(
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=8ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=9ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليئوس كفور nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=10ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=11إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير )
[ ص: 24 ] هذه الآيات معطوفة على
nindex.php?page=treesubj&link=28982_30179_30336_28760قوله - تعالى - : ( nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=7ولئن قلت إنكم مبعوثون ) إلخ ، وهي كلها بيان لحال الناس تجاه ما بلغوه من دعوة الإسلام الحق من أول هذه السورة - وهو التوحيد - وبعثة
محمد - صلى الله عليه وسلم - نذيرا وبشيرا وما أنذر وبشر به من جزاء في الدنيا والآخرة ، والرجوع إلى الله بعد الموت وكمال الجزاء فيه ، وقد استدل على هذا بخلقه - تعالى - للسماوات والأرض إذ كان عرشه على الماء ، الذي هو الأصل لجميع الأحياء ، وعلله باختبار المكلفين بما يظهر به أيهم أحسن عملا . بعد هذا بين قصارى ما يقوله المنكرون للبعث منهم ، وقد تقدم ، ثم عطف عليه ما يقوله المنكرون لإنذار الرسول - صلى الله عليه وسلم - إياهم عذاب الدنيا والآخرة بتكذيبهم له فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=8nindex.php?page=treesubj&link=28982ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ) الآية شرطية مؤكدة بالقسم ، والمراد بالعذاب ما تقدم من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=3وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير ) ( 3 ) على ما اخترناه فيه ، والأمة هنا : الطائفة أو المدة من الزمن ، ومثله في سورة يوسف : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=45وادكر بعد أمة ) ( 12 : 45 ) وأصلها الجماعة من جنس أو نوع واحد أو دين واحد أو زمن واحد ، وتطلق على الدين والملة الخاصة والزمن الخاص . أي ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى جماعة من الزمن معدودة في علمنا ومحدودة في نظام تقديرنا وسنتنا في خلقنا ، المبين في قولنا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=38لكل أجل كتاب ) ( 13 : 38 ) أو إلى أمة قليلة من الزمن تعد بالسنوات ، أو ما دونها من الشهور أو الأيام (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=8ليقولن ما يحبسه ) يعنون : أي شيء يمنع هذا العذاب من الوقوع إن كان حقا كما يقول هذا النذير ؟ وإنما يقولون هذا ويستعجلون بالعذاب إنكارا له واستهزاء به : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=8ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم ) أي ألا إن له يوما يأتيهم فيه إذ تنتهي الأمة المعدودة المضروبة دونه ، ويومئذ لا يصرفه عنهم صارف ولا يحبسه حابس . (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=8وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ) وسيحيط بهم يومئذ من كل جانب ما كانوا يستهزئون به من العذاب قبل وقوعه ، فلا هو يصرف عنهم ولا هم ينجون منه ، عبر بـ حاق الماضي للإيذان بتحقيق وقوعه حتى كأنه وقع بالفعل ، وعبر عن الفاعل بـ ما الموصولة بفعل الاستهزاء المستمر للإيذان بعلته وسببه ، وهذا الموضوع قد تقدم في سورة " يونس " مفصلا في الآيات ( 28 ، 45 - 55 ) وبينا في تفسيرها حكمة إبهام هذا العذاب بما يحتمل عذاب الدنيا وعذاب الآخرة مع الشواهد من السور .
. (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=9nindex.php?page=treesubj&link=28982ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ) هذا وما بعده بيان لحال الإنسان في اختبار الله له في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=7ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) ( 7 ) أي لئن أعطيناه نوعا من أنواع النعمة رحمة منا مبتدأة أذقناه لذتها ، فكان مغتبطا بها ، كالصحة والأمن وسعة الرزق والولد البار . (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=9ثم نزعناها منه ) بما يحدث من الأسباب بمقتضى سنتنا في الخلق من مرض وعسر وفتن وموت . (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=9إنه ليئوس كفور ) أي : إنه في هذه الحال لشديد اليأس من الرحمة ، قطوع للرجاء من عودة
[ ص: 25 ] تلك النعمة ، كثير الكفران لغيرها من النعم التي لا يزال يتمتع بها ، فضلا عما سلف منها ، فهو يجمع بين اليأس مما نزع منه ، والكفر بما بقي له لحرمانه من فضيلتي الصبر والشكر .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=10ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ) النعماء بالفتح اسم من أنعم عليه إنعاما - كالنعمة بالكسر والنعمى بالضم - وهي ما يقابل بالضراء من الضر الذي يقابل به النفع ، ولم ترد النعماء في التنزيل إلا في هذه الآية ، وهذه الإذاقة أخص مما قبلها ، وهي تتضمن كشف الضراء السابقة وإحلال ما هو ضدها محلها ، كالشفاء من المرض وزيادة العافية والقوة السابغة ، والمخرج من العسر والفقر ، إلى سعة الغنى واليسر ، والنجاة من الخوف والذل ، إلى بحبوحة المنعة والعز . يقول تعالى ولئن منحنا هذا الإنسان اليئوس الكفور : نعماء ، أذقناه لذتها ونعمتها ، بعد ضراء مسته باقترافه لأسبابها ، إثر كشفها وإزالتها (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=10ليقولن ذهب السيئات عني ) أي ذهب ما كان يسوءني من المصائب والضراء فلن تعود ، فما هي إلا سحابة صيف تقشعت فعلي أن أنساها بالتمتع باللذات (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=10إنه لفرح فخور ) أي إنه في هذه الحالة لشديد الفرح والمرح الذي يهيجه البطر بالنعمة ، ومبالغ بالفخر والتعالي على الناس والاحتقار لمن دونه فيها ، فهو لا يقابلها بشكر الله عليها .
روي أن
nindex.php?page=treesubj&link=28861_32276هذه الآية نزلت في الوليد بن المغيرة المخزومي ، وقيل في
عبد الله بن أمية المخزومي ، والمراد أنها موافقة لحالهما ، وهي إنما نزلت في ضمن السورة لبيان حالة الناس العامة ، ولذلك استثنى منها قوله - تعالى - :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=11إلا الذين صبروا ) هذا استثناء من جنس الإنسان فيما ذكر من حاليه في الآيتين قبله : الكفر بأنعم الله واليأس من رحمته عند زوال شيء منها ، وفرح البطر وعظمة الفخر بها عند إقبالها ، يقول : إلا الذين صبروا على ما أصابهم من الضراء إيمانا بالله واحتسابا للأجر عنده (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=11وعملوا الصالحات ) عند كشفها وتبديل النعماء بها ، من شكره - تعالى - باستعمال النعمة فيما يرضيه - تعالى - من عمل البر وغير ذلك من عبادته وشكره (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=11أولئك لهم مغفرة ) واسعة من ربهم تمحو من أنفسهم ما علق بها من ذنب أو تقصير (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=11وأجر كبير ) في الآخرة على ما وفقوا له من بر وتشمير ، فإن الإنسان وإن كان مؤمنا بارا لا يسلم في الضراء والمصائب من ضيق صدر قد ينافي كمال الرضى أو يلابس بعض الوزر ، وفي حال النعماء من شيء من الزهو والتقصير في الشكر ، وكل منهما يغفر له بصبره وشكره وإنابته إلى ربه .
ويناسب هذه الآيات من سورة يونس : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=12وإذا مس الإنسان الضر دعانا ) ( 10 : 12 ) إلخ وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=21وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم ) ( 10 : 12 ) إلى آخر الآية ( 23 ) فراجع تفسيرهن مع تفسير :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=58قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا 10 : 58
[ ص: 26 ] تعلم أن هذه المعاني المكررة بالأساليب المختلفة البليغة ما أنزلت إلا لهدايتك لما تزكي به نفسك وتثقف طباعها وعاداتها الضارة ، والجامع للمراد هنا بأخصر عبارة وأبلغها ، سورة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=103&ayano=1والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ) ( 103 : 1 - 3 ) .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=8وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=9وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=10وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=11إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ )
[ ص: 24 ] هَذِهِ الْآيَاتُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=28982_30179_30336_28760قَوْلِهِ - تَعَالَى - : ( nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=7وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ ) إِلَخْ ، وَهِيَ كُلُّهَا بَيَانٌ لِحَالِ النَّاسِ تِجَاهَ مَا بُلِّغُوهُ مِنْ دَعْوَةِ الْإِسْلَامِ الْحَقِّ مِنْ أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ - وَهُوَ التَّوْحِيدُ - وَبِعْثَةِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَذِيرًا وَبَشِيرًا وَمَا أَنْذَرَ وَبَشَّرَ بِهِ مِنْ جَزَاءٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَالرُّجُوعِ إِلَى اللَّهِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَكَمَالِ الْجَزَاءِ فِيهِ ، وَقَدِ اسْتَدَلَّ عَلَى هَذَا بِخَلْقِهِ - تَعَالَى - لِلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِذْ كَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ، الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ لِجَمِيعِ الْأَحْيَاءِ ، وَعَلَّلَهُ بِاخْتِبَارِ الْمُكَلَّفِينَ بِمَا يَظْهَرُ بِهِ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا . بَعْدَ هَذَا بَيَّنَ قُصَارَى مَا يَقُولُهُ الْمُنْكِرُونَ لِلْبَعْثِ مِنْهُمْ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ، ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ مَا يَقُولُهُ الْمُنْكِرُونَ لِإِنْذَارِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِيَّاهُمْ عَذَابَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِتَكْذِيبِهِمْ لَهُ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=8nindex.php?page=treesubj&link=28982وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ ) الْآيَةُ شَرْطِيَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ بِالْقَسَمِ ، وَالْمُرَادُ بِالْعَذَابِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=3وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ ) ( 3 ) عَلَى مَا اخْتَرْنَاهُ فِيهِ ، وَالْأُمَّةُ هُنَا : الطَّائِفَةُ أَوِ الْمُدَّةُ مِنَ الزَّمَنِ ، وَمِثْلُهُ فِي سُورَةِ يُوسُفَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=45وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ ) ( 12 : 45 ) وَأَصْلُهَا الْجَمَاعَةُ مِنْ جِنْسٍ أَوْ نَوْعٍ وَاحِدٍ أَوْ دِينٍ وَاحِدٍ أَوْ زَمَنٍ وَاحِدٍ ، وَتُطْلَقُ عَلَى الدِّينِ وَالْمِلَّةِ الْخَاصَّةِ وَالزَّمَنِ الْخَاصِّ . أَيْ وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى جَمَاعَةٍ مِنَ الزَّمَنِ مَعْدُودَةٍ فِي عِلْمِنَا وَمَحْدُودَةٍ فِي نِظَامِ تَقْدِيرِنَا وَسُنَّتِنَا فِي خَلْقِنَا ، الْمُبَيَّنِ فِي قَوْلِنَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=38لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ ) ( 13 : 38 ) أَوْ إِلَى أُمَّةٍ قَلِيلَةٍ مِنَ الزَّمَنِ تُعَدُّ بِالسَّنَوَاتِ ، أَوْ مَا دُونَهَا مِنَ الشُّهُورِ أَوِ الْأَيَّامِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=8لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ ) يَعْنُونَ : أَيُّ شَيْءٍ يَمْنَعُ هَذَا الْعَذَابَ مِنَ الْوُقُوعِ إِنْ كَانَ حَقًّا كَمَا يَقُولُ هَذَا النَّذِيرُ ؟ وَإِنَّمَا يَقُولُونَ هَذَا وَيَسْتَعْجِلُونَ بِالْعَذَابِ إِنْكَارًا لَهُ وَاسْتِهْزَاءً بِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=8أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ ) أَيْ أَلَا إِنَّ لَهُ يَوْمًا يَأْتِيهِمْ فِيهِ إِذْ تَنْتَهِي الْأُمَّةُ الْمَعْدُودَةُ الْمَضْرُوبَةُ دُونَهُ ، وَيَوْمَئِذٍ لَا يَصْرِفُهُ عَنْهُمْ صَارِفٌ وَلَا يَحْبِسُهُ حَابِسٌ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=8وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ) وَسَيُحِيطُ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ مَا كَانُوا يَسْتَهْزِئُونَ بِهِ مِنَ الْعَذَابِ قَبْلَ وُقُوعِهِ ، فَلَا هُوَ يُصْرَفُ عَنْهُمْ وَلَا هُمْ يَنْجُونَ مِنْهُ ، عَبَّرَ بِـ حَاقَ الْمَاضِي لِلْإِيذَانِ بِتَحْقِيقِ وُقُوعِهِ حَتَّى كَأَنَّهُ وَقَعَ بِالْفِعْلِ ، وَعَبَّرَ عَنِ الْفَاعِلِ بـِ مَا الْمَوْصُولَةِ بِفِعْلِ الِاسْتِهْزَاءِ الْمُسْتَمِرِّ لِلْإِيذَانِ بِعِلَّتِهِ وَسَبَبِهِ ، وَهَذَا الْمَوْضُوعُ قَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ " يُونُسَ " مُفَصَّلًا فِي الْآيَاتِ ( 28 ، 45 - 55 ) وَبَيَّنَّا فِي تَفْسِيرِهَا حِكْمَةَ إِبْهَامِ هَذَا الْعَذَابِ بِمَا يَحْتَمِلُ عَذَابَ الدُّنْيَا وَعَذَابَ الْآخِرَةِ مَعَ الشَّوَاهِدِ مِنَ السُّوَرِ .
. (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=9nindex.php?page=treesubj&link=28982وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ) هَذَا وَمَا بَعْدَهُ بَيَانٌ لِحَالِ الْإِنْسَانِ فِي اخْتِبَارِ اللَّهِ لَهُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=7لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ) ( 7 ) أَيْ لَئِنْ أَعْطَيْنَاهُ نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِ النِّعْمَةِ رَحْمَةً مِنَّا مُبْتَدَأَةً أَذَقْنَاهُ لَذَّتَهَا ، فَكَانَ مُغْتَبِطًا بِهَا ، كَالصِّحَّةِ وَالْأَمْنِ وَسَعَةِ الرِّزْقِ وَالْوَلَدِ الْبَارِّ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=9ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ ) بِمَا يَحْدُثُ مِنَ الْأَسْبَابِ بِمُقْتَضَى سُنَّتِنَا فِي الْخَلْقِ مِنْ مَرَضٍ وَعُسْرٍ وَفِتَنٍ وَمَوْتٍ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=9إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ ) أَيْ : إِنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ لَشَدِيدُ الْيَأْسِ مِنَ الرَّحْمَةِ ، قَطُوعٌ لِلرَّجَاءِ مِنْ عَوْدَةِ
[ ص: 25 ] تِلْكَ النِّعْمَةِ ، كَثِيرُ الْكُفْرَانِ لِغَيْرِهَا مِنَ النِّعَمِ الَّتِي لَا يَزَالُ يَتَمَتَّعُ بِهَا ، فَضْلًا عَمَّا سَلَفَ مِنْهَا ، فَهُوَ يَجْمَعُ بَيْنَ الْيَأْسِ مِمَّا نُزِعَ مِنْهُ ، وَالْكُفْرِ بِمَا بَقِيَ لَهُ لِحِرْمَانِهِ مِنْ فَضِيلَتَيِ الصَّبْرِ وَالشُّكْرِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=10وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ ) النَّعْمَاءُ بِالْفَتْحِ اسْمٌ مِنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ إِنْعَامًا - كَالنِّعْمَةِ بِالْكَسْرِ وَالنُّعْمَى بِالضَّمِّ - وَهِيَ مَا يُقَابَلُ بِالضَّرَّاءِ مِنَ الضُّرِّ الَّذِي يُقَابَلُ بِهِ النَّفْعُ ، وَلَمْ تَرِدِ النَّعْمَاءُ فِي التَّنْزِيلِ إِلَّا فِي هَذِهِ الْآيَةِ ، وَهَذِهِ الْإِذَاقَةُ أَخَصُّ مِمَّا قَبْلَهَا ، وَهِيَ تَتَضَمَّنُ كَشْفَ الضَّرَّاءِ السَّابِقَةِ وَإِحْلَالَ مَا هُوَ ضِدُّهَا مَحَلَّهَا ، كَالشِّفَاءِ مِنَ الْمَرَضِ وَزِيَادَةِ الْعَافِيَةِ وَالْقُوَّةِ السَّابِغَةِ ، وَالْمَخْرَجِ مِنَ الْعُسْرِ وَالْفَقْرِ ، إِلَى سَعَةِ الْغِنَى وَالْيُسْرِ ، وَالنَّجَاةِ مِنَ الْخَوْفِ وَالذُّلِّ ، إِلَى بُحْبُوحَةِ الْمَنَعَةِ وَالْعِزِّ . يَقُولُ تَعَالَى وَلَئِنْ مَنَحْنَا هَذَا الْإِنْسَانَ الْيَئُوسَ الْكَفُورَ : نَعْمَاءَ ، أَذَقْنَاهُ لَذَّتَهَا وَنِعْمَتَهَا ، بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ بِاقْتِرَافِهِ لِأَسْبَابِهَا ، إِثْرَ كَشْفِهَا وَإِزَالَتِهَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=10لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي ) أَيْ ذَهَبَ مَا كَانَ يَسُوءُنِي مِنَ الْمَصَائِبِ وَالضَّرَّاءِ فَلَنْ تَعُودَ ، فَمَا هِيَ إِلَّا سَحَابَةُ صَيْفٍ تَقَشَّعَتْ فَعَلَيَّ أَنْ أَنْسَاهَا بِالتَّمَتُّعِ بِاللَّذَّاتِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=10إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ ) أَيْ إِنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَشَدِيدُ الْفَرَحِ وَالْمَرَحِ الَّذِي يُهَيِّجُهُ الْبَطَرُ بِالنِّعْمَةِ ، وَمُبَالِغٌ بِالْفَخْرِ وَالتَّعَالِي عَلَى النَّاسِ وَالِاحْتِقَارِ لِمَنْ دُونَهُ فِيهَا ، فَهُوَ لَا يُقَابِلُهَا بِشُكْرِ اللَّهِ عَلَيْهَا .
رُوِيَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28861_32276هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيِّ ، وَقِيلَ فِي
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيِّ ، وَالْمُرَادُ أَنَّهَا مُوَافِقَةٌ لِحَالِهِمَا ، وَهِيَ إِنَّمَا نَزَلَتْ فِي ضِمْنِ السُّورَةِ لِبَيَانِ حَالَةِ النَّاسِ الْعَامَّةِ ، وَلِذَلِكَ اسْتَثْنَى مِنْهَا قَوْلَهُ - تَعَالَى - :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=11إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا ) هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ جِنْسِ الْإِنْسَانَ فِيمَا ذَكَرَ مِنْ حَالَيْهِ فِي الْآيَتَيْنِ قَبْلَهُ : الْكُفْرِ بِأَنْعُمِ اللَّهِ وَالْيَأْسِ مِنْ رَحْمَتِهِ عِنْدَ زَوَالِ شَيْءٍ مِنْهَا ، وَفَرَحِ الْبَطَرِ وَعَظَمَةِ الْفَخْرِ بِهَا عِنْدَ إِقْبَالِهَا ، يَقُولُ : إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا عَلَى مَا أَصَابَهُمْ مِنَ الضَّرَّاءِ إِيمَانًا بِاللَّهِ وَاحْتِسَابًا لِلْأَجْرِ عِنْدَهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=11وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) عِنْدَ كَشْفِهَا وَتَبْدِيلِ النَّعْمَاءِ بِهَا ، مِنْ شُكْرِهِ - تَعَالَى - بِاسْتِعْمَالِ النِّعْمَةِ فِيمَا يُرْضِيهِ - تَعَالَى - مِنْ عَمَلِ الْبِرِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ عِبَادَتِهِ وَشُكْرِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=11أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ ) وَاسِعَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ تَمْحُو مِنْ أَنْفُسِهِمْ مَا عَلَقَ بِهَا مِنْ ذَنْبٍ أَوْ تَقْصِيرٍ (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=11وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ) فِي الْآخِرَةِ عَلَى مَا وُفِّقُوا لَهُ مِنْ بِرٍّ وَتَشْمِيرٍ ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ وَإِنْ كَانَ مُؤْمِنًا بَارًّا لَا يَسْلَمُ فِي الضَّرَّاءِ وَالْمَصَائِبِ مِنْ ضِيقِ صَدْرٍ قَدْ يُنَافِي كَمَالَ الرِّضَى أَوْ يُلَابِسُ بَعْضَ الْوِزْرِ ، وَفِي حَالِ النَّعْمَاءِ مِنْ شَيْءٍ مِنَ الزَّهْوِ وَالتَّقْصِيرِ فِي الشُّكْرِ ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُغْفَرُ لَهُ بِصَبْرِهِ وَشُكْرِهِ وَإِنَابَتِهِ إِلَى رَبِّهِ .
وَيُنَاسِبُ هَذِهِ الْآيَاتِ مِنْ سُورَةِ يُونُسَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=12وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا ) ( 10 : 12 ) إِلَخْ وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=21وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ ) ( 10 : 12 ) إِلَى آخِرِ الْآيَةِ ( 23 ) فَرَاجِعْ تَفْسِيرَهُنَّ مَعَ تَفْسِيرِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=58قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا 10 : 58
[ ص: 26 ] تَعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَعَانِيَ الْمُكَرَّرَةَ بِالْأَسَالِيبِ الْمُخْتَلِفَةِ الْبَلِيغَةِ مَا أُنْزِلَتْ إِلَّا لِهِدَايَتِكَ لِمَا تُزَكِّي بِهِ نَفْسَكَ وَتُثَقِّفُ طِبَاعَهَا وَعَادَاتِهَا الضَّارَّةَ ، وَالْجَامِعُ لِلْمُرَادِ هُنَا بِأَخْصَرِ عِبَارَةٍ وَأَبْلَغِهَا ، سُورَةُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=103&ayano=1وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) ( 103 : 1 - 3 ) .