بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن فيما أوقع من النكال بقوم لوط آيات للمتأملين في ذلك ، تحصل لهم بها الموعظة والاعتبار والخوف من معصية الله أن ينزل بهم مثل ذلك العذاب الذي أنزل بقوم لوط لما عصوه وكذبوا رسوله . وبين هذا المعنى في مواضع أخر كقوله في العنكبوت : ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون [ 29 \ 35 ] وقوله في الذاريات : وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم [ 151 \ 37 ] وقوله هنا : إن في ذلك لآيات للمتوسمين [ 15 \ 75 ] وقوله في الشعراء بعد ذكر قصة قوم لوط : إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين الآية [ 26 \ 174 ] ، كما صرح بمثل ذلك في إهلاك قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم شعيب في الشعراء وقوله : للمتوسمين أصل التوسم تفعل من الوسم ، وهو العلامة التي يستدل بها على مطلوب غيرها . يقال : توسمت فيه الخير إذا رأيت ميسمه فيه ، أي علامته التي تدل عليه ، ومنه قول - رضي الله عنه - في النبي - صلى الله عليه وسلم - : عبد الله بن رواحة
إني توسمت فيك الخير أعرفه والله يعلم أني ثابت النظر
وقال الآخر :
توسمته لما رأيت مهابة عليه وقلت المرء من آل هاشم
هذا أصل التوسم ، وللعلماء فيه أقوال متقاربة يرجع معناها كلها إلى شيء واحد . [ ص: 287 ] فعن قتادة : للمتوسمين أي المعتبرين ، وعن مجاهد للمتوسمين أي المتفرسين ، وعن ابن عباس والضحاك للمتوسمين أي للناظرين ، وعن مالك عن بعض أهل المدينة للمتوسمين أي للمتأملين .
ولا يخفى أن الاعتبار والنظر والتفرس والتأمل معناها واحد ، وكذلك قول ابن زيد ومقاتل : للمتوسمين أي للمتفكرين ، وقول أبي عبيدة للمتوسمين أي للمتبصرين ، فمآل جميع الأقوال راجع إلى شيء واحد وهو أن ما وقع لقوم لوط فيه موعظة وعبرة لمن نظر في ذلك وتأمل فيه حق التأمل ، وإطلاق التوسم على التأمل والنظر والاعتبار مشهور في كلام العرب ومنه قول زهير : :
وفيهن ملهى للصديق ومنظر أنيق لعين الناظر المتوسم
أو كلما وردت عكاظ قبيلة بعثوا إلي عريفهم يتوسم
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن قتادة في قوله : لآيات للمتوسمين : قال للمعتبرين . وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله : لآيات للمتوسمين قال : هم المتفرسون . وأخرج أبو نعيم في الحلية عن في قوله : إن في ذلك جعفر بن محمد لآيات للمتوسمين قال : هم المتفرسون . وأخرج في تاريخه البخاري والترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن السني وأبو نعيم معا في الطب وابن مردويه والخطيب عن قال : أبي سعيد الخدري " ثم قرأ اتقوا فراسة المؤمن ، فإنه ينظر بنور الله إن في ذلك لآيات للمتوسمين قال : " للمتفرسين " . وأخرج قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " عن ابن جرير قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ابن عمر " . وأخرج اتقوا فراسة المؤمن ، فإن المؤمن ينظر بنور الله عن ابن جرير قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ثوبان احذروا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله وينطق بتوفيق الله " . وأخرج الحكيم الترمذي والبزار وابن السني وأبو نعيم عن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن لله عبادا يعرفون الناس بالتوسم " . اهـ .