( السادسة :
nindex.php?page=treesubj&link=28751_21380عصمتهم صلوات الله تعالى عليهم في تبليغ الدعوة والعمل بها ) :
من الشواهد عليها قوله - تعالى - : -
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=12فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك - 12 الآية .
المراد منها أنه لا يترك مما أوحي إليه شيئا لا يبلغه ، ( ومنها ) قوله حكاية عن
نوح : -
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=29وما أنا بطارد الذين آمنوا - 29 الآية ، والنفي فيها للشأن ، أي : ما كان طردهم من شأني ، ولا مما يقع من نبي مثلي ، فأنا معصوم من إجابتكم إليه فلا تطمعن فيها ، والوعيد عليه في الآية ( 30 ) التي بعدها مبني على فرض وقوع الطرد منه المعبر عنه بأداة الشرط التي ليس من شأن فعلها أن يقع ، ( ومنها ) قول
شعيب لقومه : -
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=88وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه - 88 وهو يدل على أن الرسول لا ينهى عن شيء لا ينتهي هو عنه ، فهو لا يخالف رسالته في شيء ، إذ لو خالفها لدحض حجته ، ونقض دعوته ، ( ومنها ) قوله لهم : -
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=93ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل - 93 الآية ، وما فيه من الوعيد .
فإن قيل : إن أمر الله - تعالى - ونهيه لهم بالتكاليف ، ووعيده على المخالفة والمعصية الشامل لهم ولأقوامهم والخاص بهم كقوله - تعالى -
لنوح -
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=46إني أعظك أن تكون من الجاهلين - 46 واستعاذة
نوح به - تعالى - من مخالفة الموعظة وقوله : -
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=47وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين - 47 وحكايتهم عن أنفسهم ما يعملون وما يتركون - كل هذا وأمثاله يدل على جواز وقوع المعصية منهم لا استحالته ، وفي بعضه ما يدل على وقوع الذنب بالفعل ، ومنه سؤال
نوح ربه نجاة ولده الكافر ، وكونه من سؤال ما ليس له به علم ، وهو منهي عنه .
" قلت " : إن
nindex.php?page=treesubj&link=28751_21377المتكلمين استدلوا على ما سموه عصمة الأنبياء بالعقل لا بالنقل ، وتأولوا الآيات والأحاديث الواردة بوقوع الذنوب منهم بله الدالة على إمكانها ، وليس المراد بدلالة العقل على عصمتهم أنها كعصمة الملائكة منافية لطباعهم ، فإن مما فضلوا به على الملائكة أنهم بشر كسائر البشر جبلوا على الشهوات الجسدية ، وداعية كل من المعصية والطاعة ، كما علم من قصة أبيهم آدم ، ولكنهم بقوة الإيمان ومعرفة الله - عز وجل - والخوف منه والرجاء فيه والحب له ، يرجحون الطاعة على المعصية بملكة راسخة فيهم ، يعصمهم الله
[ ص: 176 ] - تعالى - بهم من الخطأ في التبليغ ، ومن الكتمان لشيء مما أمروا به منه ، ومن مخالفته ، ومن الرذائل والمعاصي المنافية للرسالة ، المبطلة للحجة ، دون الخطأ في الاجتهاد والرأي ، الذي لا يخالف نص الوحي ، فإذا وقع منهم بهذا الاجتهاد ما كان الخير والكمال لهم في علم الله خلافه بينه الله لهم تعليما ، وعلمهم ما هو الأليق بهم تربية وتكميلا ، ومنه اجتهاد
نوح الذي رجح له بالحنان الأبوي جواز دخول ابنه الكافر فيمن وعده الله بنجاتهم كما بيناه في موضعه ، ولم يعلم أن سؤاله ربه ما ليس له به علم قطعي ممنوع إلا بعد أن سأله نجاة ولده فأجابه بهذه الموعظة ، وقد فصلنا هذه المسألة في تفسير أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - الفداء من
أسرى بدر من سورة الأنفال ( 8 : 67 ) وتفسير عتابه على الإذن لبعض المنافقين في التخلف عن غزوة
تبوك والعفو عنه من سورة التوبة ( 9 : 43 ) .
( السَّادِسَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=28751_21380عِصْمَتُهُمْ صَلَوَاتُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ فِي تَبْلِيغِ الدَّعْوَةِ وَالْعَمَلِ بِهَا ) :
مِنَ الشَّوَاهِدِ عَلَيْهَا قَوْلُهُ - تَعَالَى - : -
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=12فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ - 12 الْآيَةَ .
الْمُرَادُ مِنْهَا أَنَّهُ لَا يَتْرُكُ مِمَّا أُوحِيَ إِلَيْهِ شَيْئًا لَا يُبَلِّغُهُ ، ( وَمِنْهَا ) قَوْلُهُ حِكَايَةً عَنْ
نُوحٍ : -
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=29وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا - 29 الْآيَةَ ، وَالنَّفْيُ فِيهَا لِلشَّأْنِ ، أَيْ : مَا كَانَ طَرْدُهُمْ مِنْ شَأْنِي ، وَلَا مِمَّا يَقَعُ مِنْ نَبِيٍّ مِثْلِي ، فَأَنَا مَعْصُومٌ مِنْ إِجَابَتِكُمْ إِلَيْهِ فَلَا تَطْمَعُنَّ فِيهَا ، وَالْوَعِيدُ عَلَيْهِ فِي الْآيَةِ ( 30 ) الَّتِي بَعْدَهَا مَبْنِيٌّ عَلَى فَرْضِ وُقُوعِ الطَّرْدِ مِنْهُ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِأَدَاةِ الشَّرْطِ الَّتِي لَيْسَ مِنْ شَأْنِ فِعْلِهَا أَنْ يَقَعَ ، ( وَمِنْهَا ) قَوْلُ
شُعَيْبٍ لِقَوْمِهِ : -
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=88وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ - 88 وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرَّسُولَ لَا يَنْهَى عَنْ شَيْءٍ لَا يَنْتَهِي هُوَ عَنْهُ ، فَهُوَ لَا يُخَالِفُ رِسَالَتَهُ فِي شَيْءٍ ، إِذْ لَوْ خَالَفَهَا لَدَحَضَ حُجَّتَهُ ، وَنَقَضَ دَعْوَتَهُ ، ( وَمِنْهَا ) قَوْلُهُ لَهُمْ : -
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=93وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ - 93 الْآيَةَ ، وَمَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ .
فَإِنْ قِيلَ : إِنَّ أَمْرَ اللَّهِ - تَعَالَى - وَنَهْيَهُ لَهُمْ بِالتَّكَالِيفِ ، وَوَعِيدَهُ عَلَى الْمُخَالَفَةِ وَالْمَعْصِيَةِ الشَّامِلَ لَهُمْ وَلِأَقْوَامِهِمْ وَالْخَاصَّ بِهِمْ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -
لِنُوحٍ -
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=46إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ - 46 وَاسْتِعَاذَةِ
نُوحٍ بِهِ - تَعَالَى - مِنْ مُخَالَفَةِ الْمَوْعِظَةِ وَقَوْلِهِ : -
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=47وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ - 47 وَحِكَايَتَهُمْ عَنْ أَنْفُسِهِمْ مَا يَعْمَلُونَ وَمَا يَتْرُكُونَ - كُلُّ هَذَا وَأَمْثَالُهُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ وُقُوعِ الْمَعْصِيَةِ مِنْهُمْ لَا اسْتِحَالَتُهُ ، وَفِي بَعْضِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِ الذَّنْبِ بِالْفِعْلِ ، وَمِنْهُ سُؤَالُ
نُوحٍ رَبَّهُ نَجَاةَ وَلَدِهِ الْكَافِرِ ، وَكَوْنُهُ مِنْ سُؤَالِ مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ .
" قُلْتُ " : إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28751_21377الْمُتَكَلِّمِينَ اسْتَدَلُّوا عَلَى مَا سَمَّوْهُ عِصْمَةَ الْأَنْبِيَاءِ بِالْعَقْلِ لَا بِالنَّقْلِ ، وَتَأَوَّلُوا الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ بِوُقُوعِ الذُّنُوبِ مِنْهُمْ بَلْهَ الدَّالَّةِ عَلَى إِمْكَانِهَا ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِدَلَالَةِ الْعَقْلِ عَلَى عِصْمَتِهِمْ أَنَّهَا كَعِصْمَةِ الْمَلَائِكَةِ مُنَافِيَةٌ لِطِبَاعِهِمْ ، فَإِنَّ مِمَّا فُضِّلُوا بِهِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ أَنَّهُمْ بَشَرٌ كَسَائِرِ الْبَشَرِ جُبِلُوا عَلَى الشَّهَوَاتِ الْجَسَدِيَّةِ ، وَدَاعِيَةِ كُلٍّ مِنَ الْمَعْصِيَةِ وَالطَّاعَةِ ، كَمَا عُلِمَ مِنْ قِصَّةِ أَبِيهِمْ آدَمَ ، وَلَكِنَّهُمْ بِقُوَّةِ الْإِيمَانِ وَمَعْرِفَةِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَالْخَوْفِ مِنْهُ وَالرَّجَاءِ فِيهِ وَالْحُبِّ لَهُ ، يُرَجِّحُونَ الطَّاعَةَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ بِمَلَكَةٍ رَاسِخَةٍ فِيهِمْ ، يَعْصِمُهُمُ اللَّهُ
[ ص: 176 ] - تَعَالَى - بِهِمْ مِنَ الْخَطَأِ فِي التَّبْلِيغِ ، وَمِنَ الْكِتْمَانِ لِشَيْءٍ مِمَّا أُمِرُوا بِهِ مِنْهُ ، وَمِنْ مُخَالَفَتِهِ ، وَمِنَ الرَّذَائِلِ وَالْمَعَاصِي الْمُنَافِيَةِ لِلرِّسَالَةِ ، الْمُبْطِلَةِ لِلْحُجَّةِ ، دُونَ الْخَطَأِ فِي الِاجْتِهَادِ وَالرَّأْيِ ، الَّذِي لَا يُخَالِفُ نَصَّ الْوَحْيِ ، فَإِذَا وَقَعَ مِنْهُمْ بِهَذَا الِاجْتِهَادِ مَا كَانَ الْخَيْرُ وَالْكَمَالُ لَهُمْ فِي عِلْمِ اللَّهِ خِلَافُهُ بَيَّنَهُ اللَّهُ لَهُمْ تَعْلِيمًا ، وَعَلَّمَهُمْ مَا هُوَ الْأَلْيَقُ بِهِمْ تَرْبِيَةً وَتَكْمِيلًا ، وَمِنْهُ اجْتِهَادُ
نُوحٍ الَّذِي رَجَّحَ لَهُ بِالْحَنَانِ الْأَبَوِيِّ جَوَازَ دُخُولِ ابْنِهِ الْكَافِرِ فِيمَنْ وَعَدَهُ اللَّهُ بِنَجَاتِهِمْ كَمَا بَيَّنَاهُ فِي مَوْضِعِهِ ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ سُؤَالَهُ رَبَّهُ مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ قَطْعِيٌّ مَمْنُوعٌ إِلَّا بَعْدَ أَنْ سَأَلَهُ نَجَاةَ وَلَدِهِ فَأَجَابَهُ بِهَذِهِ الْمَوْعِظَةِ ، وَقَدْ فَصَّلْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي تَفْسِيرِ أَخْذِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْفِدَاءَ مِنْ
أَسْرَى بَدْرٍ مِنْ سُورَةِ الْأَنْفَالِ ( 8 : 67 ) وَتَفْسِيرِ عِتَابِهِ عَلَى الْإِذْنِ لِبَعْضِ الْمُنَافِقِينَ فِي التَّخَلُّفِ عَنْ غَزْوَةِ
تَبُوكَ وَالْعَفْوِ عَنْهُ مِنْ سُورَةِ التَّوْبَةِ ( 9 : 43 ) .