nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=87nindex.php?page=treesubj&link=28982قالوا ياشعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد ( 87 )
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=88قال ياقوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ( 88 )
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=89ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد ( 89 )
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=90واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود ( 90 ) .
هذه الآيات استئناف بياني كأمثالها من المراجعات في مناقشة قوم شعيب له بالآراء التقليدية في التدين والإيمان ، والنظريات الشيطانية في الحرية والأموال .
-
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=87قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا - قرأ جمهور القراء " صلواتك " بالجمع واستدل بها على أنه كان كثير الصلاة ،
وحمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي " صلاتك " بالإفراد ،
[ ص: 119 ] والاستفهام للإنكار والاستهزاء به وبعبادته - عليه السلام - ،
nindex.php?page=treesubj&link=24589والصلاة تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر بما تكسبه من مراقبة الله - تعالى - ، ومن نهى نفسه كان جديرا بأن ينهى غيره ، يعنون : أهذه الصلاة التي تداوم عليها تقتضي بتأثيرها في نفسك أن تحملنا على ترك ما كان عليه آباؤنا من عبادة هذه الأصنام التي كانوا يعبدونها تقربا إلى الله بها ، وتشفعا عنده بجاه الأرواح التي تحتلها ، أو الأولياء التي وضعت لذكراهم ، وما أنت خير منهم ، وأجدر باتباعهم -
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=87أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء - من تنمية واستغلال ، وتصرف في الكسب من الناس بما نستطيع من حذق واحتيال ، وخديعة واهتبال ، وهو حجر على حريتنا ، وتحكم في ذكائنا ؟ ردوا بهذا وبما قبله عليه دعوته من جانبها الديني والدنيوي نشرا مرتبا على لف ، ونقضا لما بنيت عليه من حجة وعطف ، ولذلك ذيلوه بما يشير إلى هذا النقض ، فقالوا بقصد التعريض والتنديد : -
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=87إنك لأنت الحليم الرشيد - الحليم : العاقل الكامل في أناته وترويه فلا يتعجل بأمر قبل الثقة من صحته ، والرشيد : الراسخ في هدايته وهديه ، فلا يأمر إلا بما استبان له من الخير والرشد ، ووصفه بهما وصفا مؤكدا بالجملة الاسمية و " إن " و " اللام " في تعليل إنكارهم لما أمرهم به وما نهاهم عنه ، كلاهما صريح في الاستهزاء به ، والتعريض بما يعتقدون من اتصافه بضدهما ، وهو الجهالة والسفه في الرأي ، والغواية في الفعل بهوس الصلاة . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنه - : يقولون : إنك لست بحليم ولا رشيد . -
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=88قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي - أي : يا قومي الذين أنا منهم وهم مني ، وأحب لهم ما أحب لنفسي ، أخبروني عن شأني وشأنكم ، إن كنت على حجة واضحة من ربي فيما دعوتكم إليه وما أمرتكم به وما نهيتكم عنه فكان وحيا منه لا رأيا مني -
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=88ورزقني منه رزقا حسنا - في كثرته وفي صفته ، وهو كسبه بالحلال بدون تطفيف مكيال ولا ميزان ، ولا بخس لحق أحد من الناس ، فأنا مجرب في الكسب الطيب وما فيه من خير وبركة ، لا فقير معدم أخترع الآراء النظرية فيما ليس لي خبرة به ، أي : أرأيتم والحالة هذه ، ماذا أفعل وماذا أقول لكم غير الذي قلته عن نبوة ربانية ، وتجارب غنى مالية ؟ هل يسعني الكتمان أو التقصير في البيان ؟ -
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=88وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه - أي وإنني على بينتي ونعمتي ، ما أريد أن أخالفكم في ذلك مائلا إلى ما أنهاكم عنه مؤثرا لنفسي عليكم ، بل أنا مستمسك به قبلكم . وأصل المخالفة أن يأخذ كل واحد طريقا غير طريق الآخر في قوله ، أو فعله أو حاله ، وأن يقال : خالفه في الشيء ، فإذا خالفه فيما هو مول عنه تارك له قيل : خالفه إليه ، وإذا خالفه فيما هو مقبل عليه ، قيل : خالفه عنه ، وفي كل منهما تضمين الفعل معنى الميل إليه أو عنه ، أو الرغبة فيه أو عنه . ومن الثاني قوله - تعالى - : -
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم - 24 : 63 أي : يخالفون الرسول راغبين عن أمره مائلين عنه -
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=88إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت - أي : ما أريد إلا الإصلاح العام فيما آمر به وفيما
[ ص: 120 ] أنهى عنه مادمت أستطيعه ; لأنه أمر بالمعروف ونهي عن المنكر ، ليس لي هوى ولا منفعة شخصية خاصة بي فيهما ، ولولا ذلك لما فعلته . قال القاضي
البيضاوي : ولهذه الأجوبة الثلاثة على هذا النسق شأن ، وهو التنبيه على أن العاقل يجب أن يراعي في كل ما يأتيه ويذره أحد حقوق ثلاثة - أهمها وأعلاها حق الله - تعالى - ، وثانيها حق النفس ، وثالثها حق الناس ، وكل ذلك يقتضي أن آمركم بما أمرتكم وأنهاكم عما نهيتكم . و " ما " مصدرية واقعة موقع الظرف ، وقيل : خبرية بدل من الإصلاح ، أي المقدار الذي استطعته أو إصلاح ما استطعته فحذف المضاف . انتهى . وفي هذا إثبات لعقله ورويته ولرشده وحكمته ، وهو إبطال لتهكمهم واستهزائهم بلقب الحليم الرشيد ، والنبي فوق ذلك -
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=88وما توفيقي إلا بالله - التوفيق ضد الخذلان ، وهو الفوز والفلاح في إصابة الإصلاح وكل عمل صالح وسعي حسن ، فإن حصوله يتوقف على التوفيق بين شيئين : أحدهما كسب العامل وطلبه الشيء من طريقه ، وثانيهما موافقة الأسباب الكونية والخارجية التي يتوقف عليها النجاح في كسبه وسعيه ، وتسخيرها إنما يكون من الله وحده . والمعنى : وما توفيقي لإصابة ذلك فيما أستطيعه منه إلا بحول الله وقوته ، وفضله ومعونته ، وأعلاها ما خصني به دونكم من نبوته ورسالته -
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=88عليه توكلت - في أداء ما كلفني من تبليغكم ما أرسلت به ، لا على حولي وقوتي -
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=88وإليه أنيب - أي وإليه وحده أرجع في كل ما نابني من الأمور في الدنيا ، وإلى الجزاء على أعمالي في الآخرة ، فأنا لا أرجو منكم أجرا ، ولا أخاف منكم ضرا .
-
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=89nindex.php?page=treesubj&link=28982_32016ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح - وقرأ الجمهور يجرمنكم بفتح الياء وكسر الراء من جرم الذنب والمال بمعنى كسبه ،
وابن كثير بضمها من أجرمته الذنب إذا جعلته جارما له . فجرمه وأجرمه ككسبه هو وكسبه إياه غيره ، يتعدى الثلاثي من كل منهما بنفسه إلى مفعول واحد وإلى مفعولين كالرباعي .
والشقاق : شدة الخلاف الذي يكون به أحد المختلفين في شق وجانب غير الذي يكون فيه الآخر ، أي لا تحملنكم وتكسبنكم مشاقتكم وعداوتكم لي أن تفضي بالإصرار عليها إلى إصابتكم بمثل ما أصاب مكذبي الرسل قبلكم :
قوم نوح أو
هود أو
صالح من عذاب الخزي والاستئصال - وما
قوم لوط منكم ببعيد - زمانا ولا مكانا ولا إجراما ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : يجوز أن يستوي في : بعيد ، وقريب ، وقليل ، وكثير المذكر والمؤنث لورودها على وزن المصادر كالصهيل والشهيق ونحوهما . وقدر لبعيد قبل ذلك موصوفا : بشيء بعيد ، وقدر غيره : وما إهلاك
قوم لوط . إلخ ، ويقاس عليه مثله .
-
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=90واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه - أي اطلبوا منه المغفرة لما أنتم عليه من الشرك والمعاصي
[ ص: 121 ] بتركهما ، ثم تتوبوا إليه كلما وقع منكم معصية ، وقد تقدم مثل هذا غير مرة -
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=90إن ربي رحيم ودود - هذا تعليل لما قبله ، أي : عظيم الرحمة للمستغفرين التائبين بمغفرته وعفوه ، كثير المودة لهم بإحسانه ونعمه ، والمودة في اللغة عطف الصلة والإكرام بالفعل كما يعلم من استعمالها ، وتساهل أو غلط من فسرها بالمحبة ، وهذا وعد قفي به على الوعيد الذي قبله ، وترك لهم الخيار فيما يرجحونه منهما بعد إقامة الحجة عليهم ، والآية دليل على أن الندم على فعل الفساد والظلم بالتوبة واستغفار الرب - تعالى - من أسباب خير الدنيا والآخرة ، كما تقدم نظيره مكررا في هذه السورة ، وكذلك يقتضيان فعل العدل والصلاح اللذين هما سبب العمران والخير في الدنيا ، ومغفرة الله ومثوبته في الآخرة ، وقد عبر عنهما هنا بما يدل عليهما من صفاته - تعالى - وهي الرحمة والمودة ، وارجع إلى ما عبر به عن فائدة الاستغفار والتوبة في الآية الثالثة و 52 و 61 وتأمل هذه البلاغة والتفنن في بيان المعنى الواحد .
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=87nindex.php?page=treesubj&link=28982قَالُوا يَاشُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ ( 87 )
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=88قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ( 88 )
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=89وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ ( 89 )
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=90وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ ( 90 ) .
هَذِهِ الْآيَاتُ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ كَأَمْثَالِهَا مِنَ الْمُرَاجَعَاتِ فِي مُنَاقَشَةِ قَوْمِ شُعَيْبٍ لَهُ بِالْآرَاءِ التَّقْلِيدِيَّةِ فِي التَّدَيُّنِ وَالْإِيمَانِ ، وَالنَّظَرِيَّاتِ الشَّيْطَانِيَّةِ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالْأَمْوَالِ .
-
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=87قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا - قَرَأَ جُمْهُورُ الْقُرَّاءِ " صَلَوَاتُكَ " بِالْجَمْعِ وَاسْتُدِلَّ بِهَا عَلَى أَنَّهُ كَانَ كَثِيرَ الصَّلَاةِ ،
وَحَمْزَةُ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ " صَلَاتُكَ " بِالْإِفْرَادِ ،
[ ص: 119 ] وَالِاسْتِفْهَامُ لِلْإِنْكَارِ وَالِاسْتِهْزَاءِ بِهِ وَبِعِبَادَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ،
nindex.php?page=treesubj&link=24589وَالصَّلَاةُ تَنْهَى صَاحِبَهَا عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ بِمَا تُكْسِبُهُ مِنْ مُرَاقَبَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - ، وَمَنْ نَهَى نَفْسَهُ كَانَ جَدِيرًا بِأَنْ يَنْهَى غَيْرَهُ ، يَعْنُونَ : أَهَذِهِ الصَّلَاةُ الَّتِي تُدَاوِمُ عَلَيْهَا تَقْتَضِي بِتَأْثِيرِهَا فِي نَفْسِكَ أَنْ تَحْمِلَنَا عَلَى تَرْكِ مَا كَانَ عَلَيْهِ آبَاؤُنَا مِنْ عِبَادَةِ هَذِهِ الْأَصْنَامِ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا تَقَرُّبًا إِلَى اللَّهِ بِهَا ، وَتَشَفُّعًا عِنْدَهُ بِجَاهِ الْأَرْوَاحِ الَّتِي تَحْتَلُّهَا ، أَوِ الْأَوْلِيَاءِ الَّتِي وُضِعَتْ لِذِكْرَاهُمْ ، وَمَا أَنْتَ خَيْرٌ مِنْهُمْ ، وَأَجْدَرُ بِاتِّبَاعِهِمْ -
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=87أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ - مِنْ تَنْمِيَةٍ وَاسْتِغْلَالٍ ، وَتَصَرُّفٍ فِي الْكَسْبِ مِنَ النَّاسِ بِمَا نَسْتَطِيعُ مِنْ حَذْقٍ وَاحْتِيَالٍ ، وَخَدِيعَةٍ وَاهْتِبَالٍ ، وَهُوَ حَجْرٌ عَلَى حُرِّيَّتِنَا ، وَتَحَكُّمٌ فِي ذَكَائِنَا ؟ رَدُّوا بِهَذَا وَبِمَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ دَعْوَتَهُ مِنْ جَانِبِهَا الدِّينِيِّ وَالدُّنْيَوِيِّ نَشْرًا مُرَتَّبًا عَلَى لَفٍّ ، وَنَقْضًا لِمَا بُنِيَتْ عَلَيْهِ مِنْ حُجَّةٍ وَعَطْفٍ ، وَلِذَلِكَ ذَيَّلُوهُ بِمَا يُشِيرُ إِلَى هَذَا النَّقْضِ ، فَقَالُوا بِقَصْدِ التَّعْرِيضِ وَالتَّنْدِيدِ : -
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=87إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ - الْحَلِيمُ : الْعَاقِلُ الْكَامِلُ فِي أَنَّاتِهِ وَتَرَوِّيهِ فَلَا يَتَعَجَّلُ بِأَمْرٍ قَبْلَ الثِّقَةِ مِنْ صِحَّتِهِ ، وَالرَّشِيدُ : الرَّاسِخُ فِي هِدَايَتِهِ وَهَدْيِهِ ، فَلَا يَأْمُرُ إِلَّا بِمَا اسْتَبَانَ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ وَالرُّشْدِ ، وَوَصَفَهُ بِهِمَا وَصْفًا مُؤَكَّدًا بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ وَ " إِنَّ " وَ " اللَّامِ " فِي تَعْلِيلِ إِنْكَارِهِمْ لِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَمَا نَهَاهُمْ عَنْهُ ، كِلَاهُمَا صَرِيحٌ فِي الِاسْتِهْزَاءِ بِهِ ، وَالتَّعْرِيضِ بِمَا يَعْتَقِدُونَ مِنَ اتِّصَافِهِ بِضِدِّهِمَا ، وَهُوَ الْجَهَالَةُ وَالسَّفَهُ فِي الرَّأْيِ ، وَالْغَوَايَةُ فِي الْفِعْلِ بِهَوَسِ الصَّلَاةِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : يَقُولُونَ : إِنَّكَ لَسْتَ بِحَلِيمٍ وَلَا رَشِيدٍ . -
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=88قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي - أَيْ : يَا قَوْمِيَ الَّذِينَ أَنَا مِنْهُمْ وَهُمْ مِنِّي ، وَأُحِبُّ لَهُمْ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي ، أَخْبِرُونِي عَنْ شَأْنِي وَشَأْنِكُمْ ، إِنْ كُنْتُ عَلَى حُجَّةٍ وَاضِحَةٍ مِنْ رَبِّي فِيمَا دَعَوْتُكُمْ إِلَيْهِ وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ وَمَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَكَانَ وَحْيًا مِنْهُ لَا رَأْيًا مِنِّي -
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=88وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا - فِي كَثْرَتِهِ وَفِي صِفَتِهِ ، وَهُوَ كَسْبُهُ بِالْحَلَالِ بِدُونِ تَطْفِيفِ مِكْيَالٍ وَلَا مِيزَانٍ ، وَلَا بَخْسٍ لِحَقِّ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ ، فَأَنَا مُجَرِّبٌ فِي الْكَسْبِ الطَّيِّبِ وَمَا فِيهِ مِنْ خَيْرٍ وَبَرَكَةٍ ، لَا فَقِيرٌ مُعْدِمٌ أَخْتَرِعُ الْآرَاءَ النَّظَرِيَّةَ فِيمَا لَيْسَ لِي خِبْرَةٌ بِهِ ، أَيْ : أَرَأَيْتُمْ وَالْحَالَةُ هَذِهِ ، مَاذَا أَفْعَلُ وَمَاذَا أَقُولُ لَكُمْ غَيْرَ الَّذِي قُلْتُهُ عَنْ نُبُوَّةٍ رَبَّانِيَّةٍ ، وَتَجَارِبِ غِنًى مَالِيَّةٍ ؟ هَلْ يَسَعُنِي الْكِتْمَانُ أَوِ التَّقْصِيرُ فِي الْبَيَانِ ؟ -
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=88وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ - أَيْ وَإِنَّنِي عَلَى بَيِّنَتِي وَنِعْمَتِي ، مَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ فِي ذَلِكَ مَائِلًا إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ مُؤْثِرًا لِنَفْسِي عَلَيْكُمْ ، بَلْ أَنَا مُسْتَمْسِكٌ بِهِ قَبْلَكُمْ . وَأَصْلُ الْمُخَالَفَةِ أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ طَرِيقًا غَيْرَ طَرِيقِ الْآخَرِ فِي قَوْلِهِ ، أَوْ فِعْلِهِ أَوْ حَالِهِ ، وَأَنْ يُقَالَ : خَالَفَهُ فِي الشَّيْءِ ، فَإِذَا خَالَفَهُ فِيمَا هُوَ مُوَلٍّ عَنْهُ تَارِكٌ لَهُ قِيلَ : خَالَفَهُ إِلَيْهِ ، وَإِذَا خَالَفَهُ فِيمَا هُوَ مُقْبِلٌ عَلَيْهِ ، قِيلَ : خَالَفَهُ عَنْهُ ، وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا تَضْمِينُ الْفِعْلِ مَعْنَى الْمَيْلِ إِلَيْهِ أَوْ عَنْهُ ، أَوِ الرَّغْبَةُ فِيهِ أَوْ عَنْهُ . وَمِنَ الثَّانِي قَوْلُهُ - تَعَالَى - : -
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ - 24 : 63 أَيْ : يُخَالِفُونَ الرَّسُولَ رَاغِبِينَ عَنْ أَمْرِهِ مَائِلِينَ عَنْهُ -
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=88إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ - أَيْ : مَا أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ الْعَامَّ فِيمَا آمُرُ بِهِ وَفِيمَا
[ ص: 120 ] أَنْهَى عَنْهُ مَادُمْتُ أَسْتَطِيعُهُ ; لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ ، لَيْسَ لِي هَوًى وَلَا مَنْفَعَةٌ شَخْصِيَّةٌ خَاصَّةٌ بِي فِيهِمَا ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا فَعَلْتُهُ . قَالَ الْقَاضِي
الْبَيْضَاوِيُّ : وَلِهَذِهِ الْأَجْوِبَةِ الثَّلَاثَةِ عَلَى هَذَا النَّسَقِ شَأْنٌ ، وَهُوَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ الْعَاقِلَ يَجِبُ أَنْ يُرَاعِيَ فِي كُلِّ مَا يَأْتِيهِ وَيَذَرُهُ أَحَدَ حُقُوقٍ ثَلَاثَةٍ - أَهَمُّهَا وَأَعْلَاهَا حَقُّ اللَّهِ - تَعَالَى - ، وَثَانِيهَا حَقُّ النَّفْسِ ، وَثَالِثُهَا حَقُّ النَّاسِ ، وَكُلُّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ آمُرَكُمْ بِمَا أَمَرْتُكُمْ وَأَنْهَاكُمْ عَمَّا نَهَيْتُكُمْ . وَ " مَا " مَصْدَرِيَّةٌ وَاقِعَةٌ مَوْقِعَ الظَّرْفِ ، وَقِيلَ : خَبَرِيَّةٌ بَدَلٌ مِنَ الْإِصْلَاحِ ، أَيِ الْمِقْدَارُ الَّذِي اسْتَطَعْتُهُ أَوْ إِصْلَاحُ مَا اسْتَطَعْتُهُ فَحُذِفَ الْمُضَافُ . انْتَهَى . وَفِي هَذَا إِثْبَاتٌ لِعَقْلِهِ وَرَوِيَّتِهِ وَلِرُشْدِهِ وَحِكْمَتِهِ ، وَهُوَ إِبْطَالٌ لِتَهَكُّمِهِمْ وَاسْتِهْزَائِهِمْ بِلَقَبِ الْحَلِيمِ الرَّشِيدِ ، وَالنَّبِيُّ فَوْقَ ذَلِكَ -
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=88وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ - التَّوْفِيقُ ضِدُّ الْخِذْلَانِ ، وَهُوَ الْفَوْزُ وَالْفَلَاحُ فِي إِصَابَةِ الْإِصْلَاحِ وَكُلُّ عَمَلٍ صَالِحٍ وَسَعْيٍ حَسَنٍ ، فَإِنَّ حُصُولَهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى التَّوْفِيقِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ : أَحَدُهُمَا كَسْبُ الْعَامِلِ وَطَلَبُهُ الشَّيْءَ مِنْ طَرِيقِهِ ، وَثَانِيهُمَا مُوَافَقَةُ الْأَسْبَابِ الْكَوْنِيَّةِ وَالْخَارِجِيَّةِ الَّتِي يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا النَّجَاحُ فِي كَسْبِهِ وَسَعْيِهِ ، وَتَسْخِيرُهَا إِنَّمَا يَكُونُ مِنَ اللَّهِ وَحْدَهُ . وَالْمَعْنَى : وَمَا تَوْفِيقِي لِإِصَابَةِ ذَلِكَ فِيمَا أَسْتَطِيعُهُ مِنْهُ إِلَّا بِحَوْلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ ، وَفَضْلِهِ وَمَعُونَتِهِ ، وَأَعْلَاهَا مَا خَصَّنِي بِهِ دُونَكُمْ مِنْ نُبُوَّتِهِ وَرِسَالَتِهِ -
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=88عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ - فِي أَدَاءِ مَا كَلَّفَنِي مِنْ تَبْلِيغِكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ ، لَا عَلَى حَوْلِي وَقُوَّتِي -
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=88وَإِلَيْهِ أُنِيبُ - أَيْ وَإِلَيْهِ وَحْدَهُ أَرْجِعُ فِي كُلِّ مَا نَابَنِي مِنَ الْأُمُورِ فِي الدُّنْيَا ، وَإِلَى الْجَزَاءِ عَلَى أَعْمَالِي فِي الْآخِرَةِ ، فَأَنَا لَا أَرْجُو مِنْكُمْ أَجْرًا ، وَلَا أَخَافُ مِنْكُمْ ضَرًّا .
-
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=89nindex.php?page=treesubj&link=28982_32016وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ - وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ يَجْرِمَنَّكُمْ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ مِنْ جُرْمِ الذَّنَبِ وَالْمَالِ بِمَعْنَى كَسْبِهِ ،
وَابْنُ كَثِيرٍ بِضَمِّهَا مِنْ أَجْرَمَتْهُ الذَّنْبُ إِذَا جَعَلَتْهُ جَارِمًا لَهُ . فَجَرَمَهُ وَأَجْرَمَهُ كَكَسِبَهُ هُوَ وَكَسَّبَهُ إِيَّاهُ غَيْرُهُ ، يَتَعَدَّى الثُّلَاثِيُّ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا بِنَفْسِهِ إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ وَإِلَى مَفْعُولَيْنِ كَالرُّبَاعِيِّ .
وَالشِّقَاقُ : شِدَّةُ الْخِلَافِ الَّذِي يَكُونُ بِهِ أَحَدُ الْمُخْتَلِفَيْنِ فِي شِقٍّ وَجَانِبٍ غَيْرِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الْآخَرُ ، أَيْ لَا تَحْمِلَنَّكُمْ وَتَكْسِبَنَّكُمْ مُشَاقَّتُكُمْ وَعَدَاوَتُكُمْ لِي أَنْ تُفْضِيَ بِالْإِصْرَارِ عَلَيْهَا إِلَى إِصَابَتِكُمْ بِمِثْلِ مَا أَصَابَ مُكَذِّبِي الرُّسُلِ قَبْلَكُمْ :
قَوْمَ نُوحٍ أَوْ
هُودٍ أَوْ
صَالِحٍ مِنْ عَذَابِ الْخِزْيِ وَالِاسْتِئْصَالِ - وَمَا
قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ - زَمَانًا وَلَا مَكَانًا وَلَا إِجْرَامًا ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : يَجُوزُ أَنْ يَسْتَوِيَ فِي : بَعِيدٍ ، وَقَرِيبٍ ، وَقَلِيلٍ ، وَكَثِيرٍ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ لِوُرُودِهَا عَلَى وَزْنِ الْمَصَادِرِ كَالصَّهِيلِ وَالشَّهِيقِ وَنَحْوِهِمَا . وَقُدِّرَ لِبَعِيدٍ قَبْلَ ذَلِكَ مَوْصُوفًا : بِشَيْءٍ بَعِيدٍ ، وَقَدَّرَ غَيْرُهُ : وَمَا إِهْلَاكُ
قَوْمِ لُوطٍ . إِلَخْ ، وَيُقَاسُ عَلَيْهِ مِثْلُهُ .
-
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=90وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ - أَيِ اطْلُبُوا مِنْهُ الْمَغْفِرَةَ لِمَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ وَالْمَعَاصِي
[ ص: 121 ] بِتَرْكِهِمَا ، ثُمَّ تَتُوبُوا إِلَيْهِ كُلَّمَا وَقَعَ مِنْكُمْ مَعْصِيَةٌ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُ هَذَا غَيْرَ مَرَّةٍ -
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=90إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ - هَذَا تَعْلِيلٌ لِمَا قَبْلَهُ ، أَيْ : عَظِيمُ الرَّحْمَةِ لِلْمُسْتَغْفِرِينَ التَّائِبِينَ بِمَغْفِرَتِهِ وَعَفْوِهِ ، كَثِيرُ الْمَوَدَّةِ لَهُمْ بِإِحْسَانِهِ وَنِعَمِهِ ، وَالْمَوَدَّةُ فِي اللُّغَةِ عَطْفُ الصِّلَةِ وَالْإِكْرَامُ بِالْفِعْلِ كَمَا يُعْلَمُ مِنَ اسْتِعْمَالِهَا ، وَتَسَاهَلَ أَوْ غَلَطَ مَنْ فَسَّرَهَا بِالْمَحَبَّةِ ، وَهَذَا وَعْدٌ قُفِّيَ بِهِ عَلَى الْوَعِيدِ الَّذِي قَبْلَهُ ، وَتَرَكَ لَهُمُ الْخِيَارَ فِيمَا يُرَجِّحُونَهُ مِنْهُمَا بَعْدَ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ ، وَالْآيَةُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّدَمَ عَلَى فِعْلِ الْفَسَادِ وَالظُّلْمِ بِالتَّوْبَةِ وَاسْتِغْفَارِ الرَّبِّ - تَعَالَى - مِنْ أَسْبَابِ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، كَمَا تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ مُكَرَّرًا فِي هَذِهِ السُّورَةِ ، وَكَذَلِكَ يَقْتَضِيَانِ فِعْلَ الْعَدْلِ وَالصَّلَاحِ اللَّذَيْنِ هُمَا سَبَبُ الْعُمْرَانِ وَالْخَيْرِ فِي الدُّنْيَا ، وَمَغْفِرَةِ اللَّهِ وَمَثُوُبَتِهِ فِي الْآخِرَةِ ، وَقَدْ عَبَّرَ عَنْهُمَا هُنَا بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِمَا مِنْ صِفَاتِهِ - تَعَالَى - وَهِيَ الرَّحْمَةُ وَالْمَوَدَّةُ ، وَارْجِعْ إِلَى مَا عَبَّرَ بِهِ عَنْ فَائِدَةِ الِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ فِي الْآيَةِ الثَّالِثَةِ و 52 و 61 وَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْبَلَاغَةَ وَالتَّفَنُّنَ فِي بَيَانِ الْمَعْنَى الْوَاحِدِ .