المسألة الثالثة : اعلم أن ما يقوله بعض أهل الأصول من المالكية والشافعية وغيرهم : من جواز النسخ بلا بدل  ، وعزاه غير واحد للجمهور ، وعليه درج في المراقي بقوله :   [ ص: 448 ] وينسخ الخف بما له ثقل وقد يجيء عاريا من البدل . 
أنه باطل بلا شك . والعجب ممن قال به العلماء الأجلاء مع كثرتهم ، مع أنه مخالف مخالفة صريحة لقوله تعالى : ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها    [ 2 \ 106 ] ، فلا كلام البتة لأحد بعد كلام الله تعالى : ومن أصدق من الله قيلا    [ 4 \ 122 ] ، ومن أصدق من الله حديثا    [ 4 \ 87 ] ، أأنتم أعلم أم الله    [ 2 \ 140 ] ، فقد ربط - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة بين النسخ ، وبين الإتيان ببدل المنسوخ على سبيل الشرط والجزاء . ومعلوم أن الصدق والكذب في الشرطية يتواردان على الربط ; فيلزم أنه كلما وقع النسخ وقع الإتيان بخير من المنسوخ أو مثله كما هو ظاهر . 
وما زعمه بعض أهل العلم من أن النسخ وقع في القرآن بلا بدل وذلك في قوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة    [ 58 \ 12 ] ، فإنه نسخ بقوله : أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات  الآية [ 8 \ 13 ] ، ولا بدل لهذا المنسوخ . 
فالجواب : أن له بدلا ، وهو أن وجوب تقديم الصدقة أمام المناجاة لما نسخ بقي استحباب الصدقة وندبها ، بدلا من الوجوب المنسوخ كما هو ظاهر . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					