( العبرة العامة في هذه القصص بعذاب الآخرة ) :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=103nindex.php?page=treesubj&link=32016_30180_30296إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=104وما نؤخره إلا لأجل معدود nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=105يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=106فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=107خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=108وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=109فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص .
[ ص: 129 ] هذه البضع الآيات في العبرة بجزاء الآخرة للأشقياء والسعداء .
-
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=103إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة - أي : في ذلك الذي قصه الله من إهلاك أولئك الأقوام ، وما قفى عليه من بيان سنته في الظالمين ، لحجة بينة وعبرة ظاهرة ، على أن ما يجري في خلقه من نظام سننه هو بمشيئته واختباره ، وإنما هو آية وعبرة لمن يخاف عذاب الآخرة ، يعتبر بها فيتقي الظلم في الدنيا بجميع أنواعه ، لإيمانه بأن من عذب الأمم الظالمة في الدنيا قادر على تعذيبهم في الآخرة ، ولا يغتر بعدم وقوع العذاب في الدنيا كأولئك الأقوام كما كانوا مغرورين ، فإن كان العذاب العام إنما نزل بمن أجمع منهم على الشرك والظلم والفساد . فتلك سنته - تعالى - في الأقوام دون الأفراد ، وقد علم منها أن الله - تعالى - لا يهلك الأمة في جملتها ما دام فيها أحد من أهل التوحيد والتقوى ، إذ كان يخرج رسله وأتباعهم من قومهم قبل هلاكهم ، وأما الأفراد فتعذيبهم في الدنيا بظلمهم كثير ولكنه غير مطرد ، وقد تكون نجاتهم فيها بصلاح غيرهم من أهلها كما بيناه مرارا ، ولذلك أفرد الخائف هنا .
قال القاضي
البيضاوي في تخصيص الآية بالخائف : يعتبر بها لعلمه أن ما حاق بهم أنموذج مما أعد الله للمجرمين في الآخرة - أو ينزجر له عن موجباته لعلمه بأنه من إله مختار يعذب من يشاء ويرحم من يشاء ، فإن من أنكر الآخرة وأحال فناء هذا العالم لم يقل بالفاعل المختار ، وجعل تلك الوقائع لأسباب فلكية اتفقت في تلك الأيام لا لذنوب المهلكين بها . اهـ .
أقول : ذكرت في الكلام على العبرة بهلاك قوم
نوح بالطوفان ، أن كفار الماديين وملاحدة المليين في هذا الزمان يقولون مثل هذا الذي حكاه
البيضاوي عن منكري الآخرة في عصره ، يقولون : إن الطوفان حدث بسبب طبيعي لا بإرادة الله واختياره لتربية الأمم ، وإنهم هكذا يقولون فيمن هلكوا بالريح وبالصاعقة وبخسف الأرض ، وقلت في الرد عليهم : إن حدوث المصائب بالأسباب الموافقة لسنن الله في نظام العالم هو المراد بالقضاء والقدر في القرآن ، ولكن الله - تعالى - أحدث الأسباب في تلك الأوقات بحكمته لأجل عقاب تلك الأمم بها ، ولم تكن بالمصادفة والاتفاق ، والدليل على ذلك إنذار الرسل لأقوامهم إياها قبل وقوعها ، ومنهم من ذكر موعدها بالتعيين والتحديد ، وهكذا يفعل الله بالظالمين في كل زمان ، وإن لم يكن فيه رسل يطلعهم على وقت وقوعه لينذروا الناس به اكتفاء بإنذار القرآن ، وقد قال فيه :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=227وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون 26 : 227 .
- ذلك يوم مجموع له الناس - أي : ذلك اليوم الذي يقع فيه عذاب الآخرة - فكان ذكره دليلا عليه - يوم يجمع له الناس كلهم ، أي لأجل ما يقع فيه من الحساب الذي يترتب عليه الجزاء . وفي جعل جمع الناس له ( بصيغة اسم المفعول ) صفة من صفاته مبالغة ، كانت
[ ص: 130 ] بها الجملة هنا أبلغ من جملة : -
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=9يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن - 64 : 9 في إثبات الجمع ; لأن تلك سيقت لأجل إثبات ما يقع في ذلك اليوم من التغابن ، أي غبن الناس بعضهم بعضا بتفاوت أعمالهم من الخير والشر وجزاؤهم عليها ، وهذه لأجل إثبات الجمع له في ذاته لتصوير هوله ، ومثله قوله : -
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=103nindex.php?page=treesubj&link=28982_30296وذلك يوم مشهود - يشهده الخلائق كلهم من الإنس والجن والملائكة والحيوانات وغيرها ، وقد صار هذا التعبير الوجيز البليغ مثلا توصف به المجامع الحافلة بكثرة الناس ، أو الأوقات التي يكثر من يشهدها منهم .
-
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=104وما نؤخره إلا لأجل معدود - أي : وما نؤخر ذلك اليوم إلا لانتهاء مدة معدودة في علمنا لا تزيد ولا تنقص عن تقديرنا لها بحكمتنا ، وهو انقضاء عمر هذه الدنيا ، وكل ما هو معدود محدود النهاية فهو قريب ، وقد ثبت بنصوص القرآن والأحاديث الصحيحة أن الله - تعالى - لم يطلع أحدا من خلقه على وقت قيام الساعة .
-
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=105يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه - أي : في الوقت الذي يجيء فيه ذلك اليوم المعين لا تتكلم نفس من الأنفس الناطقة إلا بإذن الله - تعالى - ; لأنه يومه الخاص الذي لا يملك أحد فيه قولا ولا فعلا إلا بإذنه كما قال : -
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=38يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا - 78 : 38 وقال : -
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=108يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=109يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا - 20 : 108 و 109 وقال في الكفار : -
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=35هذا يوم لا ينطقون nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=36ولا يؤذن لهم فيعتذرون - 77 : 35 36 وقال : -
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=65اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم - 36 : 65 إلخ .
وفسرت كلمة ( يوم ) في الآية بالوقت المطلق ، أي : غير المحدود ; لأنه ظرف لليوم المحدود الموصوف بما ذكر الذي هو فاعل يأتي . وأراد بعضهم الهرب من جعل يوم ظرفا لليوم ، فقالوا : المعنى يوم يأتي جزاؤه أو هوله ، أو الله - تعالى - ، واستشهدوا للأخير بقوله : -
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله - 2 : 210 والشواهد التي أوردناها نص في هذا المقام ، ولا حاجة إلى غير جعل يوم بمعنى وقت أو حين . وقرأ
ابن عامر وعاصم وحمزة ( يأت ) بحذف الياء اجتزاء عنها بالكسرة ، وهذا هو الموافق لرسم المصحف الإمام وهو لغة
هذيل ، تقول : ما أدر ما تقول . ونفي الكلام في ذلك اليوم إلا بإذنه - تعالى - يفسر لنا الجمع بين الآيات النافية له مطلقا والمثبتة له مطلقا .
-
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=105nindex.php?page=treesubj&link=30296_28766_28982فمنهم شقي وسعيد - أي : فمن الأنفس المكلفة التي تجمع فيه ، شقي مستحق لوعيد الكافرين بالعذاب الدائم ، ومنهم سعيد مستحق لما وعد به المتقون من الثواب الدائم ، ولا يدخل في هذا التقسيم غير المكلفين كالأطفال والمجانين ، وأما من تستوي حسناتهم وسيئاتهم من المؤمنين ، ومن تغلب سيئاتهم منهم ويعاقبون عليها في النار عقابا موقوتا ثم
[ ص: 131 ] يدخلون الجنة ، فهم من فريق السعداء باعتبار الخاتمة في الدنيا والآخرة ، فالسعداء درجات ، والأشقياء دركات .
روى
الترمذي وحسنه
أبو يعلى وأشهر رواة التفسير
nindex.php?page=hadith&LINKID=920516عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال : لما نزلت : - nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=105فمنهم شقي وسعيد - قلت : يا رسول الله فعلام نعمل ؟ على شيء قد فرغ منه أو على شيء لم يفرغ منه ؟ قال : " بل على شيء قد فرغ منه وجرت به الأقلام يا عمر ، ولكن كل ميسر لما خلق له " وحديث : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=920517كل ميسر لما خلق له " رواه
أحمد والشيخان وغيرهما ، ولفظ
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=hadith&LINKID=920518عن nindex.php?page=showalam&ids=40عمران بن حصين - رضي الله عنه - قلت : يا رسول الله فيم يعمل العاملون ؟ قال : " كل ميسر لما خلق له "
nindex.php?page=hadith&LINKID=920519وعن علي - كرم الله وجهه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان في جنازة فأخذ عودا فجعل ينكت في الأرض ، فقال : " ما منكم أحد إلا كتب مقعده من الجنة أو من النار " فقالوا : ألا نتكل ؟ قال : " اعملوا فكل ميسر لما خلق له " وقرأ : - nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=5فأما من أعطى واتقى - 92 : 5 إلخ ، ومعناه الذي غفل عنه أو جهله الكثيرون على ظهوره : أن الله - تعالى - يعلم الغيب ، وعلمه بأن زيدا يدخل الجنة أو النار ليس معناه أن يدخلها بغير عمل يستحقها به بحسب وعده وحكمته ، ولا أنه لا فرق فيما يعمله في الجزاء ، وإنما يعلم الله المستقبل كله بجميع أجزائه وأطرافه ، ومنه عمل العاملين وما يترتب على كل عمل من الجزاء بحسب وعده ووعيده في كتابه المنزل وكتابته للمقادير ، ولا تناقض ولا تعارض بينهما ، ونحن لا نعلم الغيب ، ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - علمنا ما نعلم به ما سيكون في الجملة ، وهو أن الجزاء بالعمل ، وأن كل إنسان ميسر له ومسهل عليه ما خلقه الله لأجله من سعادة الجنة وشقاوة النار ، وأن ما وهبه للإنسان من العزم والإرادة يكون له من التأثير في تربية النفس ما يوجهها به إلى ما يعتقد أن فيه سعادته ، ثم بين جزاء الفريقين بالتفصيل فقال :
-
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=106فأما الذين شقوا - أي الذين شقوا في الدنيا بالفعل بما كانوا يعملون من أعمال الأشقياء لفساد عقائدهم الموروثة بالتقليد ، حتى أحاطت بهم خطيئاتهم وأطفأت نور الفطرة من أنفسهم ففي النار مستقرهم ومثواهم ، -
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=106لهم فيها زفير وشهيق - من ضيق أنفاسهم ، وحرج صدورهم ، وشدة كروبهم ، فالزفير والشهيق : صوتان يخرجان من الصدر عند شدة الكرب والحزن في بكاء أو غيره ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في الكشاف : الزفير إخراج النفس والشهيق رده . قال
الشماخ :
بعيد مدى التطريب أول صوته زفير ويتلوه شهيق محشرج
وقال
الراغب في الآية : فالزفير تردد النفس حتى تنتفخ الضلوع منه ، ثم قال :
[ ص: 132 ] الشهيق طول الزفير وهو رد النفس ، والزفير مده . وقال في اللسان : الشهيق أقبح الأصوات ، شهق كعلم وضرب ، شهيقا وشهاقا : ردد البكاء في صدره اهـ .
والتحقيق أن تنفس الصعداء من الهم والكرب إذا امتد واشتد فسمع صوته كان زفيرا ، وأن النشيج في البكاء إذا اشتد تردده في الصدر وارتفع به الصوت سمي شهيقا ، وأصل اشتقاقه من الشهوق ، وقولهم : جبل شاهق .
وما أبلغ قول شيخنا في مقدمة العروة الوثقى يصف كرب المسلمين من شدة اعتداء المستعمرين الظالمين : وسرى الألم في أرواح المؤمنين سريان الاعتقاد في مداركهم ، وهم من تذكار الماضي ومراقبة الحاضر يتنفسون الصعداء ، ولا نأمن أن يصير التنفس زفيرا بل نفيرا عاما ، بل يكون صاخة تمزق من أصمه الطمع .
-
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=107خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض - أي ماكثين فيها مكث بقاء وخلود ، لا يبرحونها مدة دوام السموات التي تظلهم والأرض التي تقلهم ، وهذا بمعنى قوله في آيات أخرى : -
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=57خالدين فيها أبدا - فإن العرب تستعمل هذا التعبير بمعنى الدوام ، وغلط من قالوا : المراد مدة دوامهما في الدنيا ، فإن هذه الأرض تبدل وتزول بقيام الساعة ، وسماء كل من أهل النار وأهل الجنة ما هو فوقهم ، وأرضهم ما هم مستقرون عليه وهو تحتهم ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : لكل جنة أرض وسماء . وروي مثله عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي والحسن -
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=107إلا ما شاء ربك - أي : أن هذا الخلود الدائم هو المعد لهم في الآخرة ، المناسب لصفة أنفسهم الجهول الظالمة التي أحاطت بهم ظلمة خطيئاتها وفساد أخلاقها - كما فصلناه مرارا - إلا ما شاء ربك من تغيير في هذا النظام في طور آخر ، فهو إنما وضع بمشيئته ، وسيبقى في قبضة مشيئته ، وقد عهد مثل هذا الاستثناء في سياق الأحكام القطعية للدلالة على تقييد تأييدها بمشيئته - تعالى - فقط لا لإفادة عدم عمومها ، كقوله - تعالى - : -
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=188قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله - 7 : 188 أي لا أملك شيئا من ذلك بقدرتي وإرادتي إلا ما شاء الله أن يملكنيه منه بتسخير أسبابه وتوفيقه ومثله في ( 10 : 49 ) مع تقديم الضر . وقوله : -
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=6سنقرئك فلا تنسى nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=7إلا ما شاء الله - 87 : 6 و 7 على أن الاستثناء لتأكيد النفي ، أي : إنه - تعالى - ضمن لنبيه حفظ القرآن الذي يقرئه إياه بقدرته ، وعصمه ألا ينسى منه شيئا بمقتضى الضعف البشري ، فهو لا يقع إلا أن يكون بمشيئة الله ، فهو وحده هو القادر عليه -
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=107إن ربك فعال لما يريد - فهو إن شاء غير ذلك فعله ، ما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن ، وإنما تتعلق مشيئته بما سبق به علمه واقتضته حكمته ، وما كان كذلك لم يكن إخلافا لشيء من وعده ولا من وعيده كخلود أهل النار فيها ، فإن هذا الوعيد مقيد بمشيئته ، وهي تجري بمقتضى علمه وحكمته ، ولهذا قال في مثل هذا استثناء من سورة الأنعام : -
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=128قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم - 6 : 128
[ ص: 133 ] وقد فصلنا في تفسير تلك الآية ما قاله العلماء من المفسرين وغيرهم في الخلاف في أبدية النار وعذابها ، ووعدنا بالعودة إليه في تفسير هذه الآية وسنجعله في الخلاصة الإجمالية للسورة لتبقى سلسلة التفسير هنا متصلة .
-
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=108وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ - أي دائما غير مقطوع ، من جذه يجذه ( من باب نصر ) إذا قطعه أو كسره ، فهو كقوله - تعالى - : -
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=8لهم أجر غير ممنون - والفرق بين هذا التذييل وما قبله عظيم ، فكل من الجزاءين منه - تعالى - ومقيد دوامه بمشيئته ، ولكنه ذيل هذا بأنه هبة منه وإحسان دائم غير مقطوع ، ولو كان الأول مثله غير مقطوع لما كان فضلا وإحسانا ، وقد تكرر وعد الله للمؤمنين المحسنين بأنه يجزيهم بالحسنى وبأحسن مما عملوا ، وبأنه يزيدهم من فضله ، وبأنه يضاعف لهم الحسنة بعشر أمثالها ، وبأكثر من ذلك إلى سبعمائة ضعف . ولم يعد بزيادة جزاء الكافرين والمجرمين على ما يستحقون ، بل كرر الوعد بأنه يجزيهم بما عملوا ، وبأن السيئة بمثلها وهم لا يظلمون ، وبأنه لا يظلم أحدا ، دع ما ورد من الآيات في سعة رحمته ، وفي الأحاديث الصحيحة من سبقها لغضبه . وما قاله العلماء في حل هذا الإشكال غير ظاهر ، خلاصته : أن عذاب النار الشديد الأبدي الذي لا نهاية له إنما كان جزاء لأهلها بمثل ما عملوا في سنين أو أشهر معدودة ، باعتبار أنهم كانوا عازمين على الاستمرار على كفرهم وظلمهم وفسقهم لو كانوا خالدين في الدنيا ، فهو إذن جزاء لهم على نيتهم وعزمهم . انتهى .
وإنما كان هذا الجواب غير ظاهر ؛ لأن الجاحدين عنادا واستكبارا من الرؤساء والزعماء هم الذين يصح فيهم العزم على الاستمرار وهم الأقلون ، لما علم بالاختبار والواقع من إيمان
أهل مكة ثم أكثر العرب لما زالت الموانع من الإيمان ، وظهر لهم منه ما كان خفيا عليهم ، على أن قاعدة هذه الشريعة السمحة أن
nindex.php?page=treesubj&link=28853الله لا يؤاخذ من نوى أن يعمل سيئة ولم يعملها ، والمعقول في تعليل الخلود في النار هو ما بيناه في سورة الأنعام وغيرها من أن عذاب النار الدائم أثر طبيعي لتدسية النفس بالكفر والظلم والفساد . . . . . وسنعود إليه في الخلاصة الإجمالية للسورة إن شاء الله تعالى .
-
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=109فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء - هذه فذلكة ما تقدم من الإرشاد إلى الاعتبار بما حل بالأمم المهلكة ، وإنذار أعداء النبي - صلى الله عليه وسلم - به ، يقول : إذا كان أمر الأمم المشركة الظالمة في الدنيا ثم في الآخرة كما قصصناه عليك أيها الرسول ، فلا تكن في أدنى شك
[ ص: 134 ] وامتراء مما يعبد قومك هؤلاء في عاقبته بمقتضى تلك السنة التي لا تبديل لها ، فالنهي تسلية له - صلى الله عليه وسلم - وإنذار لقومه ، ثم بين حالهم في عبادتهم وجزاءهم بيانا مستأنفا فقال : -
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=109ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل - فهم مقلدون لآبائهم كما يقولون ، وكما قال أقوام أولئك الأنبياء من قبلهم : -
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=109وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص - أي : وإنا لمعطوهم نصيبهم من جزاء أعمالهم في الدنيا والآخرة وافيا تاما لا ينقص منه شيء ، كما وفينا آباءهم الأولين من قبل ، فإنه ما من خير يعمله أحد منهم كبر الوالدين وصلة الأرحام وإغاثة الملهوف وعمل المعروف ، إلا ويوفيهم الله - تعالى - جزاءهم عليه في الدنيا بسعة الرزق وكشف الضر جزاء تاما وافيا لا ينقصه شيء يجزون عليه في الآخرة ، فلا يغترن أغنياؤهم وكبراؤهم بما هم فيه من سعة ونعمة ووجاهة فهو متاع عاجل لا يلبث أن ينقضي ، ولا يحتجن به على رضى الله عنهم وإعطائهم مثله في الآخرة على فرض وجودها كما أعطاهم في الدنيا ، كما حكي عن قائلهم : -
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=36ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا - 18 : 36 وعن آخر : -
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=50ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى - 41 : 50 فإن الحسنى عند الرب - تعالى - في الآخرة لا تكون إلا للمؤمنين المتقين ، الذين يزكون أنفسهم في الدنيا باتباع رسوله - صلى الله عليه وسلم - وما بلغهم عنه من موجات الرحمة عنده بفضله .
( الْعِبْرَةُ الْعَامَّةُ فِي هَذِهِ الْقِصَصِ بِعَذَابِ الْآخِرَةِ ) :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=103nindex.php?page=treesubj&link=32016_30180_30296إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=104وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=105يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=106فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=107خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=108وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=109فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ .
[ ص: 129 ] هَذِهِ الْبِضْعُ الْآيَاتِ فِي الْعِبْرَةِ بِجَزَاءِ الْآخِرَةِ لِلْأَشْقِيَاءِ وَالسُّعَدَاءِ .
-
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=103إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ - أَيْ : فِي ذَلِكَ الَّذِي قَصَّهُ اللَّهُ مِنْ إِهْلَاكِ أُولَئِكَ الْأَقْوَامِ ، وَمَا قَفَّى عَلَيْهِ مِنْ بَيَانِ سُنَّتِهِ فِي الظَّالِمِينَ ، لَحُجَّةً بَيِّنَةً وَعِبْرَةً ظَاهِرَةً ، عَلَى أَنَّ مَا يَجْرِي فِي خَلْقِهِ مِنْ نِظَامِ سُنَنِهِ هُوَ بِمَشِيئَتِهِ وَاخْتِبَارِهِ ، وَإِنَّمَا هُوَ آيَةٌ وَعِبْرَةٌ لِمَنْ يَخَافُ عَذَابَ الْآخِرَةِ ، يَعْتَبِرُ بِهَا فَيَتَّقِي الظُّلْمَ فِي الدُّنْيَا بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ ، لِإِيمَانِهِ بِأَنَّ مَنْ عَذَّبَ الْأُمَمَ الظَّالِمَةَ فِي الدُّنْيَا قَادِرٌ عَلَى تَعْذِيبِهِمْ فِي الْآخِرَةِ ، وَلَا يَغْتَرُّ بِعَدَمِ وُقُوعِ الْعَذَابِ فِي الدُّنْيَا كَأُولَئِكَ الْأَقْوَامِ كَمَا كَانُوا مَغْرُورِينَ ، فَإِنْ كَانَ الْعَذَابُ الْعَامُّ إِنَّمَا نَزَلَ بِمَنْ أَجْمَعَ مِنْهُمْ عَلَى الشِّرْكِ وَالظُّلْمِ وَالْفَسَادِ . فَتِلْكَ سُنَّتُهُ - تَعَالَى - فِي الْأَقْوَامِ دُونَ الْأَفْرَادِ ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْهَا أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - لَا يُهْلِكُ الْأُمَّةَ فِي جُمْلَتِهَا مَا دَامَ فِيهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ وَالتَّقْوَى ، إِذْ كَانَ يُخْرِجُ رُسُلَهُ وَأَتْبَاعَهُمْ مِنْ قَوْمِهِمْ قَبْلَ هَلَاكِهِمْ ، وَأَمَّا الْأَفْرَادُ فَتَعْذِيبُهُمْ فِي الدُّنْيَا بِظُلْمِهِمْ كَثِيرٌ وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مُطَّرِدٍ ، وَقَدْ تَكُونُ نَجَاتُهُمْ فِيهَا بِصَلَاحِ غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِهَا كَمَا بَيَّنَّاهُ مِرَارًا ، وَلِذَلِكَ أَفْرَدَ الْخَائِفَ هُنَا .
قَالَ الْقَاضِي
الْبَيْضَاوِيُّ فِي تَخْصِيصِ الْآيَةِ بِالْخَائِفِ : يَعْتَبِرُ بِهَا لِعِلْمِهِ أَنَّ مَا حَاقَ بِهِمْ أُنْمُوذَجٌ مِمَّا أَعَدَّ اللَّهُ لِلْمُجْرِمِينَ فِي الْآخِرَةِ - أَوْ يَنْزَجِرُ لَهُ عَنْ مُوجِبَاتِهِ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ مِنْ إِلَهٍ مُخْتَارٍ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ ، فَإِنَّ مَنْ أَنْكَرَ الْآخِرَةَ وَأَحَالَ فَنَاءَ هَذَا الْعَالَمِ لَمْ يَقُلْ بِالْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ ، وَجَعَلَ تِلْكَ الْوَقَائِعَ لِأَسْبَابٍ فَلَكِيَّةٍ اتَّفَقَتْ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ لَا لِذُنُوبِ الْمُهْلَكِينَ بِهَا . اهـ .
أَقُولُ : ذَكَرْتُ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْعِبْرَةِ بِهَلَاكِ قَوْمِ
نُوحٍ بِالطُّوفَانِ ، أَنَّ كُفَّارَ الْمَادِّيِّينَ وَمَلَاحِدَةَ الْمِلِّيِّينَ فِي هَذَا الزَّمَانِ يَقُولُونَ مِثْلَ هَذَا الَّذِي حَكَاهُ
الْبَيْضَاوِيُّ عَنْ مُنْكِرِي الْآخِرَةِ فِي عَصْرِهِ ، يَقُولُونَ : إِنَّ الطُّوفَانَ حَدَثَ بِسَبَبٍ طَبِيعِيٍّ لَا بِإِرَادَةِ اللَّهِ وَاخْتِيَارِهِ لِتَرْبِيَةِ الْأُمَمِ ، وَإِنَّهُمْ هَكَذَا يَقُولُونَ فِيمَنْ هَلَكُوا بِالرِّيحِ وَبِالصَّاعِقَةِ وَبِخَسْفِ الْأَرْضِ ، وَقُلْتُ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ : إِنَّ حُدُوثَ الْمَصَائِبِ بِالْأَسْبَابِ الْمُوَافَقَةِ لِسُنَنِ اللَّهِ فِي نِظَامِ الْعَالَمِ هُوَ الْمُرَادُ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ فِي الْقُرْآنِ ، وَلَكِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَحْدَثَ الْأَسْبَابَ فِي تِلْكَ الْأَوْقَاتِ بِحِكْمَتِهِ لِأَجْلِ عِقَابِ تِلْكَ الْأُمَمِ بِهَا ، وَلَمْ تَكُنْ بِالْمُصَادَفَةِ وَالِاتِّفَاقِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ إِنْذَارُ الرُّسُلِ لِأَقْوَامِهِمْ إِيَّاهَا قَبْلَ وُقُوعِهَا ، وَمِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَ مَوْعِدَهَا بِالتَّعْيِينِ وَالتَّحْدِيدِ ، وَهَكَذَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِالظَّالِمِينَ فِي كُلِّ زَمَانٍ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ رُسُلٌ يُطْلِعُهُمْ عَلَى وَقْتِ وُقُوعِهِ لِيُنْذِرُوا النَّاسَ بِهِ اكْتِفَاءً بِإِنْذَارِ الْقُرْآنِ ، وَقَدْ قَالَ فِيهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=227وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ 26 : 227 .
- ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ - أَيْ : ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ عَذَابُ الْآخِرَةِ - فَكَانَ ذِكْرُهُ دَلِيلًا عَلَيْهِ - يَوْمٌ يُجْمَعُ لَهُ النَّاسُ كُلُّهُمْ ، أَيْ لِأَجْلِ مَا يَقَعُ فِيهِ مِنَ الْحِسَابِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ . وَفِي جَعْلِ جَمْعِ النَّاسِ لَهُ ( بِصِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ ) صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ مُبَالَغَةٌ ، كَانَتْ
[ ص: 130 ] بِهَا الْجُمْلَةُ هُنَا أَبْلَغَ مِنْ جُمْلَةِ : -
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=9يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ - 64 : 9 فِي إِثْبَاتِ الْجَمْعِ ; لِأَنَّ تِلْكَ سِيقَتْ لِأَجْلِ إِثْبَاتِ مَا يَقَعُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنَ التَّغَابُنِ ، أَيْ غَبْنُ النَّاسِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِتَفَاوُتِ أَعْمَالِهِمْ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَجَزَاؤُهُمْ عَلَيْهَا ، وَهَذِهِ لِأَجْلِ إِثْبَاتِ الْجَمْعِ لَهُ فِي ذَاتِهِ لِتَصْوِيرِ هَوْلِهِ ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ : -
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=103nindex.php?page=treesubj&link=28982_30296وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ - يَشْهَدُهُ الْخَلَائِقُ كُلُّهُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْحَيَوَانَاتِ وَغَيْرِهَا ، وَقَدْ صَارَ هَذَا التَّعْبِيرُ الْوَجِيزُ الْبَلِيغُ مَثَلًا تُوصَفُ بِهِ الْمَجَامِعُ الْحَافِلَةُ بِكَثْرَةِ النَّاسِ ، أَوِ الْأَوْقَاتُ الَّتِي يَكْثُرُ مَنْ يَشْهَدُهَا مِنْهُمْ .
-
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=104وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ - أَيْ : وَمَا نُؤَخِّرُ ذَلِكَ الْيَوْمَ إِلَّا لِانْتِهَاءِ مُدَّةٍ مَعْدُودَةٍ فِي عِلْمِنَا لَا تَزِيدُ وَلَا تَنْقُصُ عَنْ تَقْدِيرِنَا لَهَا بِحِكْمَتِنَا ، وَهُوَ انْقِضَاءُ عُمْرِ هَذِهِ الدُّنْيَا ، وَكُلُّ مَا هُوَ مَعْدُودٌ مَحْدُودُ النِّهَايَةِ فَهُوَ قَرِيبٌ ، وَقَدْ ثَبَتَ بِنُصُوصِ الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - لَمْ يُطْلِعْ أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ عَلَى وَقْتِ قِيَامِ السَّاعَةِ .
-
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=105يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ - أَيْ : فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَجِيءُ فِيهِ ذَلِكَ الْيَوْمُ الْمُعَيَّنُ لَا تَتَكَلَّمُ نَفْسٌ مِنَ الْأَنْفُسِ النَّاطِقَةِ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ - تَعَالَى - ; لِأَنَّهُ يَوْمُهُ الْخَاصُّ الَّذِي لَا يَمْلِكُ أَحَدٌ فِيهِ قَوْلًا وَلَا فِعْلًا إِلَّا بِإِذْنِهِ كَمَا قَالَ : -
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=38يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا - 78 : 38 وَقَالَ : -
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=108يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=109يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا - 20 : 108 و 109 وَقَالَ فِي الْكُفَّارِ : -
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=35هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=36وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ - 77 : 35 36 وَقَالَ : -
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=65الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ - 36 : 65 إِلَخْ .
وَفُسِّرَتْ كَلِمَةُ ( يَوْمَ ) فِي الْآيَةِ بِالْوَقْتِ الْمُطْلِقِ ، أَيْ : غَيْرِ الْمَحْدُودِ ; لِأَنَّهُ ظَرْفٌ لِلْيَوْمِ الْمَحْدُودِ الْمَوْصُوفِ بِمَا ذُكِرَ الَّذِي هُوَ فَاعِلٌ يَأْتِي . وَأَرَادَ بَعْضُهُمْ الْهَرَبَ مِنْ جَعْلِ يَوْمَ ظَرْفًا لِلْيَوْمِ ، فَقَالُوا : الْمَعْنَى يَوْمَ يَأْتِي جَزَاؤُهُ أَوْ هَوْلُهُ ، أَوِ اللَّهُ - تَعَالَى - ، وَاسْتَشْهَدُوا لِلْأَخِيرِ بِقَوْلِهِ : -
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ - 2 : 210 وَالشَّوَاهِدُ الَّتِي أَوْرَدْنَاهَا نَصٌّ فِي هَذَا الْمَقَامِ ، وَلَا حَاجَةَ إِلَى غَيْرِ جَعْلِ يَوْمَ بِمَعْنَى وَقْتٍ أَوْ حِينٍ . وَقَرَأَ
ابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ وَحَمْزَةُ ( يَأْتِ ) بِحَذْفِ الْيَاءِ اجْتِزَاءً عَنْهَا بِالْكَسْرَةِ ، وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِرَسْمِ الْمُصْحَفِ الْإِمَامِ وَهُوَ لُغَةُ
هُذَيْلٍ ، تَقُولُ : مَا أَدْرِ مَا تَقُولُ . وَنَفْيُ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ إِلَّا بِإِذْنِهِ - تَعَالَى - يُفَسِّرُ لَنَا الْجَمْعَ بَيْنَ الْآيَاتِ النَّافِيَةِ لَهُ مُطْلَقًا وَالْمُثْبِتَةِ لَهُ مُطْلَقًا .
-
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=105nindex.php?page=treesubj&link=30296_28766_28982فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ - أَيْ : فَمِنَ الْأَنْفُسِ الْمُكَلَّفَةِ الَّتِي تُجْمَعُ فِيهِ ، شَقِيٌّ مُسْتَحِقٌّ لِوَعِيدِ الْكَافِرِينَ بِالْعَذَابِ الدَّائِمِ ، وَمِنْهُمْ سَعِيدٌ مُسْتَحِقٌّ لِمَا وُعِدَ بِهِ الْمُتَّقُونَ مِنَ الثَّوَابِ الدَّائِمِ ، وَلَا يَدْخُلُ فِي هَذَا التَّقْسِيمِ غَيْرُ الْمُكَلَّفِينَ كَالْأَطْفَالِ وَالْمَجَانِينِ ، وَأَمَّا مَنْ تَسْتَوِي حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَمَنْ تَغْلِبُ سَيِّئَاتُهُمْ مِنْهُمْ وَيُعَاقَبُونَ عَلَيْهَا فِي النَّارِ عِقَابًا مَوْقُوتًا ثُمَّ
[ ص: 131 ] يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ، فَهُمْ مِنْ فَرِيقِ السُّعَدَاءِ بِاعْتِبَارِ الْخَاتِمَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، فَالسُّعَدَاءُ دَرَجَاتٌ ، وَالْأَشْقِيَاءُ دَرَكَاتٌ .
رَوَى
التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ
أَبُو يَعْلَى وَأَشْهَرُ رُوَاةِ التَّفْسِيرِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=920516عَنْ nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : - nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=105فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ - قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ فَعَلَامَ نَعْمَلُ ؟ عَلَى شَيْءٍ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ أَوْ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يُفْرَغْ مِنْهُ ؟ قَالَ : " بَلْ عَلَى شَيْءٍ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ وَجَرَتْ بِهِ الْأَقْلَامُ يَا عُمَرُ ، وَلَكِنْ كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ " وَحَدِيثُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=920517كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ " رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا ، وَلَفْظُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ nindex.php?page=hadith&LINKID=920518عَنْ nindex.php?page=showalam&ids=40عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ فِيمَ يَعْمَلُ الْعَامِلُونَ ؟ قَالَ : " كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=920519وَعَنْ عَلِيٍّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ فِي جِنَازَةٍ فَأَخَذَ عُودًا فَجَعَلَ يَنْكُتُ فِي الْأَرْضِ ، فَقَالَ : " مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ أَوْ مِنَ النَّارِ " فَقَالُوا : أَلَا نَتَّكِلَ ؟ قَالَ : " اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ " وَقَرَأَ : - nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=5فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى - 92 : 5 إِلَخْ ، وَمَعْنَاهُ الَّذِي غَفَلَ عَنْهُ أَوْ جَهِلَهُ الْكَثِيرُونَ عَلَى ظُهُورِهِ : أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - يَعْلَمُ الْغَيْبَ ، وَعِلْمُهُ بِأَنَّ زَيْدًا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَوِ النَّارَ لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنْ يَدْخُلَهَا بِغَيْرِ عَمَلٍ يَسْتَحِقُّهَا بِهِ بِحَسَبِ وَعْدِهِ وَحِكْمَتِهِ ، وَلَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيمَا يَعْمَلُهُ فِي الْجَزَاءِ ، وَإِنَّمَا يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْبَلَ كُلَّهُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ وَأَطْرَافِهِ ، وَمِنْهُ عَمَلُ الْعَامِلِينَ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى كُلِّ عَمَلٍ مِنَ الْجَزَاءِ بِحَسَبِ وَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ فِي كِتَابِهِ الْمُنَزَّلِ وَكِتَابَتِهِ لِلْمَقَادِيرِ ، وَلَا تَنَاقُضَ وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ الْغَيْبَ ، وَلَكِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّمَنَا مَا نَعْلَمُ بِهِ مَا سَيَكُونُ فِي الْجُمْلَةِ ، وَهُوَ أَنَّ الْجَزَاءَ بِالْعَمَلِ ، وَأَنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ مُيَسَّرٌ لَهُ وَمُسَهَّلٌ عَلَيْهِ مَا خَلَقَهُ اللَّهُ لِأَجْلِهِ مِنْ سَعَادَةِ الْجَنَّةِ وَشَقَاوَةِ النَّارِ ، وَأَنَّ مَا وَهَبَهُ لِلْإِنْسَانِ مِنَ الْعَزْمِ وَالْإِرَادَةِ يَكُونُ لَهُ مِنَ التَّأْثِيرِ فِي تَرْبِيَةِ النَّفْسِ مَا يُوَجِّهُهَا بِهِ إِلَى مَا يَعْتَقِدُ أَنَّ فِيهِ سَعَادَتَهُ ، ثُمَّ بَيَّنَ جَزَاءَ الْفَرِيقَيْنِ بِالتَّفْصِيلِ فَقَالَ :
-
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=106فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا - أَيِ الَّذِينَ شَقُوا فِي الدُّنْيَا بِالْفِعْلِ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ مِنْ أَعْمَالِ الْأَشْقِيَاءِ لِفَسَادِ عَقَائِدِهِمُ الْمَوْرُوثَةِ بِالتَّقْلِيدِ ، حَتَّى أَحَاطَتْ بِهِمْ خَطِيئَاتُهُمْ وَأَطْفَأَتْ نُورَ الْفِطْرَةِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فَفِي النَّارِ مُسْتَقَرُّهُمْ وَمَثْوَاهُمْ ، -
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=106لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ - مِنْ ضِيقِ أَنْفَاسِهِمْ ، وَحَرَجِ صُدُورِهِمْ ، وَشِدَّةِ كُرُوبِهِمْ ، فَالزَّفِيرُ وَالشَّهِيقُ : صَوْتَانِ يَخْرُجَانِ مِنَ الصَّدْرِ عِنْدَ شِدَّةِ الْكَرْبِ وَالْحُزْنِ فِي بُكَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْكَشَّافِ : الزَّفِيرُ إِخْرَاجُ النَّفَسِ وَالشَّهِيقُ رَدُّهُ . قَالَ
الشَّمَّاخُ :
بِعِيدٌ مَدَى التَّطْرِيبِ أَوَّلُ صَوْتِهِ زَفِيرٌ وَيَتْلُوهُ شَهِيقٌ مُحَشْرِجُ
وَقَالَ
الرَّاغِبُ فِي الْآيَةِ : فَالزَّفِيرُ تَرَدُّدُ النَّفَسِ حَتَّى تَنْتَفِخَ الضُّلُوعُ مِنْهُ ، ثُمَّ قَالَ :
[ ص: 132 ] الشَّهِيقُ طُولُ الزَّفِيرِ وَهُوَ رَدُّ النَّفْسِ ، وَالزَّفِيرُ مَدُّهُ . وَقَالَ فِي اللِّسَانِ : الشَّهِيقُ أَقْبَحُ الْأَصْوَاتِ ، شَهِقَ كَعَلِمَ وَضَرَبَ ، شَهِيقًا وَشُهَاقًا : رَدَّدَ الْبُكَاءَ فِي صَدْرِهِ اهـ .
وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ تَنَفُّسَ الصُّعَدَاءِ مِنَ الْهَمِّ وَالْكَرْبِ إِذَا امْتَدَّ وَاشْتَدَّ فَسُمِعَ صَوْتُهُ كَانَ زَفِيرًا ، وَأَنَّ النَّشِيجَ فِي الْبُكَاءِ إِذَا اشْتَدَّ تَرَدُّدُهُ فِي الصَّدْرِ وَارْتَفَعَ بِهِ الصَّوْتُ سُمِّيَ شَهِيقًا ، وَأَصْلُ اشْتِقَاقِهِ مِنَ الشُّهُوقِ ، وَقَوْلُهُمْ : جَبَلٌ شَاهِقٌ .
وَمَا أَبْلَغَ قَوْلِ شَيْخِنَا فِي مُقَدِّمَةِ الْعُرْوَةِ الْوُثْقَى يَصِفُ كَرْبَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ شِدَّةِ اعْتِدَاءِ الْمُسْتَعْمِرِينَ الظَّالِمِينَ : وَسَرَى الْأَلَمُ فِي أَرْوَاحِ الْمُؤْمِنِينَ سَرَيَانَ الِاعْتِقَادِ فِي مَدَارِكِهِمْ ، وَهُمْ مِنْ تِذْكَارِ الْمَاضِي وَمُرَاقَبَةِ الْحَاضِرِ يَتَنَفَّسُونَ الصُّعَدَاءَ ، وَلَا نَأْمَنُ أَنْ يَصِيرَ التَّنَفُّسُ زَفِيرًا بَلْ نَفِيرًا عَامًّا ، بَلْ يَكُونُ صَاخَّةً تُمَزِّقُ مَنْ أَصَمَّهُ الطَّمَعُ .
-
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=107خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ - أَيْ مَاكِثِينَ فِيهَا مُكْثَ بَقَاءٍ وَخُلُودٍ ، لَا يَبْرَحُونَهَا مُدَّةَ دَوَامِ السَّمَوَاتِ الَّتِي تُظِلُّهُمْ وَالْأَرْضِ الَّتِي تُقِلُّهُمْ ، وَهَذَا بِمَعْنَى قَوْلِهِ فِي آيَاتٍ أُخْرَى : -
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=57خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا - فَإِنَّ الْعَرَبَ تَسْتَعْمِلُ هَذَا التَّعْبِيرَ بِمَعْنَى الدَّوَامِ ، وَغَلَطَ مَنْ قَالُوا : الْمُرَادُ مُدَّةُ دَوَامِهَمَا فِي الدُّنْيَا ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَرْضَ تُبَدَّلُ وَتَزُولُ بِقِيَامِ السَّاعَةِ ، وَسَمَاءُ كُلٍّ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَأَهْلِ الْجَنَّةِ مَا هُوَ فَوْقَهُمْ ، وَأَرْضُهُمْ مَا هُمْ مُسْتَقِرُّونَ عَلَيْهِ وَهُوَ تَحْتَهُمْ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : لِكُلِّ جَنَّةٍ أَرْضٌ وَسَمَاءٌ . وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ وَالْحَسَنِ -
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=107إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ - أَيْ : أَنَّ هَذَا الْخُلُودَ الدَّائِمَ هُوَ الْمُعَدُّ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ ، الْمُنَاسِبُ لِصِفَةِ أَنْفُسِهِمُ الْجَهُولِ الظَّالِمَةِ الَّتِي أَحَاطَتْ بِهِمْ ظُلْمَةُ خَطِيئَاتِهَا وَفَسَادُ أَخْلَاقِهَا - كَمَا فَصَّلْنَاهُ مِرَارًا - إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ مِنْ تَغْيِيرٍ فِي هَذَا النِّظَامِ فِي طَوْرٍ آخَرَ ، فَهُوَ إِنَّمَا وُضِعَ بِمَشِيئَتِهِ ، وَسَيَبْقَى فِي قَبْضَةِ مَشِيئَتِهِ ، وَقَدْ عُهِدَ مِثْلُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ فِي سِيَاقِ الْأَحْكَامِ الْقَطْعِيَّةِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَقْيِيدِ تَأْيِيدِهَا بِمَشِيئَتِهِ - تَعَالَى - فَقَطْ لَا لِإِفَادَةِ عَدَمِ عُمُومِهَا ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - : -
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=188قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ - 7 : 188 أَيْ لَا أَمْلِكُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِقُدْرَتِي وَإِرَادَتِي إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُمَلِّكَنِيهِ مِنْهُ بِتَسْخِيرِ أَسْبَابِهِ وَتَوْفِيقِهِ وَمِثْلُهُ فِي ( 10 : 49 ) مَعَ تَقْدِيمِ الضَّرِّ . وَقَوْلُهُ : -
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=6سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=7إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ - 87 : 6 و 7 عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ ، أَيْ : إِنَّهُ - تَعَالَى - ضَمِنَ لِنَبِيِّهِ حِفْظَ الْقُرْآنِ الَّذِي يُقْرِئُهُ إِيَّاهُ بِقُدْرَتِهِ ، وَعَصَمَهُ أَلَّا يَنْسَى مِنْهُ شَيْئًا بِمُقْتَضَى الضَّعْفِ الْبَشَرِيِّ ، فَهُوَ لَا يَقَعُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ ، فَهُوَ وَحْدَهُ هُوَ الْقَادِرُ عَلَيْهِ -
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=107إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ - فَهُوَ إِنْ شَاءَ غَيْرَ ذَلِكَ فَعَلَهُ ، مَا شَاءَ كَانَ ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ ، وَإِنَّمَا تَتَعَلَّقُ مَشِيئَتُهُ بِمَا سَبَقَ بِهِ عِلْمُهُ وَاقْتَضَتْهُ حِكْمَتُهُ ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ إِخْلَافًا لِشَيْءٍ مِنْ وَعْدِهِ وَلَا مِنْ وَعِيدِهِ كَخُلُودِ أَهْلِ النَّارِ فِيهَا ، فَإِنَّ هَذَا الْوَعِيدَ مُقَيَّدٌ بِمَشِيئَتِهِ ، وَهِيَ تَجْرِي بِمُقْتَضَى عِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ ، وَلِهَذَا قَالَ فِي مِثْلِ هَذَا اسْتِثْنَاءً مِنْ سُورَةِ الْأَنْعَامِ : -
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=128قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ - 6 : 128
[ ص: 133 ] وَقَدْ فَصَّلْنَا فِي تَفْسِيرِ تِلْكَ الْآيَةِ مَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَغَيْرِهِمْ فِي الْخِلَافِ فِي أَبَدِيَّةِ النَّارِ وَعَذَابِهَا ، وَوَعَدْنَا بِالْعَوْدَةِ إِلَيْهِ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ وَسَنَجْعَلُهُ فِي الْخُلَاصَةِ الْإِجْمَالِيَّةِ لِلسُّورَةِ لِتَبْقَى سِلْسِلَةُ التَّفْسِيرِ هُنَا مُتَّصِلَةً .
-
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=108وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ - أَيْ دَائِمًا غَيْرَ مَقْطُوعٍ ، مِنْ جَذَّهُ يَجُذُّهُ ( مِنْ بَابِ نَصَرَ ) إِذَا قَطَعَهُ أَوْ كَسَرَهُ ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - : -
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=8لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ - وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا التَّذْيِيلِ وَمَا قَبْلَهُ عَظِيمٌ ، فَكُلٌّ مِنَ الْجَزَاءَيْنِ مِنْهُ - تَعَالَى - وَمُقَيَّدٌ دَوَامُهُ بِمَشِيئَتِهِ ، وَلَكِنَّهُ ذَيَّلَ هَذَا بِأَنَّهُ هِبَةٌ مِنْهُ وَإِحْسَانٌ دَائِمٌ غَيْرُ مَقْطُوعٍ ، وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ مِثْلَهُ غَيْرَ مَقْطُوعٍ لَمَا كَانَ فَضْلًا وَإِحْسَانًا ، وَقَدْ تَكَرَّرَ وَعْدُ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ الْمُحْسِنِينَ بِأَنَّهُ يَجْزِيهِمْ بِالْحُسْنَى وَبِأَحْسَنِ مِمَّا عَمِلُوا ، وَبِأَنَّهُ يَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ، وَبِأَنَّهُ يُضَاعِفُ لَهُمُ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا ، وَبِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ . وَلَمْ يَعُدْ بِزِيَادَةِ جَزَاءِ الْكَافِرِينَ وَالْمُجْرِمِينَ عَلَى مَا يَسْتَحِقُّونَ ، بَلْ كَرَّرَ الْوَعْدَ بِأَنَّهُ يَجْزِيهِمْ بِمَا عَمِلُوا ، وَبِأَنَّ السَّيِّئَةَ بِمِثْلِهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ، وَبِأَنَّهُ لَا يَظْلِمُ أَحَدًا ، دَعْ مَا وَرَدَ مِنَ الْآيَاتِ فِي سَعَةِ رَحْمَتِهِ ، وَفِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِنْ سَبْقِهَا لِغَضَبِهِ . وَمَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ فِي حَلِّ هَذَا الْإِشْكَالِ غَيْرُ ظَاهِرٍ ، خُلَاصَتُهُ : أَنَّ عَذَابَ النَّارِ الشَّدِيدَ الْأَبَدِيَّ الَّذِي لَا نِهَايَةَ لَهُ إِنَّمَا كَانَ جَزَاءً لِأَهْلِهَا بِمِثْلِ مَا عَمِلُوا فِي سِنِينَ أَوْ أَشْهُرٍ مَعْدُودَةٍ ، بِاعْتِبَارِ أَنَّهُمْ كَانُوا عَازِمِينَ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ عَلَى كُفْرِهِمْ وَظُلْمِهِمْ وَفِسْقِهِمْ لَوْ كَانُوا خَالِدِينَ فِي الدُّنْيَا ، فَهُوَ إِذَنْ جَزَاءٌ لَهُمْ عَلَى نِيَّتِهِمْ وَعَزْمِهِمْ . انْتَهَى .
وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا الْجَوَابُ غَيْرَ ظَاهِرٍ ؛ لِأَنَّ الْجَاحِدِينَ عِنَادًا وَاسْتِكْبَارًا مِنَ الرُّؤَسَاءِ وَالزُّعَمَاءِ هُمُ الَّذِينَ يَصِحُّ فِيهِمُ الْعَزْمُ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ وَهُمُ الْأَقَلُّونَ ، لِمَا عُلِمَ بِالِاخْتِبَارِ وَالْوَاقِعِ مِنْ إِيمَانِ
أَهْلِ مَكَّةَ ثُمَّ أَكْثَرِ الْعَرَبِ لَمَّا زَالَتِ الْمَوَانِعُ مِنَ الْإِيمَانِ ، وَظَهَرَ لَهُمْ مِنْهُ مَا كَانَ خَفِيًّا عَلَيْهِمْ ، عَلَى أَنَّ قَاعِدَةَ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ السَّمْحَةِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28853اللَّهَ لَا يُؤَاخِذُ مَنْ نَوَى أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً وَلَمْ يَعْمَلْهَا ، وَالْمَعْقُولُ فِي تَعْلِيلِ الْخُلُودِ فِي النَّارِ هُوَ مَا بَيَّنَّاهُ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّ عَذَابَ النَّارِ الدَّائِمَ أَثَرٌ طَبِيعِيٌّ لِتَدْسِيَةِ النَّفْسِ بِالْكُفْرِ وَالظُّلْمِ وَالْفَسَادِ . . . . . وَسَنَعُودُ إِلَيْهِ فِي الْخُلَاصَةِ الْإِجْمَالِيَّةِ لِلسُّورَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
-
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=109فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ - هَذِهِ فَذْلَكَةُ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْإِرْشَادِ إِلَى الِاعْتِبَارِ بِمَا حَلَّ بِالْأُمَمِ الْمُهْلَكَةِ ، وَإِنْذَارُ أَعْدَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ ، يَقُولُ : إِذَا كَانَ أَمْرُ الْأُمَمِ الْمُشْرِكَةِ الظَّالِمَةِ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ فِي الْآخِرَةِ كَمَا قَصَصْنَاهُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الرَّسُولُ ، فَلَا تَكُنْ فِي أَدْنَى شَكٍّ
[ ص: 134 ] وَامْتِرَاءٍ مِمَّا يَعْبُدُ قَوْمُكَ هَؤُلَاءِ فِي عَاقِبَتِهِ بِمُقْتَضَى تِلْكَ السُّنَّةِ الَّتِي لَا تَبْدِيلَ لَهَا ، فَالنَّهْيُ تَسْلِيَةٌ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْذَارٌ لِقَوْمِهِ ، ثُمَّ بَيَّنَ حَالَهُمْ فِي عِبَادَتِهِمْ وَجَزَاءَهُمْ بَيَانًا مُسْتَأْنَفًا فَقَالَ : -
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=109مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ - فَهُمْ مُقَلِّدُونَ لِآبَائِهِمْ كَمَا يَقُولُونَ ، وَكَمَا قَالَ أَقْوَامُ أُولَئِكَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قِبَلِهِمْ : -
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=109وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ - أَيْ : وَإِنَّا لَمُعْطُوهُمْ نَصِيبَهُمْ مِنْ جَزَاءِ أَعْمَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَافِيًا تَامًّا لَا يُنْقَصُ مِنْهُ شَيْءٌ ، كَمَا وَفَّيْنَا آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ مِنْ قَبْلُ ، فَإِنَّهُ مَا مِنْ خَيْرٍ يَعْمَلُهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ كَبِرِّ الْوَالِدَيْنِ وَصِلَةِ الْأَرْحَامِ وَإِغَاثَةِ الْمَلْهُوفِ وَعَمَلِ الْمَعْرُوفِ ، إِلَّا وَيُوَفِّيهِمُ اللَّهُ - تَعَالَى - جَزَاءَهُمْ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا بِسَعَةِ الرِّزْقِ وَكَشْفِ الضُّرِّ جَزَاءً تَامًّا وَافِيًا لَا يَنْقُصُهُ شَيْءٌ يُجْزَوْنَ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ ، فَلَا يَغْتَرَّنَّ أَغْنِيَاؤُهُمْ وَكُبَرَاؤُهُمْ بِمَا هُمْ فِيهِ مِنْ سَعَةٍ وَنِعْمَةٍ وَوَجَاهَةٍ فَهُوَ مَتَاعٌ عَاجِلٌ لَا يَلْبَثُ أَنْ يَنْقَضِيَ ، وَلَا يُحْتَجَّنَّ بِهِ عَلَى رِضَى اللَّهِ عَنْهُمْ وَإِعْطَائِهِمْ مِثْلَهُ فِي الْآخِرَةِ عَلَى فَرْضِ وَجُودِهَا كَمَا أَعْطَاهُمْ فِي الدُّنْيَا ، كَمَا حُكِيَ عَنْ قَائِلِهِمْ : -
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=36وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا - 18 : 36 وَعَنْ آخَرَ : -
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=50وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى - 41 : 50 فَإِنَّ الْحُسْنَى عِنْدَ الرَّبِّ - تَعَالَى - فِي الْآخِرَةِ لَا تَكُونُ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ ، الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ فِي الدُّنْيَا بِاتِّبَاعِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا بَلَّغَهُمْ عَنْهُ مِنْ مَوْجَاتِ الرَّحْمَةِ عِنْدَهُ بِفَضْلِهِ .