مسائل مهمة تتعلق بهذه المباحث
المسألة الأولى : اعلم أن كثيرا من العلماء من المالكية والشافعية وغيرهم يفرقون بين
nindex.php?page=treesubj&link=28682_16989ما ذبحه أهل الكتاب لصنم ، وبين ما ذبحوه لعيسى أو جبريل ، أو لكنائسهم ، قائلين : إن الأول مما أهل به لغير الله دون الثاني عندهم كراهة تنزيه ، مستدلين بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3وما ذبح على النصب [ 5 3 ] .
والذي يظهر لمقيده عفا الله عنه : أن هذا الفرق باطل بشهادة القرآن لأن الذبيح على وجه القربة عبادة بالإجماع ، وقد قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=2فصل لربك وانحر [ 108 ] .
وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=162قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله الآية [ 6 162 ] .
فمن صرف شيئا من ذلك لغير الله فقد جعله شريكا مع الله في هذه العبادة التي هي الذبح ، سواء كان نبيا أو ملكا أو بناء أو شجرا أو حجرا أو غير ذلك ، لا فرق في ذلك بين صالح وطالح ، كما نص عليه تعالى بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=80ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا [ 3 \ 80 ] .
ثم بين أن فاعل ذلك كافر بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=80أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون [ 3 \ 80 ] .
وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=79ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله الآية [ 3 \ 79 ] .
[ ص: 268 ] وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=64قل ياأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله الآية [ 3 64 ] ، فإن قيل : قد رخص في أكل ما ذبحوه لكنائسهم
nindex.php?page=showalam&ids=4أبو الدرداء nindex.php?page=showalam&ids=481وأبو أمامة الباهلي nindex.php?page=showalam&ids=143والعرباض بن سارية nindex.php?page=showalam&ids=14947والقاسم بن مخيمرة nindex.php?page=showalam&ids=15760وحمزة بن حبيب وأبو سلمة الخولاني وعمر بن الأسود ومكحول nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث بن سعد وغيرهم .
فالجواب : أن هذا قول جماعة من العلماء من الصحابة ومن بعدهم ، وقد خالفهم فيه غيرهم . وممن خالفهم أم المؤمنين
عائشة رضي الله عنها والإمام
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله ، والله تعالى يقول :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله الآية [ 4 59 ] ، فنرد هذا النزاع إلى الله فنجده حرم ما أهل به لغير الله .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3لغير الله ، يدخل فيه الملك والنبي ، كما يدخل فيه الصنم والنصب والشيطان وقد وافقونا في منع ما ذبحوه باسم الصنم ، وقد دل الدليل على أنه لا فرق في ذلك بين النبي والملك ، وبين الصنم والنصب ، فلزمهم القول بالمنع .
وأما استدلالهم بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3وما ذبح على النصب فلا دليل فيه لأن قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3وما ذبح على النصب ليس بمخصص لقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3وما أهل لغير الله به ، لأنه ذكر فيه بعض ما دل عليه عموم
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3وما أهل لغير الله به .
وقد تقرر في علم الأصول أن
nindex.php?page=treesubj&link=21114ذكر بعض أفراد الحكم العام بحكم العام ، لا يخصص على الصحيح وهو مذهب الجمهور خلافا
nindex.php?page=showalam&ids=11956لأبي ثور محتجا بأنه لا فائدة لذكره إلا التخصيص وأجيب من قبل الجمهور بأن مفهوم اللقب ليس بحجة ، وفائدة ذكر البعض نفي احتمال إخراجه من العام ، فإذا حققت ذلك فاعلم أن ذكر البعض لا يخصص العام سواء ذكرا في نص واحد كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=238حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى [ 2 \ 238 ] أو ذكر كل واحد منهما على حدة ، كحديث
الترمذي وغيره :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007409أيما إهاب دبغ فقد طهر من حديث
مسلم أنه صلى الله عليه وسلم مر بشاة ميتة فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009950هلا أخذتم إهابها الحديث .
فذكر الصلاة الوسطى الأول لا يدل على عدم المحافظة على غيرها من الصلوات ،
[ ص: 269 ] وذكر إهاب الشاة في الأخير لا يدل على عدم الانتفاع بإهاب غير الشاة ، لأن ذكر البعض لا يخصص العام .
وكذلك رجوع ضمير البعض لا يخصص أيضا على الصحيح كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=228وبعولتهن أحق بردهن في ذلك [ 2 228 ] ، فإن الضمير راجع إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=228والمطلقات يتربصن [ 2 \ 228 ] ، وهو لخصوص الرجعيات من المطلقات مع أن تربص ثلاثة قروء عام للمطلقات من رجعيات وبوائن ، وإلى هذا أشار في مراقي السعود مبينا معه أيضا أن سبب الواقعة لا يخصصها وأن مذهب الراوي لا يخصص مرويه على الصحيح فيهما أيضا بقوله :
ودع ضمير البعض والأسبابا
وذكر ما وافقه من مفرد ومذهب الراوي على المعتمد
وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأكثر الحنفية التخصيص بضمير البعض ، وعليه فتربص البوائن ثلاثة قروء مأخوذ من دليل آخر .
أما عدم التخصيص بذكر البعض فلم يخالف فيه إلا
nindex.php?page=showalam&ids=11956أبو ثور ، وتقدم رد مذهبه .
ولو سلمنا أن الآية معارضة بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم فإنا نجد النبي صلى الله عليه وسلم أمر بترك مثل هذا الذي تعارضت فيه النصوص بقوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007221دع ما يريبك إلى ما لا يريبك .
المسألة الثانية : اختلف العلماء في
nindex.php?page=treesubj&link=16970ذكاة نصارى العرب كبني تغلب وتنوخ وبهراء وجذام ولخم وعاملة ونحوهم ، فالجمهور على أن ذبائحهم لا تؤكل ، قاله
ابن كثير وهو مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ونقله
النووي في شرح المهذب عن
علي وعطاء nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير .
ونقل
النووي أيضا إباحة ذكاتهم عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس والنخعي nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي nindex.php?page=showalam&ids=16566وعطاء الخراساني nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري والحكم وحماد وأبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=12418وإسحاق بن راهويه nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبي ثور ، وصحح هذا القول
nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة في المغني محتجا بعموم قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم .
وحجة القول الأول ما روي عن
عمر رضي الله عنه قال : ما
نصارى العرب بأهل كتاب لا تحل لنا ذبائحهم .
[ ص: 270 ] وما روي عن
علي رضي الله عنه : لا تحل ذبائح نصارى
بني تغلب لأنهم دخلوا في النصرانية بعد التبديل ، ولا يعلم هل دخلوا في دين من بدل منهم أو في دين من لم يبدل فصاروا كالمجوس لما أشكل أمرهم في الكتاب لم تؤكل ذبائحهم ، ذكر هذا صاحب المهذب وسكت عليه
النووي في الشرح قائلا : إنه حجة الشافعية في منع ذبائحهم ، ويفهم منه عدم إباحة كل ذكاة
اليهود والنصارى اليوم لتبديلهم لا سيما فيمن عرفوا منهم بأكل الميتة
كالنصارى .
المسألة الثالثة :
nindex.php?page=treesubj&link=16973ذبائح المجوس لا تحل للمسلمين ؟ قال
النووي في شرح المهذب : هي حرام عندنا ، وقال به جمهور العلماء ، ونقله
ابن المنذر عن أكثر العلماء ، قال : وممن قال به
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء بن أبي رباح nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=16330وعبد الرحمن بن أبي ليلى والنخعي وعبيد الله بن يزيد nindex.php?page=showalam&ids=17058ومرة الهمداني ومالك nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق .
وقال
ابن كثير في تفسيره قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم .
وأما المجوس فإنهم وإن أخذت منهم الجزية تبعا وإلحاقا لأهل الكتاب فإنهم لا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم خلافا
لأبي ثور إبراهيم بن خالد الكلبي أحد الفقهاء من أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل ، ولما قال ذلك واشتهر عنه أنكر عليه الفقهاء حتى قال عنه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد :
nindex.php?page=showalam&ids=11956أبو ثور كاسمه ، يعني في هذه المسألة وكأنه تمسك بعموم حديث روي مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008028سنوا بهم سنة أهل الكتاب ، ولكن لم يثبت بهذا اللفظ .
وإنما الذي في صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
nindex.php?page=showalam&ids=38عبد الرحمن بن عوف nindex.php?page=hadith&LINKID=1009427أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر ، ولو سلم صحة هذا الحديث فعمومه مخصوص بمفهوم هذه الآية :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم فدل بمفهومه مفهوم المخالفة على أن طعام من عداهم من أهل الأديان لا يحل ، انتهى كلام
ابن كثير بلفظه واعترض عليه في الحاشية الشيخ السيد
محمد رشيد رضا بما نصه فيه : إن هذا مفهوم لقب وهو ليس بحجة .
قال مقيده عفا الله عنه : الصواب مع الحافظ
ابن كثير رحمه الله تعالى ، واعتراض الشيخ عليه سهو منه ، لأن مفهوم قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5الذين أوتوا الكتاب مفهوم علة لا مفهوم
[ ص: 271 ] لقب ، كما ظنه الشيخ لأن
nindex.php?page=treesubj&link=20809مفهوم اللقب في اصطلاح الأصوليين هو ما علق فيه الحكم باسم جامد سواء كان اسم جنس أو اسم عين أو اسم جمع ، وضابطه أنه هو الذي ذكر ليمكن الإسناد إليه فقط لاشتماله على صفة تقتضي تخصيصه بالذكر دون غيره .
أما تعليق هذا الحكم الذي هو إباحة طعامهم بالوصف بإيتاء الكتاب فهو تعليق الحكم بعلته لأن الوصف بإيتاء الكتاب صالح لأن يكون مناط الحكم بحلية طعامهم .
وقد دل المسلك الثالث من
nindex.php?page=treesubj&link=21836مسالك العلة المعروف بالإيماء والتنبيه على أن مناط حلية طعامهم هو إيتاؤهم الكتاب ، وذلك بعينه هو المناط لحلية نكاح نسائهم ، لأن ترتيب الحكم بحلية طعامهم ونسائهم على إيتائهم الكتاب لو لم يكن لأنه علته لما كان في التخصيص بإيتاء الكتاب فائدة ، ومعلوم أن
nindex.php?page=treesubj&link=21839ترتيب الحكم على وصف لو لم يكن علته لكان حشوا من غير فائدة يفهم منه أنه علته بمسلك الإيماء والتنبيه .
قال في مراقي السعود في تعداد صور الإيماء :
كما إذا سمع وصفا فحكم وذكره في الحكم وصفا قد ألم
إن لم يكن علته لم يفد ومنعه مما يفيت استفد
ترتيبه الحكم عليه واتضح
إلخ .
ومحل الشاهد منه قوله : " استفد ترتيبه الحكم عليه " ، وقوله : " وذكره في الحكم وصفا إن لم يكن علته لم يفد " .
ومما يوضح ما ذكرنا أن قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5الذين أوتوا الكتاب موصول وصلته جملة فعلية ، وقد تقرر عند علماء النحو في المذهب الصحيح المشهور أن الصفة الصريحة كاسم الفاعل واسم المفعول الواقعة صلة أل بمثابة الفعل مع الموصول ، ولذا عمل وصف المقترن بأل الموصولة في الماضي لأنه بمنزلة الفعل ، كما أشار له في الخلاصة بقوله :
وإن يكن صلة أل ففي المضي وغيره إعماله قد ارتضي
فإذا حققت ذلك علمت أن الذين أوتوا الكتاب بمثابة ما لو قلت وطعام المؤتين الكتاب بصيغة اسم المفعول ولم يقل أحد أن مفهوم اسم المفعول مفهوم لقب لاشتماله على أمر هو المصدر يصلح أن يكون المتصف به مقصودا للمتكلم دون غيره ، كما ذكروا في مفهوم الصفة .
[ ص: 272 ] فظهر أن إيتاء الكتاب صفة خاصة بهم دون غيرهم ، وهي العلة في إباحة طعامهم ونكاح نسائهم ، فادعاء أنها مفهوم لقب سهو ظاهر .
وظهر من التحقيق أن المفهوم في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5الذين أوتوا الكتاب مفهوم علة ومفهوم العلة قسم من أقسام مفهوم الصفة ، فالصفة أعم من العلة وإيضاحه كما بينه
القرافي أن الصفة قد تكون مكملة للعلة لا علة تامة كوجوب الزكاة في السائمة فإن علته ليست السوم فقط ، ولو كان كذلك لوجبت في الوحوش لأنها سائمة ولكن العلة ملك ما يحصل به الغنى وهي مع السوم أتم منها مع العلف وهذا عند من لا يرى الزكاة في المعلوفة .
وظهر أن ما قاله الحافظ
ابن كثير رحمه الله تعالى هو الصواب .
وقد تقرر في علم الأصول أن المفهوم بنوعيه من مخصصات العموم ، أما تخصيص العام بمفهوم الموافقة بقسميه فلا خلاف فيه .
وممن حكى الإجماع عليه :
nindex.php?page=showalam&ids=14552الآمدي والسبكي في شرح المختصر ، ودليل جوازه أن إعمال الدليلين أولى من إلغاء أحدهما .
ومثاله تخصيص حديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009951لي الواجد يحل عرضه وعقوبته أي يحل العرض بقوله مطلني والعقوبة بالحبس فإنه مخصص بمفهوم الموافقة الذي هو الفحوى في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23فلا تقل لهما أف [ 17 23 ] ، لأن فحواه تحريم أذاهما فلا يحبس الوالد بدين الولد .
وأما تخصيصه بمفهوم المخالفة ففيه خلاف ، والأرجح منه هو ما مشى عليه الحافظ
ابن كثير تغمده الله برحمته الواسعة وهو التخصيص به .
والدليل عليه ما قدمنا من أن إعمال الدليلين أولى من إلغاء أحدهما .
وقيل : لا يجوز التخصيص به ، ونقله
الباجي عن أكثر المالكية .
وحجة هذا القول أن دلالة العام على ما دل عليه المفهوم بالمنطوق وهو مقدم على المفهوم ، ويجاب بأن المقدم عليه منطوق خاص لا ما هو من إفراد العام ، فالمفهوم مقدم عليه لأن إعمال الدليلين أولى من إلغاء أحدهما .
واعتمد التخصيص به صاحب مراقي السعود في قوله في مبحث الخاص في الكلام على المخصصات المنفصلة :
[ ص: 273 ] واعتبر الإجماع جل الناس وقسمي المفهوم كالقياس
ومثال التخصيص بمفهوم المخالفة تخصيص قوله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009671في أربعين شاة شاة الذي يشمل عمومه السائمة والمعلوفة بمفهوم قوله :
في الغنم السائمة زكاة عند من لا يرى الزكاة في المعلوفة ، وهم أكثر لأنه يفهم منه أن غير السائمة لا زكاة فيها ، فيخصص بذلك عموم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009671في أربعين شاة شاة والعلم عند الله تعالى .
المسألة الرابعة :
nindex.php?page=treesubj&link=17068ما صاده الكتابي بالجوارح والسلاح حلال للمسلم ، لأن العقر ذكاة الصيد وعلى هذا القول الأئمة الثلاثة ، وبه قال
عطاء والليث nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي وابن المنذر وداود وجمهور العلماء ، كما نقله عنهم
النووي في شرح المهذب .
وحجة الجمهور واضحة وهي قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وخالف
مالك وابن القاسم ففرقا بين ذبح الكتابي وصيده مستدلين بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=94تناله أيديكم ورماحكم [ 5 \ 94 ] ، لأنه خص الصيد بأيدي المسلمين ورماحهم دون غير المسلمين .
قال مقيده عفا الله عنه : الذي يظهر لي والله أعلم ، أن هذا الاحتجاج لا ينهض على الجمهور ، وأن الصواب مع الجمهور .
وقد وافق الجمهور من المالكية
أشهب وابن هارون وابن يونس والباجي واللخمي ،
ولمالك في الموازنة كراهته ، قال
ابن بشير : ويمكن حمل المدونة على الكراهة .
المسألة الخامسة :
nindex.php?page=treesubj&link=16962ذبائح أهل الكتاب في دار الحرب كذبائحهم في دار الإسلام ، قال
النووي : وهذا لا خلاف فيه ، ونقل
ابن المنذر الإجماع عليه .
مَسَائِلُ مُهِمَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْمَبَاحِثِ
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : اعْلَمْ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ
nindex.php?page=treesubj&link=28682_16989مَا ذَبَحَهُ أُهْلُ الْكِتَابِ لِصَنَمٍ ، وَبَيْنَ مَا ذَبَحُوهُ لِعِيسَى أَوْ جِبْرِيلَ ، أَوْ لِكَنَائِسِهِمْ ، قَائِلِينَ : إِنَّ الْأَوَّلَ مِمَّا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ دُونَ الثَّانِي عِنْدَهُمْ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ ، مُسْتَدِلِّينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ [ 5 3 ] .
وَالَّذِي يَظْهَرُ لِمُقَيِّدِهِ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ : أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ بَاطِلٌ بِشَهَادَةِ الْقُرْآنِ لِأَنَّ الذَّبِيحَ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ عِبَادَةٌ بِالْإِجْمَاعِ ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=2فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [ 108 ] .
وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=162قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ الْآيَةَ [ 6 162 ] .
فَمَنْ صَرَفَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ جَعَلَهُ شَرِيكًا مَعَ اللَّهِ فِي هَذِهِ الْعِبَادَةِ الَّتِي هِيَ الذَّبْحُ ، سَوَاءٌ كَانَ نَبِيًّا أَوْ مَلَكًا أَوْ بِنَاءً أَوْ شَجَرًا أَوْ حَجَرًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ ، لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ صَالِحٍ وَطَالِحٍ ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=80وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا [ 3 \ 80 ] .
ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ كَافِرٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=80أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [ 3 \ 80 ] .
وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=79مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ الْآيَةَ [ 3 \ 79 ] .
[ ص: 268 ] وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=64قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ الْآيَةَ [ 3 64 ] ، فَإِنْ قِيلَ : قَدْ رَخَّصَ فِي أَكْلِ مَا ذَبَحُوهُ لِكَنَائِسِهِمْ
nindex.php?page=showalam&ids=4أَبُو الدَّرْدَاءِ nindex.php?page=showalam&ids=481وَأَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=143وَالْعِرْبَاضُ بْنُ سَارِيَةَ nindex.php?page=showalam&ids=14947وَالْقَاسِمُ بْنُ مُخَيْمِرَةَ nindex.php?page=showalam&ids=15760وَحَمْزَةُ بْنُ حَبِيبٍ وَأَبُو سَلَمَةَ الْخَوْلَانِيُّ وَعُمَرُ بْنُ الْأَسْوَدِ وَمَكْحُولٌ nindex.php?page=showalam&ids=15124وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُهُمْ .
فَالْجَوَابُ : أَنَّ هَذَا قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ ، وَقَدْ خَالَفَهُمْ فِيهِ غَيْرُهُمْ . وَمِمَّنْ خَالَفَهُمْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ
عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَالْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ الْآيَةَ [ 4 59 ] ، فَنَرُدُّ هَذَا النِّزَاعَ إِلَى اللَّهِ فَنَجِدُهُ حَرَّمَ مَا أَهَلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3لِغَيْرِ اللَّهِ ، يَدْخُلُ فِيهِ الْمَلَكَ وَالنَّبِيَّ ، كَمَا يَدْخُلُ فِيهِ الصَّنَمُ وَالنُّصُبُ وَالشَّيْطَانُ وَقَدْ وَافَقُونَا فِي مَنْعِ مَا ذَبَحُوهُ بِاسْمِ الصَّنَمِ ، وَقَدْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ النَّبِيِّ وَالْمَلَكِ ، وَبَيْنَ الصَّنَمِ وَالنُّصُبِ ، فَلَزِمَهُمُ الْقَوْلُ بِالْمَنْعِ .
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ فَلَا دَلِيلَ فِيهِ لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ لَيْسَ بِمُخَصِّصٍ لِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ، لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ بَعْضَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ عُمُومُ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ .
وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=21114ذِكْرَ بَعْضِ أَفْرَادِ الْحُكْمِ الْعَامِّ بِحُكْمِ الْعَامِّ ، لَا يُخَصَّصُ عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ خِلَافًا
nindex.php?page=showalam&ids=11956لِأَبِي ثَوْرٍ مُحْتَجًّا بِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِذِكْرِهِ إِلَّا التَّخْصِيصَ وَأُجِيبَ مِنْ قِبَلِ الْجُمْهُورِ بِأَنَّ مَفْهُومَ اللَّقَبِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ ، وَفَائِدَةُ ذِكْرِ الْبَعْضِ نَفْيُ احْتِمَالِ إِخْرَاجِهِ مِنَ الْعَامِّ ، فَإِذَا حَقَّقْتَ ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّ ذِكْرَ الْبَعْضِ لَا يُخَصِّصُ الْعَامَّ سَوَاءٌ ذُكِرَا فِي نَصٍّ وَاحِدٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=238حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى [ 2 \ 238 ] أَوْ ذُكِرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ ، كَحَدِيثِ
التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007409أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ مِنْ حَدِيثِ
مُسْلِمٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِشَاةٍ مَيِّتَةٍ فَقَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009950هَلَّا أَخَذْتُمْ إِهَابَهَا الْحَدِيثَ .
فَذِكْرُ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى الْأَوَّلُ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى غَيْرِهَا مِنَ الصَّلَوَاتِ ،
[ ص: 269 ] وَذِكْرُ إِهَابِ الشَّاةِ فِي الْأَخِيرِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِإِهَابِ غَيْرِ الشَّاةِ ، لِأَنَّ ذِكْرَ الْبَعْضِ لَا يُخَصِّصُ الْعَامَّ .
وَكَذَلِكَ رُجُوعُ ضَمِيرِ الْبَعْضِ لَا يُخَصِّصُ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=228وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ [ 2 228 ] ، فَإِنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=228وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ [ 2 \ 228 ] ، وَهُوَ لِخُصُوصِ الرَّجْعِيَّاتِ مِنَ الْمُطَلَّقَاتِ مَعَ أَنَّ تَرَبُّصَ ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ عَامٌّ لِلْمُطَلَّقَاتِ مِنْ رَجْعِيَّاتٍ وَبَوَائِنَ ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ فِي مَرَاقِي السُّعُودِ مُبَيِّنًا مَعَهُ أَيْضًا أَنَّ سَبَبَ الْوَاقِعَةِ لَا يُخَصِّصُهَا وَأَنَّ مَذْهَبَ الرَّاوِي لَا يُخَصِّصُ مَرْوِيَّهُ عَلَى الصَّحِيحِ فِيهِمَا أَيْضًا بِقَوْلِهِ :
وَدَعْ ضَمِيرَ الْبَعْضِ وَالْأَسْبَابَا
وَذِكْرَ مَا وَافَقَهُ مِنْ مُفْرَدِ وَمَذْهَبَ الرَّاوِي عَلَى الْمُعْتَمَدِ
وَرُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ التَّخْصِيصُ بِضَمِيرِ الْبَعْضِ ، وَعَلَيْهِ فَتَرَبُّصُ الْبَوَائِنِ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ مَأْخُوذٌ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ .
أَمَّا عَدَمُ التَّخْصِيصِ بِذِكْرِ الْبَعْضِ فَلَمْ يُخَالِفْ فِيهِ إِلَّا
nindex.php?page=showalam&ids=11956أَبُو ثَوْرٍ ، وَتَقَدَّمَ رَدُّ مَذْهَبِهِ .
وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْآيَةَ مُعَارَضَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ فَإِنَّا نَجِدُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِتَرْكِ مِثْلِ هَذَا الَّذِي تَعَارَضَتْ فِيهِ النُّصُوصُ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007221دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=16970ذَكَاةِ نَصَارَى الْعَرَبِ كَبَنِي تَغْلِبَ وَتَنُوخَ وَبَهْرَاءَ وَجُذَامَ وَلَخْمٍ وَعَامِلَةَ وَنَحْوِهِمْ ، فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ ذَبَائِحَهُمْ لَا تُؤْكَلُ ، قَالَهُ
ابْنُ كَثِيرٍ وَهُوَ مَذْهَبُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ وَنَقَلَهُ
النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ
عَلِيٍّ وَعَطَاءٍ nindex.php?page=showalam&ids=15992وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ .
وَنَقَلَ
النَّوَوِيُّ أَيْضًا إِبَاحَةَ ذَكَاتِهِمْ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ وَالنَّخَعِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=14577وَالشَّعْبِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=16566وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=12300وَالزُّهْرِيِّ وَالْحَكَمِ وَحَمَّادٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ nindex.php?page=showalam&ids=12418وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ nindex.php?page=showalam&ids=11956وَأَبِي ثَوْرٍ ، وَصَحَّحَ هَذَا الْقَوْلَ
nindex.php?page=showalam&ids=13439ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي مُحْتَجًّا بِعُمُومِ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ .
وَحُجَّةُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا رُوِيَ عَنْ
عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : مَا
نَصَارَى الْعَرَبِ بِأَهْلِ كِتَابٍ لَا تَحِلُّ لَنَا ذَبَائِحُهُمْ .
[ ص: 270 ] وَمَا رُوِيَ عَنْ
عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : لَا تَحِلُّ ذَبَائِحُ نَصَارَى
بَنِي تَغْلِبَ لِأَنَّهُمْ دَخَلُوا فِي النَّصْرَانِيَّةِ بَعْدَ التَّبْدِيلِ ، وَلَا يُعْلَمُ هَلْ دَخَلُوا فِي دِينِ مَنْ بَدَّلَ مِنْهُمْ أَوْ فِي دِينِ مَنْ لَمْ يُبَدِّلْ فَصَارُوا كَالْمَجُوسِ لَمَّا أَشْكَلَ أَمْرُهُمْ فِي الْكِتَابِ لَمْ تُؤْكَلْ ذَبَائِحُهُمْ ، ذَكَرَ هَذَا صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَسَكَتَ عَلَيْهِ
النَّوَوِيُّ فِي الشَّرْحِ قَائِلًا : إِنَّهُ حُجَّةُ الشَّافِعِيَّةِ فِي مَنْعِ ذَبَائِحِهِمْ ، وَيُفْهَمُ مِنْهُ عَدَمُ إِبَاحَةِ كُلِّ ذَكَاةِ
الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الْيَوْمَ لِتَبْدِيلِهِمْ لَا سِيَّمَا فِيمَنْ عُرِفُوا مِنْهُمْ بِأَكْلِ الْمَيْتَةِ
كَالنَّصَارَى .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=16973ذَبَائِحُ الْمَجُوسِ لَا تَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ ؟ قَالَ
النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ : هِيَ حَرَامٌ عِنْدَنَا ، وَقَالَ بِهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ ، وَنَقَلَهُ
ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ، قَالَ : وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=15990سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ nindex.php?page=showalam&ids=16568وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ nindex.php?page=showalam&ids=15992وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ nindex.php?page=showalam&ids=16330وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى وَالنَّخَعِيُّ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ nindex.php?page=showalam&ids=17058وَمُرَّةُ الْهَمْدَانِيُّ وَمَالِكٌ nindex.php?page=showalam&ids=16004وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ .
وَقَالَ
ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ .
وَأَمَّا الْمَجُوسُ فَإِنَّهُمْ وَإِنْ أُخِذَتْ مِنْهُمُ الْجِزْيَةُ تَبَعًا وَإِلْحَاقًا لِأَهْلِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُمْ لَا تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ وَلَا تُنْكَحُ نِسَاؤُهُمْ خِلَافًا
لِأَبِي ثَوْرٍ إِبْرَاهِيمَ بْنِ خَالِدٍ الْكَلْبِيِّ أَحَدِ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=12251وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، وَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ وَاشْتُهِرَ عَنْهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ حَتَّى قَالَ عَنْهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَدُ :
nindex.php?page=showalam&ids=11956أَبُو ثَوْرٍ كَاسْمِهِ ، يَعْنِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَكَأَنَّهُ تَمَسَّكَ بِعُمُومِ حَدِيثٍ رُوِيَ مُرْسَلًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008028سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَلَكِنْ لَمْ يُثْبَتْ بِهَذَا اللَّفْظِ .
وَإِنَّمَا الَّذِي فِي صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=38عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ nindex.php?page=hadith&LINKID=1009427أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ ، وَلَوْ سَلِمَ صِحَّةُ هَذَا الْحَدِيثِ فَعُمُومُهُ مَخْصُوصٌ بِمَفْهُومِ هَذِهِ الْآيَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ فَدَلَّ بِمَفْهُومِهِ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ عَلَى أَنَّ طَعَامَ مَنْ عَدَاهُمْ مِنْ أَهْلِ الْأَدْيَانِ لَا يَحِلُّ ، انْتَهَى كَلَامُ
ابْنِ كَثِيرٍ بِلَفْظِهِ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ فِي الْحَاشِيَةِ الشَّيْخُ السَّيِّدُ
مُحَمَّد رَشِيد رِضَا بِمَا نَصُّهُ فِيهِ : إِنَّ هَذَا مَفْهُومُ لَقَبٍ وَهُوَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ .
قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ : الصَّوَابُ مَعَ الْحَافِظِ
ابْنِ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَاعْتِرَاضُ الشَّيْخِ عَلَيْهِ سَهْوٌ مِنْهُ ، لِأَنَّ مَفْهُومَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مَفْهُومُ عِلَّةٍ لَا مَفْهُومُ
[ ص: 271 ] لَقَبٍ ، كَمَا ظَنَّهُ الشَّيْخُ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=20809مَفْهُومَ اللَّقَبِ فِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ هُوَ مَا عَلِقَ فِيهِ الْحُكْمُ بِاسْمٍ جَامِدٍ سَوَاءٌ كَانَ اسْمَ جِنْسٍ أَوِ اسْمَ عَيْنٍ أَوِ اسْمَ جَمْعٍ ، وَضَابِطُهُ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي ذُكِرَ لِيُمْكِنَ الْإِسْنَادُ إِلَيْهِ فَقَطْ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى صِفَةٍ تَقْتَضِي تَخْصِيصَهُ بِالذِّكْرِ دُونَ غَيْرِهِ .
أَمَّا تَعْلِيقُ هَذَا الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ إِبَاحَةُ طَعَامِهِمْ بِالْوَصْفِ بِإِيتَاءِ الْكِتَابِ فَهُوَ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِعِلَّتِهِ لِأَنَّ الْوَصْفَ بِإِيتَاءِ الْكِتَابِ صَالِحٌ لِأَنَّ يَكُونَ مَنَاطَ الْحُكْمِ بِحِلِّيَّةِ طَعَامِهِمْ .
وَقَدْ دَلَّ الْمَسْلَكُ الثَّالِثُ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=21836مَسَالِكِ الْعِلَّةِ الْمَعْرُوفُ بِالْإِيمَاءِ وَالتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ مَنَاطَ حِلِّيَّةِ طَعَامِهِمْ هُوَ إِيتَاؤُهُمُ الْكِتَابَ ، وَذَلِكَ بِعَيْنِهِ هُوَ الْمَنَاطُ لِحِلِّيَّةِ نِكَاحِ نِسَائِهِمْ ، لِأَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ بِحِلِّيَّةِ طَعَامِهِمْ وَنِسَائِهِمْ عَلَى إِيتَائِهِمُ الْكِتَابَ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّهُ عِلَّتُهُ لَمَا كَانَ فِي التَّخْصِيصِ بِإِيتَاءِ الْكِتَابِ فَائِدَةٌ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=21839تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى وَصْفٍ لَوْ لَمْ يَكُنْ عِلَّتَهُ لَكَانَ حَشْوًا مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ عِلَّتُهُ بِمَسْلَكِ الْإِيمَاءِ وَالتَّنْبِيهِ .
قَالَ فِي مَرَاقِي السُّعُودِ فِي تَعْدَادِ صُوَرِ الْإِيمَاءِ :
كَمَا إِذَا سَمِعَ وَصْفًا فَحَكَمْ وَذِكْرُهُ فِي الْحُكْمِ وَصْفًا قَدْ أَلَمْ
إِنْ لَمْ يَكُنْ عِلَّتُهُ لَمْ يُفِدِ وَمَنْعُهُ مِمَّا يُفِيتُ اسْتَفِدِ
تَرْتِيبَهُ الْحُكْمَ عَلَيْهِ وَاتَّضَحْ
إلخ .
وَمَحَلُّ الشَّاهِدِ مِنْهُ قَوْلُهُ : " اسْتَفِدِ تَرْتِيبَهُ الْحُكْمَ عَلَيْهِ " ، وَقَوْلُهُ : " وَذِكْرُهُ فِي الْحُكْمِ وَصْفًا إِنْ لَمْ يَكُنْ عِلَّتُهُ لَمْ يُفِدِ " .
وَمِمَّا يُوَضِّحُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مَوْصُولٌ وَصِلَتُهُ جُمْلَةٌ فِعْلِيَّةٌ ، وَقَدْ تَقَرَّرَ عِنْدَ عُلَمَاءِ النَّحْوِ فِي الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ أَنَّ الصِّفَةَ الصَّرِيحَةَ كَاسْمِ الْفَاعِلِ وَاسْمِ الْمَفْعُولِ الْوَاقِعَةَ صِلَةَ أَلْ بِمَثَابَةِ الْفِعْلِ مَعَ الْمَوْصُولِ ، وَلِذَا عَمِلَ وَصْفُ الْمُقْتَرِنِ بِأَلِ الْمَوْصُولَةِ فِي الْمَاضِي لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْفِعْلِ ، كَمَا أَشَارَ لَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ :
وَإِنْ يَكُنْ صِلَةَ أَلْ فَفِي الْمُضِي وَغَيرِهِ إِعْمَالُهُ قَدِ ارْتُضِي
فَإِذَا حَقَّقْتَ ذَلِكَ عَلِمْتَ أَنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِمَثَابَةِ مَا لَوْ قُلْتَ وَطَعَامُ الْمُؤْتِينَ الْكِتَابَ بِصِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّ مَفْهُومَ اسْمِ الْمَفْعُولِ مَفْهُومُ لَقَبٍ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى أَمْرٍ هُوَ الْمُصْدَرُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ الْمُتَّصِفُ بِهِ مَقْصُودًا لِلْمُتَكَلِّمِ دُونَ غَيْرِهِ ، كَمَا ذَكَرُوا فِي مَفْهُومِ الصِّفَةِ .
[ ص: 272 ] فَظَهَرَ أَنَّ إِيتَاءَ الْكِتَابِ صِفَةٌ خَاصَّةٌ بِهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ ، وَهِيَ الْعِلَّةُ فِي إِبَاحَةِ طَعَامِهِمْ وَنِكَاحِ نِسَائِهِمْ ، فَادِّعَاءُ أَنَّهَا مَفْهُومُ لَقَبٍ سَهْوٌ ظَاهِرٌ .
وَظَهَرَ مِنَ التَّحْقِيقِ أَنَّ الْمَفْهُومَ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مَفْهُومُ عِلَّةٍ وَمَفْهُومُ الْعِلَّةِ قِسْمٌ مِنْ أَقْسَامِ مَفْهُومِ الصِّفَةِ ، فَالصِّفَةُ أَعَمُّ مِنَ الْعِلَّةِ وَإِيضَاحُهُ كَمَا بَيَّنَهُ
الْقَرَافِيُّ أَنَّ الصِّفَةَ قَدْ تَكُونُ مُكَمِّلَةً لِلْعِلَّةِ لَا عِلَّةً تَامَّةً كَوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي السَّائِمَةِ فَإِنَّ عِلَّتَهُ لَيْسَتِ السَّوْمَ فَقَطْ ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَوَجَبَتْ فِي الْوُحُوشِ لِأَنَّهَا سَائِمَةٌ وَلَكِنَّ الْعِلَّةَ مِلْكُ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْغِنَى وَهِيَ مَعَ السَّوْمِ أَتَمُّ مِنْهَا مَعَ الْعَلْفِ وَهَذَا عِنْدَ مَنْ لَا يَرَى الزَّكَاةَ فِي الْمَعْلُوفَةِ .
وَظَهَرَ أَنَّ مَا قَالَهُ الْحَافِظُ
ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الصَّوَابُ .
وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَنَّ الْمَفْهُومَ بِنَوْعَيْهِ مِنْ مُخَصَّصَاتِ الْعُمُومِ ، أَمَّا تَخْصِيصُ الْعَامِّ بِمَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ بِقِسْمَيْهِ فَلَا خِلَافَ فِيهِ .
وَمِمَّنْ حَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ :
nindex.php?page=showalam&ids=14552الْآمِدِيُّ وَالسُّبْكِيُّ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ ، وَدَلِيلُ جَوَازِهِ أَنَّ إِعْمَالَ الدَّلِيلَيْنِ أَوْلَى مِنْ إِلْغَاءِ أَحَدِهِمَا .
وَمِثَالُهُ تَخْصِيصُ حَدِيثِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009951لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ أَيْ يُحِلُّ الْعِرْضَ بِقَوْلِهِ مَطَلَنِي وَالْعُقُوبَةَ بِالْحَبْسِ فَإِنَّهُ مُخَصَّصٌ بِمَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ الَّذِي هُوَ الْفَحْوَى فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ [ 17 23 ] ، لِأَنَّ فَحْوَاهُ تَحْرِيمُ أَذَاهُمَا فَلَا يُحْبَسُ الْوَالِدُ بِدَيْنِ الْوَلَدِ .
وَأَمَّا تَخْصِيصُهُ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ فَفِيهِ خِلَافٌ ، وَالْأَرْجَحُ مِنْهُ هُوَ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْحَافِظُ
ابْنُ كَثِيرٍ تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ الْوَاسِعَةِ وَهُوَ التَّخْصِيصُ بِهِ .
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ إِعْمَالَ الدَّلِيلَيْنِ أَوْلَى مِنْ إِلْغَاءِ أَحَدِهِمَا .
وَقِيلَ : لَا يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِهِ ، وَنَقَلَهُ
الْبَاجِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْمَالِكِيَّةِ .
وَحُجَّةُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ دَلَالَةَ الْعَامِّ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْمَفْهُومُ بِالْمَنْطُوقِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَفْهُومِ ، وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُقَدَّمَ عَلَيْهِ مَنْطُوقٌ خَاصٌّ لَا مَا هُوَ مِنْ إِفْرَادِ الْعَامِّ ، فَالْمَفْهُومُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ إِعْمَالَ الدَّلِيلَيْنِ أَوْلَى مِنْ إِلْغَاءِ أَحَدِهِمَا .
وَاعْتَمَدَ التَّخْصِيصَ بِهِ صَاحِبُ مَرَاقِي السُّعُودِ فِي قَوْلِهِ فِي مَبْحَثِ الْخَاصِّ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمُخَصِّصَاتِ الْمُنْفَصِلَةِ :
[ ص: 273 ] وَاعْتَبَرَ الْإِجْمَاعَ جُلُّ النَّاسِ وَقِسْمِي الْمَفْهُومِ كَالْقِيَاسِ
وَمِثَالُ التَّخْصِيصِ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ تَخْصِيصُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009671فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ الَّذِي يَشْمَلُ عُمُومُهُ السَّائِمَةَ وَالْمَعْلُوفَةَ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ :
فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ عِنْدَ مَنْ لَا يَرَى الزَّكَاةَ فِي الْمَعْلُوفَةِ ، وَهُمْ أَكْثُرْ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ غَيْرَ السَّائِمَةِ لَا زَكَاةَ فِيهَا ، فَيُخَصَّصُ بِذَلِكَ عُمُومُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009671فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=17068مَا صَادَهُ الْكِتَابِيُّ بِالْجَوَارِحِ وَالسِّلَاحِ حَلَالٌ لِلْمُسْلِمِ ، لِأَنَّ الْعَقْرَ ذَكَاةُ الصَّيْدِ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ ، وَبِهِ قَالَ
عَطَاءٌ وَاللَّيْثُ nindex.php?page=showalam&ids=13760وَالْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَدَاوُدُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ ، كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُمُ
النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ .
وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ وَاضِحَةٌ وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَخَالَفَ
مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ فَفَرَّقَا بَيْنَ ذَبْحِ الْكِتَابِيِّ وَصَيْدِهِ مُسْتَدِلِّينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=94تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ [ 5 \ 94 ] ، لِأَنَّهُ خَصَّ الصَّيْدَ بِأَيْدِي الْمُسْلِمِينَ وَرِمَاحِهِمْ دُونَ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ .
قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ : الَّذِي يَظْهَرُ لِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، أَنَّ هَذَا الِاحْتِجَاجَ لَا يَنْهَضُ عَلَى الْجُمْهُورِ ، وَأَنَّ الصَّوَابَ مَعَ الْجُمْهُورِ .
وَقَدْ وَافَقَ الْجُمْهُورَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ
أَشْهَبُ وَابْنُ هَارُونَ وَابْنُ يُونُسَ وَالْبَاجِيُّ وَاللَّخْمِيُّ ،
وَلِمَالِكٍ فِي الْمُوَازَنَةِ كَرَاهَتُهُ ، قَالَ
ابْنُ بَشِيرٍ : وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى الْكَرَاهَةِ .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=16962ذَبَائِحُ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَذَبَائِحِهِمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ، قَالَ
النَّوَوِيُّ : وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ ، وَنَقَلَ
ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ .