرَ قَوْمًا الْعِقَابَ الَّذِي أَتَاهُمْ . ( مِنْ نَذِيرٍ ) مُتَعَلِّقٌ بِـ : ( أَتَاهُمْ ) ، أَيْ : أَتَاهُمْ عَلَى لِسَانِ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ . وَكَذَلِكَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=6لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ ) أَيِ : الْعِقَابَ الَّذِي أُنْذِرَهُ آبَاؤُهُمْ ، فَ : " مَا " مَفَعُولَةٌ فِي الْمَوْضِعَيْنِ ، وَ ( أُنْذِرَ ) يَتَعَدَّى إِلَى اثْنَيْنِ . قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=13فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً ) وَهَذَا الْقَوْلُ جَارٍ عَلَى ظَوَاهِرِ الْقُرْآنِ . قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=24وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ ) وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=19أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=15وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=59وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا ) .
وَلَمَّا حَكَى تَعَالَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ : إِنَّ
مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - افْتَرَاهُ وَرَدَّ عَلَيْهِمْ ، اقْتَصَرَ فِي ذِكْرِ مَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ عَلَى الْإِنْذَارِ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ جَاءَ لَهُ وَلِلتَّبْشِيرِ لِيَكُونَ ذَلِكَ رَدْعًا لَهُمْ ، وَلِأَنَّهُ إِذَا ذَكَرَ الْإِنْذَارَ ، صَارَ عِنْدَ الْعَاقِلِ فِكْرٌ فِيمَا أُنْذِرَ بِهِ ، فَلَعَلَّ ذَلِكَ الْفِكْرَ يَكُونُ سَبَبًا لِهِدَايَتِهِ . وَ ( لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ) تَرْجِيَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، كَمَا كَانَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=44لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ) مِنْ
مُوسَى وَهَارُونَ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَأَنْ
[ ص: 198 ] يُسْتَعَارَ لَفْظُ التَّرَجِّي لِلْإِرَادَةِ . انْتَهَى . يَعْنِي أَنَّهُ عَبَّرَ عَنِ الْإِرَادَةِ بِلَفْظِ التَّرَجِّي ، وَمَعْنَاهُ : إِرَادَةُ اهْتِدَائِهِمْ ، وَهَذِهِ نَزْعَةٌ اعْتِزَالِيَّةٌ ; لِأَنَّهُ عِنْدَهُمْ أَنْ يُرِيدَ هِدَايَةَ الْعَبْدِ ، فَلَا يَقَعُ مَا يُرِيدُ ، وَيَقَعُ مَا يُرِيدُ الْعَبْدُ ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ . وَلَمَّا بَيَّنَ تَعَالَى أَمْرَ الرِّسَالَةِ ، ذَكَرَ مَا عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الدُّعَاءِ إِلَى التَّوْحِيدِ ، وَإِقَامَةِ الدَّلِيلِ بِذِكْرِ مَبْدَأِ الْعَالَمِ . وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=54فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ) فِي الْأَعْرَافِ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=4مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ ) أَيْ : إِذَا جَاوَزْتُمُوهُ إِلَى سِوَاهُ فَاتَّخَذْتُمُوهُ نَاصِرًا وَشَفِيعًا . ( أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ ) مُوجِدَ هَذَا الْعَالَمَ ، فَتَعْبُدُوهُ وَتَرْفُضُوا مَا سِوَاهُ ؟
( يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ) الْأَمْرُ : وَاحِدُ الْأُمُورِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ ،
وَمُجَاهِدٌ ،
وَقَتَادَةُ ،
وَعِكْرِمَةُ ،
وَالضَّحَّاكُ : يُنَفِّذُ اللَّهُ قَضَاءَهُ بِجَمِيعِ مَا يَشَاؤُهُ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=5ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ ) أَيْ : يَصْعَدُ ، خَبَرُ ذَلِكَ ( فِي يَوْمٍ ) مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا ( مِقْدَارُهُ ) أَنْ لَوْ سِيرَ فِيهِ السَّيْرَ الْمَعْرُوفَ مِنَ الْبَشَرِ ( أَلْفَ سَنَةٍ ) لِأَنَّ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ . وَقَالَ
مُجَاهِدٌ أَيْضًا : الضَّمِيرُ فِي ( مِقْدَارُهُ ) عَائِدٌ عَلَى التَّدْبِيرِ ، أَيْ : كَانَ مِقْدَارُ التَّدْبِيرِ الْمُنْقَضِي فِي يَوْمٍ أَلْفَ سَنَةٍ لَوْ دَبَّرَهُ الْبَشَرُ . وَقَالَ
مُجَاهِدٌ أَيْضًا : يُدَبِّرُ وَيُلْقِي إِلَى الْمَلَائِكَةِ أُمُورَ أَلْفِ سَنَةٍ مِنْ عِنْدِنَا ، وَهُوَ الْيَوْمُ عِنْدَهُ ، فَإِذَا فَرَغَتْ أَلْقَى إِلَيْهِمْ مِثْلَهَا . فَالْمَعْنَى : أَنَّ الْأُمُورَ تُنَفَّذُ عَنْهُ لِهَذِهِ الْمُدَّةِ وَتَصِيرُ إِلَيْهِ آخِرًا ; لِأَنَّ عَاقِبَةَ الْأُمُورِ إِلَيْهِ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى يُدَبِّرُهُ فِي الدُّنْيَا إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ ، فَيَنْزِلُ الْقَضَاءُ وَالْقَدَرُ ، ثُمَّ تَعْرُجُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَمِقْدَارُهُ مَا ذُكِرَ لِيَحْكُمَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ ، حَيْثُ يَنْقَطِعُ أَمْرُ الْأُمَرَاءِ ، أَوْ أَحْكَامُ الْحُكَّامِ ، وَيَنْفَرِدُ بِالْأَمْرِ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الْآخِرَةِ بِأَلْفِ سَنَةٍ ، وَهُوَ عَلَى الْكُفَّارِ قَدْرُ خَسْمِينَ أَلْفِ سَنَةٍ حَسْبَمَا فِي سُورَةِ " سَأَلَ سَائِلٌ " ، وَتَأْتِي الْأَقْوَالُ فِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . وَقِيلَ : يَنْزِلُ الْوَحْيُ مَعَ جِبْرِيلَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى مَا كَانَ مِنْ قَبُولِ الْوَحْيِ أَوْ رَبِّهِ مَعَ جِبْرِيلَ ، وَذَلِكَ فِي وَقْتٍ هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ أَلْفُ سَنَةٍ ; لِأَنَّ الْمَسَافَةَ مَسِيرَةُ أَلْفِ سَنَةٍ فِي الْهُبُوطِ وَالصُّعُودِ ; لِأَنَّ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ مَسِيرَةَ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ ، وَهُوَ يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِكُمْ لِسُرْعَةِ جِبْرِيلَ ; لِأَنَّهُ يَقْطَعُ مَسِيرَةَ أَلْفِ سَنَةٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَبِدَايَةُ الْأَمْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ مِنَ الطَّاعَاتِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ ، يُنْزِلُهُ مُدَبَّرًا مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ، ثُمَّ لَا يُعْمَلُ بِهِ ، وَلَا يَصْعَدُ إِلَيْهِ ذَلِكَ الْمَأْمُورُ بِهِ خَالِصًا كَمَا يُرِيدُهُ وَيَرْتَضِيهِ ، إِلَّا فِي مُدَّةٍ مُتَطَاوِلَةٍ ، لِقِلَّةِ الْأَعْمَالِ لِلَّهِ وَالْخُلُوصِ مِنْ عِبَادِهِ ، وَقِلَّةِ الْأَعْمَالِ الصَّاعِدَةِ ; لِأَنَّهُ لَا يُوصَفُ بِالصُّعُودِ إِلَّا الْخَالِصُ ، وَدَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عَلَى أَثَرِهِ : ( قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ) . انْتَهَى .
وَقِيلَ : يُدَبِّرُ أَمْرَ الشَّمْسِ فِي طُلُوعِهَا مِنَ الْمَشْرِقِ وَغُرُوبِهَا فِي الْمَغْرِبِ ، وَمَدَارِهَا فِي الْعَالَمِ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ; لِأَنَّهَا عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ تَطْلُعُ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ ، وَتَرْجِعَ إِلَى مَوْضِعِهَا مِنَ الطُّلُوعِ فِي يَوْمٍ مِقْدَارُهُ فِي الْمَسَافَةِ أَلْفُ سَنَةٍ . وَالضَّمِيرُ فِي ( إِلَيْهِ ) عَائِدٌ إِلَى السَّمَاءِ ; لِأَنَّهَا تُذَكَّرُ ; وَقِيلَ : إِلَى اللَّهِ . وَقَالَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَابِطٍ : يُدَبِّرُ أَمْرَ الدُّنْيَا أَرْبَعَةٌ :
جِبْرِيلُ لِلرِّيَاحِ ، وَالْجُنُودُ
وَمِيكَائِيلُ لِلْقَطْرِ وَالْمَاءِ ، وَمَلَكُ الْمَوْتِ لِقَبْضِ الْأَرْوَاحِ ،
وَإِسْرَافِيلُ لِنُزُولِ الْأَمْرِ عَلَيْهِمْ . وَقِيلَ : الْعَرْشُ مَوْضِعُ التَّدْبِيرِ ، وَمَا دُونَهُ مَوْضِعُ التَّفْصِيلِ ، وَمَا دُونُ السَّمَاوَاتِ مَوْضِعُ التَّعْرِيفِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ : الْأَمْرُ : الْوَحْيُ . وَقَالَ
مُقَاتِلٌ : الْقَضَاءُ . وَقَالَ غَيْرُهُمَا : أَمْرُ الدُّنْيَا . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجَ : تَقُولُ عَرَّجْتُ فِي السُّلَّمِ أَعْرُجُ ، وَعَرَجَ الرَّجُلُ يَعْرُجُ إِذَا صَارَ أَعْرَجَ . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=12356ابْنُ أَبِي عَبْلَةَ : ( يَعْرُجُ ) مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ ; وَالْجُمْهُورُ : مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ . قَالَ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ : وَفِي هَذَا لَطِيفَةٌ ، وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَالَمَ الْأَجْسَامِ وَالْخَلْقَ ، وَأَشَارَ إِلَى عَظَمَةِ الْمُلْكِ ; وَذَكَرَ هُنَا عَالَمَ الْأَرْوَاحِ وَالْأَمْرِ بِقَوْلِهِ : ( يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ) وَالرُّوحُ مِنْ عَالَمِ الْأَمْرِ ، كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=85قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) وَأَشَارَ إِلَى دَوَامِهِ بِلَفْظٍ يُوهِمُ الزَّمَانَ . وَالْمُرَادُ دَوَامُ النَّفَادِ ، كَمَا يُقَالُ فِي الْعُرْفِ : طَالَ زَمَانُ فُلَانٍ ، وَالزَّمَانُ يَمْتَدُّ فَيُوجَدُ فِي أَزْمِنَةٍ كَثِيرَةٍ . فَأَشَارَ إِلَى عَظَمَةِ الْمُلْكِ بِالْمَكَانِ ، وَأَشَارَ إِلَى دَوَامِهِ هُنَا بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ مِنْ خَلْقِهِ وَمُلْكِهِ ، وَالزَّمَانُ بِحُكْمِهِ وَأَمْرِهِ . انْتَهَى . وَهُوَ كَلَامٌ لَيْسَ جَارِيًا
[ ص: 199 ] عَلَى فَهْمِ الْعَرَبِ . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : ( مِمَّا تَعُدُّونَ ) بِتَاءِ الْخِطَابِ . وَقَرَأَ
السُّلَمِيُّ ،
وَابْنُ وَثَّابٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13726وَالْأَعْمَشُ ،
وَالْحَسَنُ : بِيَاءِ الْغَيْبَةِ ، بِخِلَافٍ عَنِ
الْحَسَنِ . وَقَرَأَ
جَنَاحُ بْنُ حُبَيْشٍ : " ثُمَّ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ " ، بِزِيَادَةِ الْمَلَائِكَةِ ، وَلَعَلَّهُ تَفْسِيرٌ مِنْهُ لِسُقُوطِهِ فِي سَوَادِ الْمُصْحَفِ .
( ذَلِكَ ) أَيْ : ذَلِكَ الْمَوْصُوفُ بِالْخَلْقِ وَالِاسْتِوَاءِ وَالتَّدْبِيرِ ( عَالِمُ الْغَيْبِ ) وَالْغَيْبُ : الْآخِرَةُ ( وَالشَّهَادَةِ ) الدُّنْيَا ، أَوِ الْغَيْبُ : مَا غَابَ عَنِ الْمَخْلُوقِينَ ، وَالشَّهَادَةُ : مَا شُوهِدَ مِنَ الْأَشْيَاءِ ، قَوْلَانِ . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=15948زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=6عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ بِخَفْضِ الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ ;
nindex.php?page=showalam&ids=12020وَأَبُو زَيْدٍ النَّحْوِيُّ : بِخَفْضِ ( الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ ) . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : بِرَفْعِ الثَّلَاثَةِ عَلَى أَنَّهَا أَخْبَارٌ لِذَلِكَ ، أَوِ الْأَوَّلَ خَبَرٌ وَالِاثْنَانِ وَصْفَانِ ، وَوَجْهُ الْخَفْضِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إِشَارَةً إِلَى الْأَمْرِ ، وَهُوَ فَاعِلٌ بِـ : ( يَعْرُجُ ) ، أَيْ : ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ ذَلِكَ ، أَيِ : الْأَمْرُ الْمُدَبَّرُ ، وَيَكُونُ " عَالِمِ " وَمَا بَعْدَهُ بَدَلًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي " إِلَيْهِ " . وَفِي قِرَاءَةِ
ابْنِ زَيْدٍ يَكُونُ ( ذَلِكَ عَالِمُ ) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ ، وَ " الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ " بِالْخَفْضِ بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي " إِلَيْهِ " . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : ( خَلَقَهُ ) ، بِفَتْحِ اللَّامِ ، فِعْلًا مَاضِيًا صِفَةً لِـ : ( كُلَّ ) أَوْ لِشَيْءٍ . وَقَرَأَ الْعَرَبِيَّانِ ،
وَابْنُ كَثِيرٍ : بِسُكُونِ اللَّامِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بَدَلُ اشْتِمَالٍ ، وَالْمُبْدَلُ مِنْهُ " كُلَّ " ، أَيْ : أَحْسَنَ خَلْقَ كُلِّ شَيْءٍ ، فَالضَّمِيرُ فِي ( خَلَقَهُ ) عَائِدٌ عَلَى ( كُلَّ ) . وَقِيلَ : الضَّمِيرُ فِي ( خَلَقَهُ ) عَائِدٌ عَلَى اللَّهِ ، فَيَكُونُ انْتِصَابُهُ نَصَبَ الْمَصْدَرِ الْمُؤَكَّدِ لِمَضْمُونِ الْجُمْلَةِ ، كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=138صِبْغَةَ اللَّهِ ) وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ ، أَيْ : خَلَقَهُ خَلْقًا . وَرَجَّحَ عَلَى بَدَلِ الِاشْتِمَالِ بِأَنَّ فِيهِ إِضَافَةُ الْمَصْدَرِ إِلَى الْفَاعِلِ ، وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ إِضَافَتِهِ إِلَى الْمَفْعُولِ ، وَبِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الِامْتِنَانِ ; لِأَنَّهُ إِذَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=7أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ ) كَانَ أَبْلَغَ مِنْ : أَحْسَنَ خَلْقَ كُلِّ شَيْءٍ ; لِأَنَّهُ قَدْ يُحْسِنُ الْخَلْقَ ، وَهُوَ الْمَجَازُ لَهُ ، وَلَا يَكُونُ الشَّيْءُ فِي نَفْسِهِ حَسَنًا . فَإِذَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=7أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ ) اقْتَضَى أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ حَسَنٌ ، بِمَعْنَى : أَنَّهُ وَضَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي مَوْضِعِهِ . انْتَهَى .
وَقِيلَ : فِي هَذَا الْوَجْهِ ، وَهُوَ عَوْدُ الضَّمِيرِ فِي ( خَلَقَهُ ) عَلَى اللَّهِ ، يَكُونُ بَدَلًا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ، بَدَلُ شَيْءٍ مِنْ شَيْءٍ ، وَهُمَا لِعَيْنٍ وَاحِدَةٍ . وَمَعْنَى ( أَحْسَنَ ) حَسَّنَ ; لِأَنَّهُ مَا مِنْ شَيْءٍ خَلَقَهُ إِلَّا وَهُوَ مُرَتَّبٌ عَلَى مَا تَقْضِيهِ الْحِكْمَةُ . فَالْمَخْلُوقَاتُ كُلُّهَا حَسَنَةٌ ، وَإِنْ تَفَاوَتَتْ فِي الْحُسْنِ ، وَحُسْنُهَا مِنْ جِهَةِ الْمَقْصِدِ الَّذِي أُرِيدَ بِهَا . وَلِهَذَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : لَيْسَتِ الْقِرَدَةُ بِحَسَنَةٍ ، وَلَكِنَّهَا مُتْقَنَةٌ مُحْكَمَةٌ . وَعَلَى قِرَاءَةِ مَنْ سَكَّنَ لَامَ ( خَلَقَهُ ) ، قَالَ
مُجَاهِدٌ : أَعْطَى كُلَّ جِنْسٍ شَكْلَهُ ، وَالْمَعْنَى : خَلَقَ كُلُّ شَيْءٍ عَلَى شَكْلِهِ الَّذِي خَصَّهُ بِهِ . وَقَالَ
الْفَرَّاءُ : أَلْهَمَ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ فِيمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ ، كَأَنَّهُ أَعْلَمَهُمْ ذَلِكَ ، فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=50أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ) . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : ( بَدَأَ ) بِالْهَمْزِ ;
nindex.php?page=showalam&ids=12300وَالزُّهْرِيُّ : بِالْأَلِفِ بَدَلًا مِنَ الْهَمْزَةِ ، وَلَيْسَ بِقِيَاسٍ أَنْ يَقُولَ فِي هَدَأَ : هَدَا ، بِإِبْدَالِ الْهَمْزَةِ أَلِفًا ، بَلْ قِيَاسُ هَذِهِ الْهَمْزَةِ التَّسْهِيلُ بَيْنَ بَيْنَ ; عَلَى أَنَّ
الْأَخْفَشَ حَكَى فِي قَرَأْتُ : قَرَيْتُ وَنَظَائِرَهُ . وَقِيلَ : وَهِيَ لُغَيَّةٌ ;
وَالْأَنْصَارُ تَقُولُ فِي بَدَأَ : بَدِيَ ، بِكَسْرِ عَيْنِ الْكَلِمَةِ وَيَاءٍ بَعْدَهَا ، وَهِيَ لُغَةٌ لِطَيِّئٍ . يَقُولُونَ فِي فَعِلَ هَذَا نَحْوُ بَقِيَ : بَقَأَ ، فَاحْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ قِرَاءَةُ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيِّ عَلَى هَذِهِ اللُّغَةِ أَصْلُهُ بَدِيَ ، ثُمَّ صَارَ بَدَأَ ، أَوْ عَلَى لُغَةِ الْأَنْصَارِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=82ابْنُ رَوَاحَةَ :
بِاسْمِ الْإِلَهِ وَبِهِ بَدِينَا وَلَوْ عَبَدْنَا غَيْرَهُ شَقِينَا
(
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=7nindex.php?page=treesubj&link=29003وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ ) هُوَ آدَمُ ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=8ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ ) أَيْ : ذُرِّيَّتَهُ . نَسَلَ مِنَ الشَّيْءِ : انْفَصَلَ مِنْهُ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=9ثُمَّ سَوَّاهُ ) قَوَّمَهُ وَأَضَافَ الرُّوحَ إِلَى ذَاتِهِ ; دَلَالَةً عَلَى أَنَّهُ خَلْقٌ عَجِيبٌ ، لَا يَعْلَمُ حَقِيقَتَهُ إِلَّا هُوَ ، وَهِيَ إِضَافَةُ مُلْكٍ إِلَى مَالِكٍ وَخَلْقٍ إِلَى خَالِقٍ تَعَالَى . ( وَجَعَلَ لَكُمْ ) الْتِفَاتٌ ، إِذْ هُوَ خُرُوجٌ مِنْ مُفْرَدٍ غَائِبٍ إِلَى جَمْعٍ مُخَاطَبٍ ، وَتَعْدِيدٌ لِلنِّعَمِ ، وَهِيَ شَامِلَةٌ لِآدَمَ ; كَمَا أَنَّ التَّسْوِيَةَ وَنَفْخَ الرُّوحِ شَامِلٌ لَهُ وَلِذُرِّيَّتِهِ . وَالظَّاهِرُ أَنَّ ( وَقَالُوا ) الضَّمِيرُ لِجَمْعٍ ، وَقِيلَ : الْقَائِلُ
أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ ، وَأُسْنِدَ إِلَى الْجَمْعِ لِرِضَاهُمْ بِهِ ، وَالنَّاصِبُ لِلظَّرْفِ مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ ( أَئِنَّا ) وَمَا بَعْدَهَا تَقْدِيرُهُ انْبَعَثَ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=10أَئِذَا ضَلَلْنَا ) وَمَنْ قَرَأَ إِذَا بِغَيْرِ اسْتِفْهَامٍ ، فَجَوَابُ
[ ص: 200 ] إِذَا مَحْذُوفٌ ، أَيْ : إِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ نُبْعَثُ ، وَيَكُونُ إِخْبَارًا مِنْهُمْ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِهْزَاءِ . وَكَذَلِكَ مَنْ قَرَأَ : " إِنَّا " عَلَى الْخَبَرِ ، أَكَّدُوا ذَلِكَ الِاسْتِهْزَاءَ بِاسْتِهْزَاءٍ آخَرَ . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : بِفَتْحِ اللَّامِ ، وَالْمُضَارِعُ " يَضِلُّ " بِكَسْرِ عَيْنِ الْكَلِمَةِ ، وَهِيَ اللُّغَةُ الشَّهِيرَةُ الْفَصِيحَةُ ، وَهِيَ لُغَةُ
نَجْدٍ . قَالَ
مُجَاهِدٌ : هَلَكْنَا ، وَكُلُّ شَيْءٍ غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ حَتَّى تَلَفَ وَخَفِيَ فَقَدْ هَلَكَ ، وَأَصْلُهُ مِنْ : ضَلَّ الْمَاءُ فِي اللَّبَنِ ، إِذَا ذَهَبَ . وَقَالَ
قُطْرُبٌ : ضَلَلْنَا : غِبْنَا فِي الْأَرْضِ ، وَأَنْشَدَ قَوْلَ
النَّابِغَةِ الذُّبْيَانِيِّ :
فَآبَ مُضِلُّوهُ بِعَيْنٍ جَلِيَّةٍ وَغُودِرَ بِالْجَوْلَانِ حَزْمٌ وَنَائِلُ
وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=17344يَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ ،
وَابْنُ مُحَيْصِنٍ ،
وَأَبُو رَجَاءٍ ،
وَطَلْحَةُ ،
وَابْنُ وَثَّابٍ : بِكَسْرِ اللَّامِ ، وَالْمُضَارِعُ بِفَتْحِهَا ، وَهِيَ لُغَةُ
أَبِي الْعَالِيَةِ . وَقَرَأَ
أَبُو حَيْوَةَ : " ضُلِّلْنَا " ، بِالضَّادِ الْمَنْقُوطَةِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِ اللَّامِ مُشَدَّدَةً ، وَرُوِيَتْ عَنْ
عَلِيٍّ . وَقَرَأَ
عَلِيٌّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنُ عَبَّاسٍ ،
وَالْحَسَنُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13726وَالْأَعْمَشُ ،
وَأَبَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ : " صَلَلْنَا " ، بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ اللَّامِ ، وَمَعْنَاهُ : أَنْتَنَّا . وَعَنِ
الْحَسَنِ : " صَلِلْنَا " ، بِكَسْرِ اللَّامِ ، يُقَالُ : صَلَّ يَصِلُّ ، بِفَتْحِ الْعَيْنِ فِي الْمَاضِي وَكَسْرِهَا فِي الْمُضَارِعِ ; وَصَلَّ يَصَلُّ : بِكَسْرِ الْعَيْنِ فِي الْمَاضِي وَفَتْحِهَا فِي الْمُضَارِعِ ; وَأَصَلَّ يَصِلُّ ، بِالْهَمْزَةِ عَلَى وَزْنِ أَفْعَلَ . قَالَ الشَّاعِرُ :
تُلَجْلِجُ مُضْغَةً فِيهَا أَنِيضٌ أَصَلَّتْ فَهْيَ تَحْتَ الْكَشْحِ دَاءُ
وَقَالَ
الْفَرَّاءُ : مَعْنَاهُ صِرْنَا بَيْنَ الصَّلَّةِ ، وَهِيَ الْأَرْضُ الْيَابِسَةُ الصُّلْبَةُ . وَقَالَ
النَّحَّاسُ : لَا نَعْرِفُ فِي اللُّغَةِ صَلَلْنَا ، وَلَكِنْ يُقَالُ : أَصَلَّ اللَّحْمُ وَصَلَّ ، وَأَخَمَّ وَخَمَّ إِذَا أَنْتَنَ ، وَحَكَاهُ غَيْرُهُ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=10بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ ) جَاحِدُونَ بِلِقَاءِ اللَّهِ وَالصَّيْرُورَةِ إِلَى جَزَائِهِ . ثُمَّ أَمَرَهُ تَعَالَى أَنْ يُخْبِرَهُمْ بِجُمْلَةِ الْحَالِ غَيْرِ مُفَصَّلَةٍ ، مِنْ قَبْضِ أَرْوَاحِهِمْ ، ثُمَّ عَوْدِهِمْ إِلَى جَزَاءِ رَبِّهِمْ بِالْبَعْثِ . وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=11مَلَكُ الْمَوْتِ ) اسْمُهُ
عِزْرَائِيلُ ، وَمَعْنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : ( تُرْجَعُونَ ) مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ ;
nindex.php?page=showalam&ids=15948وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ : مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ .
( وَلَوْ تَرَى ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ خِطَابٌ لِلرَّسُولِ ، وَقِيلَ : لَهُ وَلِأُمَّتِهِ ، أَيْ : وَلَوْ تَرَى يَا
مُحَمَّدُ مُنْكِرِي الْبَعْثِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَرَأَيْتَ الْعَجَبَ . وَقَالَ
أَبُو الْعَبَّاسِ : الْمَعْنَى يَا مُحَمَّدُ قُلْ لِلْمُجْرِمِ . ( وَلَوْ تَرَى ) رَأَى أَنَّ الْجُمْلَةَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى ( يَتَوَفَّاكُمْ ) دَاخِلَةٌ تَحْتَ ( قُلْ ) فَلِذَلِكَ لَمْ يَجْعَلْهُ خِطَابًا لِلرَّسُولِ . وَالظَّاهِرُ أَنَّ لَوْ هُنَا لَمْ تَشْرَبْ مَعْنَى التَّمَنِّي ، بَلْ هِيَ الَّتِي لِمَا كَانَ سَيَقَعُ لِوُقُوعِ غَيْرِهِ ، وَالْجَوَابُ مَحْذُوفٌ ، أَيْ : لَرَأَيْتُ أَسْوَأَ حَالٍ يُرَى . وَلَوْ تَعْلِيقٌ فِي الْمَاضِي ، وَإِذْ ظَرْفٌ لِلْمَاضِي ، فَلِتَحَقُّقِ الْأَخْبَارِ وَوُقُوعِهِ قَطْعًا أَتَى بِهِمَا تَنْزِيلًا مَنْزِلَةَ الْمَاضِي . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خِطَابًا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يُرَادَ بِهِ التَّمَنِّي ، كَأَنْ قِيلَ : وَلَيْتَكَ تَرَى ، وَالتَّمَنِّي لَهُ ، كَمَا كَانَ التَّرَجِّي لَهُ فِي : ( لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ) لِأَنَّهُ تَجَرَّعَ مِنْهُمُ الْغُصَصَ وَمِنْ عَدَاوَتِهِمْ وَضِرَارِهِمْ ، فَجَعَلَ اللَّهُ لَهُ تَمَنِّيَ أَنْ يَرَاهُمْ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ الْفَظِيعَةِ مِنَ الْحَيَاءِ وَالْخِزْيِ وَالْغَمِّ لِيَشْمَتَ بِهِمْ ، وَأَنْ تَكُونَ لَوِ امْتِنَاعِيَّةً ، وَقَدْ حُذِفَ جَوَابُهَا ، وَهُوَ : لَرَأَيْتَ أَمْرًا فَظِيعًا . وَيَجُوزُ أَنْ يُخَاطَبَ بِهِ كُلُّ أَحَدٍ ، كَمَا تَقُولُ : فُلَانٌ لَئِيمٌ إِنْ أَكْرَمْتَهُ أَهَانَكَ ، وَإِنْ أَحْسَنْتَ إِلَيْهِ أَسَاءَ إِلَيْكَ ، فَلَا يُرِيدُ بِهِ مُخَاطَبًا بِعَيْنِهِ ، وَكَأَنَّكَ قُلْتَ : إِنْ أُكْرِمَ وَإِنْ أُحْسِنَ إِلَيْهِ . انْتَهَى . وَالتَّمَنِّي بِـ : " لَوْ " فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بَعِيدٌ ، وَتَسْمِيَةُ لَوِ امْتِنَاعِيَّةً لَيْسَ بِجَيِّدٍ ، بَلِ الْعِبَارَةُ الصَّحِيحَةُ : لَوْ لِمَا
[ ص: 201 ] كَانَ سَيَقَعُ لِوُقُوعِ غَيْرِهِ ، وَهِيَ عِبَارَةُ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ ، وَقَوْلُهُ : قَدْ حُذِفَ جَوَابُهَا وَتَقْدِيرُهُ : وَلَيْتَكَ تَرَى مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ إِذًا لِلتَّمَنِّي لَا جَوَابَ لَهَا ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا إِذَا أُشْرِبَتْ مَعْنَى التَّمَنِّي ، يَكُونُ لَهَا جَوَابٌ كَحَالِهَا إِذَا لَمْ تَشْرَبْهُ . قَالَ الشَّاعِرُ :
فَلَوْ نُبِشَ الْمَقَابِرُ عَنْ كُلَيْبٍ فَيُخْبِرُ بِالذَّنَائِبِ أَيَّ زِيرِ
بِيَوْمِ الشَّعْثَمَيْنِ لَقَرَّ عَيْنًا وَكَيْفَ لِقَاءُ مَنْ تَحْتَ الْقُبُورِ
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَقَدْ تَجِيءُ لَوْ فِي مَعْنَى التَّمَنِّي ، كَقَوْلِكَ : لَوْ تَأْتِينِي فَتُحَدِّثُنِي ، كَمَا تَقُولُ : لَيْتَكَ تَأْتِينِي فَتُحَدِّثُنِي . فَقَالَ
ابْنُ مَالِكٍ : إِنْ أَرَادَ بِهِ الْحَذْفَ ، أَيْ : وَدِدْتُ لَوْ تَأْتِينِي فَصَحِيحٌ ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلتَّمَنِّي فَغَيْرُ صَحِيحٍ ; لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَوْضُوعَةً لَهُ ، مَا جَازَ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ فِعْلِ التَّمَنِّي . لَا يُقَالُ : تَمَنَّيْتُ لَيْتَكَ تَفْعَلُ ، وَيَجُوزُ : تَمَنَّيْتُ لَوْ تَقُومُ . وَكَذَلِكَ امْتَنَعَ الْجَمْعُ بَيْنَ لَعَلَّ وَالتَّرَجِّي ، وَبَيْنَ إِلَّا وَأَسْتَثْنِي . انْتَهَى . (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=12نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ ) مُطْرِقُوهَا ، مِنَ الذُّلِّ وَالْحُزْنِ وَالْهَمِّ وَالْغَمِّ وَالذَّمِّ . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=15948زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ : " نَكَّسُوا رُءُوسَهُمْ " ، فِعْلًا مَاضِيًا وَمَفْعُولًا ; وَالْجُمْهُورُ : اسْمُ فَاعِلٍ مُضَافٌ . ( عِنْدَ رَبِّهِمْ ) أَيْ : عِنْدَ مُجَازَاتِهِ ، وَهُوَ مَكَانُ شِدَّةِ الْخَجَلِ ; لِأَنَّ الْمَرْبُوبَ إِذَا أَسَاءَ وَوَقَفَ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ كَانَ فِي غَايَةِ الْخَجَلِ . ( رَبَّنَا ) عَلَى إِضْمَارِ يَقُولُونَ ، وَقَدَّرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : يَسْتَغِيثُونَ بِقَوْلِهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=12رَبَّنَا أَبْصَرْنَا ) مَا كُنَّا نَكْذِبُ ; (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=12وَسَمِعْنَا ) مَا كُنَّا نُنْكِرُ ; وَأَبْصَرْنَا صِدْقَ وَعْدِكَ وَوَعِيدِكَ ، وَسَمْعِنَا تَصْدِيقَ رُسُلِكَ ، وَكُنَّا عُمْيًا وَصُمًّا فَأَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا ، فَارْجِعْنَا إِلَى الدُّنْيَا . (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=12إِنَّا مُوقِنُونَ ) أَيْ : بِالْبَعْثِ . قَالَهُ
النَّقَّاشُ ; وَقِيلَ : مُصَدِّقُونَ بِالَّذِي قَالَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=17317يَحْيَى بْنُ سَلَامٍ . وَ ( مُوقِنُونَ ) : مُشْعِرٌ بِالِالْتِبَاسِ فِي الْحَالِ ، أَيْ : حِينَ أَبْصَرُوا وَسَمِعُوا . وَقِيلَ : ( مُوقِنُونَ ) : زَالَتِ الْآنَ عَنَّا الشُّكُوكُ ، وَلَمْ نَكُنْ فِي الدُّنْيَا نَتَدَبَّرُ ، وَكُنَّا كَمَنْ لَا يُبْصِرُ وَلَا يَسْمَعُ . وَقِيلَ : لَكَ الْحُجَّةُ ، رَبَّنَا قَدْ أَبْصَرْنَا رُسُلَكَ وَعَجَائِبَ فِي الدُّنْيَا ، وَسَمِعْنَا كَلَامَهُمْ فَلَا حُجَّةَ لَنَا ، وَهَذَا اعْتِرَافٌ مِنْهُمْ .